تعيدنا جرائم المستوطنين الإسرائيليين في مدينة القدس والضفة الغربية إلى تاريخ العصابات الصهيونية الأسود، شتيرن والأرجون والهاجانا وغيرها، التي عاثت فساداً في فلسطين المحتلة قبل وبعد العام 1948، وقتلت الفلسطينيين ودمرت بيوتهم وحرقت بساتينهم، وخربت ممتلكاتهم ودنست مقدساتهم، برعايةٍ دولة الانتداب إنجلترا التي كانت تحميهم وتدربهم، وتزودهم بالمال والسلاح، قبل أن تتولى سلطات الاحتلال الرسمية جرائمهم، وتعيد تنظيم صفوفهم، وتلحقهم بوحدات الجيش المختلفة، وتبارك أعمالهم وتكرم قادتهم، وتقدمهم في الصفوف الأولى قادة للجيش والحكومة، ووزراء ورؤساء أحزاب، بينما أيدهم ملطخة بالدماء، وسجلهم حافل بالجرائم والموبقات، وتاريخهم يشهد على أشهر المجازر المروعة والمذابح الفظيعة، التي يندى لها جبين البشرية، وتحفظها سجلات العدل الدولية.
حرب العصابات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني لم تتوقف يوماً، على الرغم من "إعلان دولتهم" وتأسيس كيانهم، وادعائهم أنهم دولة حضارية ديمقراطية، تلتزم القانون وتحترم حقوق الإنسان، وأن جيشهم أضحى جيشاً نظامياً لا يخالف، ورسمياً يلتزم الضوابط ولا ينتهك القوانين، إلا أن الحقيقة أنهم يكذبون ويخدعون، ويتسترون ويتخفون، فلا شيء تغير في حقيقتهم أو تبدل في مسلكهم، فالعصابات الصهيونية لم تندثر أو تموت، ولم تغب أو تتفكك، بل تتجدد وتتبدل، وتتغير أسماؤها وتبقى مهامها، وقادتها يصبحون وزراء وقادة أحزاب، يحميهم القانون وتحصنهم المناصب، فلا يسألون عن أعمالهم ولا يعاقبون على جرائمهم.
يطلع علينا الإسرائيليون كل يومٍ بعصاباتٍ إرهابية وتنظيماتٍ عنصرية، ومجموعاتٍ متطرفة، وفرقٍ دينيةٍ متشددة، كلها تستهدف الشعب الفلسطيني قتلاً وعدواناً، وترويعاً وإرهاباً، وقد جعلوا الفلسطينيين وممتلكاتهم هدفاً لهم، يلاحقونهم ويستفزونهم، ويعتدون عليهم بالضرب والتنكيل، والإهانة والإساءة، ويلقون عليهم الحجارة الثقيلة، ويهشمون زجاج سياراتهم أو يحطمونها، ويصبون زيوت الآليات على طرقاتهم، ويلوثون بها جدرانهم ومرافقهم، ويلقون مشاعل النار على بيوتهم، يحرقونها وأصحابها، ويصبون البنزين في أفواه الشبان ويحرقونهم، ويبتدعون في كل يومٍ وسيلةً للترويع والترهيب والقتل، فتارةً يستهدفون الإنسان الفلسطيني، وتارةً أخرى يستهدفون حقوقه وممتلكاته، فيدمرون بيوتهم، ويحرثون أرضهم، ويخربون زرعهم، ويقتلعون شجرهم، ويهدمون حجرهم، وينبشون قبورهم، ويعتدون على مقدساتهم.
المجتمع الإسرائيلي كله مجتمعٌ متطرفٌ، وإن ادعى بعضه الاعتدال والوسطية، وتطاهر بالعقلانية والمنطق، فهم جميعاً ما احتلوا أرضنا واستوطنوا بلادنا وطردوا شعبنا ونهبوا خيراتنا، غزاةً محتلين، ومستوطنين غاصبين، فهم في عدوانهم سواء وفي جيشهم جنودٌ، ولهذا نراهم يخلقون في كل يومٍ عصابةً جديدةً، تحمل اسم حزبٍ مدني، وتنخرط في العمل السياسي، ولكن أفعالها عدوانية، وتصرفاتها إرهابية، تستمد أفكارها من مفاهيم ومعتقدات بيغن وشامير وشارون وكاهانا وغولدشتاين وغيرهم، التي تتبني الدعوة إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث مكانه، وتعمل على طرد الفلسطينيين جميعاً من أرضهم، وخلق مجتمع يهودي متناغم ومتجانس وخالٍ من العرب المسلمين والمسيحيين على السواء.
كثيرةٌ هي العصابات الصهيونية الإرهابية، ولكن آخرها منظمة "لاهافا" التي تستهدف مدينة القدس، وتريد تطهيرها من أهلها الفلسطينيين، والتي كانت سبباً مباشراً في إشعال فتيل هبة باب العامود، وجماعات "تدفيع الثمن" التي تستهدف الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتدعو إلى قتلهم واستباحة أموالهم وممتلكاتهم، ومجموعات "فتية التلال" المفرطة في التطرف والإرهاب، والموغلة في القتل والجريمة، وعشرات المنظمات التي تحمل اسم الهيكل، وجلها من المستوطنين المتطرفين، وتدعي حراسته وتعمل على استعادته، وتقوم يومياً بمحاولات اقتحام المسجد الأقصى المبارك وتدنيس باحاته، وتتطلع إلى السيطرة عليه وهدمه.
لا يترأس هذه المجموعات الإرهابية ويقودها مغمورون أو مجهولون، أو أشخاصٌ بسطاء وعاديون، بل يتقدمهم زعماءٌ ومسؤولون، وقادة أحزابٍ وضباطٌ في الجيش، ووزراءٌ ورجال دين، وأعضاءٌ في الكنيست وزعماء محليون وغيرهم، ورغم أنه لا فرق بينهم ولا شريف فهم، فهم سواء إلا أن بعضهم اشتهر بمواقفه المتطرفة وسياسته العنصر أمثال ايتمار بن غفير وأفيغودور ليبرمان وسموتريتش ونفتالي بينت وغيرهم، ممن لا يخفون أفكارهم، ولا ينكرون توجهاتهم، ولا يترددون في الإعلان عن مواقفهم والدعوة إلى فرضها واقعاً على الأرض، إبادةً وطرداً، وهدماً وتدميراً، ذلك أن مشروعهم لا يقوم إلا على شطب الفلسطينيين، أصحاب الحق وأهل الأرض.
القانون الإسرائيلي يرعى هذه المنظمات ويحمي هذه العصابات، وهو لا يجرمها ولا يخطئها، ولا يحاسبها ولا يعاقبها، بل يشجعها ويمولها، ويتبنى أفكارها ويؤمن بسياستها، وتقوم الحكومة والجيش برعايتهم وحمايتهم، وترافقهم في اقتحاماتهم وتشاركهم في جرائمهم، وتمنع الفلسطينيين من صدهم وكف عدوانهم، وتتهمهم إن هم مارسوا حقهم في الدفاع عن أنفسهم بأنهم إرهابيين مخربين، وأنهم يعتدون على المستوطنين ويعرضون حياتهم للخطر، ولهذا فإن المجتمع الإسرائيلي سيشهد المزيد من هذه التشكيلات العنصرية الإرهابية، وستدخل هذه المجموعات في سباقٍ تنافسيٍ محمومٍ على الجريمة والإرهاب، وسيتسابقون فيما بينهم على عمليات القتل والاغتصاب والسرقة والتدمير والتخريب وغيرها.
لا فرق أبداً بين مناحيم بيغن واسحق شامير وبين غانتس وبينت وبنيامين نتنياهو ومن معه، فهم جميعاً سواء في الجريمة والعدوان، وإن أصبحوا رؤساء للحكومة أو وزراء فيها، فهم في أصلهم زعماء عصابات وقادة تشكيلاتٍ عسكرية إرهابية، فالأوائل ارتكبوا مجازر دير ياسين وقبية والطنطورة وسعسع والدوايمة وغيرها، والجدد يرتكبون مجازر يومية في قطاع غزة والقدس ومدن الضفة الغربية، بل تمتد أيديهم الآثمة إلى أهلنا الصامدين في الأرض المحتلة عام 1948، فيقتلون شبابهم، ويغتالون رموزهم، ويسفكون دماءهم غيلةً وغدراً، وقصداً وعمداً، ثم يظهرون أنفسهم كذباً وتدليسا وبهتناً، بصورة البرئ المسالم، والمظلوم المعتدى عليه.