تحتفي تونس بالسينما الفلسطينية في أسبوع أفلام المقاومة والتحرير، ويفتتح فيلم "أرض الحكاية" فعاليات الدورة الثانية من أسبوع سينمائي تحتضنه العاصمة التونسية، في ظل هذا الصعود المدوي للعدوان الاسرائيلي على فلسطين المحتلة، وضمن تخليد ذكرى تحرير جنوب لبنان. السينما كأحد الأشكال التعبيرية القوية لترسيخ قيم المقاومة والانتصار لإرادة التحرر.

أسبوع أفلام المقاومة والتحرير

 

انطلقت الشهر الماضي، فعاليات الدورة الثانية من أسبوع أفلام المقاومة والتحرير بمدينة الثقافة في تونس، بعرض للفيلم الوثائقي الفلسطيني “أرض الحكاية” للمخرج رشيد مشهراوي. ويتزامن حفل الافتتاح مع ذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي (25 مايو 2000) وانتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الجمعة الماضي. ويروي فيلم "أرض الحكاية"، بأسلوب وثائقي، صورة القدس بين تاريخين، وما حلّ بينهما من تغيرات أحدثها الاحتلال الإسرائيلي للمدينة.

ويقرأ مشهراوي عبر الكاميرا التغيّرات التي حدثت بين عام 1967 حينما احتّلت مدينة القدس وبين عام إنتاج العمل، من أجل فهم المستجدات التي وقعت خلال ما يقارب الخمسة عقود، حيث روى أهل القدس أمام الكاميرا أزماتهم المعيشية ومنعهم من إصلاح منازلهم وترميمها، ورفضهم المطلق للتنازل عنها رغم ما يقدّم لهم من مبالغ ضخمة ثمنا لها.

وبدا الفيلم متّسقا بالأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلة، متمثّلة في الصعوبات التي يواجهها المقدسيون في الحفاظ على الهوية العربية للمدينة المقدسة، في ظل التوسع الاستيطاني ضمن مخططات التهويد القائمة على طرد الفلسطيني من أرضه وبيته.

ويعدّ مشهراوي أول سينمائي فلسطيني عمل على إنجاز سينما داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أنجز العديد من الأفلام التي كان أولها “جواز سفر” 1986، أي قبل الانتفاضة الأولى، ثم “الملجأ” عام 1989، و”دار ودور” 1990، و”أيام طويلة في غزة” 1991.

وفي العام 1990، قدّم فيلمه الروائي الأول “حتى إشعار آخر” 1993، ثم فيلمه الروائي الطويل الثاني “حيفا” في العام 1996 والذي كان أول فيلم فلسطيني يعرض بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي منذ أن تأسّس المهرجان، وتتابعت أفلامه بين روائية ووثائقية ليغدو واحدا من أكثر المخرجين الفلسطينيين إنتاجا.

وحصل مشهراوي على العديد من الجوائز العالمية في المهرجانات الدولية، وعرضت أفلامه في مهرجانات ودور العرض في معظم دول العالم، وشارك في عضوية ورئاسة لجان تحكيم في مهرجانات عربية ودولية.

وتتواصل فعاليات التظاهرة التي تنظمها “الجمعية اللبنانية للفنونرسالات”، برعاية الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع (تونسية مستقلة) حتى الثلاثين من مايو الجاري بين تونس العاصمة وسوسة والمنستير بعرض مجموعة من الأفلام الفلسطينية والتونسية واللبنانية والسورية والإيرانية.

وعبر شاشة قاعة المخرج التونسي الراحل عمار الخليفي في قصر الثقافة بتونس تعرض على امتداد أيام التظاهرة خمسة أفلام، وهي “خلة وردة” (90 دقيقة)، للبناني عادل سرحان عن نص لمحمود الجعفري ومن بطولة أحمد الزين وبولين حداد وختام اللحام.

وفيلم “رد القضاء” (110 دقائق) للمخرج السوري نجدة إسماعيل أنزور عن سيناريو لديانا كمال الدين، ويؤدّي أدوار التمثيل فيه كل من مجد فضة ولجين إسماعيل وجولييت عواد.

ويُعرض للكاتب والمخرج الإيراني أمير واسارجر فيلم “منطقة حظر الطيران” (100 دقيقة)، ويجسّد أدوار التمثيل فيه هادي حجازيفر ومحمد فيلي وبوريا سلطان زادة.

ويُعرض لعلي غفاري الفيلم اللبناني “السر المدفون” (88 دقيقة)، عن نص لرضا إسكندر ومحمود غلامي، ومن بطولة كل من عمار شلق كارمن لبس وباسم مغنية.

كما يُعرض للفنان السوري أيمن زيدان أول فيلم من إخراجه الذي حمل عنوان أمينة”، والذي تجسّد أدوار البطولة فيه كل من نادين خوري لمى بدور وجود سعيد ولينا حوارنة والمخرج أيضا.

ويتحدّث الفيلم الذي أنتج  في العام 2017 عن نضال المرأة وقدرتها على مجابهة الصعاب والظلم، وهو تجسيد لنضال المرأة السورية عن صمودها وتضحيتها زمن الحرب.

وشخصية الفيلم الرئيسة “أمينة” أم لشابين “سهيل” العسكري الذي تعرّض لإصابة حرب تسبّبت في شلل كلي في جسده منعه حتى من الكلام، و”سهيلة” الشابة الجميلة التي تصبح مطمع أحد المتنفذين في قريتها.

يموت زوج أمينة مخلفا وراءه ديونا وهموما ومسؤولية تختبر قوتها وإصرارها، وعلى الرغم من وضعها المادي الصعب ترفض الأم أن تتخلى ابنتها عن دراستها لتساعدها في العمل، وترفض التسليم بعجز ابنها الوحيد، وترفض بيع أرضها حتى لو كان ثمنها سيخلصها من الدين ومن إلحاح شقيقها المستمر، كل ذلك الرفض ينبع من إيمانها وثقتها في أن ضوءا سيلمع في آخر النفق، وأن ما يحصل سيمرّ كسحابة صيف، يتكشف بعدها مستقبل أكثر رحابة.

كل هذا يقدّمه زيدان عبر دراما سلسة من حيث السرد ودافئة من حيث الصورة، والبيئة الريفية التي كرّسها لتعبّر عن أصل البلاد وأهمية الأرض، وعن البساطة المُحبة التي تحتضن بجمالها ذلك الواقع المرير. ورمزية الأرض والأم والوطن حاضرة بقوة، فهي المُنطلق والأساس الذي يجمع أبناء البلد الواحد رغم الصعاب والاختلاف.

وإلى جانب العروض السينمائية، تفتح طاولات للنقاش عبر عقد مجموعة من الندوات تتناول دور السينما في دعم النضال الميداني للمقاومة في ساحات المواجهة، وقضايا أخرى تتمحور حول السينما والمقاومة.

وقال محمد خفاجة مدير التظاهرة السينمائية الفنية إن “الرسالة من وراء هذه التظاهرة هي إبراز أن المقاومة حاضرة دائما في مختلف أنشطتنا وفعالياتنا وفي نمط حياتنا أيضا”. وأضاف “بالمقاومة نستمر باعتبارها شكلا من أشكال الفنون والتعبير”.وأوضح أنه كان من المقرّر دعوة أصحاب الأعمال الفنية السينمائية ووجوه داعمة للمقاومة لكن ظروف جائحة كورونا حالت دون ذلك.

وبدوره عزا بيار أبي صعب نائب رئيس تحرير جريدة “الأخبار” اللبنانية وضيف شرف المهرجان، فكرة تنظيم هذا الأسبوع في تونس إلى “كون الأخيرة تعدّ مكانا نموذجيا لطرح إشكالية أساسية لها علاقة بالفن والسياسية والمقاومة بالفن”.وتابع “اختيرت أفلام من فلسطين وسوريا ولبنان وتونس بمعايير فنية ترتكز على جمالية الصورة والأسلوب وقوة الطرح، كما اختيرت أفلام تتناول فكرة المقاومة ليس بالمعنى الأيديولوجي الضيق”.وأكّد أبي صعب “حين بُرمج تاريخ هذه التظاهرة، كان الهدف أن تتزامن مع ذكرى انتصار المقاومة اللبنانية في 25 مايو 2000، لكن مع أحداث غزة الأخيرة أعطى ذلك بعدا آخر لأسبوع أفلام المقاومة والتحرير”.