تقرير من الأردن

شهداء بلا مأوى

زياد جيّوسي

كيف يمكن للموسيقى أن تحلّق بالإنسان إلى فضاء آخر، وكيف يمكن للنّغمات أن تجعل المستمع يعيش في حالة وجدانيّة كبيرة، فتفرض الصّمت وتثير الرّوح، هي تساؤلات فرضها على روحي الفنّان سامر طوطح، بعد حضوري عرضاً لفرقة تراث للموسيقى الشّرقيّة، لطلبة معهد ادوارد سعيد الوطنيّ للموسيقى "شهداء بلا مأوى" مقطوعة للفنّان سامر طوطح، كانت واحدة من ستّ معزوفات، لكنّها كانت درّة العرض، ففيها يتحدّث الحزن عبر تمازج موسيقيّ فريد، تمازج يهيّج الأرواح المتعبة، يكاد يدفع الدّموع في المآقي، إنّها أرواح الشّهداء تعزف لنا، تغنّي بصمت. فالنّاي الحزين يبكي ويبكينا، ترافقه نقرات الإيقاع على الدّفوف، القانون يرافق النّقرات بمقاطع رتيبة، كأنّ هناك طابور من العطشى يسير في صحراء قاحلة، الشّمس مسلّطة فوق رؤوسهم، وسراب الماء يلوح في الأفق ويبتعد كلّما ساروا بخطواتهم المتعبة.

نغمات من الحزن تنسكب شلاّلاً، لتخرج نغمات البزق في ظلّ هذه الكآبة الحزينة، وكأنّها تحرّك المياه الرّاكدة، فتخلق بعضاً من أمل، من خلال فرح يشوبه الحزن، لينطلق القانون في معزوفة أمل، بينما يستمرّ العود والبزق مع الإيقاع، يدقّ نغمات ثلاثٍ رتيبة، نغمات تشدّ المستمع للصّمت وتدفع الحزن في روحه. يصمت القانون، فيندفع لحن النّاي الشّجيّ متفوّقا على رتابة العود والبزق والإيقاع، فيحيل الحزن إلى نظرة تفاؤل وأمل للأمام، منطلقة من خلفيّة الحزن فتفتح الطّريق لنغمات العود النّاطقة، وكأنّها تقول لنا: نحن شهداؤكم بلا مأوى، فأكملوا الطّريق الّذي بدأناه، كيّْ تجد أرواحنا المأوى، فلا مأوى لأرواح الشّهداء ولا راحة، إلاّ بتحقّق الأهداف، حرّيّة الوطن، ثمّ تنصهر نغمات الآلات الموسيقيّة جميعها معاً، ناي وإيقاع وكونتراباص، عود وبزق وكمان، وإبداع آلة القانون، وكأن ها تقول بصوت واحد يعبّر عنّا جميعاً: يا شهداءنا.. نحن سنكمل الطّريق ونواصل رفع الرّاية.. فلتهدأ أرواحكم.

فرقة تراث أبدعت بالعزف من خلال أعضائها الشّباب الّذين في عمر الورود، فقد أبدعت كريستين زايد في العزف على القانون، وليس غريباً عليها ذلك فهي شقيقة كلّ من الفنان باسل زايد والفنّان يوسف، وإن تفاجأتُ بالمستوى الّذي وصلت إليه. وأبدع أشرف العفّوري على النّاي، والشّابّة الصّغيرة إيليني مستكلم على الكونتراباص، وزكي الجدع على العود، حتّى كاد العود يتكلّم بين أصابعه، وجلال جلال على البزق بأنغامه المتميّزة، وماهر الشّافعي على الكمان. وشكّل حسين سلمه وابراهيم عبد الكريم وسامر جرادات حالة فريدة من التّناغم على الإيقاع بأدواته المختلفة، فكانوا معاً يمثّلون حالة فريدة، مجموعة من البراعم الّتي نمت وترعرعت في ظلّ إشراف متميّز للفنّان سامر طوطح وثلّة من الفنّانين المتميّزين، فزرعوا النّبتة واعتنوا بها، فأثمرت حقلاً من الورود ـ هم شباب لهم مستقبل أراه مشرقاً متميّزاً.