عودة إيقاع القاهرة الثقافي المفقود بسبب الجائحة
أعاد مهرجان الطبول إلى القاهرة إيقاعها الثقافي، وشارك في ملتقاها للخط العربي خطاطون من دول عربية وإسلامية وأوروبية. وخاطبت المسرحية المصرية "المسيرة الوهمية" الوعي عبر ثنائيات متباينة منها الحاكم والمحكوم والبؤس والرخاء. فيما احتفت فرنسا عبر متحف بمن شكل عمله نقطة انطلاق علم تاريخ مصر القديمة.
المهرجان الدولي للطبول يعيد الى القاهرة إيقاعها المفقود بسبب الجائحة: من جديد عاد جمهور المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية إلى التمايل والغناء على الإيقاعات الموسيقية القادمة من قارات العالم في افتتاح الدورة الثامنة للمهرجان يوم السبت 12 / 06 / 2021 بالقاهرة. وكان المهرجان الذي تنظمه مؤسسة حوار لفنون الثقافات العالم تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية، ويجذب سنويا عشرات الآلاف من المتابعين، قد احتجب في العام الماضي 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا.
وقال مؤسس ورئيس المهرجان انتصار عبدالفتاح في كلمة الافتتاح الذي أقيم في الهواء الطلق بمسرح بئر يوسف في قلعة صلاح الدين الأثرية إن "الدورة الثامنة تعد بحق دورة التحدي والإصرار والصمود" بسبب الظروف المحيطة. وأضاف أن المهرجان يهدف الى التحاور والتفاعل وتجاوز الحدود لخلق حالة من الانسجام المتناغم والتواصل مع شعوب العالم عبر الأزمنة والأمكنة تحت شعار "حوار الطبول من أجل السلام".
الفِرَق المشاركة في الدورة الثامنة للمهرجان نحو 30 فرقة موسيقية واستعراضية من مصر والفلبين وإندونيسيا وبنغلادش وباكستان واليمن وفلسطين وكولومبيا وجنوب السودان والسودان والكونغو الديمقراطية إضافة إلى فِرَق سورية مقيمة في مصر.
العروض مقامة يوميا حتى الثامن عشر من يونيو حزيران 2021 في حديقة الحرية بجوار دار الأوبرا وقبة الغوري في شارع الأزهر وقصر الأمير طاز بحي الخليفة وبيت السناري في حي السيدة زينب وقلعة صلاح الدين.
وبعد إعلان وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم إطلاق الدورة رسميا أعلن رئيس المهرجان عن مفاجأة غير مدرجة ببرنامج الافتتاح وهي فقرة فنية للعزف المنفرد على آلة الساكسفون قدمها سفير كوريا الجنوبية بالقاهرة هونغ جين ووك تعبيرا عن تقديره لمصر.
شمل برنامج الافتتاح الورشة الدولية المعتادة التي تقدم خلالها كل فرقة مشاركة جزءا من عرضها قبل أن تتمازج إيقاعات الفرق مجتمعة مكونة لحنا عالميا واحدا.
وفي أول ظهور لهما بالمهرجان لاقت فرقة (طبلة الست) المصرية المكونة من مجموعة من الفتيات الماهرات في القرع على الطبلة تفاعلا كبيرا من الجمهور فيما حظت فرقة (القلوب البيضاء) لذوي الاحتياجات الخاصة تشجيعا حماسيا من جميع الحاضرين.
المخرج المسرحي طارق الدويري يقتفي أثر (المسيرة الوهمية) عبر النصوص الأدبية
يتبع المخرج المسرحي المصري طارق الدويري نهجا خاصا في أعماله يوظف فيه أكثر من نص روائي أو مسرحي لإنتاج عروض تجمع بين الأدوات القديمة والحديثة للمسرح وهو ما يتجسد في مسرحيته الأحدث (مسيرة وهمية).
نص المسرحية مستقى من سبعة نصوص من تأليف الكاتب المسرحي الراحل رأفت الدويري (1937 - 2018) وهو والد المخرج، في محاولة من الابن لتسليط الضوء على مسيرته الفنية ومشروعه.
ولا تبدو (المسيرة الوهمية) من الأعمال المسرحية البسيطة التي تستهدف تقديم رسالة محددة للمشاهد وإنما تعتمد على فكرة متعددة المستويات والأبعاد وتترك مساحة كبيرة للمتلقي للتفاعل معها، فهي بمثابة نص مفتوح يخاطب مستويات مختلفة من وعي المشاهد، ووعي المشاركين في العمل، عبر سلسلة من المواقف المتناقضة أو الصراع بين ثنائيات المرأة والرجل والحاكم والمحكوم والغني والفقير والمعرفة والجهل والبؤس والرخاء والفرد والمجموع.
ويتناول العمل من بدايته وحتى نهايته، قضية الصراع من أجل الوجود مع نضوب النهر مصدر الرخاء والحياة وسعي الإنسان بحثا عن شربة ماء تروي ظمأه أو حفنة من دقيق تضيع هباء بسبب الصراع عليها أو الصراع على رغيف الخبز أملا في الفوز بالجائزة التي تعرضها سلطة لا تفعل شيئا سوى الإشراف على تراكم الثروة إلى حد التخمة لدى القلة واستشراء الفقر لدى الكثرة وحماية الأغنياء من الفقراء وقتل من يسعى للمعرفة وإنتاج أسطورة مستمطر المطر الذي تشخص إليه أبصار أناس يعانون الجدب والفقر نتيجة لجفاف النهر الذي توقف عن التدفق.
وقال الدويري في مقابلة مع رويترز قبل العرض الختامي للمسرحية، التي استمر عرضها في موسمها الأول 15 يوما على مسرح الهناجر بالقاهرة، إن فكرة هذا العمل بدأت في عام 2019 من خلال ورشتي عمل، الأولى كانت لاختيار المشاركين في العمل والثانية خصصت لكتابة النص المسرحي.
وأضاف أنه أتاح الأعمال الكاملة لرأفت الدويري للمشاركين في ورشة الممثلين التي تقدم لها نحو 300 فنان وفنانة، اختار منهم 40 للمشاركة في المسرحية، وطلب من كل فنان أن يختار الدور الذي يريد أداءه في العمل، ثم بدأ ورشة الكتابة التي اعتمدت على مسرحية (الطفل المعجزة) التي تتناول شخصية الحاكم المستبد منذ ميلاده وتنشئته ومسيرته.
ومن كواليس المسرحية يلوح ثمة عنصر مشترك بين الوالد المؤلف والابن المخرج وهو الرغبة العارمة في خوض غمار التجربة، فهما بحق من رواد التجريب في المسرح المصري. لكن الابن استند إلى تعدد مواهبه في المسرح، تمثيلا وتأليفا وإخراجا وذهب إلى آفاق أبعد معتمدا في معظم عروضه على السينوغرافيا المسرحية التي تدخل بعض تقنيات السينما في العمل المسرحي من خلال تفعيل أدوات الإضاءة والألوان والتشكيل والشعر والاستفادة من الآليات الرقمية والمعطيات السينمائية الموحية.
وتمثل (المسيرة الوهمية) تجربة فريدة ليس فقط على مستوى التأليف المسرحي وإنما أيضا في كل عناصر العمل الذي اشتمل على العديد من فنون الأداء، إذ اعتمد العمل على المزج بين فنون المسرح القديمة من تمثيل وغناء ورقص وموسيقى واستعراض تستقبل الجمهور أمام المسرح لتأخذه إلى عالم أكثر إبهارا.
واعتمد كذلك على فنون السرد وهنا أيضا يكون المشاهد أمام راوٍ يصر بلهجة محلية على سرد القصة وتكرار روايتها في بداية العمل وفي نهايته وأمام راوٍ آخر، هو مؤلف النص الذي يطلع المشاهد على معضلة الاختيار التي واجهها بين كتابة نصوص هادفة تشحذ على التفكير والفعل أو كتابة نصوص مبتذلة تستهدف تسلية الجمهور والترفيه عنه دون أي رسالة أو معنى وراء العمل الفني.
وقال الدويري "سعيت إلى تقديم عمل يطرح على المتلقي أسئلة ولا يقدم إجابات وعلى المشاهد أن يسعى إلى الوصول إلى الإجابة بنفسه من خلال إعمال عقله والتفكير في الواقع الذي يعيشه".
وتعكس (المسيرة الوهمية) وهي العمل المسرحي الثاني للمخرج من إنتاج مسرح الهناجر بعد (الزومبي) تطور المخرج منذ مسرحية (المحاكمة) التي قدمها في 2012، وهو نص مأخوذ عن مسرحية (ميراث الريح) من تأليف جيروم لورانس وروبرت لي، لكنه تطور يعتمد على فكرة أساسية تقوم على تفكيك النص أو النصوص وإعادة تركيبها وفق رؤية للمخرج/المؤلف لطرح أسئلة سعيا وراء الحقيقة.
وقبل (المسيرة الوهمية) دأب الدويري على توظيف الكتابات الأدبية في مسرحياته ومنها (الزومبي والوصايا العشر) التي عرضت عام 2016 وهي مستوحاة من عدة نصوص منها رواية (1948) للبريطاني جورج أورويل و(فهرنهايت 451) للأمريكي راي برادبري وكتابات الشاعر اللبناني وديع سعادة أحد أشهر كتاب قصيدة النثر العربية.