عن لحظة حلول نلج مع الشاعر المصري محمد الشحات فضاء روحانيا تتقاطع فيه مجازات الكلمة مع مجازات الطريق التي تفضي الى سؤال "العارف" وهو يتلمس السبل متأبطا ولعه بالحرف عابرا اتجاه لحظة آسرة.

دائرة نور

محمد الشحات

 

منذُ سنينٍ

والناسكُ يرفُأ بعضَ ملابِسِه

ويُرتِّــقُها

ويخافُ بأن تُبْلىَ

 قبل بلاءِ الجَسَدِ

فإذا ما حسَّ بلسعةِ بردٍ 

حاول أنْ يُبْطِئها

 كي لا تدخله

فيخرجُ من داخله 

جذوةَ دفءٍ

فتغطيه

احتارَ الخلقُ

 لقدرتِه  ونضارتِه

وتبسُّمِه

كان النَّاسكُ

يكتبُ فوقَ الماءِ حروفًا

لا أحدَ يعرفُ ماذا يكتبُ

حتَّى ظنَّ البعضُ

بأن هنالك مسٌ لامسه

مائةٌ من أسماءِ الله الحسني

إلا اسمٌ

كان الناسِكُ

 ينقشُهَا فوقَ الماءِ

يبسملُ

قبلَ دخولِ الماءِ

إلى الجوفِ لكي يرويَه

بدأ باسمِ الرحمن

فأحسَّ بأن الماءَ

قد افترشَ دواخلَه

واستعجله العطشُ

 بجرعةِ ماءٍ أخرىَ

 كيما يكتبُ اسمًا آخرَ

عاهدَ ألاَّ يدخلُه الماءُ

إلا بعد كتابةِ

اسمٍ من أسماءِ اللهِ الحُسْنَي

فإذا ما أكمَلَها كررها

كان يحسُّ بشبعٍ وبدفءٍ

يخرجُ من داخلِه

وكراتٍ من نورٍ  تسكنُه

تخرجُ من غرفتِه

لمْ ينتبهْ النَّاسُ إليِه

إلا حين أحسُّوا

بقعةَ ضوءٍ تتحركُ

وتزيدُ إذا ما ارتفعَ

صياحُ الديكةِ

كان يناجي خالقَه

ويخافُ إذا ما مرَّت ثانية

 ألاَّ يذكرَه

فاعتزلَ الخلقَ إلىَ الخالقِ

طوعًا لا كرهًا

لم تشغلْه الدنيا

ما أحزنَه

 أن الدنيا تسعي

 كي تخرجَه

شعرَ بأنَّ الدنيا تخنقه

وتحاولُ أن تطحنَه

كان يحز بداخلِه

ما وصلَ إليه البَشَرِ

هل يمكنُ أنْ تأكلَ

لحمَ أخيكَ؟

فالناسُ أجادوا

طهيَ لحومِ البشرِ

وقتل مشاعرِهم كيما يعلو

شعر بأن الزيفَ

غطاءًا يكسو كلَّ الأشياءِ

حاولَ أن يدخُلَ خُلوته

فلم يتمكنْ

كان عليه معاودةَ الكَرَّةَ

رفعَ يديهِ وتَضَرَّعَ

فأحسَّ بخيطٍ من نورٍ

يجذبُه

تركَ الدُّنْيَا

خلفَ البابِ وأغلقه

حاولَ أنْ يتخلَّصَ مِنْهَا

نظفَ داخله

وسعىَ سعيًا أسعدَه

أحسَّ بشكشكةِ أصابعَه

حين تلألأ نورُ كتابِ اللهِ

شعر بأن أصابعَه قد ذابت

طلبَ بأن تنساه الناسُ

وتتركُه

فسعوا  كى تخرجه

وحين تخلَّص من شهواتِ الجسدِ

وتركَ غوايتَه

تركوه

ليدخلَ دائرةً من نورٍ

حتى ذابتْ كلُّ مداركِهِ ..