تتعدد الأماكن، بحسب الرؤى السردية .. ليس فقط بتنوع تلك الأماكن فيزيقيا، بل قد يصبح المكان في الرواية ذا دلالة خاصة، توجزه وتضيف إليه. ففي السرد الروائي المتعلق بأحداث 25يناير 2011م، يفترض الباحث أهمية "ميدان التحرير" كمكان للعمل الابداعى الروائي حول الثورة، ما سوف نختبره، والبحث عن دلالاته، وكيفية توظيف الروائي له. ترجع أهمية "ميدان التحرير" الآن ٳلى اﻹرتباط بأحداث فترة حتما سوف يذكرها التاريخ، وهو ما رصدته بعض الأعمال الروائية. وٳن تلاحظ أن بعض الروايات كتبت ونشرت قبل الأحداث أو بعدها، جعلت من "ميدان التحرير" المكان الذي يعبر عن بؤرة الرؤية السردية، وهو بالتالي ما جعل المكان زاخرا بأنماط من الشخصيات.
حول دلالة المكان
يعتبر الفضاء المكاني في العمل الابداعي (الرواية) من أهم العناصر الفنية، إذ يكفي تحديد المكان، فتتسع رؤية وخيال القارئ لاستقبال أنماط الشخصية، ورؤية الأحداث، والكثير من التفاصيل التي تكسب العمل مصداقيته، إلى حد الشعور بالانتماء والتعاطف أو بالاغتراب. يقسم المكان إلى (مكان هندسي، أو مجازى، أو معاش، أو معادى) ومنهم من رفض التقسيم أصلا من حيث كونه تخيليا (البلهيد، حمد/ جماليات المكان في الرواية السعودية- دار الكفاح 2007) فيما قال بعض النقاد (حسن بحراوي) : "إن الوضع المكاني في الرواية يمكنه أن يصبح محدداً أساسياً للمادة الحكائية ولتلاحق الأحداث والحوافز، أي إنه سيتحول في النهاية إلى مكوّن روائي جوهري ويحدث قطيعة مع مفهومه كديكور" (ص 33).
هكذا يدخل المكان في الرواية عنصراً فاعلاً في تطورها، وبنائها، وفي طبيعة الشخصيات التي تتفاعل معه، وفي علاقات بعضها يبعضها الآخر. وٳن يرى التفريق بين "المكان" و"الفضاء المكاني" الذي يضم ويشمل كل جزئية مكانية في القصة (أو الرواية)، يقول: "يمكننا النظر إلى المكان بوصفه شبكة من العلاقات والرؤية ووجهات النظر التي تتضامن مع بعضها لتشييد الفضاء الروائي، فالمكان يكون منظماً بنفس الدقة التي نظمت فيها العناصر الأخرى في الرواية، لذلك فهو يؤثر في بعضها، ويقوّى من نفوذها، كما يعبر عن مقاصد المؤلف" (ص 32) (بحراوى، حسن، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، 1990)
بينما أشار "غالب هلسا" إلى المكان بوصفه تجربة تحمل معاناة الشخصيات وأفكارها ورؤيتها للمكان، وتثير خيال المتلقي فيستحضره بوصفه مكاناً خاصاً متميزاً. (ص9) (هلسا، غالب. المكان فى الرواية العربية، دار ابن هانئ، دمشق، 1989) وهناك من الرسائل الجامعية ما جعلت من "المكان" جوهر بحثها ومسعى الباحث (رسالة إجازة درجة الدكتوراه للباحث مصطفى الضبع، وغيره) "إستراتيجية المكان- مصطفى الضبع- كتابات نقدية-العدد79". كما نرى أن "للمكان" في إبداع تجربة الثورة فى أدب المقاومة (الرواية) دوره الفاعل في تشكيل العمل. والذي يتسم بالتأثير التبادلي، أي تأثير المكان على الأحداث والشخصية، وتأثير الشخصية على المكان، وهو ما سوف نرصده لاحقا.
لقد خلصت الرؤى إلى أن المكان قد يتبدى عنصرا مؤسسا للعمل السردي، ويعتبر من أسس إنتاج الدلالة قبل وأثناء وبعد صياغة النص. فيما تبدو خصائص المكان من خلال البعد الجغرافي له.. ثم البعد النفسي من خلال إبراز علاقة الإنسان بالمكان.. والبعد الهندسي من خلال كشف أبعاد المكان الروائي وتوصيفه.. والبعد الفيزيائي وهو ما يبرزه الروائي من خلال التشكيل البصري.. وكذلك البعد التاريخي الذي هو البعد التاريخي والاني للشخصيات.. وليس ببعيد توظيف البعض بإبراز البعد العجائبى للمكان من أجل تحقيق الدهشة والتشويق .. وربما أخيرا البعد الشائع خصوصا بعد أعمال نجيب محفوظ وهو البعد الاجتماعي.
حول دلالة الثورة:
الثورة هي: "عمل يتسم بالعنف، جماعي، موجه ضد السلطة القائمة، من أجل أهداف مشروعة، وهي ظاهرة فاعلة ومؤثرة في التاريخ السياسي للجماعات البشرية". "هي ظاهرة إنسانية، أزلية/ أبدية، رصدتها صفحات التاريخ، ولا ينتظر أن تختفي". "هي التعبير عن العنيف الظاهر، نتيجة الصراع الخفي، بين جموع الأفراد والسلطة/ الإدارة القائمة عليها". "هي الإفراز الطبيعي نتيجة شعور غالبية أفراد الجماعات بعدد من الظواهر السلبية، بما يتصل منها بالعيش حياة كريمة (على وجهيها المادي والمعنوي).. "هي فى النهاية (سياسيا) تغيير الوضع الراهن – سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ- باندفاع حركة عدم الرضا، والتطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب. وهو ما قننه "أرسطو" على شكلين من الثورات في سياقات سياسية: التغيير الكامل من دستور لآخر .. أو التعديل على دستور موجود".
الثورة قادرة على إبراز الطاقات الكامنة للأفراد، وبقدر توجيه وتوظيف تلك الطاقات، تحقق الثورة أهدافها. تهدف دوما إلى إسقاط وإبعاد السلطة القائمة، ليحل محلها سلطة أخرى مرضى عليها. وبعد نجاحها في إسقاط السلطة، إما تحمل صفة (السلمية) أو (الدموية)، وهو ما يقدر بالنظر إلى مجموع من يقتل/ يستشهد من الأفراد، بالإضافة إلى جملة الخسائر المادية الأخرى (المتوقعة). الثورة في دلالاتها الايجابية هي مجموعة من الخطوات المتسارعة لتحقيق تغيرات اقتصادية، سياسية، اجتماعية. ومرآة هذه المنجزات ووسيلتها هي التغيرات الثقافية (قبل وأثناء وبعد) الإجراءات والخطوات الثورية.
التعريف التقليدي للثورة:
(وضع مع مولد الثورة الفرنسية) الثورة هي قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة.. وقد حدد المفكر "ماركس" تلك النخب والطلائع من طبقة "البروليتاريا" أو الطبقة العاملة التي راجت مع الثورة الصناعية.
التعريف الحديث للثورة:
الثورة هي التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته، مثل "القوات المسلحة" أو "المنظمات والتجمعات الشعبية مثل النقابات".. وقد تندلع الثورة من خلال قادة وشخصيات، غالبا تتبنى فكرا جديدا، مثل "غاندي". وقد تبنت العقلية الجمعية الآن، نظرا لمعطيات وسائل الإعلام والاتصال الحديثة المفهوم العام، أن الثورة هي: الخروج على الحاكم والسلطة، أو الانتفاضة ضد الحكم الظالم. (من غير تلك الشخصية التي تمثل رأس الحكمة. وهى من أهم ملامح ثورة 25 يناير2011م، لذا تعد منجز أنساني مميز في تاريخ الثورات)
خصائص الثائر:
الثائر.. شخصية تتسم بالايجابية والتفاعلية، لدية ما يبرر به سلوكه الرافض، مع الشعور الكامن لديه من الإحباط بسبب تراكم المشاكل، والشعور بالغضب لعدم حل تلك المشاكل. وغالبا ما يكون هذا الإحباط والغضب شائعا بين أفراد الجماعة من حوله. فالخروج للثورة وان بدا سلوكا فرديا، فهو معضد من الجماعة حتما، وإلا فشلت الثورة. لذا كان ارتباط مصطلح الثورة، بدلالة مقولة "الإرادة الشعبية". والغضب يبدأ فرديا من شعور الفرد بالظلم والقهر والحرمان من حاجاته الأساسية. ثم يتطور إلى غضب فئوي أو طائفي. ثم يتطور إلى غضب جمعي ثائر يتوجه بدافع البحث عن حلول لتوفير الاحتياجات المسلوبة من عيش وحرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية.
وفى الغضب الجمعي الثائر يتجمع الناس ويتوحدون، وتظهر صفة المشاركة الجمعية فى الحشود الثائرة. وهو ما يفرز العديد من الصفات والحالات النفسية، للفرد والجماعة المشاركة.. حيث تقل درجة "الخوف" أو تكاد تنعدم. وتزيد حدة "الغضب" إلى حد أن توصف بالغضب العنيف. ويرتفع مستوى "الشجاعة" إلى حد أن توصف ب"الجسارة". فتنقلب موازين القوى في صالح الغضب الشعبي الثائر والهادر، في المقابل وعلى النقيض يبدأ الغضب السلطوي الجائر في الانكسار، حتى تتحلل القوى السلطوية المهيمنة، لينتهي الأمر بنهاية مأسوية لرجال السلطة، والنظام. ينتصر الثائر في النهاية، لأنه يسير وفقا لقانون الحتمية التاريخية للتطور.
حول أدب الثورة؟
(حيث هو من أفرع أدب المقاومة) "الصراع" هو سمة حياة الإنسان على الأرض طوال التاريخ، فتاريخ مقاومة الإنسان (الحروب والثورات) هو القادر على كشف الحقائق، وسر صراع الشعوب من أجل حياة أفضل، إلا أن هذا التاريخ لم يسجل بعد! حرص الحكام قديما على تاريخهم الشخصي وحفروه على جدران المعابد ونقشوا أسماءهم على كل ما أمكنهم أن يسجلوا عليه من صخور وفخار وجلود وغيرها. إن تاريخ الثورات يكاد أن يناهز عمر الإنسان على الأرض، في كل الحضارات القديمة (المصرية واليونانية والعربية وحتى خلال العصور الوسطى والحديثة والمعاصرة) ولا يبدو زوال أسباب الثورات أو الصراع بكل الأشكال في المستقبل!
إن الفنون التي ابتدعها الإنسان والجماعات والشعوب، ما كانت إلا لبث روح المقاومة في صراعه مع القوى الأخرى التي تهدده وتعرض كيانه للخطر. وما أصدق من التراث الشفهي للشعوب سجلا لتلك الوقفات الهامة في تاريخها. ولولا الحاجة الفطرية، التي يستشعرها الإنسان في حياته اليومية ما بقيت حتى اليوم. إن تجربة الصراع من أجل حياة أفضل أو تجربة الثورة في هذا الإطار معقدة، فهي منبه غير تقليدي. لا هي أحادية ولا هي بسيطة، مع ذلك لا تكتسب دلالتها إلا بوجود دوافع داخلية، مثل دوافع القيم العامة للمجتمعات، ودوافع الانضباط والخضوع لأوامر الجماعة. وقد يلجأ إلى "الخيال"، تلك القوة السحرية القادرة على إنجاز الفن أو الأدب. إن الفنون والأدب في جوهرها وسيلة للخلاص الفردي، والجماعي أيضا. (ميخائيل، يوسف- سيكولوجية الإبداع في الفن والأدب–هيئة الكتاب 1986)
ملامح المكان في السرد المعبر عن الثورات:
إذا كان "المكان" هو حيز الحبكة المادية للأشخاص بواسطة اللغة من خلال تواجد الأشياء عموما. فهو فى العمل الأدبي موقع الأحداث ذات الدلالة النفسية والاجتماعية والسياسية .. الخ. حيث أنه على علاقة جدلية مع تلك الشخصيات والأشياء، فتارة يسقط مدلولاته الخاصة عليها، وتارة تسقطها الأحداث عليه. السؤال دوما: ماذا حدث؟ أين حدث؟ وبالتالي تتعدد مدلولات الحدث بتعدد المكان. ويعد المكان بالتالي هو البعد الظاهر والخفي في العمل الإبداعي، حيث أن إبرازه والبحث فى ثناياه يضفى معان مضافة (زمنية وفلسفية وقيمية ما). لذا يعد المكان من عناصر تجسيد الأفكار والرؤى لدى الروائي، من خلال صراع المرء بينه ونفسه، وبينه وبين الآخر، وحتى بينه وبين الأشياء.
كما قد تحيلنا التجربة إلى أماكن بذاتها، وقد لا توجد إلا من خلالها، وغالبا ما يكون لها مدلولاتها الخاصة.. (لعل البعد الكاشف فى دلالة المكان بين العمل الإبداعي المعبر عن الثورة. أنه غالبا من الأماكن المعتادة إلا أنها تبدو مع الأحداث على غير طبيعتها السيمترية والفيزيائية المعتادة. كما الحال لـ"ميدان التحرير" مع ثورة 25يناير).
الرواية المعبرة عن أحداث25يناير:
تبقى الرواية كجنس أدبي تحمل عبء المرحلة التاريخية للشعوب، عوضا عن الأساطير والملاحم قديما. ولأنها كذلك، ولكونها تحتاج إلى الزمن الأطول والتأمل الأعمق، تأتى دوما بعد الشعر والقصة القصيرة. وهو ما يفسر قلة أعداد الروايات التي كتبت بعد انقضاء سنة ونصف السنة منذ بداية الثورة. ويمكن تقسيم تلك الروايات على قلة عددها على أساس أن أدب الثورة ضمن "أدب المقاومة"، وبالتالي ينظر إلى المنتج الروائي على ثلاثة أحوال: ما قبل الحدث (اندلاع الثورة) .. ثم أثناء الحدث .. ثم روايات ما بعد الحدث (وهو المنتج الروائي بعد مرور سنوات، عندما تهدأ فيها المشاعر، وتختمر الأفكار، وتتضح النتائج، وينضج العمل الفني)
وقد تجلت الرواية الآن على مرحلتين: تلك الروايات التي يمكن أن توصف بالروايات التي تنبأت بالثورة، وهى التي نشرت قبل اندلاع أحداث الثورة في ميدان التحرير، أو بدأ الروائي عمله قبلها وضمن الفعل الثوري فى الخاتمة. ثم تلك التي كتبت أثناء أحداث الثورة حتى الآن.
المكان "ميدان التحرير" مع الرؤى السردية فى تجربة الثورة:
شاركت الرواية مع أنواع إبداعات الثورة، وبدت بالنظر إلى زمن الكتابة والنشر، على صورتين من زاوية رؤية "ميدان التحرير":
أولا : زاوية التنبؤ بالثورة .. تلك الأعمال الروائية التي كتبت ونشرت قبل اندلاع الثورة، أو تلك التي بدأ الروائي فى كتابتها قبل الثورة وانتهى منها بعدها، وربما أضاف إليها الحدث (الثورة) بداعي الرصد والتسجيل .. وهى أيضا تلك الروايات التي تتسم غالبا بعدم رصد أحداث الثورة تفصيلا، غالبا ما ترصد أسباب الثورة. نشير إلى نماذج منها:
الرواية: "أجنحة الحمامة"، الروائي: "محمد سلماوى"
كتبت تلك الرواية ونشرت قبل ثورة 25يناير، واللافت أن يكون "ميدان التحرير" مسرحا لأحداث تماثل ما حدث أثناء الأيام الأولى للثورة. طوال فصول الرواية كان التمهيد للفصل رقم30، حيث بدأت المظاهرات! عبرت مجمل أحداث الرواية قبل هذا الفصل عن الفساد الحزبي، وصور المعاناة اليومية للأفراد. ومن المشاهد اللافتة التعبير عن موقف قادة القوات المسلحة من المظاهرات، يقول القائد: "أنا لست سعيدا بما يحدث الآن في البلاد من فوضى، لكنني لن أسمح طوال وجودي في هذا المنصب بأن يستخدم الجيش في أي صراع سياسي".
بالإضافة إلى بيان ائتلاف القوى السياسية أثناء المظاهرات: "إن شعب مصر قد فاض به الكيل، وأنه يرفض بجميع فئاته التعامل مع الحزب الحاكم الذي خرب الحياة السياسية بإصدار قوانين استثنائية مكنته من إحكام قبضته على البلاد طوال العقود الماضية". "إنه قد آن الأوان لأن ينتفض الشعب كي يزيح عن كاهله هذا الحكم الفاسد المستبد الجاثم على أنفاسه"
كما ترددت الشعارات بين جنبات الميدان:
"موش حا نخاف موش حا نطاطي .. خلاص كرهنا الصوت الواطي"، "غير غير الدستور .. قبل ما نكشف المستور"، "شفتوا حكومة الحريات .. انتهكت عرض البنات"، "يا دبورة ونسر وكاب .. ليه بتحبس الشباب"، "خايفين م الكلمة الحرة ليه؟ بعتوا بلدنا بكام جنيه"، "بلادي بلادي .. موش لاقي قوت ولادي". وهي تقارب ما تردد بميدان التحرير فيما بعد.
حتى أن الروائي تنبأ بوسيلة الاتصال عن طريق شبكة الانترنت، بعد سيطرة الحكومة على وسائل الاتصال. ولعل هذا ما نجد تفسيره في قصيدة محمود درويش "أثر الفراشة" الذي يقتطف محمد سلماوي بعض سطورها ليفتتح بها روايته التنبؤية "أجنحة الفراشة"، يقول درويش:
"أثرُ الفراشةِ لا يُرى
أثرُ الفراشةِ لا يزولْ
هو جاذبيةُ غامضٍ
يستدرجُ المعنَى ويرحَل
حين يتضحُ السبيلْ
هو خفَّة الأبديِّ في اليوميِّ
أشواقٌ إلى أعلى
وإشراقٌ جميلْ
هو شامةٌ في الضوءِ تومئ
حين يُرشدُنا إلى الكلماتِ
باطِنُنا الدليل".
وقد بدأت الرواية بشخصية "ضحى" حيث تعطلت أو توقفت سيارتها بالقرب من ميدان التحرير، بينما بدايات الثورة والمظاهرات، فتتصل بزوجها ليأمر أحد الضباط لمساعدتها بالمرور حتى تستطيع الوصول إلى المطار قبل إقلاع الطائرة، ما حدث أن بقيت هكذا حتى سقوط الحكومة، وسقوط الحزب الحاكم والإفراج عنها، واستعداد البلاد لانتخابات نزيهة لأول مرة منذ سنوات طويلة، ووضع دستور جديد للبلاد! .. (هذه الرواية أبرزت ميدان "التحرير" وتوقعت ٳندلاع الثورة منه)
الرواية: "الملائكة تصعد أيضا إلى الطابق الثالث"، الروائي: شريف مليكه
"قص الرجل علىّ قصة حياته .. عند صباح كل يوم .. كان يحكى باستفاضة، بل وبلا خجل أو مواربة ويتلهف بتلهف ملحوظ ورغبة في الحديث كأنه ظمآن للكلام والونس. لم يقطع استرساله سوى ميعاد حظر التجوال الذي فرضه المجلس العسكري والذي بات يحكم البلاد بعد الثورة." (الصفحة الاخيره 248( تبدأ الرواية بالحكى المتلهف إلى الحياة، الحياة التي يرسمها ويتمناها "أمير" مع حبيبته "رينا". ولا يتوقف إلا عندما مضى اليوم بطوله وقد انتبه إلى ميعاد حظر التجول بعد أيام قليلة من بداية ثورة 25يناير، ولننتبه نحن القراء إلى أن الذي أصدر القرار هو "المجلس العسكري" حاكم البلاد بعد سقوط أو تنحى "حسنى مبارك".
كما ننتبه إلى أن الروائي بلغ نهاية الحكى فى الصفحة الأخيرة رقم 248.
عنوان الفصل الأول: "عندما زارته للمرة الأولى بعد عودته" (البطل هو "أمير" فنان تشكيلي) وهو عنوان لافت. ففي الطابق الثالث يعيش الفنان التشكيلي (المهاجر إلى أمريكا، القبطي)، حيث استقبل الحبيبة، ومعها استرد المهاجر روحه وأحلامه. وان توالت زيارات "رينا" بالشقة وعند شاطئ البحر وفوق طريق الكورنيش وفى مواجهته وهو جالس بمطعم يتناول وجباته. دائما ما كانت تحيط بها الحمامات البيضاء الاليفه التي تقفز باطمئنان إلى راحتها، وتقبع مستسلمة في حضنها، وفوق حجرها وبجانب عنقها المرمري الناعم، ولاحقته معضلة تفريقها في كل مره بين الضياء المرسومة فوق أرضية حجرته وعلى الصخور وفى كل موضع وبين الظلال المحيطة.
"بمضي الأيام، وقد خفقت تدريجيا الحرارة مع وصول الخريف، وقل الازدحام في الشوارع. لم يكن خريفا كالذي عهده في نيويورك ولكنه تغيير طفيف يمكن أن يمر بدون أن تلحظه، أو حتى بحلوله وانصرافه حينما يبدأ من بعده فصل الشتاء البارد الممطر الذي كان يعشقه حقا" كانت هذه الكلمات الجميلة التي تصور زيارات رينا. بزيارات الحبيبة أدركنا معنى الملاك المعنون به الرواية، ومعنى عنوان: "حينما زارته للمرة الأولى بعد عودته".
فى المقابل يسرد الروائي عن الوجه الأخر للحياة، بداية من كارثة القرن (كما يسميها) .. ألا وهى انفجار برجي التجارة في نيويورك. ولا تنتهي الكوارث إلى مع أحداث جريمة أخرى بشعة حدثت في الإسكندرية وفى سيدي بشر وفى اللحظات الأخيرة من عام 2010 وذلك بانفجار في كنيسة القديسين، يقول (ص228(: عندما وصل إلى كنيسة "القديسين" بـ"سيدي بشر" وجدها تموج بالمصلين، وقف في المساحة الخلفية بين صحن الكنيسة والبوابة الخارجية. وتابع الطقوس، وهو يشم رائحة البخور ويسمع أصوات التراتيل المبهجة. كان على أعتاب العام الجديد: قدوس .. قدوس.. قدوس.. رب الصباؤت (رب الجنود) .. السماء والأرض مملؤتان من مجدك".
وفجأة، سمع صوت الانفجار، مع تلك الإحداث مجتمعة، ختم روايته يقول الراوي: "كم كنت أود أن احكي لك أحداث هذه الثورة الرائعة. التي جاءت لتؤكد لوحة الحلم كم كنت أود أن أصور هذا الشباب المصري الثائر، بل هذا الشعب العظيم الذي ثار ضد هذا الظلم الذي استمر ثلاثين عاما أو ربما أكثر بعد صبر .. صبر طويل وكم هو صادق الضمير الشعبي وهو يردد فى موال من مواويله: "الصبر يا مبتلى جعلوه للفرج مفتاح." واختتم هذه المحاولة وهو يردد مع الشعب المصري الثائر: تغيير .. حرية .. عدالة اجتماعية. تغيير .. حرية.. عدالة اجتماعية". (هذه الرواية لم تشر إلى ميدان التحرير، وان توقعت اندلاع الثورة، وأشارت إلى بداياتها)
الرواية: تاج الهدهد، الكاتب: ناصر عراق:
"معتز مختار" صحفي شاب، يمثل جيل شباب الثورة والشاهد عليها بل ومن صانعيها ايضا. يعشق تربية الحيوانات والطيور، مثلما يعشق الحرية ومحاربة الفساد وسلبيات نظام "حسنى مبارك". وربما عشقه للزميلة المتحررة فى أفكارها ورؤاها "نشوى" هو النموذج الذي يجسد أفكاره ورؤاه فى الحرية. لكنه عشق السحاب، وحب من طرف واحد، فقد كانت نشوى حبيبة صديقه "أدهم"! لتمضى به الأيام محترق القلب والمشاعر، فزاد من اهتمامه وحبه للطيور والحيوانات، يبثها همومه ومشاعره وحبه. فى إطار تلك الثيمة الرومانسية الرمزية، قدم الروائي رصيدا كبيرا من مظاهر الفساد، وعرض لجملة السلبيات السياسية والاجتماعية بالتالي. وهو ما عبر عنه من خلال علاقة خاصة (رمزية) بينه وبين الهدهد. حدث أن انشغل عن الهدهد مضطرا. وكلما زادت حسرته على الحبيبة التي شاركته الفعل الثوري بل وأنقذت حياته، لكنها هي هي، حبيبة صديقه. ينشغل "معتز" وقلبه معلقا بالهدهد الجريح ومتحسرا على حبيبته. وليس لسبب يبرر ذلك، إلا لأنه ذهب إلى ميدان التحرير، مشاركا لأفراد الشباب من جيله في اندلاع الثورة الوليدة.
ترصد الرواية أجواء القاهرة سياسيًا واجتماعيًا، خلال الفترة السابقة على اندلاع ثورة 25 يناير 2011م مباشرة، لنرى في النهاية "معتز" بطل الرواية، بما يمثله في جيل كامل من الشباب (صناع الثورة) موجودًا ومتفاعلا مع الملايين، ومشاركا في مظاهرات ميدان التحرير، وقد تحقق ما كان يدعو اليه ويتمناه. فيبكى "معتز" ضمن معطيات التفاعل بالميدان، يبكي على طائره المحبب إلى نفسه، أو على هدهده الجريح، ويتحسر على حبيبته ومستسلمًا لأوامر زميلته التي أحبته بقوة، إلى حد أنها فعلت ما في كل طاقتها لإنقاذه من حادثة كانت كفيلة بقتله وموته، وأنقذت حياته من الهلاك.. وعلى القارئ الربط بين معتز وحبيبته والطائر الجريح ومصر! (هذه الرواية أشارت إلى ميدان التحرير، ورصدت بداية الثورة).
الرواية: «إستربتيز» الروائي: "مختار عيسى"
لم تقدم الرواية مشاهد اندلاع الثورة، ولم يدع الروائي أنه يكتب سفر النبؤة، بينما تعمد إبراز بعض المحاور التي تكفى لاندلاع الثورة. فساد سياسي تمثله الشخصية البرلمانية التي تستولي على الأراضي باستغلال الثغرات القانونية والرشوة. الموساد الإسرائيلي الذي استطاع أن يجند بعض الشخصيات المصرية من وزراء ورجال أعمال وحزبيين وكتاب صحفيين ومثقفين تحت دعاوى التطبيع. بل وصورة من الفساد السياسي العربي، الذي يمثل ذلك الثرى رجل الأعمال، الشاذ في علاقاته ومشاهداته الجنسية. في مقابل إعلاء شأن بعض السياسيين العرب، مثل: "حسن نصر الله" رئيس حزب الله. كما كان محور التعامل مع العدو الإسرائيلي صورة أخرى من تلك التي يقدمها الروائي، وهو ما تمثل في التعامل الخفي والظاهر لبعض الشخصيات السياسية معهم تحت مظلة التطبيع.
ونظرا لخبرة حياتية خاصة تناول الروائي أحداث المعبد اليهودي فى مدينة المحلة الكبرى "المعبد اليهودي الأستاذ". لم يكتف الروائي بتعرية تلك النماذج فقط، بل عرج إلى التعامل مع الحياة اليومية للإنسان المصري وتعامل الشرطة معه. كما يوجد النموذج الشرطي الشريف مثل المقدم بمباحث امن الدولة الذي قرر أن يواجه إحدى الأميرات العربيات بما تمارسه من رذيلة وفساد في احد الفنادق المطلة على ميدان التحرير. ليأتي عنوان الرواية فى النهاية معبرا عن مضمونها الذي يعرى الواقع المعاش والكشف عن الغامض والمسكوت عنه، وهى مرحلة الكشف التي تسبق الثورات دوما. (هذه الرواية لم تشر إلى ميدان التحرير، وان أبرزت بعض من أسبابها).
الرواية: "هيلتون" الروائي: سامي كمال الدين:
رصدت الرواية أحداث ثورة 25 يناير وسقوط النظام قبل اندلاع الثورة بعام! حيث أبرز الروائي نماذج من فساد بعض رجال الأعمال، وقد لا يخطئ القارئ نماذج مثل (أحمد عز وممدوح إسماعيل). وقد أوجز الروائي رؤيته في فقرة ختامية (الفصل28): "نظر الرئيس من شرفة بيته فرأى دخانا ًيتصاعد بقوة من ميدان عبدالمنعم رياض، ظنَّ أن مصر تشتعل بثورة شعبية فأوصد باب غرفته عليه وصمت". ذلك بعد أن أبرز الروائي وصف انتفاضة جموع الشعب والهجوم على أماكن هي مراكز رموز الفساد: مقر الحزب الوطني، القصر الجمهوري، والقصور الخاصة بمسئولي الحزب! (هذه الرواية أشارت إلى أبنية ومواقع بميدان التحرير، وأبرزت بداية الثورة منها).
ملامح عامة للمكان بالروايات التنبؤية:
تعدد الأمكنة بما يتلاءم مع زمان ورؤية الروائي السردية .. غلبة المكان المعبر عن الفساد بكونه يؤدى هذا الفساد أو يشجع عليه: أقسام الشرطة- غرف مكاتب أمن الدولة- غرف مكاتب رجال السياسة- غرز وأوكار المجرمين والمخدرات- وغيرها .. شكل وجود "ميدان التحرير" وجودا رمزيا، بدلالاته التي اكتسبها ببعض الروايات، دون الخوض فى تفاصيل ما تم على الأرض .. لعل رواية "أجنحة الفراشة" الرواية الأكثر تعبيرا عن فكرة النبؤه بالثورة، وجعلت من ميدان التحرير مسرحا لانطلاقاتها بكثير من التفاصيل، والتي تبدو مشابهة لما حدث فيما بعد باندلاع الثورة فى الميدان.
ثانيا: الروايات التي كتبت بعد الثورة وجعلت من ميدان التحرير بؤرة الأحداث..
الرواية: "أشياء عادية فى الميدان" الروائي: السيد نجم
تبدأ الرواية بفصلها الأخير، حيث بداية صباح يوم جديد لـ"سرى"، بعد أن أمضى عدة أيام بميدان التحرير. ذهب من باب الفضول، فلا سنين عمره ولا هو على استعداد لأن يقوم بتلك المغامرة .. لكنه ذهب من باب الفضول، بعد أن تذكر أيام شبابه ومشاركته مظاهرات طلبة الجامعة في السبعينيات من القرن الماضي، كما لا تنقصه الجرأة بعد أن كان من أبطال حرب اكتوبر73. وكان الفصل الأول مع تمرده غير المعتاد لأن يذهب إلى المصلحة الحكومية، وهو أحد المديرين الناشطين بها، وقد شعر بالملل والقلق بسبب ارتباك حركة المرور فى الشوارع، وحوارات الموظفين حول ما تنقله الأخبار عن مظاهرات ما في ميدان التحرير! لم يمض ساعة بمقهى انفتريون ليحتسي القهوة التي يعشقها في هذا المكان، حتى كشف له "مهدي" –كافتيرى المقهى وقد انقطع عن عمله وشارك في المظاهرات- ما لم يسمعه، ولم يكن يتابعه حول الأحداث الدائرة هناك. له موقف أعلنه منذ سنوات بعيده: ألا يقرأ جريدة ولا يتابع خبرا على شاشة التليفزيون أو الإذاعة، لسبب بات على يقين بصحته .. لأن أنور السادات لم يستشره في أمر التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد! وخاض التجربة وعزم على قضاء بضع ساعات هناك، لكن ما حدث بالضبط انه التحق بفريق العمل بخيمة الإسعاف، صحيح هو ليس بطبيب لكن له خبرته الخاصة جدا في أعمال الإسعاف، مارسها مجندا أثناء الحرب، ولم يتردد في أن يبدأ المشاركة فورا!ّ
فى ميدان التحرير كانت أغلب الأحداث والحوارات والمشاهد .. نعرف على الشعارات: "عيش.. حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية" "لا توريث ولا ملكية" "مش هنخاف.. مش هنخاف.. صوتنا العالي يهد جبال" "مش ساكتين.. مش ساكتين.. إحنا خرجنا ومش راجعين" "عللي، وعللي، وعللي الصوت .. واللي ح يهتف مش ح يموت" وخاض تجربة مواجهة القنابل المسيلة للدموع التي تلقيها الجنود كلما بدت تجمعات المتظاهرين أشد تماسكا: "داخل بهو العمارة الضيق، اكتشفت أن كثيرين سبقونا، احتموا بالبهو وبسلالم العمارة .. يصيحون ويتأوهون ويعطسون ويطلقون كحة جافة حادة الصوت ويتمخضون، أحدهم ارتكن في زاوية غير بعيده يتبول، ولم تنجح معهم نصائح أصحاب الخبرة يقولون: "لا تحكون عيونكم بأيديكم .. أغمضوها فقط" .. كما بدا وكأنه يتعرف على بعض أسباب الثورة التي بانت له جلية: "مللت بقائي في خيمة الإسعاف أو مستشفى الميدان، بجوار مسجد "عمر مكرم".. هل يحق لي أن أشعر بالملل هنا؟ وما يضطرني أصلا أن أتواجد وسط هؤلاء الشباب المتهور، المندفع اندفاع الوحوش؟
منهم من يعترض على الدنيا كلها لأنه لا يجد عملا، منهم من يستبق، وهو ما زال يدرس، ويتوقع أن يحدث معه ما يسمع عنه ويراه! منهم من كان يعمل، وأجبروه على تقديم استمارة "معاش مبكر".. لم يبلغ الأربعين من عمره بعد، يعول أسرة من خمسة أفراد،" .. بل وبدأ التعرف على مطالب المتظاهرين، وشعر بتعاطفه معها، حتى انتهى به الأمر إلى التفاعل الجسدي في مواجهة الشرطة والصياح ضد النظام كما كل الشباب: "تبدأ الطلبات بإعلان حسنى مبارك عدم ترشحه لفترة ثانية، وامتناع نجله جمال مبارك أمين عام لجنة سياسات الحزب الوطني من الترشح للرئاسة، مع حل البرلمان بمجلسيه والمجالس المحلية." .. وفى جزء ختامي يشير الروائي إلى الأوصاف الطبوغرافية لميدان التحرير، والربط بين تاريخ مصر والمباني المشيدة هناك، تلك التي تشكل حدود الميدان.. سواء مبنى وزارة الخارجية في عهد إسماعيل .. أو مسجد عمر مكرم بتاريخه الطويل، أو حتى مبنى الجامعة الأمريكية بدلالة إطلالة المبنى على الأحداث. ثم سجل "سرى" حادثة جعلها خاتمة الرواية:
"فى يوم ثورة 25يناير، وضع الثوار في يدي تمثال الشهيد عبدالمنعم رياض .. علم مصر. فبدا على غير هيئة الغربة التي كان عليها وحيدا في الميدان. وعندما انتهز "البلطجية" فرصة انشغال الثوار بجمعة الإنذار الأخير، شوهوا وجه التمثال .. قبض عليهم الثوار، وأضافوا إلى جوار تاريخ استشهاده في 9مارس 1969م، حيث فاضت روحه على خط النار، وتقدم جنازته جمال عبدالناصر .. أضاف شباب الثوار تاريخ بداية الثورة!"
الرواية: "7 أيام فى التحرير" الروائي: "هشام الخشن"
تناولت الرواية العديد من النماذج البشرية (رواية شخصيات) إلا أنهم جميعا على هدف مشترك واحد هو "ميدان التحرير" مكانا، وأيام الثورة (زمانا). كما يمثلون أغلب أطياف المجتمع المصري: ألإخواني والقبطي، ورجل الأعمال، وعضو الحزب الوطني، والثائر الشاب، ثم طالب كلية الشرطة، وضابط أمن دولة. وفي ميدان التحرير يتفاعل الجميع: الشاب القبطي ينسى خلافه مع الإخواني حول حقوق الأقليات، ويتحدى رغبة والده في عدم الخروج، ويندمج مع جيرانه في الثورة، وان أخبرنا الروائي بعدم رغبته فى الهجرة إلى كندا .. رافضا الابتعاد عن مصر .. ثم "باسم" و"شيرين"، الشابان المتحابان، وان بدا حبهما متفاعلا مع أعمال الإعداد وتنفيذ الثورة .. تحابا فى الثورة. بينما عضو الحزب الوطني عبدالحميد المتزوّج من إلهام عرفيًّا، بمباركة أهلها، حيث تشكو الفقر، وكان أول من فر ليس من ميدان التحرير، بل من مصر كلها! (لعل الروائي يرمز بهذه الفتاة لمصر وقد اقترنت عنوة أو لحاجة بالحزب الوطني).
ونتابع العديد من الشخصيات: "سماحي حليم" المحامي القبطي وأسرته المتدينة. "ماجد" الطبيب المهاجر إلى كندا. و"رامز" الطالب في كلية الحقوق، وينتظر التعيين في النيابة، لكنه لن يناله لأنه قبطي، ومع تصاعد أحداث الثورة، تهرب الأسرة الأم والأب إلى كندا، لكن رامز يصر على البقاء ويهرب من والديه في المطار، عائدًا إلى ميدان التحرير، ثم يظل في الميدان حتى تنحي الرئيس. وشخصية "شريف" طالب كلية الشرطة، الذي تألم بعد أن اكتشف زيف أخيه "عادل" ضابط أمن الدولة الكبير، ومع تشابه الأحداث وتعقدها ينخرط في ميدان التحرير، وبعد موقعة الجمل يتخذ قراره بالاستقالة من الكلية وتحوّيِل أوراقه، للالتحاق بكلية الحقوق. وشخصية "خالد السيد" وزوجته الأميركية "كارول" وطفلاهما. و"خالد" الرجل العصامي بمجهوده وكفاحه حتى صار من رجال السياحة. وتأتي شخصية "عبدالله"، أحد شباب الإخوان الذي أتته التعليمات من قياداته الأعلى بعدم المشاركة، ويقول لـ"باسم" حين دعاه للمشاركة: "البركة فيك وباقي الشباب .. أدعو لك بالتوفيق إن شاء الله"! هكذا تتعدد الشخصيات والأحداث، لا تصنف الرواية بكونها رواية مكان أم رواية شخصيات .. غلب الحدث، وبدت رواية مقاومة، رواية ثورة 25يناير .. فيما برز "ميدان التحرير" مكانا دالا وفاعلا ورمزا.
الرواية: "ما تبقى من بدايات بعيدة"، الروائي: محسن يونس:
كان مجهول الاسم موظفا فى إحدى الإدارات بشارع الشيخ ريحان الموصل إلى ميدان التحرير، وصل متأخرا عن موعد التوقيع صباحا، بينما الحشود إلى جواره في طريقها إلى ميدان التحرير، يهتفون ضد قيادات البلاد .. فقرر أن يكون يومه يوم أجازة ويتابع المسير نحو الميدان. لم يطل مقامه بميدان التحرير، فقد تلقى ضربة على رأسه من أحد الجنود، انهار بعدها، وسقط على الأرض، فقال من شاهده انه أصبح من الشهداء. بينما في شقة فارهه مطلة على الميدان، كان الملياردير "أدهم زمش" يفقد روحه ويموت وهو فى حضن جميلة الجميلات. تلتقي روح الموظف المضروب على أم رأسه، وأرواح "أدهم" وأسلافه .. على رأسهم شخصية مؤسس العائلة "زمش وش القملة".. وتبدأ رحلة السرد حول تاريخ تلك العائلة وتاريخ ثرائها، منذ عصر حكم المماليك بمصر، وما قبله. فتتبدى للقارئ جذور الفساد ومظاهرها المتوارثة، والصراع من أجل حياة أفضل، وهى فى الحقيقة تبدو على التوازي من أسباب ومظاهر الفساد، التي خرجت المظاهرات للتصدي لها، فختم الروائي روايته يقول: "كان هذا المشهد الأخير كله مجازا حدثكم عنه رجل غادر جسده ولم يمت، عقب تلقيه لضربة من عسكري أمن مركزي على مؤخرة رأسه بميدان التحرير .. قال قوله مجازا، فهل تصدقونه؟ لا تصدقوه، لان الواقع بالميدان يحاصر هذا المجاز بلعنته.. فانتبهوا.." ص150 (هذه الرواية أبرزت ميدان التحرير منذ البداية، وان لم تنشغل بأحداث الميدان تفصيلا)
الرواية: 18 يوما سيناريو وحوار: محمد هشام عبية.. ورسوم: حنان الكرارجي:
تعد أول رواية مصورة "جرافيك نوفل" تستوحي أحداثها من تفاصيل ما جرى في ثورة 25 يناير 2011 تمتزج في الرواية الأحداث التسجيلية مع مساحة ما من الخيال الذي قد يتماس لدى كثيرين مع الواقع. استغرق العمل في الرواية المصورة ما يزيد على ستة أشهر من جلسات عمل مشتركة بين المؤلف والرسام والناشرين "يوسف المصري" و"هاني عبد الله"، وكتابة السيناريو والحوار في ثلاث مسودات، ورسم مايزيد على 60 صفحة و150 كادر.
تتلخص الفكرة فى إبراز أربعة نماذج من شباب الثورة .. وطوال الثمانية عشر يوما، بداية من يوم اندلاع الثورة فى 25يناير، وحتى إعلان سقوط رأس النظام .. تتبلور الأحداث وتبرز الأفكار، حتى يبين للقارئ تنوع الدوافع التي ثار من اجلها الشباب. لم يكن ميدان التحرير وحده هو المكان الذي تدور فيه الأحداث، ولكنه كان المكان الأبرز .. وقد وضح إبراز أماكن أخرى مثل القصر الجمهوري حيث يقيم رأس النظام وعائلته، مما كشف عن بعد لم يتم تناولها فى أعمال أخرى مثل وصف الصراعات داخل أسرة الرئيس السابق، والمحيطين به، للتعامل مع التطورات التي أدت في النهاية إلى سقوط النظام بعد نجاح الثورة.
الرواية: "شمس منتصف الليل" الروائية: د.أسماء الطناني:
لعل شمس منتصف الليل هي الرواية الأولى في مصر عن ثورة 25 يناير 2011 التي تدشن أحداث الثورة بشكل إبداعي بعد الثورة، تلك الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك (أكتوبر 1981 – فبراير 2011). تاريخ الطبعة الأولى للرواية هو 23 مارس 2011 تاريخ الطبعة الثانية للرواية هو 27 أبريل 2011م. وبالرواية معلومات موثقة عن ثورة 25 يناير يوم بيوم وبها معلومات عن مصر وتاريخها، وبها خط درامي لعلاقة الحاكم بالشعب خلال العقود الأخيرة بمصر.
تابع ثانيا: الروايات التي جعلت من ميدان التحرير بؤرة أحداثها وبرؤية مستقبلية.. وهي . تلك الروايات التي تدعو لثورة جديدة ومن الميدان، أو تنبأت بالثورة بالتحقق مستقبلا وفى . ميدان التحرير أيضا.
الرواية: "موعدنا 25يناير" الروائي: اللجنة الإعلامية لحركة 6ابريل:
إنها أول رواية (اليكترونية) تدعو إلى الذهاب إلى ميدان التحرير ثانية .. إلى التظاهر من جديد، وفى ميعاد اندلاع المظاهرات وبداية الثورة .. ليصبح يوم 25يناير 2013م ميلادا جديدا للثورة. تدور جملة الأحداث حول يوم 25 يناير 2012 المنتظر، كتبها مجموعة شباب في ورشة عمل، ضمن اللجنة الإعلامية لحركة 6ابريل.
تبدأ أحداث الرواية منذ فجر 25 يناير 2012م، وتنتهي ظهيرة اليوم التالي.. حيث يذهب "محمد عبدالستار" إلى الميدان .. ويقول الراوي فى البداية: "أخيرا جاء اليوم المنتظر .. الكل بانتظار حدث جلل .. اليوم سيتجدد عهد الثورة .." ص1 ويبدأ الحديث عن الميدان، بتناول رؤية البعض وخصوصا آراء سائقي سيارة الأجر’، الذي قال: "منكو لله، خربتو البلد"، بينما رفض سائق آخر عشرة جنيهات أجرة، استغلالا لحالة الهرج والمرج في المدينة.
بينما يبدو الحديث عن الميدان رصدا لظواهر تبدو تسجيلية أحيانا، كما هو الحال فى رصد الأغاني التي أنشدها الثوار: "صوبوا رصاصكم عليا، طب وماله ما تروح عينيا، نفسي هي تشوف بدالي تبقى نورى وسط الليالي، وأبقى راضي وكتير عليا، ادبحونى شوهونى قولو زى ما تقولو عنى، طب وما لو أنا مش هاممني، نفسي أبقى فداها كلى هي عندي أهم منى" وتبدأ اللقاءات بين المتظاهرين، وهى فرصة الراوي لرصد المفسدين ومنهم من أشارت إليهم الرواية بأسمائهم الحقيقية، مثل "يوسف والى" الذي يحمل الجنسية الامريكية.
وتتوالى الأحداث التي أعتمد فيها الراوي على رصد أغلب الأحداث التي تمت خلال أحداث يوم 25يناير2011 وما بعده. وهو ما تبدى فى أغلب عناوين الفصول: "البداية- محمد محمود- السور- الميدان- الجندي- هالة- المسيرة- يسقط .. يسقط حكم العسكر- المستشفى الميداني- المدرعة" يلاحظ القارئ قدر ما يراه الراوي ضد أعمال الثورة والثوار، وهو ما يمكن الإشارة إليه فى المواقف التالية: "سيدة تحمل صورة ابنها الشهيد وتبكى- تشويه صورة الثوار وتوصيفهم بالبلطجية- بداية القبض على بعضهم- المحاكمات العسكرية.." بينما يرى الثوار أنهم قصروا فى توعية الناس. ويظل الغناء لمصر بحنجرة الشابة الثورية "هالة" تقول: "ما تيجى يا مصر أغنيلك تنامى الليل على كفى وأزوق في المسا نيلك."
وتنتهي الرواية بالقبض على أحدهم "فادى" إلا أن "عبدالستار" ما زال آملا فيه وفى كل الشباب: "وضع يده على كتف "فادى" وقال له: "أنا واثق فيك يا فادى .. وعارف انك ها ترجع .. هلاقيك فى الميدان واقف بتهتف" ص63 بنهاية مفتوحة على أمل وثقة بشعب مصر العظيم الذي لن يترك شبابه وحيدا في دفاعه عن ثورة مصر وحقها بالعيش، الكرامة، الحرية و العدالة الاجتماعية.
ولاقت الرواية في أيام نشرها الإليكتروني التجريبي الأول إقبالا كبيرا، من القراء، وذلك لواقعيتها الشديدة وأسلوبها الجديد في قربه من تفاصيل الأحداث.
الرواية: 2025 الروائي: مصطفى الحسيني:
تتناول الرواية أحداث ثورة متوقعة عام 2025م، وكأنه نبؤه. اعتمد فيها الروائي على فكرة تشكيل جماعة ثورية تحت اسم "اليانسون". يبرر الروائي تلك التجربة بأنه بدا كتابة روايته مع أحداث الثورة في تونس، وتوقيع مثيلتها بمصر، لكنه نشر روايته قبل اندلاع الثورة بمصر بيومان فقط!
يمكن الإشارة إلى عدد آخر من تلك الروايات التي غلبت عليها الرغبة فى إبراز الأسباب والتنبؤ بالثورة بمعنى ما، وان لم تبرز أحداث الثورة تحديدا: (كما لم يتم تناولها تفصيلا لعدم توافر المادة المناسبة حولها)
الرواية: "أجندة سيد الأهل"، الروائي: أحمد صبري أبو الفتوح:
وفيها حرص الروائي على السرد الاجتماعي لنماذج محددة من المجتمع، وهى التي شكلت ما عرف بفئة "البلطجية" والتي راج دورها أثناء الثورة .. بعد أن أبرز علاقة تلك الفئة ببعض أركان النظام السياسي السابق.
الرواية: "أسفار الفراعين" الروائي: عز الدين شكري فشير:
يجب أن نسجل فى البداية أن الرواية نشرت عام 1999م، ووضحت فكرة الروائي بسقوط هيكل الدولة (بنجاح الثورة بمعنى ما). وقد قدم الروائي فكرته من خلال تسع شخصيات يمثلون أنماط اجتماعية وفكرية ترفض الواقع المعيش الفاسد، مما يضطرهم إلى الرحيل والسفر الدائم.. لكشف مظاهر الخلل والفساد الذي يبرر سقوط الدولة.. حتى وان كانت تلك الدولة خلال فترة مصري القديمة، فالقارئ لن يخطئ المعنى والدلالة.
الرواية: "ضابط برتبة عنكبوت"، الروائي: "إيهاب عصمت":
هذه رواية تبرز تجاوزات بعض أجهزة الشرطة قبل الثورة، وتعتمد على الحكي المباشر الراصد، وهو من مظاهر قمع النظام، وتبرير إسقاطه بثورة شعبية، وهو ما تحقق فى 25يناير 2011م.
الرواية: القرية الراوئى: إبراهيم القاضي:
تتناول مصر ما قبل الثورة فى عرض خاص تفصيلي لأخلاق المصريين التي ضاعت، كما ضاعت معها أخلاق القرية المصرية، التي كان يُضرب بها المثل فى الالتزام والموضوعية.
Ab_negm2014@yahoo.com
المصادر والمراجع: 1- "قصة شعب بحث عن الحرية"- كتاب الكتروني- عن بوابة نوكيا- عام2011م. 2- "جماليات المكان فى الرواية السعودية"- حمد البلهد- دار الكفاح للنشر والتوزيع-عام 2007م 3- "الإبداع والحرية"- رمضان بسطويسى، كتابات نقدية- هيئة قصور الثقافة- عام 2002م. 4-"إستراتيجية المكان- د.مصطفى الضبع- كتابات نقدية-العدد79". 5- "الكتابة والحرية"-فوزي فهمي- هيئة الكتاب- عام 1999م 6- "بناء الرواية العربية السورية"- سمر روحى الفيصل- اتحاد الكتاب العرب- دمشق- عام 1995م. 7- "بنية الشكل الروائي"- حسن بحراوى- المركز الثقافي العربي- بيروت، الدار البيضاء- عام 1990م. 8- "المكان فى الرواية العربية"- غالب هلسا- دار ابن هانئ- دمشق- عام1989م. 9- "سيكولوجية الإبداع في الفن والأدب"–يوسف ميخائيل - هيئة الكتاب1986م 10- "بناء الرواية"- سيزا قاسم- دار التنوير – عام 1985م. 11- موقع ويكيبيديا " ar.wikipedia.org/wiki/
*النصوص الإبداعية المشار إليها.