تبلغ نسبة مسلمي ألمانيا نحو سبعة بالمئة من السكان، لذلك يتساءل البعض عن سياسة ألمانيا تجاه الثقافة الإسلامية، هنا أهم الخلاصات لدراسة ألمانية رسمية أجريت عام 2021 والتي أظهرت أن نسبة المسلمين في ألمانيا وصلت إلى 6,7 بالمئة، وأن مدة الإقامة في ألمانيا أو أسباب الهجرة أو الوضع الاجتماعي تؤثر في عملية الاندماج إلى حد أكبر بكثير من الانتماء الديني.

سياسة ألمانيا تجاه الثقافة الإسلامية 2021

 

تلقت المحكمة الدستورية بولاية بافاريا الألمانية 7 تموز/يوليو 2021 شكوى ضد قرار برلمان الولاية بإدخال "مادة التربية الإسلامية" ضمن قائمة المواد التي يلتزم التلميذ بالاختيار بينها. وأكدت متحدثة باسم المحكمة تلقي الشكوى المقدمة من المعلم التربوي إرنست-جونتر كراوزه واتحاد حرية الفكر في بافاريا، ومجموعة ميونخ الإقليمية المدعومة من مؤسسة جيوردانو-برونو.

وكان برلمان الولاية قد وافق الشهر الماضي على تحويل نموذج مادة التربية الإسلامية المعمول به على مستوى ألمانيا كنموذج تجريبي حتى الآن إلى مادة دراسية عادية، لتنضم المادة بدلا من مادة التعليم الديني إلى قائمة الاختيارات، إلى جانب مادة الأخلاق، ولتتاح المادة أيضا ضمن الاختيارات ولاسيما بالنسبة للتلاميذ المسلمين في نحو 350 مدرسة.

وتتعلق الخطوة التي أقرها البرلمان بعرض حكومي يقوم من خلاله مدرسون حكوميون بنقل المعرفة عن الدين الإسلامي، وبتوجيه أساسي للقيم باللغة الألمانية " في إطار روح نظام القيم الذي يتضمنه القانون الأساسي والدستور البافاري".

وكان كراوزه انتقد في بيان صحفي نشره قبل أسابيع مثل هذه الخطوة وقال إن القانون يخلط بطريقة غير مسموح بها وغير شفافة بين تدريس علم الإسلام بشكل تكون الولاية مسؤولة عنه وبين تدريس التربية الإسلامية في إطار موجه دينيا. كما أعلن حزب البديل من أجل ألمانيا اعتزامه التقدم بشكوى دستورية ضد القانون الجديد.

وفي المقابل، حظيت هذه الخطوة بإشادة مفوضة الحكومة البافارية للاندماج غودرون بريندل-فيشر التي وصفتها بأنها "علامة فارقة وجديدة بالنسبة لاندماج مواطناتنا ومواطنينا المسلمين"، ودعت أولياء أمور الأطفال المسلمين إلى قبول العرض الجديد.

تجدر الإشارة إلى أن المادة الدراسية الجديدة التي تم إقرارها لها قصة سابقة امتدت على مدار عقود حيث بدأ الأمر بـ" إرشاد إسلامي" باللغة التركية، وبعد ذلك بالألمانية، وبدأ تطبيق النموذج التجريبي "مادة التربية الإسلامية" في ألمانيا منذ عام 2009 وأخذ نطاق هذا النموذج في التوسع حتى أنه دخل مؤخرا في 364 مدرسة وخاصة في المدارس الابتدائية والمتوسطة وبالذات في المناطق الحضرية.

بافاريا تطبق مادة في مدارسها للتعريف بالدين الإسلامي

وكان قرر مجلس وزراء حكومة ولاية بافاريا الألمانية الثلاثاء 23شباط/فبراير 2021 تطبيق مادة للتعريف بالدين الإسلامي في نحو 350 مدرسة في الولاية الواقعة جنوبي ألمانيا على أن يتم إدراج هذه المادة كمقرر اختياري من بين مجموعة من المواد الدراسية الإلزامية.

وبهذه الخطوة، تقرر حكومة بافاريا تحويل التجربة النموذجية التي يتم إجراؤها على مستوى ألمانيا إلى مادة دراسية عادية، بحيث يتم طرح هذه المادة للتلاميذ ولاسيما أصحاب الديانة الإسلامية كمادة اختيارية بدلا من مادة التربية الدينية وجنبا إلى جنب مع مادة الأخلاق.

وتتعلق هذه الخطوة بعرض حكومي حيث يفترض أن يقوم معلمون حكوميون بنقل معارف باللغة الألمانية عن الدين الإسلامي والتوجه الأساسي للقيم وذلك في إطار "روح نظام القيم في القانون الأساسي والدستور البافاري". وذكرت حكومة بافاريا أنه يتعين أن يتمكن المعلمون الذين شاركوا حتى الآن في التجربة النموذجية الحالية من مواصلة العمل في التجربة الجديدة.

ارتفاع ملحوظ في عدد المسلمين بألمانيا

وأظهرت دراسة حديثة للمكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين في ألمانيا أن عدد المسلمين في البلاد زاد على نحو ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. وبحسب الدراسة، التي أعلنها المكتب في نورنبرغ، مع وزارة الداخلية الألمانية، يوم الأربعاء 28 نيسان/أبريل 2021، يعيش ما بين 3ر5 و6ر5 مليون مسلم حاليا في ألمانيا، وهو ما يعادل 4ر6% حتى 7ر6% من إجمالي السكان.

ومقارنة بنتائج آخر دراسة أجريت في عام 2015، زاد عدد المسلمين في ألمانيا بنحو 900 ألف شخص. وقال رئيس المكتب، هانز-إيكهارد زومر: "في إطار الهجرة من الدول الإسلامية في الشرقين الأدنى والأوسط، أصبحت المجموعات السكانية من المسلمين أكثر تنوعا في السنوات الأخيرة... وتظهر التحليلات أيضا أن تأثير الدين على الاندماج غالبا ما يكون مبالغا فيه"، موضحا أن جوانب أخرى مثل مدة الإقامة أو أسباب الهجرة أو الوضع الاجتماعي تؤثر في عملية الاندماج إلى حد أكبر بكثير من الانتماء الديني.

وأضاف زومر أن الانتماء لجمعية ألمانية وتعلم اللغة الألمانية، كل هذه عوامل تعزز الاندماج وتخلق فرصا اجتماعية. وذكر أن عدد المسلمين الحاصلين على تدريب مهني في الجيل الثاني أكبر بشكل ملحوظ من عددهم بين هؤلاء الذين هاجروا إلى ألمانيا (الجيل الأول).

ويحمل نحو نصف المسلمين في ألمانيا (47%) الجنسية الألمانية.وتنحدر أكبر نسبة من المسلمين المقيمين في ألمانيا من تركيا (45%)، فيما ينحدر 27% من دول مسلمة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، و20% من جنوب شرق أوروبا.

من جانبها، قالت رئيسة فريق الدراسة، آنيا شتيشس، إن حركات اللجوء في عامي 2015 و2016 لم تؤد فقط إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد المسلمين في ألمانيا وحسب بل أدت أيضا إلى اختلاف النسب الخاصة بالبلدان الأصلية التي ينحدر منها مسلمو ألمانيا.

وعلى غرار الاختلاف في الدول التي ينحدر منها مسلمو ألمانيا، اختلفت درجة التدين بينهم، إذ قال 82% منهم إنهم يعتبرون أنفسهم شديدي التدين أو يميلون إلى التدين، وقال 39% إنهم يصلون يوميا وبلغت نسبة النساء والفتيات اللاتي يرتدين غطاء الرأس 30% فقط، لكن غالبية النساء اللاتي تزيد أعمارهن عن 65 عاما يرتدين الحجاب.

يشار إلى أن الدراسة التي حملت اسم "الحياة المسلمة في ألمانيا 2020" والتي أجراها مركز الأبحاث التابع لمكتب الهجرة واللاجئين شمل استطلاع رأي 4500 مسلم ومسلمة، كما أجرى المركز استطلاعات موازيا شمل أكثر من 500 شخص بدون خلفية مهاجرة كمجموعة للمقارنة. ويعود آخر مسح إلى عام 2015.

مسؤول في الاستخبارات الداخلية بألمانيا يدعو إلى دعم حكومي للاتحادات الإسلامية

من جانبه دعا رئيس المكتب الإقليمي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ولاية تورينغن الألمانية، شتيفان كرامر، إلى تعزيز دعم الدولة للاتحادات الإسلامية والمساجد في ألمانيا في إطار مكافحة التطرف الإسلامي.

وقال كرامر في تصريحات لصحيفة "راينيشه بوست" الألمانية الصادرة يوم الأربعاء 3 شباط/فبراير 2021: "طالما أننا لا نجعل ذلك ممكنا، فلن يكون لدينا شريك على الجانب الآخر، ولن يمكننا تعزيز هياكل جديرة بالاهتمام أيضا، ما يدفع الجاليات (الإسلامية) إلى الحصول على الدعم المالي من مكان آخر ".

وأضاف كرامر: "إذا كان الإسلام ينتمي إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية - وأقول نعم إنه ينتمي إليها - فعلينا أن نقدم له نفس الفرص التي نقدمها للطوائف الدينية الأخرى... إننا نتنصل من مسؤوليتنا كدولة ألمانية عندما نسمح لآخرين - مثل اتحاد "ديتيب" الإسلامي التركي - بتسديد تكاليف تدريب الأئمة وتطوير وإمداد الجاليات".

تجدر الإشارة إلى أن "ديتيب" هي أكبر جمعية إسلامية في ألمانيا والفرع الألماني للهيئة الدينية التركية "ديانت". وكان خبراء في الشؤون الداخلية في الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي، المنتمية إليه المستشارة أنغيلا ميركل، طرحوا قائمة من الإجراءات للحيلولة دون انتشار الإسلاميين المتطرفين في ألمانيا. وتنص القائمة على سبيل المثال على توسيع صلاحيات سلطات حماية الدستور في هذا المجال.

وقال كرامر: "قبل أن نبدأ باختصاصات هيئة حماية الدستور في مكافحة الإسلاميين والأصوليين، يجب علينا أولا أن نتطرق إلى كيفية الحيلولة دون تحول مسلمين هنا في ألمانيا إلى التطرف". وحذر رئيس المكتب الإقليمي لحماية الدستور في ولاية بافاريا، بوركهارد كورنر، من خطر الإسلاميين غير المائلين للعنف، وقال في تصريحات لنفس الصحيفة: "هدفهم هو إعادة تشكيل دولة القانون الديمقراطية إلى دولة إسلامية على المدى الطويل عبر التلاعب ونشر الأيديولوجية"، مضيفا أنهم يسعون وراء أهدافهم المتطرفة بوسائل سياسية ضمن النظام القانوني القائم، مشيرا إلى أن الخطر الذي يشكلونه غالبا ما يتم الاستهانة به.

ألمانيا تطلق برنامجا لإعداد أئمة محليين

وفي محاولة لتخفيف نسبة رجال الدين المسلمين الآتين من الخارج، أطلقت السلطات الألمانية برنامجاً لإعداد كوادر دينية، لكن هذه المبادرة ما زالت محلّ تشكيك بسبب عدم مشاركة الجمعيات التركية الرئيسية في ألمانيا فيها.

ويباشر نحو أربعين رجلا وامرأة هذا الإعداد الذي يستمر لسنتين ويوفره معهد الإسلام في أوسنابروك في شمال غرب ألمانيا. وجرت أول الدروس يوم الإثنين 14 / 06 / 2021 في المكتبة الواسعة التي تضم 12 ألف مؤلف تم شراؤها من مصر. وهذا الإعداد متاح لحاملي شهادة في الفقه الإسلامي أو شهادة موازية ويتضمن فترات تدريب محورها الجانب العملي وتثقيف سياسي أيضا.

وتدعم السلطات الفدرالية ومقاطعة ساكسونيا السفلى خصوصا هذا البرنامج ماليا في بلد يراوح عدد المسلمين فيه بين 5,3 ملايين و5,6 ملايين أي 6,4 إلى 6,7 % من إجمالي السكان. كانت المستشارة الألمانية دعت إلى اعتماد برنامج لإعداد الائمة اعتبارا من العام 2018 أمام النواب. وأكدت "هذا الأمر سيجعلنا أكثر استقلالية وهذا ضروري من أجل المستقبل".

ويقول أسنيف بيغيتش الذي يرئس معهد الإسلام إن هذا الإعداد "يتسم بميزتين إذ نريد أن نعكس واقع حياة المسلمين في ألمانيا فيما الدروس تتم حصرا باللغة الألمانية". وأضاف أحد الطلاب ويدعى أندير شيتين الذي يعمل بشكل تطوعي في سجن أحداث في برلين "نحن ألمان مسلمون نحن جزء لا يتجزأ من المجتمع ولدينا الآن فرصة لنصبح أئمة يتلقون إعدادا محليا".

وحتى الآن يأتي غالبية الأئمة في ألمانيا من دول مسلمة ولا سيما تركيا ويتلقون الإعداد في دولهم الأم التي تدفع رواتبهم. فنصف رجال الدين الذين تراوح أعدادهم بين ألفين و2500 ينتمون إلى منظمة "ديتيب "التركية التابعة مباشرة لوزارة الأوقاف التركية وتدير 986 مجموعة محلية على ما تفيد مؤسسة كونراد أديناور.

أما الآخرون فيأتون بنسبة 80 إلى 90 % من دول شمال إفريقيا وألبانيا ويوغوسلافيا السابقة وفق المصدر نفسه. في غالبية الأحيان يأتي هؤلاء إلى ألمانيا لفترة أربع إلى خمس سنوات بعضهم مع تأشيرة دخول سياحية من دون أن يعرفوا البيئة الثقافية والاجتماعية المحلية.

ويوضح شيتين وهو ابن مهاجرين أتراك ولد في برلين "رجال الدين هؤلاء لا يتكلمون لغة الشباب الذين لا يفهمون التركية جيدا في غالب الأحيان. ومن المهم أن يكونوا على تماس مع واقع المجتمع المتعدد الثقافات والذي يتعايش في إطاره مسيحيون ويهود وملحدون ومسلمون".

ويضيف أن بعض رجال الدين وهم موظفون لدى الدولة التركية "يطبقون أجندة" سياسية في ألمانيا. وتظهر مسألة النفوذ الذي تمارسه تركيا، بانتظام في النقاشات خصوصا منذ محاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في العام 2016. وفي العام 2017 اشتبه القضاء الألماني بأن أربعة رجال دين من أعضاء "ديتيب" تجسسوا على معارضين ومنتقدين للسلطة التركية.

إلا أن إعداد رجال دين بدعم مالي من الدولة الألمانية يثير انتقادات لأنه يصطدم بمبدأ مفاده أن المجموعات الدينية هي وحدها مؤهلة للإعداد.

فلا تشارك "ديتيب" و"ميلي غوروش" ثاني أكبر جماعة مسلمة في إنشاء معهد أوسنابروك لا بل اطلقت "ديتيب" برنامج إعداد خاصا بها في ألمانيا العام الماضي 2020. ويفيد بكر أطلس الأمين العام لميلي غوروش أن إعداد رجال الدين "يجب ان يكون بمنأى عن أي تاثير خارجي ولا سيما التأثير السياسي". غير أن رئيس معهد الإسلام يؤكد "أن لا تأثير للدولة بتاتا وهي لم تتدخل بتاتا في وضع البرامج".

وتبقى مسألة إيجاد عمل وهي امر شائك إذ تبقى الأجور متدنية ورهن بتبرعات المؤمنين. وحذر اسنيف بيغيتش "نحن لسنا وكالة توظيف" مهمتها إيجاد عمل للطلاب.

ألمانيا تسجل نحو 900 جريمة معادية للإسلام العام الماضي 2020

وسجلت ألمانيا 901 جريمة ذات دوافع معادية للإسلام العام الماضي 2020، بحسب رد وزارة الداخلية الألمانية على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب "اليسار".

وقالت خبيرة الشؤون الداخلية في الكتلة البرلمانية للحزب، أولا يلبكه، يوم الإثنين 8 شباط/فبراير 2021: "إننا نتعامل فقط مع قمة جبل جليد فيما يتعلق بالجرائم المبلغ عنها". وذكرت يلبكه أن العديد من الإهانات والتهديدات وحتى الاعتداءات الجسدية اليومية لا يتم الإبلاغ عنها حتى من قبل المتضررين بدافع الخجل أو الشعور بالخزي.

وبحسب البيانات، أسفرت تلك الجرائم عن إصابة 84 شخصا عام 2020 وقالت يلبكه إنه بالإبلاغ عن أكثر من 900 جريمة، فإن جرائم الكراهية ضد المسلمين وأماكن ممارسة شعائرهم تزيد عما تم تسجيلها عام 2019، وذلك على الرغم من القيود الهائلة على الحياة العامة بسبب جائحة كورونا.

وفي عام 2019، تم تسجيل 884 جريمة يُشتبه في أنها تنم عن كراهية الإسلام. وفي تصريحات لصحيفة "نويه أوسنابروكر تسايتونغ" الألمانية دعت يلبكه إلى سن قانون فعال لمكافحة التمييز، "حتى لا تظل مكافحة التمييز ضد المسلمين مجرد كلام".