الرحلة الساحرة لماتيس إلى طنجة

رواية جزائرية تستعيد الرحلة الساحرة لماتيس إلى طنجة

"ماتيس في طنجة" رواية من الصنف البيوغرافي تحكي عن زيارة هنري ماتيس إلى طنجة وتاريخ المدينة المغربية. ويستحضر الروائي الجزائري عبدالقادر جميعي في روايته الأخيرة بعنوان “ماتيس في طنجة” شخصية الرسام الفرنسي هنري ماتيس الذي يعتبر من مؤسسي المدرسة الوحشية في الفن التشكيلي. وتحكي “ماتيس في طنجة”، وهي رواية من الصنف البيوغرافي، عن زيارة هنري ماتيس (1869 – 1954) إلى طنجة سنة 1912 رفقة زوجته إميلي تحت وابل من المطر، الذي سبق نور طنجة الذي سيجده ماتيس دون نظير.

وبين الكثير من النقاد التشكيليين كيف كان لأسفار ماتيس خصوصا إلى المغرب والجزائر أثر في تطور حساسيته الفنية، حيث شكل الشرق مصدر إلهام بالنسبة إليه، منذ معرض الفن الإسلامي الذي أقيم في باريس عام 1903، ولوحة “نساء الجزائر العاصمة” لدو لاكروا، وظهر أثر ذلك في تشكيلته “جواري الحريم” ما بين 1921 و1927 التي تتوسل بالمنمنمات، إحدى مفاتيح فنه. وهذا العمل الأدبي هو عبارة عن رسالة طويلة إلى الفنان، عنوانها الأصلي “زهرة في سطح البيت”، وهو مقتبس عن لوحة لماتيس، وزهرة هي عاهرة في طنجة فرضت نفسها على الخيال الخلاّق.

لوحة واحدة فقط للفنان التشكيلي الفرنسي هنري ماتيس “زهرة في سطح البيت” كانت كافية لجذب الروائي جميعي إلى عوالم سردية ثرية، جذبته نحو امتداداتها الفنية، نحو تساؤلات طرحها كاتب غير متخصص في فن ماتيس. لكن اللوحة انتصرت وأطرت سردا شيقا ومفيدا من الغلاف إلى الغلاف.

الرواية، الصادرة عن دار خطوط وظلال، مليئة بالتقاطعات والنقلات من زمن إلى آخر ومن طنجة إلى فرنسا، فيما يكتب جميعي تاريخا شخصيا أيضا عبر شخصية جده، لكنه مفتوح على آخرين في تقاطعه معهم، لا تقاطعا حقيقيا وإنما صاغه الروائي بخياله، ليبرر تنقله من ماتيس إلى حياة المغاربة.

نجد من بين الشخصيات المؤثرة في الرواية شخصية زهرة، المرأة الطنجية، بائعة الهوى، في جميع أوضاعها: زهرة جالسة، زهرة واقفة وأمامها حوض سمك صغير ترقص داخله ببطء ثلاث سمكات حمراء. وكأن الكون كله يوجد هناك.

وإن دأبت الروايات العربية على استحضار شخصية بائعة الهوى عبر تضخيم خطيئة الجسد وفضح تعالقها الإيهامي بالأيروس والمال والسلطة والاعتراف السردي الذي تتخذه هذه الشخصيات نوعا من التطهير والخلاص والتعويض، فإن جميعي يذهب بهذه الشخصية إلى ناحية أخرى، هي الحضور الجمالي الأنثوي، وكأنه يستخرجها من لوحات الفنان ماتيس برقة، ويحافظ على نظارتها وعناصرها الجمالية، دون إيهام بالخطيئة أو غيره من التمثلات الخارجة عن عقليات تقليدية نمطية كما نجد في العديد من الأعمال الروائية الأخرى.