يستعير الكاتب عالم الحيوان ليضع أفكاره وفلسفته عن الصراع بين الخير والشر، قبل أن يتحول من أنفاق القوارض إلى البشر فوقها في محاولة للإلقاء الضوء على بؤس البشر في المجتمعات التي لم تجد السلام الاجتماعي كالمجتمع العراقي

جحر الفئران

عامر حميـو

 

الشخوص حسب الظهور

1-الفأر الصغير.

2-الفأر حارس الملك.

3- الفأر الملك.

4- كبير الفئران الأول .

5- كبير الفئران الثاني.

6- كبير الفئران الثالث.

7- كبير الفئران الرابع.

8- الفأر حارس البوابة الشمالية.

9- فئران عاملة داخل الجحر.

10- الفأر حارس البوابة الجنوبية.

11- الفأر المعترض ذو الجلد الأصهب.

12- أربعة فئران معترضة.

13- الرجل الملتحي.

14- المرأة المحجبة.

15- الفأر العجوز.

16- الصوت الشبابي.

17- صوت الرجل.

18- صوت المرأة (المرأة المحجبة).

 

ترفع الستارة
المشهد الأول:

المكان: جحر فئران، يمتلأ بأنفاق جانبية مظلمة، ومصفوفة لصق بعضها، من ارض الجحر إلى سقفه. وعلى شمال الجحر وجنوبه هنالك نفقين، اكبر حجم من غيرهما، وفيهما بصيص نور.

تدب حركة رواح ومجيء للفئران العاملة، وكل منها يعظ شيئا بين فكيه، ويجري فيه سريعا نحو نفق . يخبئه ويخرج من جانب الجحر ليأتي بغيره.

يدخل الجحر فأر صغير، يلهث خائفا، وتبدو عليه علامات التعب:

الفأر الصغير (بصوت عالي): أيها الحرس ...يا حارس الملك؟

(يخرج الفأر الحارس من ثقب احد الأنفاق، التي في وسط جدار الجحر، المواجه للجمهور)

الفأر الحارس: ما بالك يا صغير تصرخ؟... لا توقظ الملك من قيلولته ... إياك أن تفعل؟

الفأر الصغير(بعد أن استرد أنفاسه): أيقظه لي ..أيقظه .. بسرعة...بسرعة.

الفأر الحارس (محذرا): أنت تعرف أن أوامر الملك، تدعو أن لا يوقظه أحدا، من نومه أبدا.!

الفأر الصغير(متوسلا): أرجوك ..أرجوك أيقظه.

الفأر الحارس (يدفع الفار الصغير بيديه): امش ..امش يا صغير.

الفأر الصغير(بإصرار محاولا أن لا يتحرك من مكانه) لن أتزحزح من مكاني إلا إذا كلمت الملك؟.

الفأر الحارس:  طيب .. اذهب لحال سبيلك الآن، وان استيقظ الملك من نومه تعال وكلمه.

الفأر الصغير (ساخر): يكون الجحر عندها قد ردم على الملك وأهله!.

الفأر الحارس (فزعا): ماذا؟...الجحر يردم على الملك !.

الفأر الصغير(واثقا): على الملك وعلى الملكة وعليك وعليَّ وعلى كل هذي(يشير بقائمته الأمامية) الفئران التي تسعى لرزقنا!.

الفأر الحارس (يضحك مستهزأ):  مؤكد أنت  مجنون. من يفعل ذلك والملك موجود!.

الفأر الصغير (بعجالة) أيقظه لي، وستعلم؟

الفأر الحارس (متضايقا): أما أن تذهب ، أو سأوعز للحرس بسجنك ؟.

الفأر الصغير (مهددا): أنا أبلغتك .. وسأشكوك غدا عند الملك ...ها ..تذكر ذلك؟

الفأر الحارس: تهددني يا مخرب !... سأقول للملك أن الفار الصغير ينبش تحت الجدار الصلب  لجنس الإنسان، وهو الذي ردم الجحر علينا.

الفأر الصغير يدير ظهره للفأر الحارس، ويخرج من النفق الكبير على شمال الجحر.

يرجع الفأر الحارس لنفق الملك ويتوارى في ظلمته.

يخيم الصمت في الجحر، ولا يسمع غير صوت سير الفئران العاملة، وسقوط بعض ما يثقل على حملها، مما تجلبه للأنفاق.

يخرج الفأر الحارس مهرولا، خارج نفق الملك، ويقف في خشوع، وسط الجحر .

يخرج الفأر الملك، كسولا، متثائبا، ويأمر بتثاقل:

الفأر الملك: يا حارس ... اجمع لي كبار الفئران فورا ؟.

الفأر الحارس: تقصد الآن سيدي؟

الفأر الملك: وماذا تعني فورا عندك يا غبي! أسرع..؟

يهرول الفأر الحارس ويخرج من النفق الكبير على شمال الجحر.

يرجع الفأر الملك لجحره.

يدخل كبار الفئران (الأول والثاني والثالث والرابع) ،من النفق الشمالي الكبير، تباعا، ويقفون وسط الجحر .

يدخل الفأر الحارس من النفق الجنوبي الكبير، ويقف وسط الجحر، متفحصا الفئران الكبيرة بريبة.

الفأر الحارس: يا حارس البوابة الشمالية؟

(يدخل حارس البوابة الشمالية )

حارس البوابة: نعم يا حارس الملك؟

حارس الملك:  هل فتشت كبار الفئران قبل أن يدخلوا من بوابتك؟

حارس البوابة:  نعم فتشتهم.

حارس الملك:  انصرف لحراستك (موجها الكلام لكبار الفئران) تلك أوامر مليكنا المفدى.

يدخل حارس الملك لنفق الملك، ويبقي في الداخل قليلا ثم يخرج.

حارس الملك: لا تجادلوا الملك أبدا...فقط أجيبوا على أسئلته، باختصار...مفهوم؟

كبار الفئران يومئون في رؤوسهم بالموافقة دون كلام .

يخرج الملك من جحره فينحني الحارس وكبار الفئران.

 الفأر الملك يتفحصهم باستصغار ويشيح بوجهه عنهم جانبا.

الفأر الملك: كما تعرفون أنا اخترت هذا الجحر لحكمة، هدفها أن أحفظ حياتكم وحياة كل الرعية الباقين، فالأرض التي حفرنا فيها الجحر تشير معلوماتي التي جمعها حرسي ، أنها ارض بور تخص دولة الإنسان ، وهم خصصوها لما أسموه مرافق ومتنزهات عامة..

الفأر الأول (مقاطعا) وماذا تعني مرافق ومتنزهات عامة؟

الفأر الملك:  اخرس ..لا تقاطعني؟

الفأر الأول (خائفا): أمرك، اعذر فضولي سيدي.

الفأر الملك (يكمل متضايقا): مرافق ومتنزهات عامة...هكذا يدعوها!. لكن مصادر حرسي تفيد أنها لن يشيد عليها بناء ولا يستغلها إنسان منهم لمنفعته هو فقط ...المهم ...وانتم تعلمون يوم شرعنا نحفر الجحر، واجهتنا صعوبة أن نخترق جدار، اعترض سير حفر الأنفاق.

(يصمت قليلا) ولما استطلعنا الأمر، وجدنا أن حفرنا وصل لأسس ملعب للإنسان، وبعض من جنسه،  يدحرج عليه  كل عصر يوم، شيئا مدورا، ينط على الأرض، كأنه فأر صغير، حاصرته المياه في جحره !.

الفأر الثالث (مستفسرا): وهل يؤذينا هذا الشيء الذي ينط؟

الفأر الملك (نافيا):  لا .. لا أبدا ... ثم نحن جاورناهم وهم يدحرجوه منذ الموسم الفائت لجني محصول الحنطة ... أسمعتم أنهم عبروا خارج ملعبهم؟... اطمأنوا نحن في مأمن ممن يلعب، ويعيش الحياة.

الفأر الثاني:  أراك سيدي تخشى شيئا أخر من جنس الإنسان هذا؟.

الفأر الملك: شاهد حرسي بالأمس، ملك الجرذ وحرسه يستطلعون قرب جحرنا..(يفكر قليلا) وان صدقت هواجسي فان وراء استطلاعهم أمرا مريبا ..!.

(تزداد أعداد الفئران العاملة متجمعة داخل الجحر)

الفأر الملك: يا حارس؟

حارس الملك: نعم سيدي.

(يدخل الفأر حارس البوابة الجنوبية )

حارس البوابة: سيدي الملك.. سيدي الملك.

الفأر الملك: صه ..ما فيك لتصرخ هكذا؟

الفأر حارس البوابة: سرب جرذان كبير يحفر قرب جحرنا سيدي.

(يسمع لغط بين الفئران العاملة، ويبتعد منهم من يكون قريبا من بوابة المدخل الشمالي، وبوابة المدخل الجنوبي).

(يخفت بصيص النور من البوابة الجنوبية، فيما يبقى واضحا في البوابة الشمالية).

 

المشهد الثاني:
المكان: جحر الفئران .

(تبدو الفئران مصطفة بانتظام، وظهورها بمواجهة الجمهور، شاخصة بأنظارها للفأر الملك )

الفأر الملك (يصفق بيديه ليجلب انتباه الفئران المقابلة له ): مهلا ..مهلا.(آمرا بصوت عال) يا حارس البوابة الجنوبية ؟

حارس البوابة الجنوبية: نعم سيدي.

الفأر الملك:  أغلق بوابتك بأحكام ، وقف عندها؟.

حارس البوابة:  نعم سيدي.

(يقفز حارس البوابة الجنوبية مهرولا، ويدخل النفق الكبير للبوابة الجنوبية )

(يسمع صوت صرير باب يغلق، وينطفئ الضوء نهائيا في البوابة اليمنى )

(يرجع حارس البوابة الجنوبية نحو وسط الجحر، ويقف قبالة الملك مبهورا)

حارس البوابة الجنوبية: سيدي...أغلق الجرذان بوابتي!.

الفأر الثالث الكبير: لنغلقها سيدي قبل أن يدخل تراب حفرهم علينا فيطمرنا !.

الفأر الملك:  أغلقوها بسرعة؟

(تتحرك الفئران العاملة وتغلق مدخل البوابة الجنوبية).

الفأر الملك (رافعا صوته):  اسمعوني الآن، ونفذوا ما أقوله ... إن كنت بينكم أم لم أكن..

(يخف اللغط بين الفئران، ويسترقوا السمع لكل ما يقوله ويهمس فيه للملك).

(يلتفت الملك لكبار الفئران).

 الفأر الملك: لكبار الفئران .. الأول فيكم يحمي الجهة الشمالية من الجحر، والثاني يحمي الجهة الجنوبية، والثالث يحمي الجهة الشرقية، والرابع يحمي الجهة الغربية، وكل ليلة تجتمعون معي في نفقي.

(يلتفت ناحية الفئران العاملة)

أما انتم فمع أول الليل... ستكون الجرذان قد تعبت من الحفر ونامت، وأريدكم أن تنهبوا كل خزين أكلها..

فأر ذو جلد أصهب (مقاطعا):  أيها الملك ..كلمهم فربما يتركونا وشئننا، دون أن نضطر لنهبهم؟

الفأر الملك (مخاطبا الفئران العاملة): كل من يرى رأي هذا الفأر، ذو الجلد الأصهب، فليصطف بجانبه؟

(يخرج أربعة فئران ويصطفوا مع الفأر الأصهب)

الفأر الملك (مناديا):  يا حارسي.. أحفظ  وجوه أخوتك ..هؤلاء الفئران الخمسة لنا رأي أن نكلفهم بمهمة غير النهب؟.

(الفأر حارس الملك يدقق في وجوه الفئران المعترضة).

الفأر الملك:  الآن يا معشر الفئران لكم أن تطمئنوا ، فهناك غير الذي طلبته منكم ، خطط أخرى إن طبقت فسيلعن الجرذان اليوم الذي وصلوا فيه لقرب جحرنا!!...فقط لا تنسوا أن تنهبوا ليلا  كل شيء على الأرض  وتحتها.

(تتفرق الفئران كلها إلى أنفاقها ويبقى الملك وحارسه ).

الفأر الملك: اسمع يا حارس... في الليل حاول أن تخرج الفئران التي اعترضت على النهب ..أخرجهم من أنفاقهم ، وقبلها استدعي خمسة فئران، من خاصتك المؤتمنون على سرك، واطلب منهم أن ينهبوا أنفاق الخمسة كلها؟ لا تبقوا لهم لقمة ليوم غدٍ؟.

الفأر الحارس:  هم قلة بيننا !... لن يستطيعوا فعل شيء سيدي !.

الفأر الملك (محذرا): لا تكن فارا غرا فيغلبوك ؟..هؤلاء رغم قلتهم.. هم غدا كل الفتنة، بين معشر الفئران ، وقد يحرضون البقية على عرشي، فيسلبوه مني!.

الفأر الحارس:  لكن ما فائدة نهب أنفاقهم ، ففي النهاية سيبقون بيننا!. أآمر بطردهم من الجحر أو أآمر بسجنهم ؟.

الفأر الملك (معترضا بشدة):  لا ...إن فعلت بهم ذلك سيتبعهم آخرون...الحكمة هي أن نجوعهم فيفعلوا ما نريد منهم!.

الفأر الحارس: سمعا وطاعة سيدي.

الفأر الملك (متذكرا):  وهنالك أمر آخر...(يصمت برهة) كلف مجموعة من خاصتك، أن تسرق لنا سما من بني الإنسان ، ثم اخلطه مع الأكل، وبعد النهب سينضب أكل الجرذان، وفي ليلة جوعهم دع خاصتك ترمي الأكل المسموم لهم، لكن إياك أن يكوموا الأكل المسموم  في مكان واحد ! قل لهم أن يبعثروه أينما وجدوا فرصة، لا تراهم فيها الجرذان؟.

 

المشهد الثالث:
المكان: فضاء فارغ خلف ملعب كرة قدم.

تبدو خلفية المسرح عبارة عن حائط عالي ، دائري من جانبيه، ومكتوب في وسطه  إلى الأعلى بخط واضح عريض(باب الملعب من الجهة الأخرى.. ترجو إدارة الملعب من المواطنين الكرام، الالتفاف حول إحدى الجهتين، بغية الوصول إلى البوابة الرئيسية لملعب كرة القدم...أهلا وسهلا بكم).وثمة شجيرة صغيرة تنبت قرب الحائط.

(في وسط المسرح إلى الأمام يوجد كوم تراب لجحر، حديث على الأرض، وثمة تراب رطب ينثر لخارجه، بانتظام دون أن يبان شيئا ممن ينثره).

(ملاحظة لمخرج العمل:  من الممكن الاستفادة من فتحة الملقن، واعتبارها الجحر الحديث، واستغلال وجود الملقن، لينثر التراب الرطب خارجها، إثناء سير أحداث المشهد).

(يظهر الفأر الصغير، يلعب قرب الشجيرة، لكنه يتوارى خلفها، بعد أن يدخل المسرح رجل ملتحي ، وامرأة محجبة. يتجهان من الجانب الشرقي لدوران حائط الملعب، ويقفان في وسط الفسحة الفارغة، وقرص شمس الصباح يوازي كتفيهما).

الرجل (يشير إلى فضاء الأرض التي يقفان عليها ): هذا المكان الذي كلمتك عنه.

(الفأر الصغير يصيخ السمع)

المرأة (تهز رأسها استحسانا): واسع جدا ، ويكفي لأكثر من فندق ومطعم !.. لكن لأي شيء خصصت هذه المساحة في خرائط التخطيط العمراني ؟.

الرجل (ساخرا):  مساحات خضراء ومنافع عامة (يضحك مقهقها) ونحن سنبني لهم كل المرافق التي يطلبوها.!

المرأة (مفاوضة بتمهل) إن جعلتهم يغضون الطرف عما تشيده هنا، فلي النصف من إيراد البنايات كلها؟... على أن لا يكون اسمي شريكا معك، في أية ورقة رسمية؟ فان وافقت ..نفذ الآن؟

الرجل (فرحا) موافق (يرفع هاتفه النقال متصلا) الو....اسمع ..حرك الآليات الآن لتسوي الأرض التي خلف الملعب فورا.

المرأة(مستدركة): لكن مادامت قطعة الأرض خصصها التخطيط العمراني، لمساحات خضراء ومنافع عامة، فليس بمقدوري الآن أن اجعلهم يوافقون على بيعها.(تصمت وتفكر) روج معاملة استئجار لقطعة الأرض عند مديرية البلديات، وأنا من خلال علاقاتي سأجعل مجلس المحافظة يوافق على تأجيرها لصالحك ...تسعون عاما !.

(يخرج الرجل والمرأة ويخيم الصمت لدقيقة ثم يسمع هدير آليات ضخمة دون أن تظهر هياكلها، ويزداد صوتها علوا).

 

المشهد الرابع:
المكان: جحر الفئران.

(يخرج الفأر الملك رأسه من نفقه، صارخا)

الفأر الملك: أين أنت يا حارسي.

(يخرج الفأر الحارس من نفق الفأر الذي اعترض)

الفأر الحارس (موضحا): كنت عندهم سيدي.

الفأر الملك (مستوضحا بترقب):  وماذا عرفت منهم؟

الفأر الحارس (بيأس) قلت لهم أن نهب جحر الجرذان انتهى ، ولا نريد منكم شيئا غير أن تتناولوا الأكل الذي يقدم لكم ... (يصمت).

الفار الملك: أكمل؟

الفار الحارس: مات احدهم قبل قليل، والأربعة الآخرين، لازالوا مضربين عن الأكل!.

الفأر الملك (محذرا): احذر أن يدخل لهم احد من الفئران ، وفي الليل ادفن الذي مات دون أن تعلم أحدا بخبر موته؟.

الفأر الحارس:  وصلتني أخبار مؤكدة أن الجرذان يطمرون موتاهم بالعشرات...لكن..(صمت).

الفأر الملك (يستعجله نافذ الصبر): لكن .ماذا!...أكمل؟

الفار الحارس (بتوجس):  تنقل الأخبار أن ملك الجرذان يرفض أن يغادر المكان.

(يدخل فأرا عجوزا يتبعه الفأر الصغير)

الفأر العجوز(ينحني للملك): أرجو المعذرة سيدي، لكن خادمكم هذا الفأر الصغير، يلح كثيرا أن اصطحبه لكم .

الفأر الحارس (للفأر الصغير): الم أبلغك أن لا تأتي ثانية ؟

الفأر العجوز:  لقد طلب مني أن اصطحبه لمقابلة الملك، لأنك كنت قد منعته، في المرة السابقة.

الفأر الحارس:  سيدي هذا الفأر الصغير ، فأر مشاغب، وقد وجدته قرب نفقك، وأنت نائم فطردته..

الفأر الملك (مقاطعا):  دعنا نسمع منه يا حارس؟...تكلم يا صغير !.

الفأر الصغير:  يا سيدي ربما أنا الوحيد بين أقراني، الفئران الصغار، الذي يلعب خارج الجحر، ، وأنا أول فأر شاهد الجرذان قرب جحرنا، كان ذلك قبل أن تبدأ بحفر جحرها، ويومها تركت اللعب وأتيت لأبلغك شخصيا ...لكن الحارس منعني..

الفار الملك (مسفها ما يسمعه) ذلك ليس بجديد عندنا !..فقد أعلمتنا مصادرنا بما قلت في حينها... (يصمت قليلا)..أعندك شيء جديد غير الذي أسمعتني؟

الفأر الصغير: بالأمس أيضا كنت العب هناك، وقد دخل اثنين من جنس الإنسان ..ذكر وأنثى يا سيدي! لما رايتهما اختبأت خلف الشجيرة، وسمعتهما يهمسان لبعضهما، بكلام سمعته لكني لم افهم معناه، غير أن الذكر وضع شيئا مثل الخشبة على أذنه ! وطلب فيه أن تأتيه حيوانات من الحديد، لكنها تمشي مثلنا على الأرض! ..كبيرة جدا...وصوتها مخيف!.  تحفر لقمة بفمها في الأرض، لا نستطيع نحن أن نحفر مثله لو قضينا عام حصاد حنطة كاملا!.

الفأر الملك (يبدو مهتما): وماذا فعلت تلك الحيوانات يا صغير؟!

الفأر الصغير: اليوم صباحا ذهبت كي العب ثانية هناك ، وشاهدت الحيوانات الحديدية تزيح جبالا كبيره من التراب نحو جحرنا... (يصمت لاهثا) هم لازالوا بعيدين عن جحرنا ..لازالوا لم يصلوا بعد.. مقبرة الجرذان...

الفأر الملك (مقاطعا): انصرف ؟..يكفي ما نقلت لنا  (يلتفت للحارس) اجمع الفئران كلها؟

(يخرج الحارس مسرعا، ويبتعد الفار العجوز وصغيره، عن مكان الفار الملك، لكنهما لا يغادرا وسط الجحر)

(يخيم صمت مطبق على الجحر، لا يسمع خلاله إلا هدير الحيوانات الحديدية، يأتي من بعديد)

(يتوافد الفئران زرافات لوسط الجحر،  ويسود لغط بينهم، وترتفع همهمة في أطراف تجمعهم)

(يتقدم الحارس ويقف قرب الملك)

الحارس (هامسا للملك) :  مات أربعة من  المعترضين، ولازال الخامس فيه قوة لمقاومة الجوع.

الملك:  من فيهم ذاك الذي لازال يقاوم؟

الحارس: ذو الجلد الأصهب سيدي.

(يصفق الملك بيديه، فيسود الصمت على كل الفئران)

يدخل حارس البوابة الشمالية مسرعا ويخترق الفئران متوجها إلى الملك)

حارس البوابة: يا سيدي...(يلهث قليلا) سدت الجرذان آخر بوابة لجحرنا! وما عاد لنا منفذ للخارج إلا من نفق يفضي على جحرها!.

الملك (موجها الكلام للفئران كلها) اتركوا كل شيء في نفقه، ومن يستطيع أن يدبر جلد جرذ فليفعل ويلبسه، ومن لم يستطع ، فليحشوا جلده بالتبن، حتى يبدو كبيرا مثل الجرذان..(بعد قليل وبصوت يائس)..ما عاد لنا طريق للخارج غير جحر الجرذان..(يشرح موضحا) إذا لبستم جلودهم، انسلوا وسطهم كأنكم جرذان، ثم اخرجوا من بوابتهم، وموعدنا عند حائط الملعب، لننظر بأمرنا...هيا أسرعوا؟

(يتفرق جمع الفئران تائهين، يتصادمون عند فتحة كل نفق، وصراخهم يعلو هنا ويعلو هناك).

 

المشهد الخامس:
المكان: قاعة اجتماعات فارغة، رصفت بكراس وثيرة، على شكل نصف دائرة، وأمام كل صف من الكراسي يوجد تخت من خشب الصاج، ينحني إلى الجانبين، مثل انحناءة صف الكراسي . ثبتت فوق التخت الخشبي مقابل كل كرسي لاقطة صوت سوداء اللون، يميل رأسها باتجاه الكرسي.

في نهاية القاعة بمواجهة الجمهور هنالك تخت خشبي، من الصاج أيضا، ثبتت عليه ثلاث لاقطات صوت تميل رؤوسها، نحو ثلاث كراس خلف التخت.

علقت لافتة كبيرة في وسط جدار القاعة، المواجه للجمهور كتب عليها (وأمرهم شورى بينهم).

(هاتف يرن).

صوت شبابي: مسئول حماية السيدة معك ..تفضل؟

صوت الرجل: صباح الخير ..أين السيدة؟

الصوت الشبابي: عندها اجتماع.

صوت الرجل:  اجتماع !..مع من تجتمع؟

الصوت الشبابي: مع مقاول.

صوت الرجل: أي مقاول هذا!...أما تعرف اسمه؟

الصوت الشبابي: لا سيدي.

صوت الرجل: اسمع...خذ الهاتف ، ولتكلمني هي؟

الصوت الشبابي (محاولا الاعتراض): لكن سيدي..

صوت الرجل (مقاطعا): من دون لكن ...ادخل وأعطها الهاتف...أسرع؟

الصوت الشبابي(باستسلام):  صار أستاذ.

(يسمع عبر الهاتف صوت أقدام تسير على البلاط ..ثم طرقات على باب ..يفتح بعدها)

الصوت الشبابي (يأتي بعيدا عن لاقطة صوت الهاتف): آسف سيدتي..

صوت المرأة(يأتي بعيدا أيضا):  لا عليك.. تفضل قل ما عندك ؟.

الصوت الشبابي: الأستاذ يريد أن يكلمك.

صوت المرأة:  هات الهاتف؟

(صمت)

صوت المرأة: صباح الخير ..أهلا أستاذ.

صوت الرجل: صباح الخير...مسئول حمايتك يقول أن عندك اجتماع.

المرأة (تضحك): مع المقاول.

صوت الرجل (يستفسر): أي منهم؟

صوت المرأة: المقاول الذي يباشر البناء خلف الملعب...تذكره طبعا؟.

صوت الرجل: أنا اتصل بك الآن بخصوص أمره.

صوت المرأة:  بخصوص أي شيء؟

صوت الرجل: مجموعة من النواب تريد فتح تحقيق، وهم يعدون ملف بالموضوع ليقدموه للجنة النزاهة..

صوت المرأة: وما المطلوب؟

صوت الرجل: قبل المطلوب ..هل يعرف هو المطلوب منه؟

صوت المرأة: لأجل هذا الأمر أنا مجتمعة معه.

صوت الرجل:  والى ماذا توصل اجتماعك معه؟

صوت المرأة: أستاذ ...الرجل متفهم جدا ..ويعرف أن الأمر لا يخصني ولا يخصك !..ويعرف أيضا أن حصتي وإياك هي أصلا سوف لن تكون لنا وحدنا..

صوت الرجل(مقاطعا):  المهم على ماذا اتفقتم؟

صوت المرأة: اتفقنا على أن له الربع من إيرادات البنايات المشيدة ولنا ثلاثة أرباع.

صوت الرجل: جيد...وهل أخذتي منه شيكا مفتوحا ؟

صوت المرأة(بصوت عال): نعم ..الشيك فقط للطوارئ .

صوت الرجل: اطلبي منه أن يكمل إجراءات عقد استئجار القطعة من البلديات، وبشكل رسمي، وابعثوا لي نسخة مصدقة من العقد ، لتكون تحت يدي، عندما يقدم الملف للجنة النزاهة...(يصمت قليلا)..أسرعوا بالأمر ، ففي الأسبوع القادم سأسافر للخارج؟.

صوت المرأة: سأعلمه ذلك، فانا الأخرى سأسافر للعلاج، بعد عشرة أيام.

صوت الرجل: سلامتك ،خير إنشاء الله ؟!

صوت المرأة:  يظهر إنا كبرنا قليلا...عملية تجميل لوجهي (تضحك ).

صوت الرجل (مجاملا): وهل يخفى القمر!...أنتِ جميلة دون عملية تجميل (يضحك).

(صمت)....

صوت الرجل ثانية: بلغي المقاول تحياتي ..استودعك الباري عز وجل.

صوت المرأة: مع السلامة (تستدرك سريعا) ..في أمان الله وحفظه.

(قبل أن يغلق الهاتف يسمع صوت المرأة تخاطب المقاول)

صوت المرأة: هل سمعت ما قال الأستاذ؟

(يغلق الهاتف).

 

المشهد السادس:

المكان: قطعة الأرض خلف الملعب .

  قرب الشجيرة الصغيرة ثمة لافتات بأطر حديدية، مركونة على حائط الملعب:

في الأولى كتبت عبارة(موقع إنشاء مطعم البركة).

في الثانية كتبت عبارة (موقع إنشاء فندق الرحمن).

في الثالثة كتبت عبارة(موقع إنشاء شقق جنة الخلد...أسرع واتصل فورا على الرقم....لتحجز شقتك السكنية من الآن، وبأسعار مدعومة).

ثمة حيوان حديدي يقف وسط المسرح، لسبب ما، دون حراك.

يخرج سرب فئران من جانب المسرح الشمالي، متخفيا بجلود الجرذان ، يتعثر بعضه في خطواته، ويتجهون صوب حائط الملعب، من الجهة الجنوبية للمسرح.

يخرج الفأر المعترض ذو الجلد الأصهب وحيدا، ويزحف بصعوبة وراء سرب الفئران.

الفأر الأصهب المعترض يتوقف عن زحفه ثم يتجه صوب الحيوان الحديدي .

يشاهد الفأر الصغير وقد انكفأ راجعا، دون أن يواصل السير في الطريق الذي سار فيه سرب الفئران. يسحب الفأر الصغير جلد جرذ كبير، بصعوبة، ويتجه صوب الفأر الأصهب، ويحاول أن يجعله يتنكر فيه ، لكن الفأر الأصهب يرفض.

يسمع صوت هدير الحيوانات الحديدية، يقترب شيئا فشيئا، ثم تظهر هياكلها الضخمة، حتى تسد

واجهة المسرح ، ولا تبقى من خلفية المسرح أمام الجمهور، إلا فسحة تكفي لمكان حيوان حديدي، يشاهد الجمهور من خلالها الفأر المعترض، ممتطيا هيكل الحيوان الحديدي في الخلف ، وهو يقرض كومة أسلاك يخرجها من داخل بطن الهيكل.

فيما يشاهد الفأر الصغير وقد رمى جلد الجرذ، تحت قدميه، ووقف مبهورا، يرقب الفأر الأصهب وهو يأكل أسلاك الهيكل الحديدي بشراهة ونهم.

 

(تنزل الستارة)

 بابل / مدينة القاسم