يكشف هذا البحث أن صورة الفُرس الثقافية والحضارية قد برزت في شعر البحتري، بجميع ميزاتها الفکرية والتاريخية، لذلك يتناول أسباب نزعة الشاعر إلی الثقافة الفارسية رغم أحاسيسه القوميّة، ويتوقف عند تجلّيات الأثر الثقافي الفارسي في شعر البحتري، وکأنّه من أبناء إيران الذين يهتمون بتراثهم التاريخي والاجتماعي علی نمط الشعر.

صورة الفُرس في مرآة شعر البحتري

فرشاد جبروتی -علي أصغر قهرماني مقبل

 

المقدمة:
يمکن أن نسأل أنفسنا لماذا تأثر البحتري بآداب الفرس التاريخية والاجتماعية، ولماذا اهتمّ بالشخصيات التاريخية الإيرانية، وما هو الدليل الرئيسي لاهتمام الشاعر بثقافة الفرس؟ وکيف عکس الشاعر المناسبات الاجتماعية الإيرانية کالنيروز في شعره؟ فنقول إنّ قصائده المدحية لمدح الشخصيات الإيرانية، وبالأخص، قصيدة الإيوان، تدلّ علی نزعة الشاعر الفارسية، ولهذا خلّد البحتري اسمه بین الإيرانيين منذ عصره حتی الآن ولعصور قادمة. وبعد تصفح ديوان الشاعر، وجدنا أنّه بملء عواطفه ومشاعره انغمس في ثقافة الإيرانيين، ومدح کبار الشخصيات الإيرانية، وانعکست صورة الفرس في أشعاره بکل وضوح، وقد مجّد البحتري مبدع حضارة الفرس بلسان طلق، وتکون قصيدة الإيوان تجسيداً حيّاً لنزعة الشاعر الفارسية. وقد برزت ملامح الحضارة الجديدة المتأثرة بالفرس واضحة في شعر الشاعر الوصفي، وقد وطأ الشاعر وطأة واسعة في العالم الإنساني الواسع وأبدع معاني إنسانية بلا حدود.

لا ﺷ في أنّ الأدب المقارن أصبح اليوم من أنفع الدراسات الأدبية فنّاً وأدباً، وبما أنّ الشعوب والقبائل العالمية محتاجة إلی العلاقات الثقافية بينها في جميع الأزمنة، ولأجل هذا نری کثيراً من الباحثين يهتمّون بالدراسات المقارنة للکشف عن أسرار تأثّر الثقافات ببعضها وتأثيرها في البعض، فضلاً على هذا «لدراسة الأدب المقارن نفع كبير في المجالين القومي والعالمي. ففي المجال القومي يؤدّي الاطّلاع على آداب أجنبيّة أخرى ومقارنتها بالأدب القومي إلى التخفيف من حدّة التعصّب للّغة والأدب القومي بغير مقتضى صحيح. وكثيراً ما أدّى التعصّب الأعمى والغرور إلى عزلة اللغة والأدب القومي عن تيّارات الفكر والثقافة المفيدة الّتي تساعد على إثراء أدب من الآداب». (ندا:1991، ص 26)

وبما أنّ لکلّ صورة أدبية أو صور أخری دلائلها الثقافية والفکرية، يتفهّمها کلّ ذي عقل باستنباطه الواعي، فالبحتري برؤيته الدقيقة استطاع أن يصوّر حضارة الفرس وثقافتهم الجليلة في أشعاره وخلّدهما للأجيال الآتية، وعقد صلة وثيقة بين الوعي الروحي والبصري واللوحات الفنيّة الجميلة، وعندما نمعن النظر في تصويره عن الفرس بجميع آدابهم بصدق، نستنتج أنّه بأفکاره وبنزعته العربية نزع المنزع الفارسي، وقام بوصف إحدی الآثار الحضارية الفارسية وذکر أسماء ملوکها بکلّ فخر. ولمّا ننظر بمنظار الصدق إلی تلقيّات الشاعر من حضارة الفرس العريقة وإعجابه البارز بها، نتصور أنه ذو قدرة بالغة في وصف السوانح التاريخية لتخليدها للأجيال القادمة، ومنها يقول البحتري في مدح عبيدالله بن خردادبه:

إِن كانَ مِن فارِسٍ في بَيتِ سُؤدُدِها

وَكُنتُ مِن طَيِّئٍ في البَيتِ ذي الحَسَبِ

فَلَم يَضِرنا تَنائي المَنصِبَينِ وَقَد

رُحنا نَسيبَينِ في خُلقٍ وَفي أَدَبِ

إِذا تَشاكَلَتِ الأَخلاقُ وَاِقتَرَبَت

دَنَت مَسافَةُ بَينَ العَجمِ وَالعَرَبِ

) دیوان، 1964: 1/254)

فالصورة «هي إعادة تقديم واقع ثقافي يكشف من خلاله الفرد والجماعة الّذين شكلوه أو الّذين يتقاسمونه أو ينشرونه، ويترجمون الفضاء الاجتماعي، والثقافي، والأيديولوجي، والخيالي الّذي يريدون أن يتموضعوا ضمنه».( هنري باجو، 1997: 87) ويمكن أن تكون الصورة «مرئية أو سمعية أو ملموسة أو لفظية. وبغضّ النظر عن نوع الصورة فإنّ اللغة مهمّة دائماً في تكوين الصورة، لأنّ اللغة تشكل المدركات الأصلية الّتي تقوم على أساسها الصورة وتزوّد الفرد بالوسائل التي تساعد على تذكّر هذه المدركات» (المصدر نفسه).

وبما أنّ الصورة تستطيع أن تکشف الواقع الثقافي، وهي تمثل عملاً فريداً لا يمکن تزييفه أو تغييره، وأنّ التصوير من أصدق الوسائل للتعبير عن الواقع والأحداث الّتي تحصل، فالصورة هي لغة شعبية ولها أهمية كبيرة في جميع الأزمنة، لأنّها تعکس ثقافة شعب وأصالته وحضارته في کل مجالات حياة الإنسان. ولا بدّ أن ننتبه إلى المغزى وراء كل صورةٍ نشاهدها، ونقف وقفةً جادّةً لنتأكّد من مدى الثّقة في الصّور التّي نشاهدها يومياً، وأن نحاول تحليلها وتحليل محتواها ومضمونها؛ إذ إنّ ثقافة الصّورة تتعدى مجرّد الاستخدامات النّظرية للصورة وحسب، وإنما هناك رسالةٌ إعلامية وإخبارية مهمةٌ وراء كل صورةٍ وكل حدثٍ تمثله هذه الصّور. وللصورة أهميّة كبيرة لانعکاس ثقافات الشعوب المختلفة طوال العصور المتمادية، فنحتاج لإعادة نظرتنا للصّورة ومكانتها، ونحتاج لإنتاجٍ مصورٍ يعكس ثقافتنا وأصالتنا في كل مجالات حياتنا، ونحتاج نمطَ تربيةٍ وتعليمٍ يعتمد لغة الصّورة ويشرح مقوماتها وأهميتها، وأهميةَ الشّفافية في نقل الرّسائل المختلفة من خلال الصّور التّي نأخذها، نحتاج لتثقيف مجتمعنا ورفع قدرتهم على قراءةِ الصّورة وما وراء الصّورة.

الدراسات السابقة:
کُتبت حول البحتري دراسات كثیرة، وقد عالجت هذه الدراسات جانباً من أدب الشاعر في زوایا مختلفة، وقد بذل الباحثون جهودهم القیمة لتعرّف علی أدب الشاعر ومیزاته الفنیة والکشف عن رؤیة الشاعر وفکرته وثقافته، وتحدثوا عن میوله الفارسیة، وإحساسه بعروبته ونزعته القومیة ومعرفته بتاریخ الفرس وحضارتهم، لعل من أهم هذه البحوث ما نشره آذر تاش، آذرنوش في المجلد الحادي عشر «في دائرة المعارف الإسلامیة الکبری» ففیه إلمامة بحیاة الشاعر وشعره و«سینیته» فذکر المؤلف دراسات کثیرة حول البحتري مشیراً إلی أنّ أکثرها «لا تحتوي إلّا علی أمور عامة تتعلق بحیاة الشاعر وشعره» (آذرنوش، 1381: 11/377)

ثمّ مقالة لوحید صبحي کبّابة، بعنوان «الأثر الفارسي في شعر البحتري» المنشورة في مجلة ثقافتنا للدراسات والبحوث، سنة 2011، العدد السادس والعشرون، أشار فيها إلی ثقافة البحتری وعصره السياسي والاجتماعي والثقافي، وتجليات الأثر الفارسي في شعره واهتمام الفرس بشعر البحتري وتأثرهم به، ثم مقال لفارق المواسي، بعنوان « وصف الصورة (الرسم أو اللوحة ) في الشعر العربي القدیم، ثقافة الصورة في الأدب والنقد» المنشور في أعمال مؤتمر فیلادلفیا الدولي الثاني عشر، أشار فیه إلی القیمة الفنیة للقصیدة السینیة، ثم کتاب لأمیر محمود أنوار-إیوان کسری من وجهة نظر الشاعرین العربي والفارسي، 1383ش، - قارن فیه بین القصیدة ونظیرتها عند الشاعر الإیراني الخاقاني الشرواني. ومقالة لفرامرز ميرزايي بعنوان «تلقي الصورة في قصیدة إیوان کسری للبحتري» (من الرؤیة البصریة إلی الرؤیة الفکریة) المنشورة في مجلة دراسات اللغة العربیة وآدابها سنة2010 م قد قارن الکاتب بین القصیدتین السینیتین ومقالة أخری أیضاً لفرامرز میرزایي بعنوان «استدعاء الشخصیات الساسانیة في شعر البحتري، 1431ق، ص57-73» أشار فیها الکاتب إلی الحضور الفني للشخصیات الساسانیة في شعر البحتري وتعامل الشاعر معها فنیاً، ومقالة لحميد رضا مشايخي والآخرين بعنوان « نظرة خاقاني والبحتري النوستالوجية إلی إيوان مدائن، 1391ش، ومقالة لمحمد أمير مشهدي والآخريين بعنوان «دراسة مقارنة لقصيدتين عربیتين من خاقاني والبحتري ، 1393ش، صص 275-293».

فتبین لنا أنّ البحتري ذو شخصیة شهیرة أدبیة في العصر العباسي، قد عالجه الباحثون في دراساتهم الأدبیة وعرّفوا أدبه وثقافته وأسلوبه الأدبي لأجیال متعددة طوال القرون المتمادیة بألسنة النقد والمدح. ويقول ابن الأثير عن البحتري: « فإنّ مکانه من الشعر لا يجهل، وشعره هو السهل الممتنع، الذي تراه کالشمس قريباً ضوءها بعيداً مکانها، وکالقناة ليناً مسها خشناً سنانها، وهو علی الحقيقة قينة الشعراء في الإطراب، وعنقاؤهم في الإغراب، ومع هذا فإنّه لم يوفّق في التخلص من الغزل إلی المديح ». (ابن الأثير، 1995: 249)

وبناءً علی هذه المعلومات المسبوقة، فلم نجد في الدراسات التي كُتبت عمّا يهمّنا من ميادين الأدب المقارن أعني علم الصورة شيئاً مكفياً من صورة الفرس الثقافية والحضارية في أدب البحتري وحسب ما اعتنينا به وجعلنا دراستنا على أساسه من دراسة الصورة، فلهذا تطرّقنا في هذا المقال إلى البحث عن كلّ شيء يرتبط بصورة الفرس الثقافية والحضارية في أدب البحتري.

وعندما نلاحظ هذه الدراسات، يظهر لنا أنّ الباحثين قد أشاروا إلی إعجاب البحتري بحضارة الفرس وثقافتهم، وقد أشار شوقي ضيف إلی هذه القضية، «کأنّما کانت عصبيته القبلية ضعيفة، بل لقد کان إحساسه بعروبته أيضاً ضعيفاً، وکأنّما لم يکن يستشعر شيئاً من الإحساس العميق بالأمجاد العربية في مقابل الأمجاد الفارسية، ولعلّه من أجل ذﻟ کان کثيراً ما يسترسل في إشادته بالأصول الفارسية لبعض ممدوحيه» (ضیف، 1434: 293).  فقصيدته السينية هي تعبير عن ثقافة الشاعر المتحضّرة وإتيانه بأسماء الملوﻙ الساسانية في نصّ القصيدة يدُلّ علی اطلاعه الواسع علی حضارة الفرس وثقافتهم ومکانتهما المرموقة.

مسألة البحث:
إنّ البحث عن صورة الفرس الحضارية والثقافية في مرآة شعر البحتري یعتبر من التبادل الثقافي والأدبي بین اللغتین العربیة والفارسیة، وهذا الأمر یستلزم الأخذ والعطاء الدائم بین الثقافتین، لأنّ الازدهار الثقافي سبب تطور الترابط الفکري والحضاري بین الشعبین، فأدّت التبادلات والاحتکاکات المختلفة بین العرب والفرس إلی ترسیخ العلاقات الفکریة في شتّی الموضوعات الاجتماعیة والأدبیة، فالبحث عن التأثير والتأثّر بين هاتين الثقافتين فيندرج ضمن الأدب المقارن الذي يساعد في ازدياد «التفاهم والتقارب بين الشعوب بمعرفة عاداتها، وطرائق تفكيرها، وآمالها الوطنيّة» (ندا، 1991م: 28)، فالتحدث عن صورة الفرس الثفافية والحضارية وتأثیرها علی البحتري يعطي الباحث الأدبي معرفة جديدة للغور في الأسباب الرئيسية التي تستحکم هذا الترابط الفکري بين الأمتين، العرب والفرس. وهذا الأمر يزوّده تجربة شعورية للترکيز علی أصالة البحث وتعبيره بکلّ دقة دون أيّ تحریف. والبحث عن التبادل الثقافي یدلّ علی أنه تکوّنت هناﻙ وحدة ثقافیة بین البلاد الإسلامیة مهما «تباعدت أصقاعها واختلف ألوانها السیاسیة أو تعادی ملوکها وحکامها» (زغلول، 1968: 8). إن الاتصالات التي حدثت بين الأمتين؛ العربية والفارسية كانت إمّا بحكم الجوار أو عن طريق التجارة والرحلات والحروب والمحالفات السياسية وغيرها في العصر الجاهلي، كانت وسيلة للتأثير والتأثر، ولو كان ذلك قد حدث في نطاق ضيق محدود، فإن نظريات الأدب المقارن لهي دليل صريح لدراسة الأدبين.وهذا واضح «فالامتزاج الاجتماعي الکبیر بین العرب والإیرانیین في معظم بقاع إیران وخاصة في خراسان وکذﻟ في العراق أدّی إلی امتزاج لغوي.فقد انکبّ الإیرانیون علی اللغة العربیة وتأثرت لغتهم بها أیّما تأثر، کما تعلّم العرب اللغة الفارسیة وتمازجت اللغتان، وظهر ذوو اللسانین من المؤدبین والکتّاب والشعراء والقصاصین.» (آذر شب، 1397: 45)

فضلا علی هذا التأثر الأدبي قد مهّد الأدب المقارن الطریق الیسیر لنا لمعالجة التراث العربي الضخم ودوره الإیجابي وتأثیره علی الأدب الفارسي وأدبائه وشعرائه قدیماً وحدیثاً وقد تجلّت أنوار هذا التراث الضخم في شعر کبار الشعراء الإیرانیین ومنهم البحتري الذي یتلَالأ اسمه وفکره في سماء الأدب الفارسي وقد اقتبس الشعراء الفرس من أدبه مضموناً وشکلاً وحذوا حذوه وأخذوا منه بعض الفنون الأدبیة خاصة في تعابیر الصور البلاغیة. وهو نفسه قد تأثر بثقافة الإیرانیین وحضارتهم ومدنیتهم وقد توجد آثار هذه الحضارة الفارسية وثقافتها في أدب البحتري وقد أشار إلی بعض الشخصیّات الساسانیّة وقدرتهم وحضارتهم. واستخدم بعض الألفاظ الفارسیة في دیوانه الشعري. وعلی هذا الأساس عالجت البحث بدراسة صورة الفرس الحضارية والثقافية في مرآة شعر البحتري، ضمن الأدب المقارن الذي يدرس فيه علم الصورولوجيا، والمحور الأساس في الصورولوجيا هو التناول بدراسة الثقافات والشعوب باتجاهاتهم الفکرية والنفسية، لأنّها تقدّم صوراً من بلد ما وکیفي نظرة شعب ما إلی أمّة غيرهم.

وتسفر عن المقارنة بين الذات والآخر. وتُعدّ الصورولوجيا من أكثر حقول الأدب المقارن اهتماماً بالعلاقات والاتّصالات بين الشعوب إذ يمكن للدارس أن يدرس صورة شعبه عند شعوب أخرى أو العكس. فدراسة الصورة تعطينا معلومات عن الأنا والآخر، وينتج هذا الأمر من التفاعل البشري بين الشعوب والعناية بثقافاتهم سواء كانت هذه العلاقات إثر السلم أو الحرب. عندما نتعمق في الأدب المقارن، نجد أنّ الصورة المقارنية فرضية عمل يمکن أن تصاغ علی هذا الشکل، يعني: «کل صورة تنبثق عن إحساس، مهما کان ضئيلاً (بالأنا) بالمقارنة مع الآخر، و(بهنا) بالمقارنة مع مکان آخر، الصورة هي إذن تعبير، أدبي أو غير أدبي، عن انزیاح ذي مغزی بين منظومتين من الواقع الثقافي، إنّنا نجد، مع مفهوم الانزياح، البعد الأجنبي الّذي يؤسّس كلّ فكر مقارني». (غويار، 1988: 91) وحقيقة أنّ الصورة «هي إعادة تقديم واقع ثقافي يكشف من خلاله الفرد والجماعة الّذين شكلوه أو الّذين يتقاسمونه أو ينشرونه، ويترجمون الفضاء الاجتماعي، والثقافي، والأيديولوجي، والخيالي الّذي يريدون أن يتموضعوا ضمنه». (المصدر نفسه)

 وبما « إنّ الأدب المقارن يهدف إلی نواحي التلاقي بين الأدب القومي لإحدی الأمم، وغيره من آداب الأمم الأخری، مبيناً جوانب التأثير والتأثر، مستعيناً في کل ذﻟ بما تؤيده وثائق التاريخ من تلاق بين الأمم مکّن لها من أن تتبادل فيما بينها هذا التأثير والتأثر. (کفافي، 1972: 26)

الأسئلة:
1- ما هي التجلیات الفارسیة ومظاهرها في شعر البحتري ثقافيا؟

2- کيف انعکست الثقافة الفارسية وحضارتها في شعر البحتري؟

3- کیف کانت صورة الفرس في شعر البحتري؟

جسر التبادل الثقافي بين العرب والفرس في عصر البحتري:
کما نعرف أنّ الثقافة، هي هوية ذاتية منحصرة بکل شخص وشعب وبلد وتنتقل من إنسان إلی آخر ومن شعب إلی شعوب أخری وتقوم علاقات البلاد حسب التبادل الثقافي علی السِّلم تارة وعلی الحرب تارة أخری، وتتبادل العطاء بين الأمم المختلفة ويعطي بعضها بعضاً ويأخذ الآخر. وبما أنّ البحتري کان يعيش في العصر العباسي، وحسب الظروف الاجتماعية والثقافية ما کان غنياً عن ثقافة الأمم الأخری، فتأثّر بثقافة الفرس وحضارتهم. وجدير بالاعتراف «أنّ الفتح الإسلامي جمع بين العرب والفرس، وشكّل تحوّلاً جذرياً في تاريخ هذه البلاد. اقترنت الثقافة العربية الناشئة بالثقافة الفارسية العريقة، وتحوّل هذا الاقتران سريعاً إلى انصهار ثقافي تبادلي مثير يتميّز بخصائصه ومواصفاته ونتائجه». (الحوفي، 1968: 273).

ويدرس تبادل الثقافة بين الأمم المختلفة ضمن علم الصورولوجيا، لأنّها تعکس صورة بلد وشعب في مرآة ثقافة بلد ما وشعب ما، وبهذا المنهج الفکري تظهر آداب الناس وثقافتهم للآخرين بشتّی الطرق. فالصّورولوجيا أسلوب لدراسة صورة البلدان الأخری والشخصيات الأخری فی أدب أديبٍ ما أو عصرٍ ما أو مکتبٍ ما، ويهتمّ بصورة الآخر فی ثقافة الأنا کما يهتمّ بصورة الأنا فی ثقافة الآخر، وبالتّالی نحن نواجه فی الصورولوجيا دراسة الصورة بين الثقافات». (نامور مطلق، 1388: 111). «فالصورة أيّا تكن صورة، وإن سمحت الظروف، قد تصبح وسيلة مهمّة وفعّالة وقويّة لتكون خير شاهد يُظهر أفراح العالم وأفراحه. وإن جرى تناقلها مراراً، يمكن أن تكتسب شهرة واسعة». (أمون، 2013: 12).

إنّ النقطة الأساسيّة في دراسة الصورولوجيا هي الثقافة والشعوب باتّجاهاتهم الفكريّة والنفسيّة، فهي تقدّم صوراً من بلدما وكيفيّة نظرة شعب ما إلى أمّة غيرهم، وتسفر عن المقارنة بين الذات والآخر. هذا النوع من الدراسة «يعتمد على أدب الرحلات وما في القصص والمسرحيات من شخوص مجلوبة كما يتناول رواية خاصّة لبلد من البلاد من خلال أدب أمّة من الأمم، أو رؤية كاتب معيّن لبلد من البلاد الأجنبيّة الّتي عاش فيها. وليس من شكّ أنّ هذا النوع متوافر في الآداب المختلفة نتيجة للرحلات المتّصلة بين الشعوب، وأحياناً الهجرات الّتي يقوم بها أدباء في بلد ما إلى بلاد أخرى ينتقلون إليها ويقيمون بها». (پرويني، 1391: 60) «وأمّا البيئة الثقافية فقد کانت من أقوی العوامل في النهضة العباسية إذ أخذ الخلفاء يشجعون الحرکة العلمية في شتّی نواحيها ويمدّونها بمالهم وجاههم وبما أنّ العرب اتصلوا بالشعوب المختلفة، فاختمروا بثقافتهم وحياتهم الاجتماعية، وکانت هذه الثقافات المختلفة تؤلف التراث العلمي في ذﻟ العصر وکانت لها أثر کبير في الأدب، وقد وصلت الثقافة الفارسية بواسطة امتزاج العرب بالفرس وانتقال الخلافة إلی بغداد واشتغال الوزراء والکتّاب الفرس بالعربية». (الفاخوري، 1377: 354)

فامتزاج اللغتين العربية والفارسية دليل علی التبادل الثقافي بينهما، کما أشار إليه طه ندا: « أن هذا التبادل بين اللغتين العربية والفارسية دليل علی أن الشعبين العربي والإيراني قد تجاورا وتعاونا وآمنا بدين واحد. وحکم التجاور والتعاون والإيمان بدين مشترﻙ واحد أنه يهييء الفرص لهذا التبادل اللغوي. (ندا، 1991: 72) عندما نتحدث عن التبادل الثقافي، يعني أنّ المجاورة والتعاون سبب إتاحة الفرص المختلفة لامتزاج اللغتين ولتطوّر الحضارة الإسلامية بين الشعبين . «فالامتزاج الاجتماعي الکبير بين العرب والإيرانييين في معظم بقاع إيران وخاصة في خراسان وﮐ في عراق العجم أدّی إلی امتزاج لغوي. وتعلّم العرب اللغة الفارسية وتمازجت اللغتان، وظهر ذوواللسانين من المؤدبين واﻟﻜﺘﺎب والشعراء والقصاصين. (آذرشب، 1389: 45).

یعدّ العصر العباسي فترة ذهبیة للأدب والعلم في التاریخ الإسلامي وقد تسرّبت الثقافة الفارسیة في المجتمع العباسي وتبلورت ملامحها في طیّات کتب الأدب، واعتبر البعض ذلك سیطرة الأثر الفارسي ونفوذه الغالب وقد اتسمت الثقافة في هذا العصر بطابع فارسي واستمدّ المجتمع العباسي في عصوره بعض العناصر الثقافیة من الثقافة الفارسیة وتبلور بذلک الأثر الفارسي في تکوین الثقافة الإسلامیة. لقد تواردت الألفاظ الفارسیة ذات دلالات مختلفة لتکشف ظاهرة التفاعل والتمازج الثقافي الذي مهّد الأرضیّة لتشیید صرح الثقافة الإسلامیة الراقیّة بما تداخل فیها من الأثر الفارسي.

«وقد تمیّز العصر العباسي باختلاط کبیر بین الأمم المفتوحة وامتزاجها في السکن والمصاهرة وفي الحیاة الاجتماعیة والمهن والحرف.. الخ. وکان وراء هذا الامتزاج الدموي بین العناصر والشعوب والأقوام المختلفة امتزاج روحي عن طریق الولاء الذي شرعه الإسلام، والسیاسة الحکیمة، التي قامت على التسامح والاحترام المتبادل، فتحول الولاء إلى الکیان الواحد إلى رابطة تشبه رابطة الدم، فالشخص یکون فارساً أو هندیاً أو رومیاً أو حبشیاً ویکون عربي الولاء، بل إنّ الرقیق کانوا بمجرد تحریرهم یصبحون موالي لأصحابهم ویُنسبون إلى القبائل العربیة مثلهم مثل أبنائها الأصلیین.». (الحوفی، 1968: 34). إنّ الثقافة الفارسیة شاعت على ألسنة کثیرین في الحیاة الیومیة في العصر العباسي وبسبب ذﻟ ولأنّها کانت لغة الحضارة الفارسیة دخل منها إلى العربیة ألفاظ کثیرة، وخاصة ما اتصل بأسماء الأطعمة والأشربة والأدویة والملابس.

«وکانت الثقافة الفارسية الشعبية أبعد تأثيراً في المحيط العربي لهذا العصر، فقد دخل جمهور الفرس في الإسلام واقتبس العرب کثيراً من صورة حياتهم في المطعم والملبس وبناء القصور ونظام الخدم والحشم، وکانوا يحتفلون معهم بأعيادهم ويحکون عنهم أقاصيصهم عن رستم وإسفنديار وأخبارهم عن ملوکهم وحکمائهم». (ضيف، 1434: 95). «وعلی العموم فقد انتشرت حضارة الفرس في المجتمع الإسلامي في مختلف الميادين الاجتماعية والسياسية والثقافية.وأصبحت اللغة الفارسية شائعة ذائعة في أمصار العالم الإسلامي». (ندا، 1991: 38)

ومن جانب آخر عندما نتحدث عن الحضارة، قصدنا هو نوع من الإنتاج الإنساني المفيد لارتقاء مستوی معيشة الناس، ويقول أهل الخبرة والاختصاص إنّ الحضارة ﻫﻲ الإنتاﺝ ﺍﻹنساني المدني ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ بخصاﺋﺼـﻪ ﺍﻟﻔﻜﻳـﺔ ﻭﺍﻟﻭﺣﻴـﺔ ﻭﺍﻟﺍنية ﻭﻣﺎ ﺍﺭﺗﻀﺘﻪ هذه ﺍﻷﻣﺔ لنفسها، ﻭﺍﻟﺴﻠﻛﻴﺔ تحقيقاً ﻷﻫﺍﻑ ﺃﻣّﺘﻪ ﻣ ﻗﻴ ﻭﻣﺜﻞ ﻭﻣﺒﺎﺩﺉ.

انعکاس التاريخ الفارسي في شعر البحتري:
وﻛﻞّ من يتصفح ديوان البحتري، يری أنّه قد اهتمّ بحضارة الفرس وشخصياتهم، وکان منسجماً مع الطبيعة العصر الّذي يعيش فيه، فهو يشهد علوّ شأن الموالي وتوليهم المناصب العالية في البلاط العباسي، فلا بدّ إذن من الاعتراف بما لهم من سيادة ومدحهم بما يرضون بل الإشادة بأصولهم الفارسية (درويش العربي، 1989: 225) . ثمّ إنّه کأکثر شعراء العصر العباسي ذا اطلاع واسع علی ماضي حضارة الفرس والروم و...خاصة الحضارة الساسانية وأکاسرتها وسراتها، وهذا ما دفعه إلی أن يصرّح بعظمة حضارتهم، لذﻟ نجده وهو يمتدح الرؤساء الفرس يشير إلی علوّ شأن أجدادهم من الأکاسرة بل إنّه لا يجد حرجاً حين يعدهم من رهطه، وإنّهم أحق بالصون من عرضه ودينه کما في قوله يمدح ابن حمدون النديم. (ميرزايي والآخرون، 1431: 57-73)

ﺗﻠ الأعاجِمُ تُنميکم أوائلُها

 

إلی الذوائِبِ منها والعَرانين

فَخرُ الدّهاقينِ مأثورٌ وفخرُکم

 

من قَبلُ دَهقَنَ آباءَ الدهاقين

إنّي أعُدُّکم رهطي واجعلُکم

 

أحقَّ بالصَّونِ مِن عرضي ومِن ديني

              (ديوان ، 1964: 4/2250)

فيلاحَظ أنّ البحتري بملء أحاسيسه يمجد الرؤساء الفرس ويتصوّرهم حصناً حصيناً للصون من عرضه ودينه.  وهو يلعب دور المؤرّخ الذي يعلم تاريخ حضارة بلد، وعندما يصرّح في السينية عن آل ساسان وقصورهم ويمدح الحسن بن سهل:

کِسرَويٌّ عَليهِ مِنهُ جَلالٌ  يَملأُ البَهوَ مِن بَهاءٍ وَنورِ

وَ تَری في رُوَائِهِ بَهجَةَ اﻟﻤُﻠ  ِ، إذا ما استَوفاهُ صَدرُ السريرِ

يا ابنَ سَهلٍ، وأنتَ غَيرُ مُفيقٍ  مِن بِناءِ العَلياءِ، أُخری الدّهور

إنّ للمِهرجانِ حقّاً علی کُلّ  کَبيرٍ مِن فارِسٍ وَصَغيرِ

عيدُ آباﺋَ المُلوﻙِ ذوي اﻟﺗﻴ  جانِ أهل النّهی، وأهلِ الخيرِ

مِن قُباذٍ، ويزدَجِردَ، وَفيرو  زَ، وَکسرَی، وَقَيلِهم أزدَشيرِ

وَکأنّ الأيّامَ أُوثِرَ باﻟﺤﺴ  ِ عليها ذو المهرجانِ الکبيرِ

    (ديوان، 1964: 2/886)

وبنظرة عابرة نری کلّ هذه الأسماء، أسماء ملوﻙ الفرس، وهو هنا يشيد بأصول ممدوحه الفارسية، مذکراً بسالف مجد الفرس وحضارتهم، ويتذکر أسماء الملوﻙ، کقباد، يزدجرد، فيروز، کسری، اردشير وبرويز، لأنهم ذو مکانة عالية وهم ذووا التيجان، ولهم قدرة کبيرة في مصير شعبهم، وکلّهم أهل الخير والبرکة، وأهل العقل، ولاﺷ في احترامهم من جانب شعبهم والآخرين من بلاد أخری. وفي قصيدته « سيمياء الندی» يمدح الحسين ابن الحسن بن سهل :

يا أبا القاسمِ المُقَسِّمِ في المجـ دِ ليومِ النّدی وَيومِ الطعانِ

قَد ورِثتَ العَلياءَ عَن أزدَشيرٍ، وَقَباذٍ، وَعَن أنوشِروانِ

وَأری الليلَ والنّهارَ سواءً  حينَ تَبدو بِوَﺟﻬَ الإضحيانِ

     (ديوان، 1964: 1/312)

فالشاعر قد جعل أسماء الملوﻙ الفرس نصب عينيه ويتذکرهم دائماً في أشعاره بالفخر والکبرياء. وهذا الأمر ناجم عن وسع نظر البحتري الذي يتمتع عن ثقافة عالية، وعن رؤية دقيقة، تجاه الشخصيات الساسانية وحضارتهم المتقدّمة. ولمّا نمعن النظر في ديوانه، نواجه بمعرفته العميقة بحضارة الفرس وثقافتهم وعلمه بوقائعهم التاريخية، هذا دليل واضح علی أنّ البحتري اتصل بحضارة الفرس وثقافتهم اتصالاً حسيّاً وروحياً، علاوة علی هذه الوقائع التاريخية، نری أنّ الشعراء العباسيين قد اهتموا بمناسبات الفرس الاجتماعية الأخری التي کانت شائعة آنذاﻙ.

ظهور الآداب والمناسبات الاجتماعية الفارسية في شعر البحتري:
يُعدّ عيد النوروز، من هذه الآداب والمناسبات الاجتماعية التي لها دور هامّ في تقريب الناس والشعوب المختلفة، بعضها ببعض، وبمراجعة ديوان البحتري نری مکانة النوروز عند الشاعر، کانّه جزء لا يتجزّء من نظرة الشاعر ورؤيته، وبقراءة بعض القصائد التي أنشدها الشاعر في هذه المناسبة الاجتماعية، نؤمن أنّ الشاعر قد تأثّر بالنوروز تأثراً شديداً، ثمّ اتصل به حسّاً وروحاً، وأظهر فکرته وإحساسه لهذه المناسبة الإيرانية. ولا شکّ فیه أنّ النوروز وإن کانت تمتدّ أصوله إلی أبعد من التاریخ المدّون، ولکن تخلّی عما علق به معتقدات الزردشتیة بعد أن اتّخذ لوناً إسلامیاً واضحاً وارتبط بالمعاني الروحیة السامیة التي تصل الإنسان بما أسمی مما یعیش فيه. إنّ النوروز أکثر الأعیاد شهرة في التاریخ، وأبعدها صیتاً، وأقواها تأثیراً في الشعوب العربیة. ذلک العید الذي خلقته البیئة الإیرانیة منذ أقدم العصور، وظل خالداً علی الدهر في العهود الإسلامیة حتی وصل إلی زماننا هذا، ونلاحظ کان للنوروز أثر بارز في مرآة عواطف الشعراء العرب منذ القديم حتی زماننا هذا، والشعراء العرب قد ترکوا تراثاً أدبياً قيّماً من روائع الشعر والنثر في بداية کلّ سنة جديدة، واهتموا الأدباء العرب بهذا الحفل الشعبي والوطني الفارسي، اهتماماً بالغاً وأنشدوا أناشيد رائعة فيه.

بما أنّ النوروز کان رمزاً للسلام والصداقة بين الإيرانیین، وکانوا يحتفلونه بکلّ سرور وحفاوة، ويبذلون الحلويات والمأکولات الأخری، ولأجل هذا کان الشعراء الفرس والعرب يهتمون به، وبإنشاد قصيدة، تُهدی إليهم هدية من جانب الملوﻙ، لأنّ من السنن الفارسیة القدیمة هي تقدیم الهدایا یوم النوروز من جمیع طبقات الناس إلی اﻟﻤﻠ وکذﻟ العکس، وعادت ﺗﻠ السنّة القدیمة إلی الظهور في العصر العباسي، وبدأ الأمراء والشعراء والخطباء یهدون الهدایا الثمینة إلی الخلفاء وکان الخلفاء یقابلونهم بهدایا أکثر کانت ذات تأثیر أکبر في نفوسهم،« وما رأیت قط أجمل من أیام النوروز والمهرجان، من الایام التي کانوا یسخون فیها بأموالهم... ولا یبقی صغیر ولاکبیر إلّاخرج الی البرکة متنزهاً کما قال الشاعر في وصف الهدیة». (المقریزي، 1988: 2/ 396)

إن الهدَّیة حلوةٌ  کالسَّحرِتَجتَلِبُ قلوباً

توني البغیض من الهوی حتّی تصّیره قریباً

وتُعیدُ مضطَغِنّ العدا وَة بعد نقرته جسیاً

وأنشد البحتري أبدع قصیدة في وصف النوروز وجمال الطبیعة، لأنّه کان قد أدرﻙ مکانة النوروز عند الإيرانيين وقيمه الاجتماعية والفنية وآثاره النفسية الإيجابية بين قاطبة الناس ويعلم أنّ النوروز حامل السرور والنور إلی الطبيعة والکائنات، ويتصوره الشاعر منهل الخير والبرکة ومفتاح الکرم لمن له قلب وعاطفة.

أتاکَ الرّبیعُ الطلقُ یختالُ ضاحِکاً من الحُسنِ حتّی کاد أن یتکلّما

وقد نبّهَ النوروزُ في غَلس الدُّجَی  أوائلَ وَردٍ کُنَّ بالأمسِ نُوَّما

یُفَتَقُها بَردُ النَّدَی فکانَّهُ  یَنِثُّ حدیثاً کانَ قَبلُ مُکَتَّما

وَمِن شَجَرٍ رَدَّ الرّبیعُ لِباسَهُ  علیهِ کَما نَشَّرتَ وَشیاً مُنَمنَما

أحلَّ، فأبَدی لِلعُیونِ بَشاشَةً  وکانَ قَذیً لِلعَینِ إذ کانَ مُحرِما

وَرَقَّ نَسیمُ الرّيحِ حتّی حَسِبتُهُ  یَجيءُ بأنفاسِ الأحِبَّةِ، نُعَّمَا

فَما يَحبِسُ الرّاحَ التي أنتَ خِلُّهَا  وَمَا يَمنَعُ الأَوتارَ أن تَتَرَنّما

وَمازِلتَ خِلّاً للنّدامَی إذا انتَشَوا، وَراحُوا بُدوراً يَستَحِثّونَ أنجُما

تَکَرّمتَ من قَبلِ الکؤوسِ علَيهم فَما اسطَعنَ أن يُحدِثنَ ﻓﻴ تکَرُّما

               (ديوان، 1964: 4/ 2090-2091)

قَد جعل البحتري الربيع کالإنسان الذي يحِبّ التکلّم مع رفيق لکي يستأنس به ويتحدث معه، واستخدام کلمة النوروز من جانب الشاعر يدُلّ علی اهتمام الشاعر بثقافة الإيرانيين الذين يعتبرون النوروز رمزاً للحيويّة والنشاط والحرکة، ورمزاً لِبداية حياة جديدة ورمزاً للعطاء والکرم والنور، فصُوَرُ الطبيعة والنيروز ومجالس الغناء کلّها تحتمل تأثيراً حضارياً فارسيّاً واضحاً، والشاعر يريد أن يلفت الحس للقدرة القادرة التي تخلق کلّ هذا الإبداع، فيتوجه القلب البشري إلی التفکر والتدبّر في الکون، وقد جعل الشاعر الربيع مکان إنسان مبتسم، معجب بنفسه، مسرور بجماله، وهو رمز للتحرک والحرکة، والربيع هو کاشف الظلمة، عدوّ الدجی وصديق الضياء، مبشّر النور والنَّبت، مُعتق أسَراء البَرَد، معطي الأنواء، محُي الأنفاس ورمز المحبة والاتحاد، وحامل علَم السّلم والصّداقة، وداعي الأحبّة إلی التودُّد والترحّم، للتلذّذ من نِعَم الله الذي رزقها لعباده برحمته الواسعة، ومَن له عقل واعٍ، يعرف أنّ الحياة هي الأخذ والعطاء، والربيع هو مشهد من مشاهد جمال الطبيعة وبوجوده، تُفتح أبواب الرزق والأنعُم، والخير والبرکة لجميع الکائنات، وتُجذب العیون والقلوب إليه. ونشاهد تلذذ الشاعر باستخدام کلمة النوروز في قصائده الأخری، حيثُ يُنشد في مدح المعتز بالله:

وافَيتَهُ والوَردُ في وَقتٍ مَعَاً  وَنَزَلتَ فيهِ مَعَ الرّبيع النّازِلِ

وَغَدا بِنَوروزٍ عَليکَ مُبارَﻙٍ  تَحويلُ عامٍ إثرَ عامٍ حائِلِ

مُلّيتَهُ، وَعَمِرتَ في بُحبُوحَةٍ،  مِن دارِ ﻣُﻠﻜَِ، ألفَ حَولٍ کامِلِ

     (ديوان، 1964: 3/ 1649)

إنّ البحتري، بعقله الواعي، يعرف ويعلم کيف أن يتحدّث عن منزلة ممدوحه أي المعتز بالله، وادّعی أنّ ممدحه والربيع کلاهما رحمة للناس، وأنهما بنزولهما، يجعلان وردة ابتسام علی شفاه المنتظرين الذين يسارعون إليهما بسعة صدرٍ وبکل سرور، ويدعو للمعتز طول عمر مبارﻙ، لکي يتنعّم الناس من فضله وسخائه کما يتمتّعون من مجيء الربيع، طوال حياتهم.

فَالنوروزُ مِن أقدم أعياد الفرس، وذات آثار اجتماعية وثقافية هامّة، واهتمام الشعراء العرب والفرس به، يدُلّ علی أهميّته الأثريّة والثقافية بين النّاس، والبحتري بتعرّفه علی هذه الثقافة القيّمة الإيرانيّة، خلّد اسمه بین فحول الأدباء الإيرانيين، وحذا بعض الشعراء حذوه في إنشاد أشعارهم. إذن، هذا النوروز هو يوم سعيد للدولة الفارسية، بما أنه يوم البذل والعطاء، يوم السرور والسخاء، وأقدم عليه الملوﻙ لأخذ الخراج، وأقدم عليه المتوکل الخليفة العباسي أيضاً لإصلاح الخراج وأنشد البحتري حول ذﻟ قائلاً:

إنّ يوم النيروز عادَ إلی العهدِ الذي کان سنَّه أردشيرُ

أنتَ حولته إلی الحالة الأو  لی وقد کان حائراً يستديرُ

وَاِفتَتَحتَ الخَراجَ فيهِ فَلِلأُمـ مَةِ في ذاكَ مِرفَقٌ مَذكورُ

منهم الحمدُ والثناءُ وﻣﻨ اﻟ ﻌدل فيهم والنائل المشکور

    (ديوان، 1964: 2/ 902)

وبما أنّ النوروز والربيع رمز لتجديد الحياة فعلی الإنسان أن يبدأ حياة جديدة، ولأجل هذا أنشد البحتري قصيدة قد حثَّ فيها أبا نهشل بن حميد علی شرب الخمر أيّام الربيع:

يا بنَ حميدٍ عِش لنا سالماً  مااختلف النوروز والمهرجان

واستأنف العمر جديداً فقد  ولی زمان وأتانا زمان

أما تری الأرض وأثوابها  شقائق النعمان والأقحوان

قصدت في النوروز عرقاً وقد تخير الوقت وطابَ الأوان

فاستعمل الصهباء في مجلسٍ تستعمل الأوتارَ فيه القيان

    (ديوان، 1964: 4/2236)

ومن جانب آخر، کان بعض الملوﻙ العباسيين يخالفون المهرجان، بسبب التعصّب الديني أو تأثّرهم بتيارات سياسية آنذاﻙ، وقد أشار البحتري إلی هذه القضية ويخاطب المهتدي بالله قائلاً:

رَدَدتَ هدايا المِهرجانِ، وَلَم تَکُن  لتَسخو النّفوسُ الوُفرُ عن مُستَفادها

وَعادَيتَ أعيادَ المُضلّينَ مُعلِناً  وَلَولا التّحَرّي للهُدی لَم تُعادِها

     (دیوان، 1964: 2/677)

ظهور الثقافة الفارسية في أدب البحتري لفظاً:
کما واضح أنّ اللفظ أساس الأدب في جميع اللغات، ولکلّ لفظ معنی خاص، ولابدّ لشاعر أو کاتب أن يستخدم ألفاظاً متنوّعة من اللغات الأخری في بيان أهدافه وأحاسيسه لإقناع المخاطب، وبما أنّ اللغة العربية تأثّرت بلغات أخری وخاصّة باللغة الفارسية، فالشعراء العرب قد استخدموا الکلمات الفارسية في دواوينهم الشعرية ومنهم، هو البحتري الذي قد اهتمّ باللغة الفارسية اهتماماً بالغاً وبنظرة عابرة في ديوانه، نری قد تجلّت الثقافة الفارسية في شعره بشتّی الاشکالات، أمّا في الأدب فقد تبادل الأدبان العربيّ والفارسيّ المواضيع والأساليب، وأعطت الفارسيّة الأدب العربيّ عمق المعنى وجمال التصوير وعمق الحكمة واتّساع أفق الرؤيا، وأعطت العربيّة الفارسيّة العروض والبديع والدين بمنازعه وأفكاره.

وليس من شكّ أنَّ الفرس الذين ترجموا من الفارسيّة بالعربيّة، والذين ألّفوا في العربيّة مؤلّفات شتّى في أنواع المعرفة، كان لهم نصيب عظيم في توجيه الحركة العلميّة والسير بها إلى الأمام. وقد بلغ النفوذ السياسي الفارسي في دولة بني العبّاس حدًّا جعل الجاحظ يقول "دولة بني العبّاس أعجميّة خراسانيّة، ودولة بني مروان عربيّة أعرابيّة ". ( البيان والتبيين، ج 3، ص 366 ). کما سبق، يتّضح لکل باحث أدبي، أنّ الکتب التي أشيرت إليها، کانت مهمّة جداً آنذاﻙ، وقد تأثّرت الأدب العربي بها ولأجل هذا إنّ الکتّاب والشعراء العرب أخذوا منها واهتموا بها، وفي العصر العبّاسي تجاوز تأثير الآداب والحكم الفارسيّة التي ترجمت بالعربيّة النثر إلى الشعر، وبما أنَّ المجتمع العبّاسي قد تأثّر بالآداب والتقاليد والعادات الفارسيّة، كان من الطبيعي أنْ ينساق الشعر أيضًا في هذا التيار، فيتأثّر بهذا اللون الجديد من الحضارة وهذه الثقافات المختلفة الطارئة.وبإمكان الباحث أنْ يتبيَّن بسهولة تأثير الثقافة الفارسيّة في موضوع الآداب والحكم والنصائح في غير قليل من أشعار أبي العتاهيه، لاسيّما في الأرجوزة التي تبلغ أربعة آلاف بيت، استقى كثيرًا من جوانبها من أمثال الفرس وحِكَمِهم (ضيف، 1978 : 141) ونری البحتري کثيراً ما تأثّر بثقافة الفرس وحضارتهم وأتی بکثير من الکلمات الفارسية في أشعاره، فتجلّت هذه الألفاظ في ديوانه، ونحن في زمننا هذا عندما نراجع إلی أشعاره، نشاهد تأثير الأدب الفارسي علی فکرة أدباء ذﻟ العصر، وبناءًا علی هذه الميزات المعيّنة، فنأتي بالشواهد الأدبية التي تتجلّی الألفاظ الفارسية في العصر العباسي وفي أدب البحتري، «کان الشعراء يسوقون في أشعارهم أحياناً بعض الألفاظ الفارسية تملحاً وتظرفاً وإنهم کانوا يحافظون علی ما استقر في ملکاتهم من قوانين الصياغة العربية، وربّما کان أکثرهم استخداماً للألفاظ الفارسية في شعر أبي نواس إذ کان يأتي بها في بعض خمرياته تعابثاً ومجانة، وخاصة حين يوجه کلامه إلی بعض غلمان المجوس مقسماً عليهم بآلهتهم وشعائرهم الدينية وأعيادهم المجوسية، علی شاکلة قوله»: (ضيف، 1434: 142-143)

والمهرجانِ المُدارِ لوقته الکرَّارِ

والنوکروزِ الکبار وجَشنَ جاهنبار

وآبِسال الوهارِ وخُرَّه إيران شارِ

إذاً اتّضح للقارﺉ أنّ ألفاظ «المهرجان، النوکروز، جَشن، آبسال،» کلّها معرّبة، وقد حوّل الشاعر العباسي إلی نفسه نماذج الشعر القديم بکل خصائصها وکل شاراتها، فنلاحظ أنّ تأثير الأدب الفارسي في الأدب العربي، کان من أهمّ الموضوعات طوال قرون متمادية، وکان کبار الأدباء العرب يهتمّون به، وکانوا يستخدمونه في آثارهم الأدبية، وهذا الأمر دليل واضح لأهميّة اللغة الفارسية ثقافيّة وحضاريّة آنذاﻙ.وهذا البحتري الذي له يد طولی في استخدام اللغة الفارسية في أشعاره، وکلّ من يقرأ ديوانه، يتنبّه هذه القضية ويواجه بکلمات فارسية متعددة في آثاره الشعرية، فجدير أن نشير إلی إحدی قصائد البحتري المهمّة المشهورة بسينيّته التي نظمها بعد مقتل المتوکّل بثلاث وعشرين سنة.

حــَضَرت رحلــي الهمــومُ فوجَّهـــ ُ إلى «أبـيض المـدائن» عنـسي

أتــسلّى عــن الحظــوظ، وآســَی  لمحـــلّ مــن «آل ساســـانَ» درسِ

ذكــّـرتنيهمُ الخطـــوبُ التــّـوالي  ولقــد تـُـذكِرُ الخطــوبُ وتُنــسي

وَهُم خافضُونَ في ظِلّ عَالٍ،  مُشرِفٍ يُحسرُ العُيونَ وَيُخسي

فكـأن «الجرمـاز» مـن عـدم الأنــ س وإخلالــــه بنيـــة رمــــس

وإذا مــا رأيـــت صـــورة «أنطــا كية» ارتعت بـين «روم» و«فـرس »

والمَنايــــا مواثــــل، و«أنوشــــر وأن» يزجي الصفوف تحت الـدرفس

 يغتلـــي فـــيهم ارتيـــابي حـــتى تتقـــــراهم يـــ ـداي يلمـــــس

وتوَهمـــتَ أن «كـــسرى أبرويــــ ـز «معـاطي «و«البلهبـذ» أُنـسي

حلــم مطبق علـــى الشك عيني  أم أمان غيرن ظني وحدسـي؟ (ديوان، 1964: 2/1158-1154)

وعندما ننظر إلی هذه الأبيات، نشاهد الإشارات الفارسية واضحة جلية فيها، فضلاً عن تتلقي الحضارة الفارسية المتقدّمة والمشاعر الإيجابية، ونری أسماء أعلام الفرس ( آل ساسان، أنوشروان، کسری، أبرويز وبلهبذ)، وآثارهم أبيض المدائن والجرماز وذکری معارکهم مع الروم، فالبحتري يزيّن أبياته بألفاظ فارسية ترتبط بجوّ القصيدة العام، حيث يقول:

لـَـم يَعِبــه أن بـــُزَّ من بُسُطِ الديـ ـباجِ، واستلَّ من ستور الدمقس

وأخيراً يتذکّر الشاعر شجاعة ملوﻙ الفرس ويصف حمايتهم نحو ﻣﻠ اليمن سيف بن ذي يزن عندما يستنجد بکسری أنوشروان لطرد الأحباش مع أفراد الجيش، حيث يقول:

أيّدوا مُلکَنا، وَشَدّوا قُواهُ بِکُماةٍ، تحتَ السّنَوّرِ، حُمسِ

وَأعانوا عَلی کتائبِ أريا طَ بطَعنٍ علی النّحورِ، وَدَعسِ

وَأراني، مِن بعدُ، أکلَفُ بالأﺷ رافِ طُرّاً مِن کلّ سِنخٍ وَإسّ

    (ديوان، 1964: 2/1162)

وبما أنّ البحتري قضی جُلّ حياته في العراق، وکان الطابع الفارسي غالباً علی الأوضاع السياسية والإدارية والثقافية والاجتماعية، فلابدّ من ظهور الأثر الفارسي في لغته، ومن هذه الألفاظ الدخيلة في شعره:

الديباج، السراويل، السمند، الفيروزج، النرد، کسروي، الجّلنار، الإفرند، الدمقس، الطاسيج، الديزج، الزيج والبرجاس و...

يقول:

فللسَّيف ﻣﺳلولاً أشدّ مهابة أظهرُ إفرندًا من السيف مغمدا

     (ديوان، 1964: 2/673)

 لَم يَعِبهُ أن بُزّ مِن بُسُطِ الدّﻳ ﺒﺎجِ وَاستُلّ من سُتورِ الدِّمَقسِ

     (ديوان، 1964: 2/ 1159)

 وسيأتيك «صاعدٌ» عن قليلٍ كُتبُهُ بالهَلاك في أسكُدارِ

     (ديوان، 1964: 2/1093)

أدنو وأُقصِرُ عن مَداهُ، وإنما أرمِي مِنَ المَلعونِ في بُرجاسِ

     (ديوان، 1964: 2/1163)

فَهِيَ تهتز بين إفرِندِهِ الأﺧ  ﻀِ حُسناً ووَشيهِ الأرجواني

     (ديوان، 1964: 4/2198)

وجوهُ حُسّادك مسودَّةٌ  أم صُبِغَت بَعدي َبالزّاجِ

     (نفسه1، ص409)

أو أدهَمٍ صافي السَّوادِ كأنّهُ تحت الکميِّ مُظهَّر بيرندَجِ

     (نفسه1، ص403)

وهذه الألفاظ معرّبة ومتصلة بالحضارة الجديدة في العصر العباسي، فالشاعر استطاع أن ينحت بعضها واشتقّ منها کلمة جديدة، وهذا الأمر دليل علی الصلة الوثيقة بين اللغتين، العربية والفارسية، في العصر العباسي ويکشف لنا أنّ البحتري ذو جرأة ليصرّف ألفاظ اللغة الفارسية، ودليل علی علمه الغزير ووعيه في تصرّف الألفاظ.

استحضار الشخصيات الفارسية في شعر البحتري:
جدير بالذکر أن نشير إلی أنّ التاريخ يتکرّر طوال القرون المتمادية، ويتذکر ويعتبر الإنسان العاقل منه وبما أنّ التاريخ لايُثبَت في حال واحدة بل يتجدّد ويتکرّر، فعلی من له يد في الکتابة نثراً وشعراً أن يعرض التاريخ عرضاً فنيّاً ويحوّله بأسلوب خاص إلی لون من الألوان الفنية، وهذا البحتري، الشاعر العباسي الکبير بموقفه الواعي والمتحضر، قد أعجب القارﺉ في تلقيه للحضارة الساسانية وشخصياتها التاريخية، لأنّه لم يکن شاعراً فارسي الأصل بل کان عربياً محافظاً لتقاليد الشعر العربي القديم، لکن ديوانه مليء بتبلور حبّه لحضارة الفرس المتقدمة وشخصياتها المقتدرة، فنری استحضار الملوﻙ الساسانيين في شعره، ووصفهم بکل مجد، کأنهم من آبائه العرب، والشخصيات التاريخية الساسانية، لهم مقام شامخ لدی البحتري، ويقول ميرزايي:«وممن فتن البحتري بهم: شخصية «أردشير» و«کسری أنوشروان» و«کسری أبرويز» و«بهرام جور» و«بهرام شوبين» و«قباذ» و«يزجرد» و«هرمز».ليس ذکر هذه الشخصيات التاريخية في شعر البحتري مجرد أسماء تاريخية فحسب بل هي استدعاءات تاريخية لشخصيات أصبحت رموزاً لحضارة راقية لقوم ذوي مجد، ساعدوا أجداد الشاعر العربي في حرب «أرياط» بل أکثر من ذﻟ أنهم قوم نبلاء وعلی الإنسان أن يحبهم مهما کان جنسهم».(ميرزايي والآخرون، 1431: 57)

إنّ قارﺉ ديوان البحتري، يواجه بهذه الأسماء التاريخية الإيرانية التي لها دور هامّ في التقدّم الحضاري الإيراني آنذاﻙ، فالشاعر بعلمه وصداقته وأخلاقه الإنسانية وبدون أيّ تعصب عربيّ يعترف بمقامهم العالية ويمجّدهم بکل فخر، حیث ينشد:

لا تفخرنَّ فلم يُنسب أبوﻙ إلی  بهرامِ جورٍ ولا بهرامِ شُوبينِ

لا النوشجانُ، ولا نوبختُ طافَ بهِ ولا تَبلَّجَ عن کسری وسيرينِ

     (ديوان، 1964: 4/2320)

وأيضاً يذکر أسماء أعلام الفرس في شعره، وممن ذکرهم: الشَّلمغان، کسری، قباذ و...

وکان «الشَّلمغانُ» أبا ملوﻙ  فصارَ أبا لسوقةِ مادَرَايَا

     (نفسه 4، ص 2453)

مُحمَّلةً ما لو تحمَّل آدَهُ  من الصَّفَد المنقولِ قيصرُ أو کسری

     ( نفسه1، ص60)

وأيضاً في مکان آخر من ديوانه، مدح ابراهيم بن الحسن بن سهل، وصفه بالمجد الذي ورثه عن الملوﻙ الساسانيين:

عيدُ آباﺋَ المُلوﻙِ ذوي اﻟﺗﻴ  جانِ أهل النّهی، وأهلِ الخيرِ

مِن قُباذٍ، ويزدَجِردَ، وَفيرو  زَ، وَکسرَی، وَقَبلَهم أردَشيرِ

      (نفسه 2، ص886)

إنّ البحتري باطّلاعه الواسع عن ماضي الملکين ( قباذ ويزجرد) قد استدعاهما في شعره ووصفهما نموذجين للشجاعة والمقاومة والمجاهدة وأتی باسمهما في الأبيات التي وصف بها الحسين بن الحسن بن سهل وزير المأمون:

قَد وَرِثتَ العلياءَ عَن أردشيرَ  وَقَباذٍ وَعَن أنوشِروانَ

    (نفسه، ج4، ص2199)

وهکذا قد اهتمّ البحتري بالشخصيّات التاريخية الإيرانية اهتماماً کاملاً وذکر اسمهم في ديوان شعره کنموذج للسّخاوة والمقاومة ومدحهم بکل فخر وبدون أَيّ تعصّب عربيّ قحّ، لأنّ الشاعر بعلمه ووعيه وبکرامته الإنسانية، خلّد أسماء هؤلاء الکبار طوال الدهر متذکّراً لمن له إنصاف وميزة إنسانية، وأيضاً نشاهد أسماء الشخصيات البارزة الإيرانية الأخری في ديوان البحتري کفيروز وهُرمُز، وقد اشتهر هرمز بعدالته وحذاقته في السياسة ولأجل هذه الميزات الأخلاقية والإنسانية، ذکر البحتري هذين الملکين في شعره مَثلينِ للطاعة والعرب انقادت لهما وقد مدح عبدالله بن دينار في قصيدته:

لَهُ سَلَفٌ مِن آل فيروزَ بَرَّزوا عَلَی العُجم وانقادت لَهُم حَفلَة العربِ

لَهُم بُنِيَ الإيوانُ مِن عَهد هُرمُز وَأُحکِمَ طَبعُ الخُسرُوانيَّة القُضُبِ

    (ديوان، ج1، ص107)

إنّ البحتري يذکر الشخصيات التاريخية الإيرانية، في أبياته الشعرية الکثيرة، وقد حاول أن يبلغ رسالته الإنسانية التي تتجلّی فيها ذکاوته ويظهر انصافه وعلمه بالوقائع التاريخية الفارسية وبالحضارة الإيرانية وقد عبّر الشاعر عن عواطفه وأحاسیسه نحو عظمة الفرس وشخصياتهم وثقافتهم، واستطاع أن يخلّد ميراث الفرس للأمّة الإسلامية والأجيال المستقبلة.

انعکاس المظاهر الثقافية والفنيّة الفارسية في سينيّة البحتري:
کما واضح أنّ سينيّة البحتري من أهم قصائده المشهورة في وصف أيوان کسری ومِن أبرز الفنون الشعرية في فنّ الوصف، وعندما يقف الشاعر أمام الصورة القائمة علی أحد جدران القصر وکانت تُعدّ هذه الرسوم والصور والأشکال الجميلة من مظاهر الحياة الفارسية، فجأة يتصوّر أنّ هذه الصورة، صورة واقعيّة، فبدأ بوصفها وصفة دقيقة جميلة، کأنّها ليست مجرد رسوم أو خطوط علی الجدران، واستمدّ الشاعر من رؤيته البصرية الحسية کأداة فنيّة لبيان رؤيته الفکرية قبال عظمة حضارة الفرس وﻫﻨﺎﻙ يعترف بجلالة هذه الحضارة الإيرانية التي يعتبر من أهمّ الأساليب العمرانية آنذاﻙ. ويؤمن بالظاهرة الحضاريّة ويثني مبدعها وهذا الإبداع الإنساني الجميل يفتح عينيه نحو قيم الإنسان الأخلاقية ويوسّع رؤيته البصرية إلی رؤية فکرية شاسعة لخلق أثر فنّي أدبيّ للتذکير والاعتبار لأجيال متعددة طوال الحياة البشرية.

ذاﻙَ عندي، وليست الدارُ داري باقتراب منها، ولا الجنسُ جنسي

غَير نُعمَی لأهلِها عند أهلي غَرسوا من زکائها خيرَ غَرسِ

   (ديوان، 1964: 2/1162)

يشير الشاعر إلی فضيلة أهل الفرس وشِيَمهم الأخلاقية والإنسانية النبيلة في إعانة ﻣُﻠ الشاعر وتشديد قواه بکماةٍ، أمام أعدائهم، وهذه الميزة رمز لتجلية تراث إنساني عالٍ في مواجهة الأعداء الأجنبية وطردهم بکلّ شجاعة بمساعدة الفرس، دليل رئيسي لثقافتهم العالية، وبجانب آخر، عندما يُصاب الشاعر بالحزن والهموم، يتوجّه إلی أبيض المدائن لکي يقلّل من أحزانه ويتسلّی برؤية هذا البناء الضخم الذي بناه آل ساسان، فالشاعر بکلّ شعور إيجابي يصوّر الحضارة الفارسية تصويراً حيّاً لمَن کان له وعي وشعور، وأيضاً ذکر أسماء أعلام الفرس، إشارة واضحة إلی دورهم الإيجابي في تبلور الحضارة الفارسية، وتجلّية ثقافة الإيرانيين.

وبنظرة عابرة في هذه الأبيات، يتضح للقارﺉ أنّ البحتري عالج بموضوع جديد وهو الحديث عن آثار الفرس النفيسة ممثلة في إيوان کسری، « وإنّه ليذکر يد الفرس في العصر العباسي الأوّل وتشييدهم لحضارته ومدنيته، مما يجعله ينوه بمجدهم القديم حتی ليکاد يرفعهم علی العرب تحسراً علی ما آلت إليه شئون اﻟﻣﻠ والحضارة في عهد الترﻙ. ويذکر إيران القديمة ورفاهة العيش التي کانت بها، ولين الحياة ونعيمها وتملأ نفسه أطلال الإيوان وما نقش عليها من الرسوم ئالصور وخاصة ما سُجّل بها من تصوير معرکة حامية الوطيس بين الفرس بقيادة کسری والروم وقعت بإنطاکية سنة 540للميلاد».(ضيف، 1975: 229). أما البحتري فإنه نقل في خلال الحكمة والعظة من دروس الماضي حالة شعورية ووصفا تفصيلياً في لغة مكثفة.

فإذا ما رأيتَ صورة أنطا كية ارتعتَ بين روم وفرس

يشير إلى أن في الإيوان صورة كسرى أنوشروان وقيصر ملك أنطاكية وهو يحاصرها ويحارب أهلها ثم يصف لنا البحتري بعدها المعركة وطريقة تنظيمها ولباس الجند مستعينا بالصورة التي شاهدها فيقول:

في اخضرارٍ من اللِّباس على أﺻ فرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرسِ

وَعِراكُ الرّجالِ بين يَديهِ  في خُفوتٍ منهم وإغماضِ جرسِ

من مُشيحٍ يُهوي بعاملِ رُمحٍ  ومُليحٍ من السّنان بتُرسِ

    (ديوان، 1964: 2/1157)

يستدل بهذه الحضارة على علو شأن ملوك الفرس بعد أن بهر بحضارتهم فيقول:

غير أنّي أراهُ يشهدُ أن لم  يَكُ بانيهِ في الملوك بنِكس

ويقول بعد هذه الفتنة بفارس بأنه رغم أنه عربي وليس من جنس فارس إلا أنه يذكرهم لأنهم غرسوا بذور حضارتهم واستفاد منها الناس فيما بعد وكانوا عونا للعرب في فترات زمنية مختلفة.

ويديم الشاعر وصفه الفنّي حول هذا الإيوان في أبيات:

وَ کأنّ الإيوان من عجب اﻟﺼﻨ  ﻌﺔ جوب في جنب أرعنَ جِلسِ

يُتظنّی منَ الکآبةِ أن ﻳَﺒ  و لعيني مُصَبِّحٌ، أو مُمسي

مُزعَجاً بالفراقِ عن أُنسِ إلفٍ عَزَّ أَو مُرهَقاً بتطليقِ عِرسِ

    (ديوان، 1964: 2/ 1159)

إنّ البحتري يکاد يحيل أطلال الإيوان «إلی شخوص تتحرﻙ خلال جنباته، تحسّ وتتألّم، فهو مزعج بالفراق، ويبدي تجلّداً».( الموافي، 1990: 279)

وهكذا تدلّنا هذه القصيدة الرائعة للبحتري التي أصبحت وثيقة تاريخية بالإضافة لنفاستها الفنية دليلاً على فتنة الشاعر بالفرس وعشقه للحضارة الساسانية وهو متأثر بالفارسية والصور الفنية الجديدة التي دخلت إلى الشعر العربي من خلال التأثر بالحضارة الفارسية.

الخاتمة:
في نهاية المطاف، يمکننا القول إنّ تجلية صورة الفرس الثقافية والحضارية في مرآة شعر البحتري بجميع أشکالها الأدبية، تدلّ علی مکانة ثقافة الفرس وحضارتهم المتقدّمة عند أحد کبار شعراء العصر العباسي، يعني البحتري الذي ألقی نظرة دقيقة في حضارة الفرس وأعجب بها وبشخصياتها المهمّة، وتأثّر بثقافة الفرس وحضارتهم، وقد أشار الشاعر بمناسبات الفرس الاجتماعية کالنيروز بکل وضوح وهذا الأمر دليل واضح علی اطّلاعه الواسع من حضارة وعلم وتطوّر. وقد جعل الشاعر رؤيته البصرية مع رؤيته الفکرية جسداً واحداً حيث يساعد بعضها بعض الآخر. ولابدّ له أن يستشهد ببعض الأمثلة الثقافية المؤثّرة في أفکاره ورؤيته الأدبية الواسعة، وهو تأثّر بالفرس، ثقافة وحضارة، واستطاع أن يصنع جسراً ثقافياً وثيقاً بين الشعبين العربي والفارسي، فدعا الشاعر إلی الإفادة من حضارة الفرس السابقة والأخذ من تجاربهم، وهو يعطينا صورة صادقة وإنعکاساً حقيقياً لشخصيته ونفسيته تقابل الثقافات الأخری من الأمم المختلفة. ونعترف أنّ الشاعر قد صرّح بعظمة حضارة قوم لم يکن منهم ولا من جنسهم، وأظهر الحقيقة البارزة التي لفتت أنظار الشعراء وغيرهم، إليه طوال العصور.

 

٭ فرشاد جبروتی طالب الدکتوراه بجامعة الشهيد بهشتي، طهران، إيران. Fjabaruti5@yahoo.com

٭٭ علي أصغر قهرماني مقبل أستاذ مشارﻙ بجامعة الشهيد بهشتي، طهران، إيران. a_ghahramani@sbu.ac.ir

 

المصادر والمراجع:

القرآن الکريم

- آذر شب، محمد علي، (1397ش) تاریخ الأدب العربي في العصر العباسي، سمت، طهران.

- الآمدي، (1961م) الموازنة بین شعر أبي تمام والبحتري، تحقیق السید أحمد صقر، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة.

- أبو حمدة، محمد علي، (1981م) في التذوق الجمالي لسينية البحتري، مکتبة المحتسب، عمّان.

- أدونیس، (2016م) الثابت والمتحول (أربعة مجلدات)، الهیئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة.

- الأصفهاني، أبو الفرج، علی بن حسین، کتاب الأغاني، بیروت (لا تا)، ج 21.

- البحتري، أبوعبادة الوليد، (1964م ) الديوان، تحقيق وشرح: حسن كامل الصيرفي، دار المعارف، 5 مجلدات، القاهرة.

- ابن الأثير، (1995م) المثل السائر، ج2، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، المکتبة العصرية، بيروت.

- ابن رشیق، (1981/1401) العمدة فی محاسن الشعر وآدابه ونقده، محمد محیی الدین عبدالحمید، بیروت.

- ألتونجي، محمد،(1995م) الآداب المقارنة، دار الجيل، بيروت.

- برويني، خليل، (1391ش) الأدب المقارن، ( دراسات نظرية وتطبيقية )، سمت، طهران.

- الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت255هـ)، (1998م) البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط7، مكتبة الخانجي، القاهرة.

- الحوفي، أحمد محمد، (1968م) تيارات ثقافية بين العرب والفرس، دار نهضة مصر، القاهرة.

- درویش أحمد، (2006م) الأدب المقارن، دراسات نظرية وتطبيقية، دارالنصر.

- زغلول سلام، محمد، (1968م) الأدب في العصر الأیوبي، دار المعارف.

- الشکعة، مصطفی، (1975م) الشعر والشعراءفي العصر العباسي، ط2، بیروت: دارالعلم للملایین.

- عبد الدايم، صابر، (2003م) الأدب المقارن بين التراث والمعاصرة، الطبعة الثانية.

- غنیمي هلال، محمد، (2008م) الأدب المقارن، شرکة نهضة مصر.

- ضيف، شوقي، (1434ه ق) العصر العباسي الثاني، ج1، ذوي القربی، قم.

- ضیف، شوقي، (1434ه ق) العصر العباسي الثاني، ج2، ذوي القربی، قم.

- الفاخوري، حنّا، (1377ش) تاريخ الأدب العربي، ط1، نشر توس.

- فروخ، عمر، (1981م) تاریخ الأدب العربي، الأعصر العباسیة، دار العلم للملایین، الطبعة الرابعة.

-کفافي، محمد عبدالسلام، (1972م) في الأدب المقارن، ( دراسات في نظرية الأدب والشعر القصصي )، دار النهضة العربية.

- مرعشلي، نديم، (1987م) البحتري، طلاس للدراسات والنشر، ط2.

- المقدسي، أنیس، (1981م) أمراء الشعر العربي في العصر العباسي: ط14، دار العلم للملایین، بیروت.

- المقریزی، تقی الدین أحمد بن علی، (1988م) الخطط المقریزیة، المواعظ والاعتبار بذکر الخطط والآثار، محمد زینهم – مدیحة الشرقاوی، مکتبة مدبولى، عدد الأجزاء، 3.

- الموافي، محمد عبدالعزيز، (1990م) حرکة التجديد في الشعر العباسي، مطبعة التقدم، القاهرة.

- ندا، طه، (1991م) الأدب المقارن، الطبعة الثالثة، دارالنهضة العربية، بيروت.

- الوقيان، خليفة، (1985م) شعر البحتري، دراسة فنية، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر.

المقالات)

- صبحي کبّابة، وحید (2011م) «الأثر الفارسي في شعر البحتري»، ثقافتنا للدراسات والبحوث،العدد السادس والعشرون، الصفحات119-146.

- المواسي، فارق، (2008م) «وصف الصورة(الرسم أو اللوحة) في الشعر العربي القدیم، ثقافة الصورة في الأدب والنقد»، مؤتمر فیلادلفیا الدولي الثاني عشر، بحوث محکمة، عمان، منشورات جامعة فیلادلفیا، الطبعة الأولی.

- میرزایی، فرامرز، والآخرون (1431ه ق) «استدعاء الشخصیات الساسانیة في شعر البحتري»، مجلة دراسات في العلوم الإنسانیة، العدد4، الصفحات57-73.

- میرزايي، فرامرز، (2010م) «تلقي الصورة في قصيدة إيوان کسری للبحتري (من الرؤية البصرية إلی الرؤية الفکرية)»، مجلة دراسات في اللغة العربية وآدابها، العدد1، الصفحات 103-123.

 

Al-masader wa Al-maraje

-Al-qoran Al-karim

-Azarshab,Mohammadali.(1397),tarikhAL-AdabAL-Arabi,fiAl-AsrAL-Abbasi,Samt,Tahran.

- Al-Amedi. (1961), Al-Mowazana baina sher AbiTammam wa Al-Buhturi, Tahqiq Al-Sayyed Ahmad Saqar, Al-Taba Al-Rabea, Dar Al- Maref, Al-Qahera.

-Abu Hamda, Mohammad Ali,(1981), Fi Al-Tazawwoq Al-Jamali Li sinyya Al-Buhturi, Maktaba Al- Muhtasab, Amman.

 

-Adunis, (2016), Al-Sabit wa Al-Motahawwil, Al-Hiat Al-Amma liqosur Al-Saqafa, Al-Qahera.

-Al-Asfehani, Abu Al- Faraj, AlibinHosain, Kitab Al-Aghani, Bairoot (La ta) Mojallad 21.

-Al-Buhturi, Abu Abada Al-Walid.(1964) Al-divan, Tahqiq wa sharh:Hasan kamil Al-Sairafi, Dar Al-marif, 5 Mujalladat, Al-Qahira.

-Ebn Al-Asir.(1995), Al-masal Al-Sair, Mojallad2.Tahqiq:Mohammad MohiAl-Din Abd Al-Hmid, Al-Maktaba-Al-Asria.Bairoot.

-Ebn Rashiq.(1981), Al-Omda fi mahasin Al-Shir wa adabhi wa naqdehi, Mohammad MohiAl- Din Abd Al-Hamid, Bairoot.

-Al-Tonji, Mohammad.(1995), Al-Adab Al-Moqarana, Dar Al-Jail, Bairoot.

-Barvini, Khalil.(1391), Al-Adab Al-moqarin,(Dirasat nazaria wa tatbiqia) Samt, Tahran.

-Al-Jahiz, Abu Osman Amr bin Bahr.(1998), Al-Bayan wa Al- Tabyin, Tahqiq: Abd Al-Salam Mohammad Haroon, Taba7, Maktaba Al-Khanji, Al-Qahera.

-Al-Hufi, Ahmad Mohammad.(1968), Tayyarat thaqafia bain Al-Arab wa Al-Fors, Dar nahza Misr, Al-Qahera.

-Darwish Ahmad.(2006), Al-Adab Al-Moqaran, Dirasat Nazaria wa Tatbiqiya, Dar Al-Nasr.

-Zughlul Salam, Mohammad.(1968), Al-Adab fi Al-Asr Al-Ayyobi, Dar Al-Marif

-Al-shaka, Mostafa.(1975), Al-Shir wa Al-Shoara fi Al-Asr Al-Abbasi, Taba2, Bairoot, Dar Al-Elm li Al- Malaein.

-Abd AL-Dayem, Sabir.(2003), Al-Adab Al-Moqaran baina Al-Torath wa Al-Moasira, Al-Taba Al-Thania.

- Ghunaimi Hilal, Mohammad.(2008), Al-Adab Al-Moqaran, Sharkat nahza, Misr.

- Zaif, Shoqi.(1434), Al-Asr Al- Abbasi Al-Thani, Jild1, Zavi Al-Ghorba, Ghom.

- Zaif, Shoqi.(1434), Al-Asr Al- Abbasi Al-Thani, Jild2, Zavi Al-Ghorba, Ghom.

- Al-Fakhoori, Hanna.(1377), Tarikh Al-Adab Al- Arabi, Taba1, Nashre Toos.

- Farrookh, Omar.(1981), Tarikh Al-Adab Al- Arabi, Al-Asor Al-Abbasia, Dar Al-Elm lil Malayin, Al-Taba Al-Rabia.

- Kefafi, Mohammad Abd Al-Salam.(1972), Fi Al-Adab Al-Moqaran,(Dirasat fi nazaria Al-Adab wa Al-Sher Al-Qasasi), Dar Al-Nahza Al-Arabia.

- Marashli, Nadim.(1987), Al-Buhturi, Telas li Al-Dirasat wa Al-Nashr, Taba2.

- Al-Maqdisi.(1981), Omara Al-Sher Al-Arabi fi Al-Asr Al-Abbasi:Taba14, Dar Al-Malayin, Bairoot.

- Al-Maqrizi, Taqi Al-Din Ahmad bin Ali.(1988), Al-Khotat Al-Maqrizia, Al-Mawaez wa Al-Etibar be zikr Al-Khotat wa Al-Athar, Mohammad zinhom, Madiha Al-Sharqavi, Maktaba Madbooli, Adad Al-Ajza3.

- Al-Movafi, Mohammad Abd Al-Aziz.(1990), Haraka Al-Tajdid fi Al-Shir Al-Abbasi, Matba Al-Taqddom, Al-Qahira.

- Nida, Taha.(1991), Al-Adab Al-Moqaran, Al-Taba Al-Thalisa, Dar Al-Nahza Al-Arabia, Bairoot.

- Al-Vaqian, Khalifa.(1985), Shir Al-Buhturi, Dirasa fannia, Al-Moassisa Al-Arabia li Al-Dirasat wa Al-Nashr.

- Al-Maqalat)

- Sobhi Kabbaba, Vhid.(2011), Al-Asar Al-Farsi fi shir Al-Buhturi, Thaqafatona li Al-Dirasat wa Al-Bohoos, Al-Adad Al-Thadis wa Al-Eshroon, Al-Safahat 119-146.

- Al-Mavasi, Farooq.(2008), Vasf Al-Soura (Al-Rasm aw Al-Laoha) fi Al-Shir Al-Arabi Al-Qadim, Thaqafa Al-Sora fi Al-Adab wa Al-Naqd, Motamar Filadelfia Al-doli Al-sani ashar, boohoos mohakkama, Omman, manshoorat jamea Filadelfia, Al-taba Al-oola.

- Mirzaei, Faramarz , wa Al- akharoon. (1431), esteda Al- shakhsiat Al- sasania fi shir Al- Bohtori, majalla dirasat fi Al-oloom Al- ensania, Al- adad 4, Al- safahat 57-73.

- Mirzaei, Faramarz , (2010) talaqi Al-soora fi qasida Ivan kasra li Al- Bohtori (men Al- rooya Al-basaria ela Al-rooya Al- fekria ) majalla dirasat fi Al-logha Al-arabia wa adabeha, Al-adad1, Al- safahat 103-123.