البدء في تغيير الذهنية الفكرية لدى الأجيال القادمة منذ المراحل المبكرة للطفولة أمر حتمي، وهذا التغيير يكاد يكون الممر الوحيد الآمن للولوج إلى عالم الحداثة وما بعده، توطئة للخروج من ارث القيود الثقيلة التي تكبل خطوات تقدم العقل العربي. وتعتمد الرؤية المقدمة في السطور المقبلة على دمج لتصور الباحثة حول السبيل للخروج من المأزق المعاصر، وبين الأفكار التربوية المستخلصة من كتابات المفكر الجزائري محمد أركون، وهو المفكر المهموم والواعي بمشاكل الوطن العربي الراهن، من خلال خطوات تطبيقية مختصرة يمكن ايجازها في نقاط محدده.
ولكن قبل الولوج في هذه الخطوات من المهم إلقاء الضوء على المفكر الجزائري محمد أركون كما قدمته في أطروحتي للدكتوراه، والتي سأقدم في السطور القليله القادمه موجز لها: بحصول أركون على درجة الماجستير في اللغه والأدب العربي عام 1954 عن أطروحته حول (الجانب الإصلاحي في أعمال المفكر المصري طه حسين) يكون قد وأد كل ما تم ترويجه حول عدم إتقانه للعربية، والإتهامات المستمره له بإستشراقه وعمله البحثي لصالح الأجنده الاستشراقية. وبحصوله على درجة الدكتوراه حول (الأنسنه العربية في القرن الرابع الهجري) يكون قد أكد أنه مفكر منشغل بالفكر الإسلامي العربي.
بدأ مشروع أركون الفكري بالإهتمام بالتراث قراءةً ونقداً ومراجعةً، طرق أركون أبواب عديده أسماها البعض "ورش عمل" مازلنا بحاجه إلى اكتشافها وتطويرها والعمل عليها. في دراستي حول المفكر الجزائري محمد أركون والتي حملت عنوان (الفكر التربوي عند المفكر الجزائري محمد أركون من الاغتراب إلى الإصلاح) استخدمتُ منهج التحليل النقدي للخطاب الأركوني، جعلتُ من أركون شارحا لنفسه ولفكره، بمعنى عرض أفكاره وتفكيكها وتفسيرها لبيان مقاصده وأهدافه عبر الاعتماد على قراءة أعماله. متخذه خطوات منهجيه على أكثر من مستوى: المستوى الأول قراءه استكشافيه تحليليه سريعه، تعتمد على المنهج الظاهراتي للتعرف على المؤشرات الأولى للفكره المفترضه، والإعتماد على المنهج التاريخي لتفسير الوثائق. المستوى الثاني: قراءه تحليليه معمقه تعتمد على المنهج التحليلي الذي يشتمل على الحفر والتفكيك عن طريق المنهج التحليلي. وتم تحليل الخطاب الأركوني من خلال الإطلاع على كتبه ولقاءاته الثقافيه وندواته والمحاضرات.
تناولت الدراسه في الفصل الأول ملامح الحياه في الجزائر إبان ميلاد أركون، ثم المؤثرات على شخصه وانعكاساتها على أفكاره. مشيره إلى أن المفتاح الرئيسي لشخصية أركون هو الاغتراب والتهميش الذي عانى منه في المجتمعات التي عاش بها. سواء في القبيله، أو كنتاج للإستعمار الفرنسي بالجزائر، أو بفرنسا كمفكر مسلم؛ مع تناول المؤثرات الأساسيه في تشكيل شخصيته والمصادر الأولى لفكره وتأثره بالمفكرين العرب كالتوحيدي وابن مسكويه والجاحظ وطه حسين، ثم تأثره بالمفكرين بالغرب كميشيل فوكو وبورديو ودريدا ومدرسة الحوليات.
تناولت الدراسه في الفصل الثاني ملامح المشروعات الفكريه التي دشنها المفكر الجزائري محمد أركون كعلم الإسلاميات التطبيقيه، ونقد العقل الإسلامي الذي اعتبره أركون مشروعا عقليا في المقام الأول. واصفا إياه بأنه الطريق الوحيد القادر على إدخال المسلمين والإسلام في إطار الحداثة. وسلطت الدراسة الضوء على كون أركون كان ناقدا لكل من العقل الإسلامي والعقل الغربي في آن، وهدفه الأول هو إحياء الموقف الفكري البحّاَث والنقّاَد في العقل الإسلامي.
سعى أركون لإستكمال المشروع الغربي الحداثي ليشمل الإسلام من خلال مشروع نقد العقل الإسلامي، وهو يربط بين الحركه النقديه الحديثه المباشره المتجهه إلى نقد الأسس المكونه لهذا وإعادة تأويل مسلماته وفرضياته تأويلا جديدا، يكشف عن ترابطه وتفاعله مع الحقيقه والتاريخ، فتحديث الفكر الإسلامي يمر أولا بالإصلاح الديني، كمرحله ضروريه للوصول إلى إحداث الثوره في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، بهدف السعي وراء لاهوت إسلامي جديد يستجيب للحداثة ويتناسب مع معطيات العلم الحديث.
أكدت الدراسه على عدم انحياز أركون لمذهب ضد آخر، وعدم وقوفه مع عقيدة ضد أخرى؛ فمشروعه تاريخي أنثربوولوجي في آن. يثير أسئله أنثربولوجية في كل مرحلة من مراحل التاريخ، ونقد العقل الإسلامي لديه لا يعني إطلاقا عمل سلبي أو تدميري للتجربه الروحية الكبرى للإسلام الحنيف. فأركون كان يحترم ويدعو إلى احترام تراث الأولين، وألا يحرج المفكر المسلم الوعي الإيماني أو يعامله بفجاجة.
النقد التاريخي عند أركون هدفه الأول تخليص التجربة وتهيئة ظروف العمل والتعليم والثقافة لزرع القيم الإنسانية الايجابية، الطاردة لمسوخ عهود الظلام والاستبداد والديكتاتورية، ومخلفات وإفرازات الحروب الخارجية والداخلية القذرة في الروحية الإسلامية الكبرى مما علق بها من أوشاب وأوصاب على مدار التاريخ. وهو ما يمثل عمل إيجابي بكل المقاييس. والإنتقال من مرحلة الإجتهاد الكلاسيكي إلى مرحلة نقد العقل الإسلامي، يتوجب خلق مفكر مسلم مُسلّح علميا، ومتدرب على تقنيات الاجتهاد وعلومه ومناهجه.
اهتمام أركون بتحقيق النصوص القديمه والمخطوطات على أسس علمية من خلال قراءة أركيولوجية ناضجة، مُطبقا إشكاليات ومناهج اللسانيات والسيميائيات لتحليل الخطاب القرآني، خالقا ما أسماه الإسلاميات التطبيقية، التي أرادها بديلا علميا عن الاسلاميات الكلاسيكية. ورأى فيها تحالف العقل الاستشراقي التقليدي مع العقل الفقهي الأرثوذكسي، ومن المهام الأساسية التي تأخذها الإسلاميات التطبيقية على عاتقها رصد ظاهرة الاسلام السياسي، ومعرفة أسباب العنف والتطرف كظاهرة أنثروبولوجية، بالإضافه الى قراءة التراث قراءه حديثة، بهدف نهضة إسلامية-عربية مع ضبط آليات الحداثة، وطرح المشاكل الفعلية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية. ومحاولة السيطرة عليها بمنهجيات علمية حديثه، وآليات لتحقيقها على رأسها استدعاء علم الأنثروبولوجيا الإجتماعية أو الثقافية أو الدينية كضروره لدراسة المشاكل الحقيقيه للمجتمع الإسلامي في الماضي والحاضر. بالإضافه الى البحث الأنثروبولوجي والتاريخي ومنهج نقد الخطاب، وتتبع المنهجية المطبقة في الإسلاميات التطبيقية، وتتبع مناهج متعددة الجوانب.
أكدت الدراسه على أن أركون يرى أهمية إنخراط الباحث المتخصص في الإسلاميات التطبيقيه في الحقيقه المٌعاشه للمجتمعات الإسلامية والقضايا المتراكمه التي تعاني منها. وعليه اتقان المناهج متعددة الجوانب وآلياتها. وأوضحت الدراسه أن صعوبة تطبيق الاسلاميات التطبيقيه تتمثل في رفض الجماهير الشعبية والطبقة المثقفة، نتيجة للقوى الإنفعالية والتصورات الدينية، وأنظمة العقائد الدينية، والأعراف الإجتماعية السائدة، بالإضافه الى رفض النخبة الحاكمة بسبب تسخيرها للرموز الدينية في خدمة سلطتها.
ألقت الدراسه الضوء على مشروع أركون (الأنسنة) وكيف آمن بأن التوحيدي نموذج للأنسنة العربية، لحرصه على تطبيق شعار العلم بالعمل والعمل بالعلم، وإيمانه بعبارة التوحيدي «الإنسان اُشكل على الإنسان»، التي تدعو الى تصالح الإنسان مع ذاته بطريقة علمية وفق نظام أخلاقي معاش على أرض الواقع، مع عداله اقتصادية ومساواة في الفرص. معتبرا أن هذه هى الأنسنة الحقيقية والفلسفة القائمة على احترام الانسان، بإعتباره أعلى شئ في الوجود.
اعتبرت الدراسة أن أركون حين تناول الفكر الأنسني وتأكيده على بزوغ الفكر الأنسني منذ البداية في الفكر العربي الإسلامي، ثم انتقاله الى الغرب أنها رساله للغرب مؤداها: أعيدوا النظر في الفكر العربي الاسلامي، لأن الأرضية التي نقف عليها أرضيه مشتركة وواحدة. وأنه لكي نغير ما نمر به من أزمات فكرية وانغلاقات مذهبية وطائفية تؤدي الى حروب، علينا أن نسلك مسلكا انسانيا في العالم أجمع، لا تمييز فيه ولا مذهبية أو طائفية؛ فالأنسنة عند أركون تتجاوز حدود الأديان والطوائف والقوميات والأعراف، لكي تصل الى الإنسان في كل مكان، فإذا ما استثنت من نعيمها انسانا واحدا، لن تكون هناك نزعة انسانية حقيقية.
لم تغفل الدراسه استعراض الانتقادات التي تم توجيهها الى المشروع الأركوني في نقاط كالتالي: البعض وجه له نقدا حول عدم امتلاكه آليات الاصلاح، بقدر امتلاك آليات النقد، وعدم امتلاك القابلية على التطبيق، بقدر ما حمل مشروعه من تنظير. ورأى البعض ابتعاده عن الواقع ووقوعه في المثاليات، كما اعتبره د. حسن حنفي في حوار خاص مع الباحثة أنه هرب من دوره كتنويري ببلده الجزائر. أما جورج طرابيشي فأعتبر أنه كان وسيطا فاشلا ما بين الشرق والغرب. في حين رأت الباحثة أن أركون أصاب أو أخطأ فقد اجتهد وعمل بإخلاص على تجديد الفكر الإسلامي، وسعى الى هدفه الذي وضعه منذ اللحظة الأولى، وهو القفز بالعالم الإسلامي الى عالم الحداثه وما بعدها، وعلى يديه تعرف الفكر الإسلامي على مصطلحات ومفاهيم حديثة. كما وضع يده على القضايا التي ظل الفكر الإسلامي يتعامل معها بإعتبارها مسلمات لا يجب المساس بها؛ ولم يتنصل أركون من الفكر الإسلامي، بل أنه اعتبر التوحيدي توأمه الفكري. وكان ناقدا للفكر الاسلامي العربي، وطالبت الدراسه بضرورة الالتفات الى فكر أركون والدراسة العميقة لكتاباته.
في الفصل الثالث تناولت الدراسه فلسفة الإصلاح عند أركون مستعرضه أولا الفكر الإصلاحي العربي تاريخيا ومراحل تطوره، ثم ركزت على الاصلاح عند أركون والتي رأت أن أهدافه الإصلاحية تمثلت في تطبيق التحليلات النقدية على المرحله الحديثة بمعنى نقد الحداثة والقدامة معا لفتح الطرق المسدودة واستكشاف الحلول الفكرية الممكنة للخروج من المأزق الحالي والوصول الى توافق ما بين الفكر القديم والحديث. ومن أهدافه الاصلاحية أيضا فرز أنظمة الفكر القديمة بالقياس الى ما فرضته الحداثة الفكرية؛ حيث أن الهدف الرئيسي لدى أركون في الإصلاح هو وضع الفكر الإسلامي فكريا وروحيا بعيدا عن الايديولوجيا، مرتكزا على كل من الحداثة/ الكونية/ العقل/ العلم/ الأخلاق. أما آليات تطبيق الإصلاح فاعتمدت على النقد أولا، بهدف الهدم، ومن ثم التنقية بهدف إعادة البناء والتركيب.
واحتلت شروط الإصلاح عنده مكانه مميزة ومن بينها تفهم الحداثة والوعي بها وعيا حقيقيا. مميزا في ذلك بين الحداثة والتحديث؛ بالاضافه الى السير في طريق الحداثة ببطء مع الحرص على تفكيك المصطلحات المتداولة. هذا مع توصية بتأسيس معجم جديد يتناسب مع عصر الحداثة. وقدمت الدراسى خطوات تمهيديه من مقترحات أركون في متن كتاباته لتيسير انتقال العالم الاسلامي الى عصر الحداثة. من بينها نقد العقل الاسلامي وتطبيق علم الاسلاميات التطبيقية واحياء الفكر الأنسني؛ مع بلورة علم أخلاق جديد وهو من بين اللفتات التي انتبهت اليها الدراسة. فقد وجه أركون اهتماما كبيرا لإحياء علم أخلاق جديد. داعيا الى دراسة الظاهره الدينية دراسة تاريخية، والاهتمام باللغة العربية بالإضافة الى اتقان اللغات الأخرى، مع تغيير طرق التدريس لكل من الدين والتاريخ واشاعة الفكر النقدي.
أما الفصل الرابع فتناول الأراء التربويه للمفكر الجزائري محمد أركون وقد تدرجت الباحثه في هذا الفصل بإستعراض أسباب التخلف الفكري في العالم الإسلامي وتحديده لمعوقات التفكير النقدي، وحسب أركون فإن معوقات انتقال العالم الإسلامي الى عصر الحداثه حصرتها الباحثة في الجهل المؤسس والسياج الدوغمائي المغلق، وعجز اللغويين عن تبني لغه عربية ذات تعبير فلسفي أو علمي. بالإضافة الى طرائق التدريس الكلاسيكية لكل من التاريخ والدين. أما خطوات الإصلاح الفكري كما أرتآها أركون فكان على رأسها الاهتمام باللغة العربية وإعداد معاجم عربية فكرية وفلسفية، وقاموس تاريخي باللغة العربية. وقد دعا أركون إلى تأسيس برنامج تعليمي تربوي هدفه تحاشي الحروب بشكل مسبق لجميع دول حوض البحر المتوسط، فمن رأيه أن علاج التطرف الديني يكون من خلال نشر المعارف المحرره للعقول، وهو ما أسماه بالدبلوماسية الوقائية.
اختتمت الباحثه الدراسه بالفصل الخامس الذي تناولت فيه الإصلاح التربوي عند أركون وفيه استعرضت أولا الفكر التربوي لكل من الامام محمد عبده والمفكر الجزائري مالك بن نبي والمغربي محمد عابد الجابري ثم المصري حسن حنفي، لتتحول الى التربيه لدى أركون وأهدافها الأساسية العامة منها والخاصة بالمجتمعات الإسلامية. مؤكده على أن هدف الإصلاح عند أركون هو ادخال الفكر الإسلامي المعاصر الى زمن الحداثة. وتجديد طرق التفكير وطرق فهم الدين والتراث لدى المسلمين عن طريق مراجعة نقدية جذرية للإيديولوجيا العربية الاسلامية، وانتهت الدراسة لاستعراض اليات تنفيذ فكر أركون التربوي.
من الجدير بالذكر أن هذه الدراسه الأكاديميه صدرت في كتاب يحمل عنوان (حكاية الفتى أركون: رحلة حياه من الإغتراب الى الإصلاح ) يُذكر أن اختيار كلمة "الفتى" اعتمد على دلالة المعنى لكلمة فتى، كتعبير عن الشباب والقوه واستمرارية الأثر الفكري، وهو ما نلاحظه الآن بكل فخر. فمازال اسم أركون يتردد بين أرجاء الكتابات البحثية والجامعية كأنه موجود في الحياه وأكثر.
وفي السطور المقبلة تقدم الباحثة دمجا لتصور حول السبيل للخروج من المأزق المعاصر وبين الأفكار التربوية المستخلصة من كتابات المفكر الجزائري محمد أركون. وهو المفكر المهموم والواعي بمشاكل الوطن العربي الراهن من خلال خطوات تطبيقية مختصرة يمكن ايجازها في نقاط محدده. أما ما يمكن ايجازه من الخطوات التطبيقية في الآتي:
بلورة علم أخلاق جديد: ويرتكز هذا المدخل علي حقيقة أن ثقافة بلا أخلاق لن يكون لها مردود إيجابي علي حركة المجتمع وتقدمه. لذا فإن ترسيخ قيم ومباديء مجتمعية عصرية مستمدة من علم الأخلاق الحديث، يمكن أن تحل تدريجيا محل الفكر العشوائي وأخلاقيات العشوائيات التى تسود وتنتشر وتتغول في المجتمعات العربية. أي أن تكييف نظام أخلاقي علمي جديد قد يساعد المجتمع على ترتيب أولوياته الأخلاقية وتعيين التوازن بين الحدود والواجبات، مابين الفرد والمجتمع، فى ضوء ما يمور به العصر الحديث من انهيارات لميزان الأخلاقيات العامة، يؤججها إندفاع هوائي أهوج يسعي للفوضي الشاملة، التي ترتكز علي الحرية غير المسئولة، والتي تؤدي في النهاية إلي تدمير وفراغ وليس بناء أو تقدم.
الاهتمام بإتقان اللغة العربية بأعتبارها اللغة الأم التي يجب أن نهتم بإتقانها والتمسك بها ونقلها بمحبة الى الأجيال الجديدة، فاللغة ليست مجرد كلمات ولكنها وعاء يضم فكر وثقافة المجتمع والانتماء لها يمنح التوازن النفسي والسلام الاجتماعي أيضا، فوظیفة اللغة ھي تجسید الأفكار ونقلھا. وإذا شابھا القصور تأثرت سلبا عملیة إنتاج الأفكار، والتي ھي أساس تقدم المجتمعات.
الاهتمام بالترجمة من وإلى اللغه العربية للتواصل مع الباحثين فى العالم، ولمواكبة المنتوجات الفكرية الحديثة بالعالم، ونقل أحدث ما وصلت اليه الدراسات العلمية وتداولها عالميا، فالتقارب العالمي وسیطرة ظواھر العولمة علي النشاط الإنساني في كافة أنحاء الأرض، یحتّم ویفرض ھذا التواصل.
الاهتمام بإتقان اللغات الأجنبية المختلفة لتيسيير التواصل الفكري مع الباحثين فى العالم وسهولة الوصول إلى الابحاث والدراسات الحديثة ومناقشتها وتطويرها تبعا لطبيعة مجتمعاتنا مما يمنح الباحث فرصة كبيرة لتطوير أدواته واستحداث أدوات جديدة أكثر تطورا ،وحیث أنه دون إمتلاك ناصیة اللغات العالمیة المرتبطة أكثر بحركة التقدم العالمي، لا یمكن تقديم أي عنصر إیجابي داخل حركة العولمة التي تسود وتقود العالم .
إشاعة الفكر النقدي بالمدارس وبين الأسرة الواحدة، من خلال الحث الدائم على الحوار وإعمال العقل، فھذه ھي الطریقة الوحیدة لنقل العقل من حالة الإنقیاد والإستسلام والكساد والتبعیة، إلي حالة المقاومة والنشاط والریادة والقیادة.
ادخال علوم اجتماعية حديثة لكي يتعلمها التلاميذ منذ الصغر مثل الألسنيات والأنثربولوجيا والفيلولوجيا .. الخ تؤسس لجيل جديد من الباحثين والمفكرين. كل العلوم والنشاط العلمي والبحثي یجب أن تصب مخرجاتھا في قلب المجتمع، وعدم الوعي بالعلوم الإجتماعیة یعطل ھذه الخطوة الضروریة لتقدم المجتمعات.
تغيير طرائق التدريس كالآتي :
أ. بالمرحلة الابتدائية يُستحسن تخصيص ثلاث سنوات على الأقل بعيدا عن تعلم مواد دراسية، لتربية الطفل على الأخلاق والفضائل الأساسية من حب الخير والجمال.
ب. تغيير طرق التدريس التقليدية لمادة الدين الى تدريس تاريخ الأديان المنزلة، بهدف التعرف على الأديان المنزلة وارساء فكر قبول الآخر المختلف عنك، ومكافحة التعصب والدوغمائية التي تؤدي إلى العنف والاقصاء، مع البدء منذ باكر بتدريس علمي أصول الدين وأصول الفقه بشكل علمي سليم .
ج. تغيير طريقة تدريس التاريخ من خلال العودة إلى شرح النصوص القديمة للتلاميذ، وادخال المصطلحات العلمية بطريقة منهجية وتاريخية مبسطة، مما يؤدي إلى خلق جيل جديد يتفهم المصطلحات المتخصصة، ويمكنه التعبير عنها بشكل جيد.
د. الاهتمام بتدريس الفلسفة بطريقة صحيحة وغير مجزوءة، بدون أفكار مسبقة مع تجذير الدراسة بشكل تاريخي مما يمنح التلميذ تدريبا على إعمال العقل .
هـ. تدريب التلاميذ منذ الصغر على مناهج البحث العلمية الحديثة، والتى من خلالها يمكنه الحفر والتفكيك بشكل علمي صحيح. ويمكن البدء بإعادة قراءة التراث، وبعض النصوص القديمة عن طريق استخدام هذه المناهج في قراءتها. والتدريب على البحث العلمي فيها، مما يمنح الطالب فهما للتراث من خلال الاطلاع عليه، وتدريب تطبيق على مناهج علمية حديثة .
و. تأسيس معاجم فلسفية وفكرية بهدف إرساء لغة تواصل علمية واحدة بين الباحثين حول العالم، وهى لغة العلم الحديث. وذلك من خلال الاتفاق على مصطلحات عالمية موحدة والتواصل بلغة علمية واحدة يساعد في نقل المعلومة والدراسة بشكل صحيح. وحیث أن اللغة تتغیر بتغیر المجتمعات، ونلاحظ ھذا منعكسا علي اللغات العالمیة، في صورة قوامیس عدیدة یتم تحدیثھا وإغنائها باستمرار. إلا أننا نفتقد مثل ھذا الرافد في مجتمعنا العربي. فتتخلف اللغة عن اللحاق بالتطور، وتعجز عن التعبیر عنھا بالدقة الواجبة.
ز. اعداد معجم تاريخي تتبعي، للتعرف على تطور اللغة العربية عبر الزمن، مما سيسهم في فهم تاريخ الحضارات وتفسير الكتب المنزلة بشكل صحيح، وبدون ملابسات. وھذا بلا شك سیفك الاشتباك بین التفاسیر المختلفة لأحداث ووقائع تاریخیة معینة.
وختاما أتمنى أن نصل إلى استراتيجية متكاملة ناجعة وذات خطوات تطبيقية حقيقية لتطوير المجتمع العربي في العصر الحديث .