غير بعيد عما يحدث اليوم وفي ظل الاهتمام المتزايد بالبحث العلمي وسعيا لاكتشاف جسيمات جديدة، هنا تقرير عن خلاصات مركز أبحاث المتخصص في فيزياء الجسيمات الأولية والمتفرع عن مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث والذي يمثل اختراقا للفيزيائيين الذين وصلوا إلى مبتغاهم في اكتشاف جزء من الصورة الأكبر والتي يمكن أن تسمح لكشف عدد من الأسرار القائمة بما فيها طبيعة المادة المظلمة غير المرئية التي تملأ الكون.

جسيمات جديدة في سيرن

 

العلماء والباحثون في سيرن وجدوا أدلة على قوة جديدة من الطبيعة

عندما بدأ سيرن " المنظمة الاوربية للأبحاث النووية" بتشغيل مصادم الهادرون الكبيرLarge Hadron"   "Collider عام 2009 ، كثرت أمال العلماء والباحثين نحو اكتشاف جسيمات جديدة والتي يمكن أن تساعدهم على كشف أعمق لأسرار الفيزياء، من  المادة المظلمة والثقوب السوداء المجهرية وإلى الأبعاد الخفية في الكون.

وبصرف النظر عن الاكتشاف المذهل لجسيمات هيغز بوزون والذي تم الإعلان عنه في عام 2012، والذي يعتبره العلماء والباحثين لغز الكون وأهم اكتشاف القرن لأهميته الكبيرة في دعم النموذج القياسي. لم ينجح المصادم في تقديم أي أدلة حول ما قد يكمن وراء النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات الأولية، حيث يعتبره العلماء أفضل نظرية مقترحة حاليا ً للمكونات الأساسية للكون، لذا فإن النتائج الجديدة من الكاشفLHCb والتي أعلنت قبل عدة أيام، وهي واحدة من أربع "كواشف" تجارب عملاقة كبيرة لمصادم الهادرون الكبير، من المرجح أن تضع قلوب الفيزيائيين تنبض بسرعة أكبر قليلاً.  

جاءت النتائج بعد تحليل تريليونات التصادمات التي تم إنتاجها بين البروتونات على مدى العقد الماضي، لذا من الممكن قد نشهد أدلة على شيء جديد يحتمل أن يكون الناقل لقوة جديدة تمامًا في الطبيعة.

يصف النموذج القياسي الطبيعة على أصغر المقاييس، التي تتألف من الجسيمات الأساسية المعروفة باسم (اللبتونات ( مثل الإلكترونات) والكواركات (التي يمكن أن تتجمع لتشكيل جسيمات أثقل مثل البروتونات والنيوترونات والقوى التي تتفاعل معها.

هناك العديد من الكواركات، بعضها غير مستقرة ويمكن أن تتحلل إلى جسيمات أخرى. تتعلق النتيجة الجديدة بنتائج تجريبية تم التلميح إليها لأول مرة في عام 2014 عندما رصد علماء الفيزياء في    LHCb كواركات "الجمال "beauty  b quarks  بانها  تتحلل بطرق غير متوقعة. على وجه التحديد، يبدو أن كواركات الجمال تتحلل إلى اللبتونات والتي تسمى "الميونات" في كثير من الأحيان بنسبة أقل مما إلى الإلكترونات وهذا يعتبر غريبا لأن الميون هو في جوهره نسخة كربونية من الإلكترون، متطابقة معه في كل شيء إلا أنه أثقل بحوالي   200 مرة.

الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحدث بها هذا التحلل وبمعدلات مختلفة، هي إذا كانت بعض الجسيمات التي لم يسبق رؤيتها قد نتجت وتحللت بحيث رجحت كفة الموازين ضد الميونات.   وفي حين كانت نتيجة عام 2014 مثيرة للإهتمام، إلا أنها لم تكن دقيقة بما يكفي لإستخلاص نتيجة قاطعة.

ومنذ ذلك الحين، ظهر عدد من الحالات الجديدة الأخرى في الحسابات ذات الصلة. لقد كانت جميعها خفية للغاية بالنسبة للباحثين بحيث لا يمكن الوثوق في أنها علامات حقيقية على الفيزياء الجديدة، ولكن بشكل مثير، بدا أنهم جميعا ً يشيرون في إتجاه مماثل.

عندما ظهرت النتائج أخيراً، أظهرت البيانات أن هناك حوالي   85 تحلل إلى ميون لكل 100 تحلل إلى إلكترون، فيما أكد الباحثون إن هناك فرصة واحدة في ألف فقط لحدوث هذه النتيجة بشكل عشوائي ولكن هذه ليست كافية لإثبات وجود جسيم غير معروف حتى الآن، هنالك أدلة قوية لصالح وجودها وقدم الباحثون عدة تفسيرات ممكنة: أولاً، يمكن أن يكون معدل التحلل المتفاوت نتيجة لجسيمات "Z prime"، وهي في الأساس جسيمات لقوة جديدة للطبيعة. ما سوف يثير العديد من الفيزيائيين هو أن عدم اليقين من النتائج ومع ذلك، مازلنا بعيدين عن "اكتشاف" أو "مراقبة" مؤكدة.

خيار آخر لتفسير النتائج هو خلق جسم إفتراضي "leptoquark"، لديه القدرة الفريدة على الإضمحلال إلى الكواركات واللبتونات في وقت واحد ويمكن أن تكون جزءاً من لغز أكبر يفسر لكيفية رؤية الجسيمات التي نتعامل معها في الطبيعة.

هل نحن علي عتبة عصر جديد للفيزياء حسناً، ربما، يجب أن ننتظر ونفعل الكثير من القياسات في LHC، وقد تتوقع أن بعضها على الأقل تكون بعيداً عن النموذج القياسي.

على الرغم من أن هذه النتيجة للكاشف   LHCb قد تم فحصها بدقة غير عادية.  في نهاية المطاف، فإن الصورة تصبح أكثر وضوحًا فقط مع المزيد من البيانات. ويخضع الكاشف  LHCb حالياً لعملية ترقية كبيرة لزيادة المعدل الذي يمكن أن يسجله بشكل كبير. وحتى لو أستمر الشذوذ في النتائج، فمن المحتمل ألا يتم قبوله بالكامل إلا بعد التأكد من  تجربة أخرى مستقلة.

 أحد الإحتمالات المثيرة هو أننا قد نكون قادرين على إكتشاف الجسيمات الجديدة المسؤولة عن التأثير الذي يتم إنشاؤه مباشرة في التصادمات في LHCb  وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تكون تجربة بيل الثانية في اليابان قادرة على إجراء قياسات مماثلة. وبذلك يكون تأكيد على هذا الإنجاز العلمي.

ماذا إذن، هل يمكن أن يعني أن هذا الإكتشاف تغير لمستقبل الفيزياء الأساسية؟

إذا كان ما نراه هو في الحقيقة نذير بعض الجسيمات الأساسية الجديدة ثم سيكون في النهاية اختراق للفيزيائيين  الذين وصلوا إلى مبتغاهم الذين ظلوا ينتظرونه لعقود. سنكون قد رأينا أخيرا جزءا من الصورة الأكبر التي تقع وراء النموذج القياسي، والتي يمكن أن تسمح لنا في نهاية المطاف لكشف أي عدد من الأسرار القائمة. وتشمل هذه طبيعة المادة المظلمة غير المرئية التي تملأ الكون، أو طبيعة جسيمات هيكز بوزون. بل إنها يمكن أن تساعد المنظرين على توحيد الجسيمات والقوى الأساسية. أو لربما أفضل للجميع، يمكن أن يكون مشيراً إلى شيء جديد.

لذا، هل يجب أن نكون متحمسين؟ نعم، نتائج مثل هذه لا تأتي في كثير من الأحيان، بالصدفة هو بالتأكيد على نتاج ابحاث وحسابات عظيمة للعلماء والباحثين ولكن ينبغي لنا أن نكون حذرين ومتواضعين أيضا، وينبغي أن نتوخى الحذر، المطالبات غير العادية تتطلب أدلة غير عادية. الوقت والعمل الشاق فقط للعلماء والباحثين في هذا المجال سوف يؤكد لنا إذا كنا قد رأينا أخيرا أول بصيص أمل من ما يكمن وراء فهمنا الحالي لفيزياء الجسيمات الأولية.