لازال المسرح العربي يراهن على التجريب في محاولة لتأصيل تجاربه الجمالية وتزداد حالة التيه التي يعيشها العالم العربي من محاولات المخرجين المسرحيين العرب إيجاد صيغ مسرحية أنسب في محاولة للإجابة على العديد من الأسئلة الدرامية والدراماتورجية التي تسهم في الوصول الى رؤية تجريبية تلامس مسرح المسرح.

مسرحية تستعيد ملحمة الى الزمن الأردني الراهن

 

عمل مسرحي حمل رؤية تجريبية تنتقل حركاته بين الخيال والواقع والماضي والحاضر.

عُرضت أخيرا على خشبة مسرح الشمس في العاصمة الأردنية عمّان مسرحية “لا تصالح” التي اتكأ فيها مؤلفها ومخرجها حكيم حرب على التجريب المسرحي في مزج طريف بين الرمزية والكوميديا الخفيفة ومسرحة المسرح، متنقلا بين الخيال والواقع والماضي والحاضر.

وحفلت المسرحية بالعديد من المضامين التاريخية من خلال استحضار السيرة الشعبية للزير سالم أبوليلى المهلهل وحرب البسوس وإسقاطهما على الواقع المعاصر، ضمن رسائل رمزية على المستويين الفردي والجمعي، حيث دعت الأولى إلى سعي الفرد نحو تحقيق حلمه مهما كانت الصعوبات التي تعترضه، فيما حملت الثانية دلالات تحيل المُشاهد إلى القضية الفلسطينية وعدم اليأس من التحرير.

ووفّق المخرج في تقديم رؤية مسرحية مميزة للعمل وإدارة الممثلين الهواة بمصاحبة الثراء في مختلف عناصر السينوغرافيا التي جاءت معبرة ومنسجمة مع سياقات العرض.

واختتمت مشاهد المسرحية بقصيدة “لا تصالح” للشاعر المصري الشهير أمل دنقل التي مطلعها “لا تصالح ولو أعطوك الذهب، أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبّت جوهرتين مكانهما هل ترى هي أشياء لا تُشترى”.

وجاء العرض نتاج الدورة التدريبية في “فن التمثيل للهواة” التي شارك فيها عدد من الخريجين في مختلف الفئات العمرية من الأطفال واليافعين والشباب التي ينظمها مسرح الشمس بالتعاون مع المخرج حرب لتعزيز الذائقة المسرحية لدى المجتمع، ممّا يسهم في خلق ثقافة مسرحية واعية وجيل مسرحي جديد.

وشارك في بطولة المسرحية محمد الشخاترة، إبراهيم العلمي، فرح جابر، بندر مخامرة، أندرو عوا، خالد الشيخ، حيدر صالح، جنى باسم وشام رائد، وقامت هالة شهاب بتولي تصميم الديكور المسرحي وكذلك الأزياء، أما تصميم الإضاءة فأشرف عليه ماهر جريان، والموسيقى المسرحية من تأليف عبدالحليم أبوحلتم، إلى جانب سيف الخلايلة الذي قدّم التقنيات الصوتية، وقام بإدارة خشبة المسرح فارس قسيسية.

وفي نهاية العرض المسرحي دار حوار بين الحضور والقائمين على العمل استمع خلاله الجمهور إلى وجهات النظر التي يمكنها تقديم مقترحات دعم الحركة الفنية والثقافية بالأردن.

وشكر المشاركون في المسرحية مؤسّس مسرح الشمس عبدالسلام قبيلات، وحياة جابر مديرة المسرح ومخرج العمل حكيم حرب لإتاحتهم الفرصة لهم للتدريب والرعاية وصعود سلم الموهبة والإبداع.

وعن الورشة قال حرب “إننا نريد مسرحا جماهيريا مقدّما للناس بجميع فئاتهم وشرائحهم، وليس إلى طبقة معينة ممّن يتابع الحركة الثقافية في الأردن، ونهدف من هذا المسرح دعم الشباب الذين يقفون للمرة الأولى في حياتهم على خشبة المسرح ويقدّمون مثل هذه الأعمال إلى الجمهور العريض، وكم أنا سعيد بعودة الشغف بالمسرح بعد غياب بسبب كورونا، وعودة الجماهير تتدفّق نحو المسارح لمشاهدة عروض الصيف”.

وأضاف “سعادتي لا توصف بالعمل مع الجيل الجديد الذي ضخّ في عروقنا الأمل، جيل التحدّي والتصدّي وتحقيق الحلم، هذا الجيل الذي غادر المأساة وحلق فوق آفاق الحلم الممكن.. جيل استطاع أن يقدّم العمل وفق معالجة حديثة ورؤية معاصرة، نابعة من آلامنا وآمالنا، من أحلامنا وقناعاتنا الراسخة، وبرؤية متجدّدة مواكبة للأحداث، وروح شبابية مبدعة، لمجموعة من أصحاب المواهب الجديدة، الذين خاضوا هذه التجربة المسرحية الشاقة، والمغامرة الملحمية المحفوفة بالمخاطر، على مدى الأسابيع الماضية، فتصدّوا بكل إتقان لعمل ملحمي صعب مثبتين جدارتهم باعتلائهم خشبة المسرح”.

وشدّد حرب محفّزا الشباب على الإيمان بأحلامهم، قائلا “إذا كان المُهلهِل بقي يقاتل طوال حياته مُطاردا حلما مستحيلا بعودة أخيه القتيل إلى الحياة من جديد؛ فماذا نفعل نحن من أجل حلم من الممكن أن يتحقق إذا ما تمسكنا به حتى النهاية ولم نيأس من مطاردته، لا تيأسوا من مطاردة أحلامكم، حتى لو قالوا لكم إنها مستحيلة وخيالية، فكل شيء يبدأ بحلم، وستغدو الأحلام واقعا يوما ما”.

وسبق أن قدّم حرب المسرحية ذاتها مع فنانين محترفين في العام 2004 تحت عنوان “مأساة المُهلهِل” وحصل من خلالها على العديد من الجوائز المحلية والعربية، أما فكرة إعادة المسرحية مع ممثلين هواة فأتت بإيعاز من مؤسّس مسرح الشمس المخرج المسرحي عبدالسلام قبيلات الذي اقترح على مخرجها عنوان “لا تصالح” كي يكون متّسقا مع واقع الأزمة التي شهدتها غزة مؤخرا.

وحكيم حرب من مواليد عام 1966، وهو ممثل ومخرج فلسطيني-أردني، نال شهادة البكالوريوس في الإخراج والتمثيل من جامعة اليرموك في الأردن عام 1988، وعمل في وزارة الثقافة الأردنية في الفترة ما بين عام 1998-2018، حيث شغل خلالها عدة مناصب مثل: مدير مديرية الفنون والمسرح، مدير مهرجان المسرح الأردني، مدير مهرجان مسرح الشباب، مدير مهرجان مسرح الطفل، مدير مهرجان الإبداع الطفولي، مدير مديرية ثقافة الطفل، ومدير مشروع المختبر المسرحي الجوال.

واختير عضوا في نقابة الفنانين الأردنيين، وعضوا في لجان تحكيم محلية وعربية، وهو مؤسّس ورئيس فرقة مسرح الرحالة في الأردن منذ العام 1991، وهو صاحب مبادرة اكتشاف وتدريب المواهب المسرحية الجديدة في المناطق النائية والأقل حظا. كما أنه صاحب مبادرة مسرح السجون في مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية، وصاحب مبادرة مسرح المقهى في المقاهي الشعبية الأردنية منذ العام 1991.

وحصلت مسرحياته على جوائز هامة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ومهرجان أيام قرطاج المسرحية ومهرجان بغداد الدولي للمسرح.