نظم التجمع الشبابي ـ عالم المعرفة ـ ندوة بعنوان التلفزيون كفضاء معرفي وذلك في قاعة مطعم لتيرنا وسط مدينة غزة، وكان ضيوف اللقاء كلا من الإعلامية لنا شاهين مراسلة قناة النيل الفضائية، والباحث في الفكر والفلسفة يوسف ابوعلفة، وسط حضور كبير من الإعلاميين والكتاب والمثقفين. وأدار الجلسة الشاعر محمد السالمي والذي رحب بالحاضرين موضحا أهمية التلفزة كتقنية اجتماعية ومعرفية لنقل المعلومات وهي من وسائل الاتصال الجماهيري المميزة وأضاف انه لا يمكن الاستغناء عن التلفزيون في عصر الاتصال ومجتمع العولمة.
من جهتها أوضحت الإعلامية لنا شاهين ومن خلال عملها أن العمل التلفزيوني محكوم بسياسة أي قناة فضائية، وان القنوات الناجحة تملك الأموال وتنفقها على طواقمها وعلى أدواتها الإعلامية من اجل تقديم صورة أفضل وسبق صحفي طازج واعتبرت أن العمل شاق ومضني ويعتمد على التكنولوجيا المتقدمة التي يبطلها انقطاع التيار الكهربائي في اغلب الأحيان في غزة. وأكدت شاهين على صفات الموضوعية والحيادية التي تحكم العمل التلفزيوني.
وتحدث الباحث يوسف أبوعلفة عن سؤال التلفزيون بأشكاله المتنوعة قائلا بأنه سؤال دائما ما يكون منوطا بفعل المشاهدة وإحلال الممارسة في مكان الفراغ على مستوى الفيزياء والفيزياء الاجتماعية، والقصد من سؤال التلفزيون لا يعني ابستملوجيا التلفزيون وسلطته وفعله والايدولوجيا، ولكن حقيقته كشيء وآلة والحقيقة كمفهوم يعمق العقل في التاريخ وإنتاج الإنسان لتصوراته وأفكاره علومه وتقنياته الخاصة. فالحقيقة دائما ما تعادل الانكشاف. وأضاف أبو علفة بان التساؤل عن حقيقة التلفزيون يقدم نفي للمثبت وغياب للقائم، كشيء مادي ملموس وشيء يشغل حيزا من الفراغ، فلا يمكن على مستوى الفهم البسيط والساذج أن أتحدث عن حقيقة الشيء المادي، لان حقيقته دائما ما تكون منوطة بشرط وجوده بخلاف المفاهيم.
وقد أثار الموضوع حفيظة الحضور الذين لم يبخلوا بمداخلاتهم فيما أعرب الكاتب عبد الكريم عليان عن سعادته باللقاء وأوضح أن نظرية المعرفة كانت تنقل عبر المكتوب والمشافهة، ولكن مع ظهور التلفزيون أصبح الأمر مختلفا وتزاحمت صور المعرفة في عصر الفضائيات وانتقد عليان نقل الحقيقة المزيفة للمشاهد الذي يعي ويقدر ويستطيع أن يستنتج الحقائق في ظل سيل المعلومات التي يبثها التلفزيون.
وتساءل الأستاذ أيمن شلبي عن الكيفية التي نعتبر من خلالها التلفزيون سلبيا أم ايجابيا ومدى تأثيرها على المجتمع وماهية البرامج التي نحن بحاجة لها في ظل الكثافة المعرفية والإعلامية. من جهته أعرب البريفسور فؤاد الحرازين انه في العصر الذي نعيش تصل الرسالة كومضة سريعة من خلال الكرتون بدلا عن الخبر الطويل أو المفصل لإيصال الفكرة المؤثرة. وتوجه الصحفي عامر أبو شباب بعدة أسئلة إلى الضيوف منها من الذي يصنع المعرفة القادمة ألينا ومن عندنا يستطيع التحكم في إنتاج المعرفة التي نرغب أن تصل للمشاهد ونوه إلى مشكلة المحطات الفضائية التي تعنى بالأطفال والرسوم الكرتونية والأناشيد معتبرا إياها تلقن أطفالنا معرفة من نوع محدد يقوم على العنف والخروج عن روح الطفولة. وفي ختام حديثه ورده على مداخلة وأسئلة الحضور قال يوسف أبو علفة: إن قراءة الايدولوجيا في التلفزيون أمر ظاهر وقراءة التلفزيون في الايدولوجيا أمر مخفي، فالأول منوط بالحاضر وتحديدا السياسي، والثاني منوط بالزمن والتاريخ وتحديدا الصورة.
وأضاف أبو علفة بان مفهومي الحركة والامتداد شكلا أساسا لتقدم حركة العلوم وإعادة أنتاج التصور والتفكير في حركة المادة وامتدادها، وذلك مع الفيزياء الحديثة "اينشتاين، بوهر، ماكس بلانك". على مستوى الرؤية أدرك حركة المادة في شكلها الميكانيكي البسيط دون اختزال تعقيدها البنيوي وعشوائية حركتها. وفيما يلي نص ورقة "يوسف أبو علفة"
التلفزيون كفضاء معرفي.
إن سؤال التلفزيون بأشكاله المتنوعة دائما ما يكون منوطا بفعل المشاهدة وإحلال الممارسة في مكان الفراغ على مستوى الفيزياء، والفيزياء الاجتماعية. والقصد من سؤال التلفزيون لا يعني ابستملوجيا التلفزيون وسلطته وفعله، والايدولوجيا، ولكن حقيقته كشيء وآلة الحقيقة كمفهوم يعمق العقل في التاريخ وإنتاج الإنسان لتصوراته وأفكاره علومه وتقنياته الخاصة. فالحقيقة دائما ما تعادل الانكشاف. لكن ما حقيقة التلفزيون إن هذا التساؤل يقدم نفي للمثبت وغياب للقائم كشيء مادي ملموس وشيء يشغل حيز من الفراغ، فلا يمكن على مستوى الفهم البسيط والساذج أن أتحدث عن حقيقة الشيء المادي لان حقيقته دائما ما تكون منوطة بشرط وجوده بخلاف المفاهيم.
حقيقة الحرية مثلا سؤال عادي يجعلني أفكر ومن ثم أتحدث ولكن حقيقة التلفزيون سؤال صادم ومدهش لأنه يتعلق بالوجود والحضور. ووجود التلفزيون كشيء لا يهمنا ولا يشغلنا كثيرا لأنه قائم بقدر ما تشغلنا ماهيته وفعله إن ماهية التلفزيون تتحدد أولا بتكوينه وثانيا بالإنتاج. و القصد في تكوين التلفزيون على المستوى الهندسي لا يتحدد فقط بلغة البرمجة والتقنيات الدقيقة في بنيته أو التكوين المعقد لهذه الآلة ولكن باستمرار التلفزيون مستهلك وتطويره الخاضع لمنطق خاص والرغبة في الإبقاء على إنتاج التلفزيون دون إحداث الانفصام عن بنيته الهندسية والتي تشكل قوته وقدرته على الانتقال من شكل لآخر.
أتصور تلفزيون تم إنتاجه عام 1960 وآخر تم إنتاجه 2010 ما الاختلاف؟ هنا سؤال الهندسة وما يعرف بالخلية الضوئية الكهربائية والتي أسست فكرة التلفزيون وكذلك المنطق الكلاسيكي ثنائي القيمة، وهو الأساس التي قامت عليه التكنولوجيا الرقمية الحالية أو نظرية حساب القضايا التي تم بلورتها على يد الفيلسوف الرياضي راسل ومساعده هويتهد. مرة أخرى ما الفارق بين تلفزيون 1960 وتلفزيون 2010 على مستوى الإنتاج؟
هنا اقترب من الممارسة وفعل الأنا وألانت على مستوى المشاهدة وأتحدث عن مزايا تلفزيوني الجديد قائلا عن الحجم والضوء واللون والصورة ، لانتقل دون مسافة فاصلة من الفعل "المشاهدة" إلى بنية وتكوين التلفزيون الهندسي والتقني. إن اللون والضوء والصورة لا تحدد فقط فعل الاستهلاك ولكن الاستجابة السيكولوجية للحدث. والقصد في الحدث هنا الخبر أو الصورة أو الإنتاج السينمائي بأنواعه من أخبار وأفلام وموسيقى. أتصور حدث قد شاهدته منذ قليل على شاشة قديمة باللون الأسود والأبيض وذات الحدث على شاشة حديثة بألوان ما الفارق؟
في المرة الأولى لغة الحدث وصورته باللون الأسود الذي يضفي صبغة القديم على الجديد أي الحدث ألان سيصبح كان، هنا لا ينتهي الحدث إذا كان مباشر على مستوى الاستمرار ولكن يضمحل حجم التماهي مع الحدث. اللون الأبيض سيجعلني استقر على مستوى المشاهدة دون انفعال. هنا على الحدث في الشاشة وألوانها ولكن ما علة استجابتي الباردة. إن المثير لا يمكن أن يولد استجابة بحجمه إذا ما كان منفصل عن واقع ودائرة المفعول به من قبل الفاعل وهذا ما يظهر في تقنية التلفزيون القديم. انفصال المثير "الحدث" عن استجابة المتلقي "المشاهدة" وفي هذا إدراك الصناعة، صناعة الحدث في هناك لا هنا على مستوى الفعل الواحد الممتد في واقع الأنا ولا أنت.
1925 يتمكن العالم الانجليزي "جون بيرد" من تحقيق اختراع التلفزيون بواسطة اكتشاف الخلية الكهربائية المعتمدة على مسالة الضوء والكهرباء ،2001 يتم استهلاك 248 مليون جهاز تلفزيون. يقول دوبريه "ما لا يظهر في التلفزيون لا وجود له". إن تقنية التلفزيون لم تعد تقدم الرغبة في الكشف عن الحدث والقائم من خلال الصورة ولكن تحوير هذه الصورة إلى واقع آت وتحديدا مسالة الما بعد بواسطة الصورة والإنتاج السينمائي لمسالة الخيال العلمي وفي هذا يقرءا التلفزيون كجزء من أيدلوجية الدولة. عندما ينقلب متمردين أو أحرار مثلا على سلطة في دولة ما فأول شيء يقدمون عليه هو إحكام السيطرة على التلفزيون. إن التلفزيون هنا لا يشكل الخبر أو الحدث ولكن حقيقة النظام والمرآة التي تعكس فلسفته يقول دوبريه في مكان آخر" ان الكون الرقمي لم يعد يمثل العالم لكنه يخلقه ويستبقه والصورة لم تعد مرهونة بمرجعها في الواقع بل هي التي أصبحت مرجعا". إن قراءة الايدولوجيا في التلفزيون أمر ظاهر وقراءة التلفزيون في الايدولوجيا آمر مختفي فالأول منوط بالحاضر وتحديدا السياسي والثاني منوط بالزمن والتاريخ وتحديدا الصورة . لكن ما هو ممكن الاقتراب من ماهية التلفزيون الذي ينتج "الصورة المتحركة الممتلئة بالضوء".
شكلا مفهومي الحركة والامتداد أس لتقدم حركة العلوم وإعادة إنتاج التصور والتفكير في حركة المادة وامتدادها وذلك مع الفيزياء الحديثة "اينشتاين، بوهر، ماكس بلانك" على مستوى الرؤية أدرك حركة المادة في شكلها الميكانيكي البسيط دون اختزال تعقيدها البنيوي وعشوائية حركتها ولكن ما حركة الصورة الضوئية وامتدادها. هنا أتحدث عن نقاط ارتكاز الحركة في الصورة على الكل المنفصل وتقديمه بواسطة الإنتاج كشيء منفصل. أن تشاهد تقرير إخباري على شاشة ما هنا يظهر الحدث كمجموع لقطات مركبة لا تمتد في الحدث إلى النهاية ولكن تعيد إنتاجه بشكل صارم. إن ما هو حاسم في التلفزيون إن الصورة لا تقدم لكي تملاء الفراغ ولكن لتحققه .
لو شاهدت على شاشة فيلم يتحدث عن نكبة الشعب الفلسطيني هنا تتهيأ للما بعد أي من لقطة إلى آخرة دون فواصل حتى تصل إلى النهاية التي تشكل استجابتك السيكولوجية لفترة زمنية أو حتى تحدث تحول في تصوراتك الذهنية. فالحكم أو ملكة الحكم بلغة كانط غائبة لا تستند إلى مدى الوعي والحقيقة التاريخية ولكن مدى إتقان الفيلم السينمائي أو الدقة في الصورة المنتجة وفي هذا يتجلى الفراغ كشيء يحل محل الحكم نتيجة تقنية الإنتاج السينمائي. في كتابه فلسفة الصورة يكتب جيل دولوز بالنسبة للسوفيت فان الإنسان والآلة شكلا وحدة ديالكتيكية فعالة تعلو فوق التعارض بين العمل الميكانيكي والعمل الإنساني. بينما تصور الفرنسيون الوحدة الحركية في كمية الحركة ضمن آلة وفي اتجاه، في روح مفترضين هذه الوحدة كشغف لابد له أن يستمر حتى الموت.
إن القصد عند دولوز في اتحاد الإنسان والآلة من خلال التكنولوجيا الرقمية يصطدم بمفهوم الفشتية أو الصنمية عند ماركس في حينها تتحول الأنا إلى جزء لا يتجزأ من التقنية لتكون بذلك "أنا رقمية مجسدة في رقم تسلسلي لهتافك المحمول".