إن علاقة البطل بالمؤلف كما توضحت في قصص الكتاب هي علاقة مركبة إلى حد ما، وتتنوع وفق عوامل لها طابع أخلاقي ومعرفي وثقافي. تحدد في النهاية كل بطل، ومدى قيمة التعاطف الجمالي بوعي متعال مبدئيًا؛ ليسترسل في إشكالية تفرز جماليات العمل القصصي.

قراءة في «ورد الجليد»

هدى توفيق

 

صدرت المجموعة القصصية (ورد الجليد). عن دار نشر مجاز للترجمة والنشرـ مصرـ القاهرة.الطبعة الأولى عام 2018م . للكاتب الكبير أحمد الخميسي. إن تلك العلاقة الشائكة بين المؤلف والبطل التي تطرح إشكالية محورية في لذة ومتعة الحكي بين المسرود والسارد، من خلال الذكريات داخل وعي الكاتب سواء بالمحيطين به، أو داخل بقاع الذاكرة النابضة بتلك العوالم المفتوحة؛ لتفرض حضورها الإبداعي داخل وعي النص بثراء زاخر، واستفاضة المشاعر، والأحاسيس الفياضة، ودقة الوصف. في حوزة الدوائر الجمالية للإبداع اللفظي كما أشار(باختين) في كتابه (جمالية الإبداع اللفظي) (1). وما يجسده من اقتراحات تأويلية عن مدى علاقة المؤلف بالبطل؛ لتطرح مشكل البطل الملهم لكل تلك الأقاصيص الإبداعية في المجموعة القصصية (ورد الجليد)، بمرايا لأقنعة متعددة ومختلفة ومتميزة بالحس التخييلي العالي. تحت وطاة أقنعة خلاقة مبدعة أخاذة تنتشي بفضاءات التلون والتعدد الفعال كما أشار باختين: (كم من الاقنعة ينبغي إزاحتها تلك التي تخفي وجه الكائن الأقرب جدًا والمألوف كليًا: في أقنعة يبدو أن تقلبات ردود أفعالنا وعلاقتنا وظروف الحياة هي التي وضعتها كي نرى وجهه في الحقيقة وفي كله ؟ إن الفنان الذي يصارع من أجل الوصول إلى صورة محددة وثابتة للبطل لا يصارع في حقيقة الأمر إلا نفسه)(2). لتنتقل من وعي الكاتب إلى وعي النص المغمور بالانشغالات التي تؤدي لمقترح باختيني  يتعلق ب (جمالية الإبداع اللفظي).ومن ثم تلك الأقنعة تتشكل داخل القصص بتنوع وافر، وحذق إبداعي عال يشع نوره، ووهجه الاحترافي بين جميع القصص، لتشترك جميعها في محور هام التقطته متعة القراءة باستلهمات انطباعية ثقافية لا أكثر.وإن كان يتضمن طرحًا نقديًا يوضح علاقة المؤلف بالبطل: (إذ عندما كان المؤلف منشغلاً في إبداع بطله فإنه لم يكن يحياه إلا عبرالصورة التي رسخ فيها مبدأ علاقته المبدعة بالبطل.وحينما يتحدث المؤلف عن بطله.(مثل اعترافات غوغول Gogol وغونتشاروف Gontcharov)(3). (فهو يكشف عن علاقته الآنية ببطل سبق إبداعه وتحديده فهو يعطي الانطباع الذي خلفه فيه البطل باعتباره صورة فنية. إنه يجسد العلاقة التي قد يقيمها مع كائن حي ومحدد ومنظور إليه من زاوية اجتماعية أخلاقية أو غيرها.إذ صار البطل منذئذ مستقلا عن مبدعه ، كما صار المؤلف مستقلاً عنه أيضا ـ بصفته فردا أو ناقدا أو عالم نفسي أو واعظا . وإذا أخذنا العوامل العرضية التي تحيط بما يقوله الشخص ـ المؤلف وهويتحدث عن أبطاله وعن عوامل من قبيل رؤية العالم الراهنة التي تكون قد تغيرت بشكل محسوس شيئا ما ، وما ينشده وما يطمح (غوغول) إليه والاعتبارت العملية والنقد الخ. فمن البديهي أن لا تمنحنا مثل هذه التصريحات سوى مادة بناء هشة عن ميلاد البطل ومع ذلك فهي مادة بناء تحتفظ بقيمتها السيرية كاملة التي تكتسب قيمة جمالية ، لكن بعدما تتضح قيمة المعنى الفني للعمل)(4). وطبقا لتلك الرؤية النقدية لباختين نجد في قصة (غلطة لسان) (5).  التي تحكي عن كاتب عجوز قبل موته بساعات معدودة لم يفصلها إلا ليلة غير كاملة،عندما أُكتشف موته في الصباح. قد أدلى قبلها بتصريحات هامة في حوار صحفي، تحدث فيها عن الوضع الثقافي، وأهم وأشهر أبناء جيله من الكتاب ، حتى أطلق فقاعة أدبية مهدور حقها رغم أهميته في التاريخ الأدبي، لكنه دون قصد غلط في الاسم فقال: (عبد العال شعبان). بدلا من الاسم الحقيقي له (عبد العاطي وهدان). ولم يتذكر هذا إلا أثناء نومه فعاهد نفسه أن يتصل بالصحفي في الصباح، ويعدل اسم هذه القامة الأدبية الكبيرة المظلومة، لكنه للأسف لم يفق ولم يأت أي صباح أخر عليه، وتحولت الغلطة القدرية غير المقصودة إلى فرية كبيرة زال فيها الاسم الحقيقي، وبالتالي الشخص الحقيقي، وعاشت وترعرعت لشخص أخر تماما غير موجود بالفعل. لكن هذا ما حدث وقد نشر الصحفي الحوار، لينال الشهرة والسبق الصحفي لجريدته باعتباره أخر شخص حصل على هذا الحوارمع هذا الكاتب العجوز المشهور في الواقع الثقافي.وانتقل الخبروشاع بين الأدباء والنقاد، وبدأت تنسج الحكايات والاشاعات من المنقوص والزائد عليه. فمثلاً صرح ناقد من العيار الثقيل، وقد كتب مقالا بعنوان (راهب الفكر وجدلية الثقافة). تناول فيه أثر العزلة والوحدة في إبداع عبد العال شعبان.وتم تنسيق احتفالية بأعماله تحت شعار(أمسية في محبة عبد العال شعبان). ومنحه جائزة تقديرية تسلمها  شاعر من احدى قرى الجنوب الذي ادعى أنه خاله بلا جدال. وتحولت الغلطة بدرامية بالغة، وبها قدرعال من المبالغة حين شاع الأمر بالصدفة عن شخص لاوجود له ، وحتى هذا الحقيقي لا نعلم من هو ؟! وأين هو من كل هذا ؟!.  وقد كتب ناقد أخر مقالا أيضًا مؤثرًا بالفعل تحت عنوان (هل أحرق شعبان أفضل أعماله في نوبة يأس). ونسى الجميع صاحب الفضل في اكتشاف الوهم الكبير عبد العال المزيف، وأهدر حق الحقيقي تمامًا. الذي لولا غلطة اللسان ما كان لهذا المزيف أي وجود؛ لينمحي أيضا الوجود الحقيقي لهذا الكاتب المغمور الذي ذكره الكاتب العجوز قبل وفاته مباشرة، وينتفي عبد العاطي وهدان الذي أثنى الكاتب العجوز على موهبته وإبداعه. ويتوارى الجميع وراء الوهم الكبير عبد العال شعبان؛ لنغوص في عالم من الزيف والخداع والافتراء بسبب غلطة لسان. مجرد غلطة أدت بالجميع إلى التوهة وإشاعة الفوضى والادعاءات التي لا مثيل لها.والجميع سيولون ظهورهم للكاتب العجوز، والكاتب الحقيقي المظلوم، ويمشون وراء أكذوبة عبد العال شعبان التي ابتدعتها غلطة لسان. ليتشكل هنا في تلك المساحة الإبداعية تلاق واقع مرير يعيشه الواقع الثقافي في أغلب الآحايين، وتعبر عن مدى انسجام وتداخل علاقة المؤلف بالبطل حيث توضح ما تجلبه تلك العلاقة من تأثير: (وسوف يساهم المؤلف المبدع في توضيح صورة المؤلف ـ الإنسان وبعد ذلك قد تتضح وتكتمل دلالة ما قد يقوله عن فعله المبدع) وذلك يعبرعن : (إن المؤلف هو المصدر الوحيد للطاقة المنتجة للإشكال،وهو مصدر لا يتوفرعليه الوعي المنفسن و(المصاغ نفسيا)، بل يستقر في إنتاج ثقافي دال)(6).

لأننا نعي أن قصص ورد الجليد وغيرها، لكاتب يعيش في وسط ثقافي، ويتفاعل مع الأحداث ، وبالطبع تدار معه الحورات واللقاءات الصحفية والإذاعية، وكل أشكال التحاور المتاحة لمن في موقعه ومكانته له ولغيره.ومن الطبيعي حتى افتراضًا أنه ليس لقاءً حقيقيًا حدث له.بصرف النظر عن تلك النقطة غير الهامة في تأويل ما نقرأه. أن من الممكن أن يكون المؤلف التقط الحكاية من الواقع المعيش أو لا. لايهم ولا نجزم بافتراض لا يقع تحت طائلة التحليل الباختيني لتلك الإشكالية الثانوية . المهم في الإشارة إليه في طبيعة الفن: من التلون والتغيير والتركيب والزيادة والنقصان كل على حسب، ليدخل في إطار التخييل من بذرة أساسية نشات من وعي المؤلف، واختمرت، وتوالدت في ذلك الشكل الإبداعي الحر؛ لتناسب وتعزز كفة البطل وكيفية مسار الحدث، ومظاهره كما ترسمه القصة تحت مظلة المؤلف الواعي بالحس الجمالي والمعرفي الذي يوظف دلالات الفعل المنتج للقصة كما يناسب الطرح القصصي.

بينما في قصة (الشاهد)(7). كانت فيها  حكاية عن الفتاة الضحية المغتصبة من شخص مجهول، حيث كانت تسير في الشارع في الرابعة فجرًا في اتجاه منزلها. بعد عودتها من عملها في المستشفى لوقت متأخر، بسبب عملية طارئة اضطرتها للبقاء حتى هذا الوقت، وأثناء سيرها بجانب (الخرابة). التي كانت عمارة هدمت وبقيت مكانها أرض مهجورة من الانقاض والأسياخ وأكوام الأتربة وبرك مياه. قام شخص ما باغتصابها بعد جرها عنوة إلى الخرابة، رغم مقاومتها الشرسة لكي تمنعه، إلا أنه في النهاية كان ذاك الشعور: (شعرت أن روحها تفارقها من رأسها مثل منديل ناعم يستلونه ، ولم تدربشئ بعد ذلك)(8). ليتجلى هنا دور ذلك (رد الفعل النشيط). لكل من شاهد أو شعر بالحادثة المروعة، الذي دلالته: (ويتجلى رد الفعل النشيط عند المؤلف في البنية التي تقيده ، بنية رؤية هذا البطل الذي يدرك بصفته كلا ، في بنية صورته وفي ايقاع انكشافه ،في بنية لهجته ، وفي انتقاء وحدات العمل الدالة)(9). فالجميع تقريبا شارك في صنع الحدث بدون قصد ، لأنهم شعروا وحسوا به، ولكن لم يتحركون أو يقدموا أي مساعدة. وهذا عرفناه وتأكد بعد استجواب وتحقيق الشرطة  في الأمر بناءًا على المحضر المقدم من تلك الفتاة المغتصبة مباشرة فور وقوع الحادث.وهذا الفعل السلبي من الجميع بدءًا من بواب العمارة الذي كان يغسل السلالم فجر أمس، وأخبره الصبي الذي يعاونه أن هناك شيئا ما في الخرابة يحدث. ولكنه تجاهل قوله وأمره بعدم التدخل فيما لا يعنيهما. واستكمل عمله بكل برود ولا مبالاة.ومحل تنجيد سلامة الذي كان سهران أيضا لإنهاء شغل كنبتين ومقعدين لعروس ، ومهندس على المعاش قائلا على لسان حاله: (قرب الفجرسمع صيحة من شباك حجرة نومه ،). والصيدلي ذي النظارة المذهبة، وشهادة مدام وفاء مديرة حضانة الأطفال، وهكذا كانت العمارات الأخرى. لنعلم بكل سخرية أن معظم قاطني الشارع كانوا شهودًا على ما جرى بطريقة أو بأخرى، وأنه ما عدا عجوزين وشخصاً مقعداً ليس على علم بالأمر وتفاصيله.ولذلك الشرطة عجزت بعد أسبوع من التحريات ، العثور على ذلك الذي عبر في تلك الليلة. فأغلق التحقيق في القضية وقيدت ضد مجهول. ومدلول (رد الفعل النشيط). بأن الجميع تقريباً شاركوا في اتمام حادث الاغتصاب، ولو ضمنيا بالتغاضي عن الصراخ أو التلاهي، ومبدأ البعد عن المشاكل أو حتى سؤالها عند مشاهدة هذه الفتاه المسكينة، وهي بتلك الحالة الرثة الفاجعة مثلما كان الأمر مع مدام وفاء مديرة حضانة الأطفال ، والصيدلي ذي النظارة المذهبة . وقد رأوها واستغربوا شكلها المزري، وهي جالسة على الرصيف تنعي حالها البائس والمؤلم، لكن اكتفوا بالدهشة والاستغراب دون تقديم أي مساعدة حتى مجرد السؤال والاستفسار. كل هذا خشية الوقوع في المشاكل التي تهدد أمن استقرارهم اليومي في العمل وأكل العيش. وبالتالي نشاط هذا الفعل القاسي من رؤى كل هؤلاء الشهود على الحادثة المشينة كان مخيبا للواقع المعيش بشكل عام. ومن داخل هذه الفتاة المطعونة في كبريائها وعفافها وهتك عرضها الفاحش. فكان تجلي رد الفعل من الأخرين القساة القلب رد فعل قوي التأثير، فالجميع خذلوها وتستروا جُبنا وتجنبًا لأي مشاكل من المتوقع أن تحدث لهم من أجل الدفاع عن شرفها. إذا المؤلف تشابك مع أبطاله برد فعل شامل وحاسم كامل الخيبة، والمذلة نحو الفتاه المغتصب حقها.إذا: (إن فهم مبدأ رد الفعل الشامل المبدع عند المؤلف إزاء البطل وفهم مبدأ رؤية البطل الذي يخلقه باعتباره كلا محدداً في جميع مكوناته هو الشرط الذي يسمح لنا بأن نحدد، وبكثير من الدقة، معايير المحتوى والشكل الممكن تطبيقها على مختلف أنواع البطل ومنحها قيمة ثابتة أن نصنع منها نمذجة مؤسسة ومنظمة)(10). وتتعدد مظاهر (رد الفعل النشيط). عند المؤلف بينه وبين أبطال قصصه الأخرى نماذج : قصة (فرحة صغيرة)(11). التي تدور حول الجد الذي يحاول أن ينشر البهجة والفرحة لمن حوله وهو في سن السبعين ، ويحاول بجهد ومشقة صعود السلالم بصعوبة، وهو يحمل لحفيده الأيس كريم الذي يحبه، وتتكرر التمثيلية بينه وبين حفيده حاتم مثل لعبة القطة العمياء باختباء الطفل أسفل ترابيزة السفرة حتى يبحث عنه الجد، ويجده ويعطيه الأيس كريم ، وقد تعب الجد من تمثيل دور اختباء حاتم الذي كل مرة يدعي ،أنه لا يراه ويلقاه ببهجه وفرح .بينما الجد متعب منهك قائلا بحيرة وتبصر: (يرتمي الجد على المقعد المجاور للشباك . يسرح في حياته التي تبدو له الآن لحظة قصيرة . يستغرب أحداثها وأناسها وأزمنتها كأنما هي حياة شخص أخر)(12).  لتوضح قسوة الزمن مع الكبر والعجز، وتتجدد الفرحة مع بائع (الروبابيكياـ بيكيا). الذي سيأخذ المجلات والصحف المكدسة على رف في الطرقة ، مجانا بعد الجدال حول السعر الذي بدأ بعشرة جنيهات ، ثم سبعة ، ثم خمسة، ليتشارك كليهما الفرحة البسيطة من الحفيد لبائع البيكيا، بينما الجد يشعرفي حقيقة الأمروعمق نفسه بفرحة كبيرة رغم قسوة الزمن ؛ لأنه أسعد كلاهما. وأيضاً قصة (الغريب)(13). وذلك الشخص الغريب الذي جال في خاطر بطل القصة (رؤوف حمدان). أثناء جلوسه أمام منزله ، لكن للغرابة أن أيضا أصدقائه شعروا بوجود هذا الغريب يتخفى وراء الأماكن والبيوت والأراضي المهجورة. وتبعهم البطل في دائرة البحث، وظل خلفهم يبحث ويبحث إلى أن بلغوا أرض السلباوي التي هجرها أبناؤه في نزاع ، فأمست خربة ثعابين وأعشاب سامة . ثم تأخر البطل عنهم في ملاحقة البحث. فتخلف عن رؤيتهم، ومعرفة الوجهة الصحيحة التي يسيرون فيها. لكن سار يحاول اللحاق دون كلل حتى وجد نفسه قرب قبر منبوش. (وخيالات الرجال تطول متمايلة كالأشباح خلفه)(14). وبعد اشتداد الفزع من الغريب الذي يطاردهم ولا يستطيعون الوصول إليه . أعياهم البحث والتحري وقادهم اليأس وعدم الاطمئنان لأي شخص. في تلك اللحظات السوداء القاتمة والمعتمة، والرؤية غير الواضحة في ليل بهيم، وأرض خربة إلى قتل رؤوف حمدان ذات نفسه صديقهم الذي يتبعهم، والذي تخلف عنهم دون قصد وتعثر وجرحت قدمه.وكان هذا رد الفعل القوي والعنيف لمواجهة الموقف من الغريب الذي أشاع الفوضى والاضطراب والريبة والشك  في كل شخص، ولكل مكان يتسلل إليه هذا الغريب الشيطاني.والمفارقة أن بعد موت رؤوف حمدان العبثي تحولت إلى روح وحشية تهدد الجميع: (بحلول الصيف بزغ في الأرض الخربة زهر غريب يتوهج بقسوة بين الأعشاب، والثعابين ، وينفث روحا وحشية تسبح فوق القرى)(15).  وكذلك نموذج قصة (الغنيمة)(16). لكن البطل هنا غير مسمى، وليس له تعريف لأن البطل الحقيقي ليس في الشخص بل في الحصول على الغنيمة. التي جعلت من تلك الغنيمة قيمة ذاتية وهدفًا أكبر من معرفة اسمه وحكايته بالضبط.لأن ثراء القصة الإبداعي في مدى شجاعته وبسالته للحصول على الغنيمة والفرار بها. التي هي أيضا غير معروفة وواضحة بالضبط. هل هي نقود ؟ ذهب ؟ شئ ثمين ؟ رغم صغرها لأنها في قبضة يده لا غير بما يشير أنها صغيرة الحجم ، لكنها بالنسبة للبطل غنيمة وتستحق العناء، وهو يقبض عليها بقوة وتشبث. ويظل يجري ويجري راكضاً بكل قوته ليفر من الجميع الذين يلاحقونه. ليس ليأخذوها منه وإنما ليشاركوه الغنيمة؛ لكن لا يقبل الاستسلام ولا اعطاء أحد ولو جزء من غنيمته المدعاه. وتستمر المطاردة الشديدة له، وهم (يطاردونه بصياح كالرعد)(17). ويثابر ويستميت للفوز بالغنيمة التي لا نعلم أي نوع من الغنيمة هذه؟ وتصيبنا الحيرة أي غنيمة هي بالضبط ؟ّ!. لتتحول الغنيمة إلى رمزمجرد له قيمة تفوق سطحية الأشياء المادية ، فتبدو كفكرة قوية آمن بها هذا المكافح والمناضل، لكي يفوز بغنيمته التي تعلو عن  كل وصف أوأي توصيف مادي لها. حتى يصل للحظة الحاسمة التي بها نال مراده : (خفتت الأصوات خلفه وتباعدت شيئا فشيئا ثم تلاشت)(18). ودخل صدفة حديقة ليرتاح من الركض، وأنفاسه المتلاحقة وساقاه المرتعشتان ، حتى يستجمع شتات أعصابه ، وأخذ لمدة دقيقتين كاملتين ينظر إليها باستمتاع وذهول ، وانتصاريوصف قيمة الشعورالرائع بالحرية ،التي لا تقدر بثمن مع الحصول على الغنيمة : (شرع بهدوء وصفاء يتأمل حياته ويراها ويفكر في ما يود القيام به في هذا العالم)(19). إنها أشبه برحلة للذات كرد فعل نشط وزائد عن الحد بعد حصوله على الغنيمة. وبذلك تتجسد إشكالية كبيرة عن علاقة المؤلف بالبطل. كما ذكرنا في بدء الطرح الإبداعي الكامل لقصص (ورد الجليد). ليؤكد باختين قائلاً: (إن وعي المؤلف هو وعي لوعي ، وبصيغة أخرى ، وعي يشمل ويكتمل ويتمم وعي البطل وعالمه ، إنه يشمل ويكمل وعي البطل بفضل ما هو متعالي على هذا الوعي مبدئياً)(20). وكنموذج واضح ومعبر بشكل جلي عن هذا الوعي المستوحى من وعي المؤلف، ليشمل، ويكمل، ويتمم وعي البطل وعالمه. قصة (قدمان)(21). تلك القصة البديعة في استحضارتخييل حاضر ومتوقد، وقد نقل لنا المؤلف هذه الحكاية الخرافية، من حفيد لرجل ترجم نفسه من اللغة العربية إلى إحدى لغات الشمال البارد في بلاد الغربة ، وظل يفعل ذلك يوميا على مدى سنوات منذ أن هاجر إلى الخارج وعاش وتزوج وأنجب هناك. ولم يكن معه جالية كبيرة من وطنه أو حتى جالية عربية. ويشتاق كثيرًا لسماع لغته الأصلية.

حيث يريد التحدث بها مع الآخرين، ولكن لا يوجد أخر مماثل له. فصار يخرج كل ليلة إلى الغابات الشاسعة خلف بيته (يمشي وحيدا في حذاء شتوي برقبة طويلة. يخوض في الثلوج وفي الريح صارخا في الليل بكلماته العربية ، فيرجع إليه الصدى بما تبقى منها. ينصت إلى الصدى بعطش ونهم ثم يبعث بتحياته بأعلى صوته إلى إخوته . فيعود الصدى ببقايا أسمائهم. تنتعش في نفسه ذكرى جولاته القديمة في أنحاء مدينته فيهتف بأسماء الأصدقاء، وحينما يوغل الليل ويشتد البرد يقفل راجعا إلى بيته منهكا مرتعشا. يعلق معطفه على المشجب وينثر من عليه ندى الليل. ويبدأ ثانية في ترجمة نفسه وهو يركب الترام، وهو يشتري الصحف ، وداخل المصعد)(22). (وظل هكذا كل ليلة وكل عام حتى ترجم الرجل كريات دمه البيضاء والحمراء إلى أخره من نوع أخر، وعندما أوشك على الخمسين من عمره انمحت ملامحه ولم يبق سوى ساقين وقدمين تخوضان في الصقيع كل ليلة، تفتشان عن روح عزيزة ضائعة)(23).

كذلك قصة (تحرش)(24). التي تحكي عن تصورات البطل مع التحرش، وما سوف يحدث من حوار وتفاعل داخل أتوبيس. إذا تجرأ هو أو غيره على التحرش بأي امرأة عند الجلوس بجانبها. لأنه في الواقع كان يجلس بجانب فتاة شابة جميلة ، وكل تلك السيناريوهات تدور داخل وعي المؤلف البطل، وهي افتراضات محتملة إذا تجرأ هو أو غيره بالتحرش بتلك الشابة الجميلة أوغيرها. بينما في الحقيقة لم تخرج اطلاقا إلى حيز الواقع. ولم يحدث أي تحرش من جانبه أو من أخر يجلس في الأتوبيس. ولم يقم البطل بأي فعل خارج عن حدود اللياقة والتحشم رغم رغبته الدفينة بالتحرش بها، ليستمتع ولو للحظات بلذة وطزاجة هذا الملمس الناعم. لكن كلها مجرد تهيؤات وأضغاث أحلام اليقظة اللاهية. لم تتعد حدود ذاكرة الوعي المتعالي عن وعي الآخر المشارك الحدث بدور سلبي في الحكاية من أولها لآخرها. بجلوس تلك الفتاة بالصدفة بجانبه وتنتهي تصورات هذا الرجل بسلام والفتاة الشابة تغادره، وهي تبتسم له بلطف ويتساءل بحزن وبقايا رغبة ملحة كانت تريد التحرش فعليا بتلك الفتاة التي كانت قربية منه ولم تقل شيئًا. والسؤال الذي لا زال يحمل داخل وعيه الرجاء والتوسل إليها :(لكن لماذا لم تلتفت نحوه حين كانت جالسة بالقرب منه لتقول له: " لا تؤاخذني أنت تتنفس بصعوبة وتبدو منهكا. سلامتك . مابك ؟)(25). وهذا البطل غيرالمعرف أيضا كنهج يستخدمه المؤلف الواعي، ليفتح تأويلات عدة وتعميم يضيف الكثير للمعنى والمغزى وراء الأحداث المثقلة بالتحميل النفسي والمعنوي للكثيرين. أكثر منه تحديدًا لشخص أو شئ أو حدث معين. مما يقنن فنية اللعب على علاقة المؤلف بالبطل بعمل وحدة متجانسة تشمل الوعي العام. الذي يحرك الفنيات القصصية نحوعوالم منفتحة على الواقع المعاش بطرواة الفن، ولذة الحكايات ومتعة التخييلات. أيضاً قصة (وقت حلو)(26). عن فاطمة التي تريد بإصرار الذهاب إلى المصيف مع طفليها الاثنين ، وهما يحلمان بالبحر، ويلحان عليها كل يوم . حتى حسمت الأمر وطلبت إجازة من محل الخياطة الذي تعمل فيه، وذهبت إلى بورسعيد لقريبة من معارف زوجها المتوفي ، ولكن باءت الرحلة بالفشل التام ، بعد أن رفضت هذه السيدة الحرباء أن تستقبلها هي وأطفالها ليومين فقط لا غير. حتى يرون البحر والاستمتاع بالعوم والتصييف، فقد أحضرت المايوه لإبنتها نجوى التي كررت السؤال عنه بلهفة وفرحة غامرة أكثر من مرة، لتتأكد من وجوده داخل الحقيبة حتى يرى نور جسدها أمام البحر. فما كان منها بعد هذه الخيبة الكبيرة، والانكسارأن تنهي الأمربسلام حال معظم أبطال القصص في تلك المجموعة. أن يسلكوا سلوك السلام، والبعد عن المشاكل، وابتلاع الخيبات والهزائم الصغيرة، بروح رياضية، ولوي عنق الألم بالتجاهل والتلاهي، واستكمال مشوار الحياة مهما كانت الظروف قاهرة ومخيبة لأمالهم، واستسلمت فاطمة لقهر الظروف والفقر والحاجة وقد: (رفعت نجوى ، وضعتها على صدرها. بدأت رحلة العودة).(وداخل نفسها المكسورة تتظاهر بالثبات والهدوء المفتعل ، من أجل أطفالها و(ارتعشت دموعها على فكها ، ثم صاحت في الطفلين . والنبي قضينا وقت حلو ياأولاد)(27).

وكذلك قصة (اتصال)(28). تحكي عن اتصال تليفوني هام جاء للمؤلف البطل، والعمة جالسة بجانبه مع ابن أخته تثرثر عن امرأة حمقاء وغبية لم تستطع تربية أبنائها ولا الحفاظ على زوجها البغل: (وأخذت تدلل على حماقة المرأة بحكايات وتفاصيل لا تنتهي)(29). حتى جاء لمؤلف القصة اتصال من رجل يلقي التحية يسأله إن كان من قرية " بشلا" بالدقهلية ؟ فأجابه " نحن أقرباء إذن " وابن أخته يتحدث وينظرإلى العمة بطرب وسرور. وكل في واد ولا يراعون أن البطل يحتاج إلى الهدوء حتى يسمع جيدًا ما يأيته من هذا الاتصال؛ الذي انقطع ثم عاد مرة أخري من صوت نسائي ينادي "آلو آلو ..." ولكن الصوت سرعان ما تلاشى كأنما ابتلعته هاوية مظلمة كما وصفه المؤلف باقتدار. يُعبر عن شعوره الداخلي عندما فقد التواصل مع الاتصال في المرة الأولى من الرجل، ثم المرة الثانية من سيدة. قائلا على لسان حاله: (صمت بقوة ،" آلو ؟! لكني لم أسمع سوى وشيش عميق . صمت عدة مرات متتالية "آلو" أنهيت المكالمة وجلست متكدرًا " ـ  (من الذي خاطبني! من أين؟ ما هي الرسالة؟)(30). (لابد أن المتحدث كان من إذاعة أو جريدة ويريد الحصول على تعليق مني على وضع سياسي أو ثقافي)(31). لكن ذروة الحدث هنا أيضا تنتهي بسلام مثلما حدث في قصة (وقت حلو) ، وربما يحلل فحوى هذا الاتصال المباغت الذي أفسده ثرثرة عمته الفارغة، ومؤازرة ابن أخته في الإنصات لها بسعادة وانسجام. أن هذا عادة ما يحدث مع المؤلف البطل باعتباره يتفاعل مع الواقع السياسي والثقافي، ومن كثرة ما أصبح يوجد في الواقع العربي والعالمي من مأسي وحروب ومجاعات ومعارك لا حصر لها يصرح قائلا: (كنت أصادف أنباء عن مئات القتلى ، وجهات متحاربة ، ونازحين ، من دون أن ألم بجذور الموضوع)(32). لكن رغم ذلك تظل الأسئلة عالقة في ذهن المؤلف البطل خاصة بعد انقطاع الاتصال وهي كالتالي: (ما هي الرسالة التي كان ينبغي أن تصلني ؟ وكيف ضاع مني اتصال كهذا مرتبط بعملي وحياتي ؟)(33). لتشمل الرسالة دعوة مفتوحة للجميع حتى يقرؤوا هذا الواقع المأساوي، ويحاولون الإجابة والبحث عن سلام داخلي وخارجي. وذلك ما يمكن أن نحلل به ما ذكره باختين: (إن وعي البطل وشعوره ورغبته في العالم وغايته الانفعالية ـ الإرادية المادية محاطة من كل الجوانب كما لو أنها وسط دائرة ، محاطة من طرف وعي المؤلف بالبطل وبعالمه الذي يضمن له الاكتمال)(34). ومن ثم لا بد من : (استخراج كل ما يصلح لاكتمال البطل والحدث الذي يشكل حياته وهو متعالي مبدئيا على وعي البطل، ومن ثم تحديد مبدأ وحدة التوتر المبدع المستعمل هناك. إن المؤلف هو المؤتمن الحي على الوحدة المؤسسة للاكتمال ، وهو في ذلك يعد نقيضا للبطل المؤتمن بدوره على الوحدة المؤسسة للحدث المفتوح وغير المكتمل من الداخل والذي تمثله الحياة .إن النشاط الذي يضمن للبطل اكتماله هو ما يمنح لهذا الأخير سكونيته، مثلما يكون الجزء ساكنا بالنسبة للكل الذي يشمله ويضمن له الاكتمال) (35). مثال ذلك نموذج قصة (هدية بسيطة)(36).  ما يمكن أن يُقال عليها ما هو أشبه بالقصة الدائرية، وتوضح فكرة بروز الوعي المتعالي، وقد تحولت إلى دائرة مغلقة نواة مركزها الفضائي الدال مكانيا وزمانيا في المحيط التخييلي، هو(سلة الورد) ،التي مثلت دور الفاعل والمفعول لكل شخصيات القصة من البداية إلى النهاية تحت عنوان (هدية بسيطة) التي فتحت الدائرة وأغلقتها باحكام على ما انتجته من حكايات وتفاصيل، بسبب هذه الهدية البسيطة. بتلك الهدية االمتنقلة من يد شخص لآخر تعددت الأغراض والمعاني، لمن يحملها سواء فرح أو مرض أو نجاح، كمؤشر للنوايا الطيبة مقترن بمعناها الأشمل الورد الذي هو عنوان الجمال والود والمحبة واللطف.وكانت البداية عندما أحضرها الحاج عبد اللطيف جار الأستاذ صلاح العمري المريض والمستلقي في المستشفى بعد العملية الجراحية، الذي يتساءل بحيرة وألم (ما نفع سلال الورد للمريض)(37). فقرر يهديها لصديقه في العمل (خيري غنام) الذي استأذنه أن يمشي سريعا  حتى يذهب لتهنئة سعد ابن أخته الذي نجح في الجامعة، فأهداه سلة الورد كهدية بسيطة ، ثم سعد الناجح يهديها لصديقه شهاب في ليلة عرسه الذي حضره لمباركته ، ثم في الصباح يحضر المهندس (حسين ذكرى) لصديقه المريض صلاح العمري ، وحاملا نفس السلة المميزة، والتي عرفها مباشرة هي ذات نفسها التي بها قطعة اللاذق البيضاء في الموضع ذاته،عندما اشتبكت بجسده في المستشفى وسقطت، فعالجتها الممرضة بلاذق. فاستغرب جدًا أي (صلاح العمري) فليس هناك صلة تربط بين صديقه في العمل خيري غنام الذي أخذ السلة من عنده أمس وبين صديقه حسين ذكرى الذي جاء بها الآن . وفي نهاية القصة نعود لبداية الحدث ويتكررعندما دخلت الممرضة تقيس الضغط ، وقبل أن تخرج قالت له بابتسامة خجلى : (أنا عندي فرح ابن عمتي اليوم ، ممكن أخذ الورد ده ؟ هدية بسيطة ؟)(38). وبذلك نجد أن نواة الحدث تقوم بتفعيلها وتنشيطها تلك السلة السحرية؛ التي تستحضر حيوات آخرين من الشرق والغرب ليس بينهم صلة متقاربة ، لتتجه في علاقات متشابكة. هذا أخذها، وذاك أعطاها لفلان، وفلان أهداها لفلان ،وذاك أعطاها لفلانة... إلخ، لتدور في دائرة سحرية وتدور معها الحكايات في ساقية بشرية تشبه طاحونة الحياة التي لا تفرغ ولا تنتهي ، فهذه الوحدة المؤسسة المتجسدة في سلة الورد جعلت الحدث مفتوحًا وغير مكتمل من الداخل، والذي يمثل سيرورة الحياة، فنحن في انتظارأن تهديها الممرضة لإبن عمتها ومن عليه الدوروهكذا دواليك.  وقد تحولت سلة الورد السحرية، ما هو أشبه بدائرة تدور في دوائر جمالية الإبداع اللفظي والحركي والانفعالي والإرادي المادي. المحاط من كل الجوانب ، كما لو أنها وسط دائرة محاطة من طرف وعي المؤلف بالبطل (صلاح العمري) الشخص المريض والمستلقي في المستشفى بعد إجراء عملية جراحية له. والذي به خلق عالم كبير كشف عن وجود وجوه متعددة من الشخصيات، فاستنطق ماهية هذه السلة الساكنة الحركة العاجزة عن أي فعل. لأفعال إنسانية في حوزة سلة الورد، فأضاء الوجود القصصي ، وأنارالأحداث باستخراج المكنون الحقيقي لتلك السلة رمز الأمل والتفاءل والفرح، وضمن اكتمال الدائرة الإبداعية والجمالية في آن واحد.وهذا أيضا من الممكن أن يؤول في قصة (رشفة عشق)(39). التي تحكي عن الطفل المتمرد عمر صاحب العشر سنوات وخاله نبيل ؛ الذي يعشق توتة ابنة الضابط الذي مات في الحرب، وتعيش مع جدها في فيلا كبيرة وفاخرة من الطراز القديم في الحلمية. تلك المنطقة العريقة القديمة التي شيدت نسبة إلى الخديوي عباس حلمي الثاني.والوسيط بينهما عمرالذي يعيش أسعد أوقاته ؛عندما يذهب مع خاله بلبل كما يناديه لأنه لا زال شاب، لزيارة توتة كل خميس في الفيلا.ويستمتع بالنزهة والجلسة في الفيلا الواسعة الملتفة بحديقة خضراء رائعة وتناول البسكويت مع الشاي. حتى فجأة يحدث عراك بين بلبل وتوتة ويتفقا ألا يتقابلا مرة ثانية كل خميس مثل العادة. عمر الذي يمثل القاسم المشترك والهام بوجوده في كل زيارة لتوتة، وهو فتي ذكي وطموح ومتمرد على حل الواجبات الدراسية، وحياته الروتينية بين الذهاب إلى  المدرسة ،وعمل الواجبات، والذهاب إلى النادي في إجازة الجمعة ، وله أفكار خيالية مثل فكرة الطيران ، عندما كان يقف أمام المروحة ويتخيل أنه سيطير ويهرب بعيدًا، وهي تساوي حالة الرغبة الملحة في الهروب من عمل الواجبات المنزلية والدراسية؛ وبسبب بلبل وتوتة كان يُعفى من عمل الواجبات يوم الخميس مع الاستعداد والتأهب للذهاب مع خاله بلبل، لزيارة توتة في الفيلا الجميلة. ولكن بعد هذا الخلاف : (لن يلتقي بلبل وتوتة ثانية ، وسيواصل حياته ،....)_ (لكنه سيشعر خلال ذلك كله أن شيئا مهما سينقصه بقوة، إنه لن يرى ثانية ضوء القمر الهابط من بين فروع الشجر على وجه توتة ، ولن يسمع ضحكتها الخجلى بعطر المانجو، ولا هسيس أوراق الشجرتحت الأقدام الأربعة ، ولن يرى نظرة التوسل العميق في عين بلبل)(40). وأخيرا ستندثر كل مشاعر وأحاسيس عمر الرقيقة والمرهفة لذا : (سحب الغطاء بشدة على رأسه ، سحبه حتى آخره ، وأجهش في البكاء الحار)(41). وقد انسحب الستار أيضًا على علاقة بلبل وتوتة. ليظل الحدث مفتوح وغير مكتمل ، ربما يعود بلبل لتوتة ، وربما لايعود،والنتيجة الهامة لعمر المشاكس والمتمرد، ربما يعود عمر لزيارة توتة في الحلمية، ويهرب من عمل الواجبات المدرسية يوم الخميس. وربما لا. كل شئ جائز في أمور الحب المهلكة.مما اقترحه (باختين) : (إن المؤلف يعكس موقع البطل الانفعالي والإرادي ،لا موقعه إزاء البطل ، فموقعه من هذا الأخر قد سبق إنجازه بالملموس في صورة موضوع ما ، ولا يمكنه بهذا الوضع أن يمثل موضوعًا لتحليل ذهني معيش ، فالمؤلف هو من يبدع لكنه لا يرى إبداعه في مكان آخرغيرالموضوع حيث يمنحه شكلاً ، وبصيغة أخرى فهو لا يرى سوى إنتاج فعله المبدع وهو في حالة صيرورة ، إنه لا يرى السيرورة السيكولوجية الداخلية التي تتحكم في هذا الفعل، وهذه هي طبيعة معيش فعله المبدع كله، إن المؤلف يعيش موضوعه ويعيش بذاته في الموضوع لكنه لا يعيش سيرورة معيشه هو، إذ إن عمل الإبداع لم يعد بمثابة معيش يتعذرأن تظهر فيه أو يتجسد بعيدًا عن الإنتاج أو الموضوع وهو في طور الإبداع والذي ينزع نحوه ولهذا السبب ليس للفنان المبدع ما يقوله عن سيورة فعله المبدع ، فهو بنفسه موجود بكامله داخل الإنتاج المبدع وليس له إلا أن يحيلنا على عمله وهنا فحسب يمكننا البحث عنه)(42).  قد نجد في قصة (ورد الجليد)(43). بعض التماس لهذه الرؤية الباختينية من موقع البطل الانفعالي والإرادي الذي يعكس رؤية المؤلف داخل سيرورة فعله المبدع. في المعلمة الروسية " نينا أندريفنا" التي كانت تُدرس لبطل الحكاية " طارق المصري" أثناء وجوده في موسكو ليواصل تعليمه وسط شلة من الجنسيات المختلفة. أتت تبحث عن العلم والبحث والارتقاء. بداية من (بيشا) مترجم شاب يتقن الإنجليزية، إلى أصدقائه الخمسة (طالب إفريقي أسود ، وأربع طالبات). في قاعة الدراسة الكلية التحضيرية رقم (23)، ولكن ما علاقة معلمة اللغة الروسية" نينا أندريفنا" وعنوان القصة (ورد الجليد)، وما علاقة الاثنان بحكاية طارق المصري. هذا الرجل المصري الذي جاء من تحت الشمس مباشرة، ولا يتحمل قسوة البرد الشديد والجليد ، فكان يتخلف عن حضور المحاضرة الأولى، التي كانت تدرسها المعلمة الروسية. ولكن بذكائها وصبرها واخلاصها للعمل استطاعت أن تقلل من حدة الموقف، والوضع الجديد لهذا المصري الذي تهاجمه الطبيعة الجديدة عن طبيعة بلده مصر. فعالجت شعور طارق الأشبه بالفوبيا من السقعة والبرد الشديد بالكلام والفعل، بأن كانت تحضر مبكرًا إلى حجرته توقظه لحضور المحاضرة. وتعلل قائلة بحساسية عالية وشعور فني : (على أي حال ليس في الطبيعة طقس سئ ، وأن الزهور تنمو حتى في الصقيع وقسوة الجليد " نعم . تنمو تحت سطح الجليد الشفاف وتبدو مثل دانتيلا من زهور بيضاء)(44).  وتتحول كل استلهامات وحكايات نينا طوال فترة الدراسة مع هولاء الطلاب الخمسة المحظوظين بتلك المعلمة الحذقة والمثقفة، إلى نبراس ومشعل تهديهم إلى النور والجمال والمثابرة، وحب العلم طريق الحق والتنوير، والإضاءة الحقيقية لحياتهم الحاضرة والمستقبلية. مهما كانت الطبيعة قاسية، وتفاقم نوستالجيا الحنين إلى الوطن، والذكريات خاصة أمام العنصرية والتفرقة بين البشر بسبب لون البشرة مثلما حدث مع الطالب (موبوتو) لأنه من أصول أفريقية، وقد أحرجه طفل في محل خبز، بأن بلل اصبعه بلسانه ومرره على سطح ذراعه ليتحقق إذا ما كان سواده لونا طبيعيا أم لا؟! ، ولكن الحصيفة نينا التي تؤمن أن ثلاث مهن جديرة بالتقديس وهي: (الشاعر والطبيب والمعلم) أحضرت لهم صورة لبوشكين يبدو فيها شعره مجعد منفوش ، مما يعني أنه من أصول أفريقية حبشية ، ثم قال زميله في الدراسة مقطع من قصيدة بوشكين مؤكدًا على قول معلمته: ("لتثق ياصديقي ... ستشرق ثانية نجمة السعادة الساحرة")(45). ورغم كل ما مر به طارق المصري من أحداث وظروف وعلاقات سواء مع زملاء الدراسة الخمسة في الكلية التحضيرية. ثم الافتراق ليتخصص كل واحد في المجال الذي يستهويه حتى عودته إلى مصر. ظل ورد الجليد هو الذكرى الجديرة بكل  ما حدث، التي تلخص كل شئ تحت قمم الجليد الذي سيذوب مع الأيام كما ذابت الذكريات، وظل لا غير ورد الجليد في قاع الذكرة ينبهنا بكل ما فات وكان وانقضى.. وورد الجليد ينمو وينمو ويغدو تفسير نينا أندريفنا مؤشر وحدة الجميع.عندما تهفو الذكريات والأمنيات الضائعة في وعينا مثل ورود الجليد، الذي تحت سطحه الشفاف الذكريات مثل الدانتيلا من زهور بيضاء. كما أخبرتهم نينا أندريفنا ذات النظرات المتوهجة الواقدة والنافذة بالأمل والحياة والاخلاص لروح العلم والبحث. والتي لم يستطع طارق المصري الأصيل أن ينساها وظل يتذكر ورد الجليد أي نينا الجميلة وهو يتساءل بحب وشغف الفقد : (وهل خبا في عينيها نور الأمل والحنان ، وحلت فيهما نظرة التعب والأسى ؟ ام أنها ما زالت تتطلع إلى العالم بتلك النظرة المتوهجة كالذهب الملتهب مأخوذة إلى أعماقها منقطعة عما حولها ؟)(46). كما أشار باختين : (إن المؤلف يسر لنا بتاريخ المعنى الفكري داخل عمله فقط وليس داخل ما يقوله لنا)(47). وتأولا نذكر أيضًا لاشك: (إن المؤلف يوجه البطل كما يوجه رؤيته الأخلاقية المعرفية في عالم الوجود المكتمل مبدئيًا ، الذي يستمد قيمته (بغض النظرعن معنى الحدث المرتقب). من تنوع راهنيته الملموسة نفسها ، إذا كنت أنا بنفسي مكتملاً وإذا كان الحدث مكتملاً بدوره فلن أستطيع العيش أو التصرف: كيما أعيش على أن أكون لا مكتملاً ومنفتحاً على نفسي، على الأقل فيما يخص الأساسي من حياتي ، على أن أكون بالنسبة لنفسي قيمة آتية، على أن لا أتطابق مع راهنيتي الخالصة)(48). لنطرح تأويلاً متقارب على قصة (على ربوة)(49). عن تلك العلاقة المرتقبة بين المؤلف والبطل والفعل أي كامل الأحداث التي تؤدي إلى رؤية تقيمية لكل ما يعيشه ويتصرفه البطل بتوجيه من المؤلف المنفتح ، واللا مكتمل ففي القصة (على ربوة) تتلاقى الأزمة الثلاث من الماضي والحاضر والمستقبل في وحدة متجانسة مركزها ذكريات الماضي المتمثل في الأم المتوفاه، والتي تنفتح على الحاضرالمتمثل في الابن الذي أصبح عجوز، والمستقبل المتمثل في ابنته الشابة في حوالي الثلاثين من عمرها ، وهي تقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به الأب نحو أمه المتوفاه. حين تقله الابنة بالسيارة للذهاب إلى بيت العائلة، ويتذكر نفس الموقف والحادث، وهو يركب السيارة مع ابنته بنفس البطء والتثاقل والمشاعر والأحاسيس. التي كانت تملأ قلب هذه الأم المباركة في ذاك الوقت الفائت. قائلا على لسان حاله : (في السبعين اكتملت صورة حياتها تحت عينيها مثل قطعة قماش مفرودة، لكن لم يبق زمن تطرز عليه وردة ، ولم يعد بوسعها أن تبدل خيطا في الرسم القديم) (50). وهذا بالضبط ما يعيشه هذا الابن البار، وهو الآن في السبعين من عمره ، مع ابنته ويطلب الحنان والرفق والتمهل كما كانت أمه تطلبه ، ولم يفهم حينها ما تريده هذه الأم بشكل واضح. نفس الموقف الذي يعيشه البطل الآن.. حتى يمر الزمن ويعيش نفس اللحظات الحرجة، والمطالب المشروعة لكل من أعطى وعاش وكافح وخذله الزمن القاسي الذي لا يرحم. وحساب الأيام عسير، وباهظ التكلفة على المشاعر والعافية، وبعد أكثر من عشرين عاما يتلقى نفس الايماءات والايحاءات كما كان هو أيضا قد فعلها، بأن يقابل هذا البطء والثقل من أمه بنظرة ضجرة كما تفعل ابنته الآن ، وهو يتساءل بحزن وألم المعرفة والتجربة الشاقة : (لماذا ياتي الإدراك متأخرا بعد ما يصبح القلب منهكاً وبعد ما تفقد الشفتان حرارة التقبيل؟!)(51). هذا المؤلف الملهم في صنع أبطال حكاياته يُنشئ علاقة من الود والألفة ، وتعريتها بشفافية عالية، لتنخر في المكنون الحقيقي وراء العلاقات حتى لو كانت تبدو قريبة وطيبة، وكل أشكال الخداع البصري وتجاوز الداخلي والعميق ، لقراءة البشر قراءة حقيقية. من السأم والضجر والتكدر الذي يشعر به هذا العجوز بالفعل. ليس فقط من مشاعر ابنته ولكن والأهم شعوره بالعجز، وعدم القدرة على الحركة والنشاط بسبب كبر السن. وهو في النهاية رغم شعوره بالسأم والضجر يشفق على ابنته الشابة، ويعطيها المبرر الحياتي والدرس الكبير الذي تعلمه من دروس الحياة . كل شئ سيأتي في وقته مسألة وقت لا أكثر. لكن ثمن الإدراك غالي بالفعل ولا يأتي إلا متأخرًا. لذلك هو حزين ويشفق على ابنته التي ستنتظر لوقت طويل حتى تعلم الحقيقة، وتدرك الأمور بشكل واضح مثل ما يدركها هو الآن بكل شجاعة وعمق. وفي زيارة بيت العائلة الأخيرة يعود لذكريات الماضي. من الطفولة والصبا والشباب في بيت العائلة القديم ، لتنفرط كحبات اللؤللؤ كل إلى مكان آخر، حيث سيقابل أختيه هناك بعد ربع قرن من وفاة الأم ، وقد قرروا بيع الشقة وتقاسم الأثاث، وتمزيق الذكريت. كل واحد يختار ما يريده منها للإحتفاظ به. فاختار هو منضدة أمه المغلقة، والتي كانت تفردها لتحتسي عليها الشاي : (المنضدة التي تنطبق إلى نصفين، والتي كانت أمنا تجلس إليها كل صباح تحتسي الشاي)(52). ويتجلى الحدث البسيط أمام الكثيرين بتأثير قوي النفاذ تحت وطأة الطرح السيميائي بين بداية القصة، ونهايتها في طرح سيميائي مؤثر.عزز جوف العلاقة القوية بين ايحاءات المؤلف الموجهة لبطل ملهم بصير ينهش الحزن قلبه بآلام العجزفي جسده كاملاً بين الهبوط والصعود من منزله، لمنزل العائلة القديم ثم العودة وهكذا دواليك. في رحلة تُجسد كل مراحل حياته وعمره. الذي نفذ في غمضة عين من الماضي والحاضر والمستقبل. رحلة كانت تشي بالقيمة والمعنى. يتأملها الآن في ساعات معدودة لراهينة الملموس الآن . فتبدأ القصة كالتالي: (فجأة فهمت . الآن . فهمت . كأن سيفا باغتني وشقني نصفين ورماني إلى الذهول. فهمت بعد انحنيت لأفتح باب السيارة)(53). ثم نهاية القصة : (فتحت باب السيارة ببطء) (54). ليكمل لنا المؤلف اكتمال عالم البطل برؤية تخييلية بديعة أنه يرى أمامه مطلع ربوة عالية ، والثلاثة أي الأم والابن والابنه يرتقون إلى تلك الربوة الحياتية ، وكل منهم في سن العشرين ، يبلغوا رأس الربوة ، ويتوقفون لالتقاط أنفاسهم ، وهم ينظرون من العلو الشاهق إلى السفح ، حيث تهبط الأم بنظرها إلى ماضيها ، والابن إلى مستقبله وإلى ماضيها ، والإبنه إلى حاضرها ومستقبلها أيضاً. ثم يتطلعون إلى بعضهم بعضا ، ويتبادلون النظرات بسعادة، وتنتهي القصة كما بدأت عند باب السيارة سواء بالهبوط والصعود من بيته لبيت العائلة، أوالعكس في آن واحد. تقودها سيارة العمر والحياة من سنوات الماضي والحاضر والمستقبل . هذا الطرح السيميائي نشط حوارية العمل القصصي، وأبرز بريق التخييل الإبداعي باستحضار الربوة العالية، كتخييل كاشف عن ماهية حياة  مع هذا الكائن الإنساني الشقي، وقد تلاقت الأجيال الثلاثة التي تساوي الأزمان الثلاثة عند العلو الشاهق للربوة الحياتية ، وأخيراً يصل البطل الملهم بسلام ليأمن به ما تبقى من حياته قائلا براحة بالغة : (ونحن نعلم أننا الآن سنبقى في فرح وهناءة الحياة الشابة ، وكالهواء والنور لن نشيخ أبدًا) (55).

لنصل لقصة (تغريدة عندليب)(56).  كنموذج يؤسس لمدى محورية العلاقة بين المؤلف والبطل : (وعلى امتداد هذا المجال نصطدم بالخلط الكلي لمختلف أنواع المقاربات والمعايير التقيمية: البطل السلبي أو الإيجابي (العلاقة بالمؤلف) ، البطل السير ذاتي أو الموضوعي ، المثالي أو الواقعي ، الصوغ البطولي ، الهجاء ، الفكاهة ، السخرية، البطل الملحمي ، والدرامي ، والغنائي والشخصية ـ المزاج caractere ـ  والنموذج type والشخصية personnage ، والبطل الروائي ...) ـ  لنخلص من كل هذا إلى المقاربة الجادة التي فسرها باختين كالأتي : (اما المقاربة الجادة لهذه القضايا فهي تدين إلى المناهج السيرية ، والسوسيولوجية والتي لا تفصح مع ذلك عن فهم شكلي وجمالي معمق بما فيه الكفاية للمبدأ المبدع الذي تحتويه علاقة المؤلف بالبطل والتي تستبدل بعلاقة سيكولوجية واجتماعية ، ساكنة ومتعالية (1)transcendante على الوعي المبدع ، ولا يظهر المؤلف والبطل على أنهما مكونين للكل الذي يشكله العمل ، وإنما باعتبارهما مكونين للوحدة عبر الأدبية  litteraire_trans الناشئة عن الحياة السيكولوجية والاجتماعية)(57). قصة تغريدة عندليب تمثل وحدة لحالة إبداعية ناشئة عن حياته السيكولوجية والاجتماعية. عندما فقط الرجل ابنه وزوجته حزنا على فراق ابنها المفاجئ. فقرر الخروج إلى البلاد ، هائما ، باحثا عن رحلة ذاتية تُطهرولو بعض الشئ روحه المعذبة من ألم الفراق والحزن الثقيل ثقل حمل جبال رابضة على قلبه المفطور من فقد أحبائه. ببداية قصصية مؤثرة وموحية لخوض الحدث الكبير في مواجهة هذه الفجيعة، وحالة اليأس التام والكامل التي يحياها في حاضره بدون كل ما يملك من أحباب ، بدون أمل ، بدون رجاء بدون أي حياة تمامًا، وقد غاب عن نظره كل أسباب وجوده، بزوال أسرته الصغيرة، كل ما يملك من الحياة، قائلا على لسان حاله : (أفقت في الصباح وقد استقر رأي على الخروج إلى البلاد).(وأنا منذ زمن أمني نفسي بترحال يزودني بحكاية أرددها وتمدني بالقوة)(58). حكاية يرويها ويحاول بها أن يبحث عن معنى لحياته خلال رحلة داخل ذاته، رحلة خارج دياره، خارج موقع الأحداث الأليمة التي عاشها ولا زال يجتر آثار حدوثها، وقد مشى على مهل بمحاذاة النهر. لم يجد الحكاية في الأرض ، تلك الحكاية التي تؤثر فيه، وترفعه لرؤية أبعد وأعمق من كل ما مر به في حياته المعذبة.. نعم للأسف .. لم يرى تلك الحكاية في الأرض ، فبحث عنها في السماء، لكن السماء لا سبيل إليها سوى طير محلق ، فسأل عصفور، ونسر متكبر، وغراب أحمق ، وطائر السمامة الذي يقضي معظم حياته في السماء، فلم يجيبه سوى يمامة التي أخبرته أن العندليب يغرد بها بصوت جميل. وقالت اليمامة (في حنجرته تسكن الحكايات كلها فابحث عنها)(59). عند العندليب الجميل بريشه الأخضر ومنقاره الأحمر هذا هو الحل ، هذا هو المنقذ لحياته. أين يجده؟! لا بد أن يبحث عنه ، لأن في صوته كل الحقيقة ، كل التمام ، كل الإجابات لأسئلة الحياة المعقدة والمركبة والفادحة الأثمان بدروسها القاسية. حتى وجده بعد رحلة عذاب وتعب لا ينتهي وقال له يطمئنه : (ياصاحب الصوت الجميل ، أنا راو جوال أبحث عن حكاية تمدني بالقوة)(60). فحكى له العندليب عن حكاية الفتاة الجميلة التي قبلت ضفدع ، فردته القبلة إلى أصله أمير وسيم ، لكن المتيم بالحكايات ، يعرفها فقص له العندليب قصة أخرى محزنة ، لكنها حقيقية وقوية التأثير على من يسمعها تحكي عن : (بلدة عاشت على نهر في آمان ترعى وتزرع ، في شمالها الشرقي قلعة حصينة تحمي طريق التجارة وتصد الغزاة ، حتى هجم عليها البرابرة واستولوا على القلعة ، وقتلوا الحراس وشردوا الباقي إلا جندياً واحداً لا نعرف له اسم . آفاق بين أشلاء رفاقه المبعثرة من حوله وقد دمر وتهدم كل شئ في القلعة الحصينة فقرر أن يعود إلى قريته ليعيش بسلام . فهذا سيبل النجاة الوحيد الباق له، ولكن أين له من سلام أو نسيان بعد هذا الانكسار والهزيمة النكراء: (ثم سألت نفسي : وهل تقوم حياة على ماء هزيمة وخبز انكسار ؟)(61). فواصل السير بكل همة ونشاط واحد ، اثنان ، واحد، اثنان كجندي شجاع حتى عاد إلى القلعة مرة أخرى؛ ليواصل القتال والاستبسال والدفاع عن وطنه ، وعدم الاستسلام للغزو، وهو أمريدعو إلى الاستخفاف والهزل ليس فقط أمام القائد الذي يستقبله بكل سخرية وفكاهة مُرة، وإنما لأي إنسان عاقل فما الفائدة من عودته بمفرده وحيداً بكتف مصابة، ومجرداً حتى من سلاحه وأي أمل في المنازلة ومواجهة العدو؟!. ياله من سخف وفكاهة لاذعة مثيرة للضحك والسخرية الشديدة. التي في طياتها تحمل الشفقة والرثاء لحاله الميئوس منه ، لكنه كان قويًا شجاعًا وأطلق في وجه أعداءه رصاصته الوحيدة نحو القلعة: (وفي التو انهمرت زخات الرصاص ومزقت بدنه عشرات الطلقات)(62). وسقط الجندي الوحيد على الأرض بكل شجاعة وكبرياء وفخر، وقد اختار الشهادة والفداء والتضحية من أجل كرامة وطنه الغالي، لتعزز قيمة الوطنية والشرف، والاستحقاق البطولي الذي يعادل تمام وكمال القيمة المادية والمعنوية لروح هذا الجندي المجهول الشريف الوطني. وصعدت من هذه الثقوب التي اخترقت جسده هذه الحكاية ، (ملونة بقطرات الدم ، مشعة من نظرته الأخيرة ومن سيره إلى القتال)، وهو في شدة الانكسار ، وصعدت وصعدت الحكاية إلى عنان السماء، ودارت في الأرض، وراحت تنتقل من صوت طائر إلى لمعة صخرة، ومن جذور الشجرة إلى وردها. ويسمعها عندليب من نور نجمة زرقاء ، فيرددها بصوته العذب. أخيراً أصبح لدى البطل البائس حكاية جديدة.. يرويها للعابرين والفلاحين والصيادين، وقد ذاعت تغريدة العندليب وحكمتها: (أننا لا نفوزإلا بالطريق الذي نمشي عليه، هو المكافأة التي تنتظرنا في ختام الرحلة ؟). (وتعلم العشاق أن العشق هو السير على طريق العشق حتى لو لم يحظو بالوصال ، وأدرك المقاتلون أن الانتصار الحقيقي أن يحموا جمرة الشجاعة ، وعرف الشعراء أن الشعر في اتقاد الخيال بالقصائد حتى لو لم ينظموها)(63). هكذا نجد في تلك المقاربة والمعيار التقييمي ، بظهور البطل الايجابي وعلاقة المؤلف، بذاك البطل السير ذاتي التي تحوي حياته دراما قاسية بعد وفاة ابنه ثم زوجته، وانهيار عالمه تماما حتى أنه هرب من البلاد. هروبًا بائسًا مرغمًا عليه، لعدم قدرته على تحمل الفراق اللعين. وهي بلا شك تدين أي (تلك المقاربة الجادة) إلى المناهج السيرية والسوسيولوجية لكنها رغم ذلك كما أشار باختين لا تفصح بشكل جمالي ومعمق بما فيه الكفاية للمبدأ المبدع الذي تحتويه علاقة المؤلف بالبطل. ويمكن استبدالها بعلاقة سيكولوجية واجتماعية ساكنة ومتعالية على (الوعي المبدع). بمعنى ان المؤلف ربما يحكي حكايته هو، أو حكاية حقيقية شاهدها وعايشها بذات نفسه، فنشأت تلك القصة الإبداعية لتتبدل من تبعيتها للمنهج السيري والسوسيولوجي ، لتصبح في علاقة أقوى بعلاقة سيكولوجية واجتماعية ساكنة ومتعالية على الوعي المبدع. ليظهر المؤلف والبطل في هذه المقاربة الجادة على انها من الممكن أن تكون حكاية ذاتية أو حقيقية عن بطل آخر من الحياة التي تفوق التخييل والتصورات الفنية فكل شئ جائز.فنصل إلى تأويل: (إذا كلاهما أي المؤلف والبطل ليس فقط مجرد مكونين للكل الذي يشكله العمل ، ولكن يظهران باعتبارهما مكونين للوحدة عبر الأدبية الناشئة عن الحياة السيكولوجية والاجتماعية)(64). إلى أن نأتي لفكرة التقمص التي ترتبط بمقدرة المؤلف على التأمل الجمالي للنماذج الحياتية المعاشة في الواقع مثل شخصية (بسمة حسني) العاهرة في قصة (بيسا)(65). كما أشار المرجع السابق ذكره (بل إن تفكيرنا منصب على مقولتي (1) التقمص EInfuhung التي تشتمل صراحة على مبدأ علاقة المؤلف المتأمل الجمالية بالموضوع عامة والبطل خاصة، وهي علاقة تم تأسيسها بطريقة معمقة عند ليبس Lipps و(2) مقولة " الحب الجمالي" عند "غويو" ومن منظورمختلف تماما الحب الجمالي عند " كوهين" ينبغي الاشارة إلى أن لهذين التصورين طابع عام جدًا وأنهما يشتغلان بدون مبدأ يظهر الاختلاف، سواء تعلق الأمر بأشكال الفن المتعددة أو بموضوع الرؤية الجمالية الخالص، أي بالبطل. (وهذا أمر تم تبيانه عند كوهين أكثر)(66). إذا فكرة تعزيز التقمص مع التعاطف الجمالي في خدمة الأشكال المتعددة للفن، أو الرؤية الجمالية الخالصة للبطل ، في إطار التقمص مع التعاطف الجمالي الآت من المؤلف المتأمل الحاضرة والواعية بالموضوع ، والبطل خاصة كما حدث في شخصية بسمة حسني التي أصبحت بيسا حيث يقوم النموذج  على حب جمالي به جانب كبير من التعاطف للحال الذي وصلت له نتيجة الفقر وقهر الظروف الحياتية عليها بلا رحمة.(ومن هنا انبثقت مباشرة الصيغة العامة للمبدأ الذي يسم العلاقة المبدعة والمنتجة جماليا، إنها علاقة المؤلف بالبطل، علاقة سمتها التوتر الخاص بالتموضع الخارجي . L expotopie في الفضاء وفي الزمن وفي القيم الذي يسمح بتجميع البطل كاملاً)(67). فترسم القصة (بيسا) مشهد الصحفيين الكبار واحتشاد شبابها أمام النقابة يلوحون بقبضاتهم ، ويؤرجحون لافتات الاحتجاج عاليًا.يهتفون تحت شمس مايو الحارة (" ارفع صوتك... قلها معانا .. حبس الكلمة عار وخيانة)(68). وركنت سيارتان مصفحتان سوداوان حولهما عساكر . ثم اقتحمت الشارع سيارة ثالثة مصفحة بها مجموعة من النساء والرجال في المقدمة " أشرف توكتوك " أشهر لص توكتوك في الجيزة ، و" سنية حشيشة " البدينة الشحيمة معلمة قهوة العمرانية وهبطت " بيسا" البغي، وبدأت الحفلة " لفرقة المواطنين الشرفاء التابعة لوزارة الداخلية " بالرقص والغناء التي تقوم به بيسا ونقرات الطبلة التي تحملها سنية حشيشة، وبدأ سجال بين صحفي شاب وأشرف توكتوك، وقد حمت نقرات الطبلة وتسارعت، وبيسا تواصل الرقص على الإيقاع المحموم. تلمع عيناها وهي تصيح : " يازبالة .. آآآه يازبالة " حتى يتعرف عليها كاتب عجوز، ويتفوه باسمها الحقيقي " بسمة حسني" التي كانت من متضرري مساكن الزلزال، وهذا الكاتب وقف بجانبها وساندها المسمى (علاء فكري) في محاول مستميتة لعلاج ابنها الوحيد في وزارة الصحة بالمجان، لأنه كان يعاني من السرطان. لكنه توفى في المستشفى بعد شهر من قدومه إليها .لأن وقت العلاج كان فات وانتهى أمره. وفي لحظة حاسمة من عمر الزمن القصصي تذكرت بسمة حسني في لحظات معدودة في ذاكرة الأوجاع. كل حياتها المريرة كشريط سينمائي منذ أن توفى والدها بواب العمارة النازح من الجنوب إلى القاهرة، وانخراطها من صغرها في كل الأشغال بدءا من بيع المناديل الورقية في الشوارع، حتى الخدمة في البيوت إلى الدعارة وأخيرًا في السجن. وخلال كل هذا التاريخ الشقي تعرفت إلى كل أشكال البشر. وأنجبت محمود من زبون لا تذكر اسمه قضت معه ساعتين في فندق. ظهر فجأة محمود أملاً وحيداً في حياتها ، ولم يعد للحياة طعم بعد ذلك، ولم يعد لشئ معنى لشخص بسمة حسني من مساكن الزلزال، فتحولت إلى بيسا. التي تفيق على نهر وزجر مخبر البوليس الذي يستعملها لمواجهة هذا العصيان الصحفي بسبل مبتذلة ، وهو يلوح لها أن تعاود الرقص من أجل افشال المظاهرة الصحفية أمام النقابة ، وعادت إلى الرقص منكسة إلى الأرض لا تحتمل أن ترسل بصرها ناحية صاحب الفضل الكبيرالكاتب (علاء فكري) الذي حاول إنقاذ ابنها رغم فشل المحاولة بكل أسف كبير، والذي دمر حياتها كلها بوفاة ولدها الوحيد. (وغمغمت بمرارة " آه يازبالة" بكت. لفت خصرها وهزت ردفيها وبكت ، وقرع الطبلة يعلو بقوة وصخب ويغمر كل شئ)(69).

وتأتي فكرة التقمص بشكل أكثر عمقًا وتفاعلاً بين المؤلف المتأمل الجمالية الموضوعية عامة، والبطل خاصة كما أشار باختين في قصة (جراحة)(70). بمفتتح آثر داخل محورية جمالية الإبداع اللفظي، وتأثيراته التي بها يستقيم السير القصصي برشاقة واحتراف إبداعي قائلًا على لسان حاله: (وقف الدكتور طارق عند الرصيف يتطلع إلى شرفة الطابق الثالث من العمارة المقابلة حيث يسكن شهاب الذي التقى به في المستشفى من خمس سنوات من إدارة السجن للكشف عليه وإجراء الازم)(71). وكان شهاب في ذاك الوقت يدعي المرض حتى يقضي وقتا خارج السجن؛ ليتنفس الحرية والفسحة من اعتقاله ولو لأسبوع. وقد أنقذه وحقق له أمنيته في التحرر من المعتقل هذا الطبيب بأن أجرى له عملية جراحية شكلية ، وهي فتق صغير تحت الصرة ، وقضى شهاب أسبوع في المستشفى حرا خارج الحبس ، ثم غاب عن الطبيب حوالي خمس سنوات لم يسمع خلالها عنه الدكتور طارق أي خبر. ولم يبق منه سوى استمارة دخول المستشفى المسجل بها اسمه وعنوانه. وظل السؤال الحائر بداخل الطبيب يبحث عن إجابة شافية عما فعله، وهاجس الاحساس بالذنب يعكر صفوه؛ لأنه كذب على إدارة السجن من أجل تحقيق أمنية شهاب الملحة بالتمارض ليتساءل بوجل: (هل قمت بما ينبغي في تلك الليلة؟ أم أنه كان علي القيام بشئ آخر ؟ شئ مثل ماذا؟ أي شئ؟ لم يستطع أن يقصي السؤال ولا أن يجد له جوابًا) (72). ونفذ صبره مع الأسئلة المكتومة في ذاكرته لمدة خمس سنوات من العمل والكفاح في طريقة الطبي. حتى في لحظة مكاشفة قوية قرر أن يذهب إليه في بيته، ويواجهه بكل تلك الأسئلة الحائرة التي تؤرق منامه وصحوه، رغم انشغاله الدائم بالعمل وكان له ذلك، وعرف أنه خرج من السجن وتخرج من كلية الهندسة العام الماضي، ولا زال بلا عمل ولكن: (همدت الحدة في ملامحه والزهو الذي رافقه وهو سجين فارقه وهو حر)(73). ألقى عليه الطبيب طارق السقا السؤال الفاصل ، هل ما فعله كان الصحيح والواجب أم كان عليه عمل شئ آخر؟! وهل شهاب كان سيقبل بعملية أكبر تهبه شهرًا كاملًا من الحرية ؟ فأجابه بنعم كان سيقبل، وهو يصف له مدى سعادته : (حين نقلته السيارة في تلك الليلة من المعتقل إلى داخل السيارة، وأنوار المحلات وظلال الأشجار وحركة الناس من دون قيد وأكد له : نعم ... نعم. أظن أنني كنت أقبل فعل عملية أكبر). لكي تمنحه شهرا كاملا من الحرية خارج أسوار المعتقل، والبقاء في المستشفى بعيدًا عن التقيد والحبس. وفي حضور سيميائي يماثل قصة (على ربوة) أبرز المؤلف لعبة الزمن والمكان. في القصة السابقة كان باب السيارة وفي الآنية الشارع عند باب شقة شهاب. البداية كانت : (وقف الدكتور طارق عند الرصيف الآخر يتطلع إلى شرفة الطابق الثالث من العمارة المقابلة)(74). ونهاية القصة : (عند الشقة هز الدكتور يد شهاب بين كفيه بحرارة . ثم نظر في عينيه لحظة بأمل وثقة . وأولاه ظهره واتجه نحو دوران السلم، وقبل أن يختفي غمغم بشئ ولوح بيده في يأس وحيرة)(75). لنصل في نهاية القراءة لإشارة هامة من المرجع السابق ذكره من بدء القراءة الأدبية : (عندما يفقد المؤلف موقع القيم الذي يضمن له تموضعه الخارجي إزاء البطل نكون أمام ثلاثة أنواع أساسية للعلاقة بالبطل وأمام عدد كبير من التنويعات داخل كل نوع من هذه الأنواع:

(الحالة الأولى : ويوجد فيها البطل تحت نفوذ البطل الذي يكون لغايته الانفعالية. الإرادية والمادية وللموقع المعرفي الأخلاقي نفوذ على المؤلف إلى حد أن هذا الأخير لن يستطيع مشاهدة الحدث (الذي هو حياته) إلا من داخل البطل) (76).

نماذج القصص : الشاهد ، الغريب ، وقت حلو، غلطة لسان ، بيسا.

(الحالة الثانية : وفيها يتحكم المؤلف في البطل ويدخل عليه عناصر الاكتمال وتصير فيها علاقة المؤلف بالبطل علاقة للبطل بذاته بعض الشئ ، حيث يستعد لتحديد ذاته بذاته لأن الإسقاط الذاتي قد استقر داخل نفس (ame) البطل وكلامه) (77).

نماذج القصص : تغريدة عندليب ، قدمان ، الغنيمة ، رشفة عشق ، جراحة.

(أما الحالة الثالثة : فيكون فيها البطل نفسه هو المؤلف ، إذ يتأمل حياته بطريقة جمالية وقد نقول إنه يلعب دوره الخاص بخلاف البطل الرومانسي اللا نهائي والبطل المتمسك بذنوبه كما هو عند دوستوفيسكي ، إن لهذا البطل اكتفاءا ذاتيًا واكتمالاً يتمتع بكامل الطمأنينة)(78).

نماذج القصص : ورد الجليد ، على ربوة ، اتصال ، تحرش ، غدا ، رسائل من القلب ، هدية بسيطة ، فرحة صغيرة.

إن علاقة البطل بالمؤلف كما توضحت في هذه الخطوط العريضة الثلاث. هي علاقة مركبة إلى حد ما وتتنوع وفق عوامل لها طابع أخلاقي ومعرفي وثقافي كل على حسب. تحدد في النهاية كل بطل حكاية حسب رؤية المؤلف، ومدى قيمة التعاطف الجمالي بوعي متعالي مبدئيًا؛ ليسترسل في إشكالية تفرز جماليات العمل القصصي بمدى قدرة المؤلف على طرح وتنوير اللقطة القصصية. وهي كما رأينا لا تنفصل عن الشكل والقالب الفني الذي يناسب كل حكاية بما يتجسد فيه البطل .

ولا يسعنا في نهاية القول غيرأن نذكر باختين بتلك الإشارة المعبرة عن تأويل مفترض  لعوالم (ورد الجليد). : (إن انقسام الذات وتبددها وانتشارها في اللغة ، هي إنتاج باختيني ، وله السبق في الحديث عن وجوب الاهتمام بالمتكلم والشروط التي ينتج فيها المدلول)(79). كما تم طرحه في القصص بوفرة إبداعية ، داخل أيقونات تفرش جماليات الإبداع اللفظي في علاقة محورية ومتشابكة؛ لتمثل إشكالية هذا التوحد بين المؤلف والبطل في كل الأطروحات الفنية والجمالية في قصص (ورد الجليد). بمقاربة جادة وفعالة تقترب في بعض الأحيان في سيميائية بين الأشخاص، والأماكن، والأحداث. بين مؤلف فعلي وأبطال على الورق تسقط تحت طائلة وعي المؤلف المحترف، والمحنك بأطراف اللعبة القصصية: من الفعل والحركة واللغة؛ لتبتكر تنوع جمالي مختلف النكهات متنوع الاستلهامات، بانفتاح لغوي عميق المغزى ، واسع التأويل في مفهومات النظرية الجمالية والإبداع اللفظي ، وإن كانت بالتأكيد في أغلب الأحايين تتجاوز هذه السيمائية لإطروحات (باختينولوجيا)(80). مثيرة للتساؤل والجدل.

هوامش :

1ـ انظر المصدر: ميخائيل باختين، جمالية الإبداع اللفظي/ ترجمة وتقديم : شكير نصر الدين ، الناشر دال للنشر والتوزيع ، سورية ـ دمشق، الطبعة الأولى 2011م.

2ـ المرجع السابق: ص 13

3ـ المرجع السابق: ص 15  

4ـ المرجع السابق: ص 15

5ـ ورد الجليد: ص 6ـ7

6ـ المرجع السابق: ص15

7ـ ورد الجليد: ص8 ـ 11

8ـ ورد الجليد: ص8

9ـ المرجع السابق: ص15

10ـ المرجع السابق: ص16

11ـ ورد الجليد: 17ـ 19

12ـ ورد الجليد: ص 17

13ـ ورد الجليد: ص29ـ31

14ـ ورد الجليد: ص31

15ـ ورد الجليد: ص31

16ـ ورد الجليد: ص20

17ـ ورد الجليد: ص20

18ـ ورد الجليد: ص20

19ـ ورد الجليد:ص20

20ـ المرجع السابق: ص20

21ـ ورد الجليد: ص12

22ـ ورد الجليد: ص12

23ـ ورد الجليد: ص12

24ـ ورد الجليد: ص38ـ 39

25ـ ورد الجليد: ص39

26ـ ورد الجليد: ص42ـ 45

27ـ ورد الجليد: ص 45

28ـ ورد الجليد: ص46ـ47

29ـ ورد الجليد: ص46

30ـ ورد الجليد: ص47

31ـ ورد الجليد: ص46

32ـ ورد الجليد: ص46

33ـ ورد الجليد: ص37

34ـ المرجع السابق: ص21

35ـ المرجع السابق: ص21

36ـ ورد الجليد: ص 40ـ 41

37ـ ورد الجليد: ص40

38ـ ورد الجليد: ص41

39ـ ورد الجليد ص 34ـ 73

40ـ ورد الجليد: ص 37

41ـ ورد الجليد: ص37

42ـ المرجع السابق: ص14

43ـ ورد الجليد: ص 21ـ 28 

44ـ ورد الجليد: ص 22

45ـ ورد الجليد: ص 27

46ـ ورد الجليد: ص 28

47ـ المرجع السابق: ص 14

48ـ المرجع السابق: ص 20

49ـ ورد الجليد: ص 13ـ 16

50ـ ورد الجليد: ص 13

51ـ ورد الجليد: ص 13

52ـ ورد الجليد: ص 14

53ـ ورد الجليد: ص13

54ـ ورد الجليد: ص 15

55ـ ورد الجليد: ص55

56ـ ورد الجليد: ص 51 ـ 54

57ـ المرجع السابق: ص16ـ هامش داخلي: (1) متعالية: مفهوم يترجم هنا وفي ما تبقى لفظة transgrendient التي يستعيرها باختين من مصطلحية الجمالية الألمانية ، ولا علاقة لها بالمصطلح المستعمل في الفرنسية والمرتبط بالفلسفة المثالية ـ انظر الفصل 1ـ 2ـ 3

58ـ ورد الجليد: ص51

59ـ ورد الجليد: ص51

60ـ ورد الجليد: ص52

61ـ ورد الجليد: ص53

62ـ ورد الجليد: ص54

63ـ ورد الجليد: ص 54

64ـ المرجع السابق: ص16

65ـ ورد الجليد: ص 48ـ 50

66ـ المرجع السابق: ص19

67ـ المرجع السابق: ص22

68ـ ورد الجليد: ص49

69ـ ورد الجليد: ص50

70ـ ورد الجليد: ص58ـ 61

71ـ ورد الجليد: ص58

72ـ ورد الجليد: ص59

73ـ ورد الجليد: ص60

74ـ ورد الجليد: ص58

75ـ ورد الجليد: ص61

76ـ المرجع السابق: ص25

77ـ المرجع السابق: ص28

78ـ المرجع السابق: ص 28

79ـ انظر المصدر: ميخائيل باختين/ النظرية الجمالية ـ المؤلف والبطل في الفعل الجمالي. رؤية موسوعية فلسفية جمالية سيكولوجية . ترجمة : عقبة زيدان، لدار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع ـ سورية ـ دمشق. الطبعة الأولى 2017م.

80ـ (م.ن): ميخائيل باختين/ النظرية الجمالية ـ المؤلف والبطل في الفعل الجمالي.