تحل ذكرى الفنان الفلسطيني في سياق تبدو الحاجة ماسة اليوم لاستلهام رسوماته والتي كانت تندد بالاحتلال الصهيوني وتنبأ العلي بالتكالب على قوى المقاومة، وبالظاهرة التكفيرية التي انتشرت في العالم العربي، وكذلك بالفُرقة الطائفية في العديد من الدول العربية. وبشكل مسبق أيضا، رسم ناجي العلي مستشرفا انهيار المعسكر الاشتراكي رغم كونه أحد حملة هذا الفكر.

الذكرى 34 لرحيل ناجي العلي

 

اللاجئ والفنان الذي استشرف المستقبل بالكاريكاتير

ظهيرة يوم 22 يوليو/تموز 1987 كان الفنان الفلسطيني ناجي سليم العلي يمشي في شارع آيفز في منطقة نايتس بريدج (وسط لندن)، متجها إلى مكتب جريدة "القبس" الكويتية، حين تلقى عدة رصاصات أصابت إحداها عنقه، في حين أصابت أخرى أسفل عينه اليمنى، وغاب عن الوعي، واستمر في غيبوبته نحو 37 يوما، حتى أُعلنت وفاته رسميا في 29 أغسطس/آب.

وفي ذكرى رحيله احتفى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بشخصية "حنظلة" التي أبدعها الرسام الراحل، والتي أصبحت توقيعا في نقده للاحتلال والحكام العرب، كما كانت سببا في تصاعد شهرته حتى اغتياله.

ناجي اللاجئ والفنان

لا توجد وثائق أو مصادر مؤكدة تحدد تاريخ ميلاد ناجي سليم حسين العلي على وجه الدقة، لكن المرجح أنه ولد عام 1937 في قرية "الشجرة" بمنطقة الجليل لأسرة فلسطينية تعمل في الزراعة.

هجّر الطفل مع عائلته في نكبة فلسطين إلى الجنوب اللبناني، حيث استقر بهم المقام في مخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا، وعاش في خيمة لا تزيد مساحتها على 10 أمتار مربعة، وبدأ منذ صغره التعبير عن ألم اللجوء ومأساة قضيته بالرسم على حيطان المخيم.

بدأت رحلته مع الرسم داخل الزنزانة، فخلال اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي ملأ جدران السجن بالرسوم، ثم كرر الأمر حين اعتقله الجيش اللبناني.

نقل تجربته على جدران الزنزانة إلى جدران مخيم الحلوة، فشاهد الصحفي غسان كنفاني خلال زيارة المخيم بعض رسومه، ونشر أحدها في العدد 88 من مجلة "الحرية" في 25 سبتمبر/أيلول 1961.

و"حنظلة" الطفل ابن العاشرة شخصية كاريكاتيرية ابتدعها العلي عام 1969 عندما كان يعمل في صحيفة "السياسة" الكويتية، وقال عنه الرسام الراحل إنه لن يكبر إلا بعد عودته إلى فلسطين موطنه الأصلي، ويفسر ذلك بأنه "في تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعدُ في العاشرة، ثم يبدأ الكبر؛ فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما أن فقدان الوطن استثناء".

ويظهر "حنظلة" دائما مديرا ظهره عاقدا يديه خلفه، لأنه يرفض التسليم بأي محاولة احتواء أو مساومة على قضيته.

الرسام والصحفي

عمل ناجي العلي في الصحافة متنقلا بين لبنان والكويت ولندن، يرسم ساخرا من قائد أو زعيم عربي، أو متندرا على واقع مؤلم، أو مشرّحا سياسة إسرائيلية أفقدته الدار والوطن.

في عام 1963 هاجر إلى الكويت، وعمل رساما للكاريكاتير بمجلة الطليعة الكويتية، ثم انتقل بعد 5 أعوام إلى جريدة السياسة الكويتية، وظل يرسم فيها حتى منتصف السبعينيات، إذ التحق بجريدة السفير اللبنانية، وعاد إلى بيروت.

وفي سنة 1979 انتخب رئيسا لرابطة الكاريكاتير العربي، ثم عاد إلى الكويت للعمل في جريدة القبس، وظل بها عامين، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا عام 1985 ويعمل في جريدة القبس الدولية.

وأصبحت شخصية "حنظلة" توقيعا يمهر به العلي رسومه، كما كانت لديه شخصيات أخرى تتكرر في الرسوم، بينها الشخصية الصريحة الواضحة الفلسطينية "فاطمة"، وزوجها الذي ينكسر أحيانا.

رسم نحو 40 ألف كاريكاتير خلال مسيرته الفنية، وكانت ريشته مشرطا يحاول استئصال كل الأورام الخبيثة في الجسم العربي، وتميزت رسومه بالجرأة والصراحة، وملامسة هموم الناس وتوجهات الشارع العربي.

اتحاد الكتاب الفلسطينيين يستذكر ناجي العلي في ذكراه الرابعة والثلاثين

الفنان الراحل ناجي العلي جعل من ظهر حنظلة موقف المصرّين على حق الشعب الفلسطيني في الحياة بكرامة

وأصدر الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين الأحد بيانًا في الذكرى الرابعة والثلاثين لاستشهاد الفنان الفلسطيني ناجي العلي، حيث اعتبر أن أربعة وثلاثين عاما مرت على غياب الفنان، لكنه ترك ريشته وحنظلة في منتصف الطريق، فالفنان الذي عاش من أجل وطنه، ورفض الخنوع والميل عن الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني، فتح مساره الواضح فوق الجسر المعاكس للمنفى، ولم يتردد في خوض اشتباكات لا مناص منها من خلال أعماله الفنية المؤثرة، والتي أدت إلى اغتياله في التاسع والعشرين من أغسطس سنة 1987 في لندن.

وأضاف بيان اتحاد الكتاب الفلسطينيين أن “ناجي العلي الذي جعل من ظهر حنظلة موقف المصرّين على حق الشعب الفلسطيني في الحياة بكرامة ووطن طبيعي وخالٍ من المحتلين، أشهر ريشته المبدعة لتحرس الحلم الخالد، ولا تنهزم أمام نزوة الخداع، ولا تهان في معركة الثبات، فكان المتميز بتعبيراته، والمناضل في مواقفه، والمقدام في منازلاته، ولا شفيع عنده في حقوق شعبه”.

وتابع البيان أن العلي عاش متصالحًا مع ذاته، ومع شعبه، وثائرًا من أجل استعادة حقوقه مدافعا عبر فن الكاريكاتير عن المهمشين والفقراء وناقدا الاحتلال وحتى منظمة التحرير الفلسطينية نفسها، حيث لم يكن منحازا إلى ما يعتبره هو صوت الحق، وهذا ما قاده إلى المنفى ورغم ذلك لم يترك قضايا بلده وشعبه التي عبر عنها خاصة من خلال شخصية حنظلة، ذلك الفتى الذي يدير ظهره للعالم ولا أحد يعلم ملامحه.