لطالما كانت العلاقة الإنسانية الراقية بين البشر، هي المحك الذي ينظم التواصل بين أفراد المجتمع الواحد، ولطالما كانت ولا زالت صلة القربى من أقوى العلاقات التي يصعب الانفصام عنها أو التنكر لها. كما بينت الكاتبة المرشود في روايتها ذلك الرابط القوي بين أبناء العمومة رغد ووليد، فقد قدمت للقارئ رصيدا وفيرا من الأحاسيس والمشاعر المتناقضة من العاطفة والحماس والكره والثأر لتتعالج فيما بينها، فيتربع على قمتها ذلك الحب النادر بين بطلي روايتها رغد ووليد.
فوليد الذي رفض في البداية الضيف الجديد على حياته وحياة أسرته ابنة عمه رغد الطفلة الصغيرة التي فقدت والديها اثر حادث مفجع، احتضنها عمها وهو والد وليد وتكفل برعايتها وتربيتها ... ومع توالي المواقف أصبح وليد الفتى القوي يشعر بالشفقة والعطف على رغد الصغيرة، فلان قلبه لها وصارت جزءً لا يتجزأ من روتين حياته اليومي، رغبة منه لا مجبرا على ذلك. ومع الوقت تعود وليد على رغد الطفلة اليتيمة المدللة من قبل والديه، ألفها وصار يحب رعايتها واطعامها ومداعبتها. استخدمت الكاتبة أسلوب سرد تفاصيل انفعالات رغد الطفولية من غضب وبكاء وفرح وضحك، دفع وليد إلى التعلق بتلك الطفلة بشكل لا إرادي فأصبحت جزء مهما من حياته وقدره أيضا.
ومن أجل تشويق القارئ وانفاذ فكرة أن التعلق برغد من جانب وليد ليس أمرا مؤقتا، بل تعدى ذلك ليكون متغلغلا في وجدانه وعقله، فالبرغم من السجن الذي عانى منه وليد بسبب خوفه الشديد على ابنة عمه رغد، ومن أجل أن يرسم الابتسامة على وجهها، آثر أن يضحي بسنوات عمره حتى يمسح الحزن الذي ارتسمت معالمه على وجهها وهي في سن السادسة من عمرها، بسبب اختطاف غريمه عمار لرغد وحاول تهديده بها، فانتقم منه وليد ووضع حدا لحياته.
تمر الرواية بسلسلة من المفاجآت المثيرة تارة، والمتكررة تارة أخرى، فمن خروج وليد من السجن إلى المفاجأة التي أدمت قلبه، عندما علم بخطبة رغد لأخيه سامر وهو في السجن، حاول معها وليد قمع أحاسيسه وكبت عاطفته تجاه رغد، وإيهام نفسه أن رغد صارت أمنية بعيدة لا يحق له أن ينالها إلا في أحلامه، لكن كان وقع المفاجأة أشد على رغد التي ما تزحزح حبها لوليد من قلبها قيد أنملة، بل اوقد ناره بمجرد عودته، فاشتعل معه نار الشوق والفراق اللاطوعي، مما جعل رغد تعيد النظر في علاقتها بسامر.
استخدمت المرشود تلك العواطف الجياشة والانفعالات المكبوتة لتترجم بأفعال وردة أفعال عالية الوتيرة في أحيان كثيرة، إلى حالة من السكون تسبقها عاصفة من الشد والجذب بين رغد وعاطفتها تجاه وليد، وبين وليد واحترامه للعلاقة التي ربطت رغد بأخيه سامر، وخشيته من أن ينظر له كمتطفل جاء ليخطف خطيبة أخيه.
ومع توالي تصاعد الأحداث السريالية وانجلاء الأمور وتكشف الحقائق، وتعقد العلاقة بين رغد ووليد، وبروزها للعلن بشكل متكرر ولا إرادي تفضحه تعبيرات الوجه والعيون وزلات اللسان، استمرت الأحداث على تلك الوتيرة المتشابكة والتلاحم الذي لا يخلو من التشويق والتكرار الذي يفضي في بعض الأحيان إلى التأثير على دور التشويق، أو ربما افتقادها في مواضع أخرى.
فالقارئ للرواية يلحظ مدى التأزم الذي وصلت إليه العلاقة بين رغد ووليد، واستعانة الكاتبة بأسلوب سهل وبسيط ليلتقطه القارئ بسرعة، فنراها تميط اللثام عن شخصية أبطال روايتها، فمن وليد الذي خسر جامعته بسبب السجن، إلى سامر الذي تشوه وجهه بسبب حادث تعرض له عندما كان صغيرا، إلى رغد التي أعدت نفسها لتكون زوجة لسامر المستقبلية، والتي حملت على كاهلها ذنب آثار الحادث الذي تسبب في تشويه وجه سامر، مما جعلها تتأخر في الانفصال عن سامر. وصلت رغد إلى نقطة اللاعودة في علاقتها مع سامر، فأسرت بحقيقة مشاعرها تجاه سامر أمام وليد، فأخذ وليد على عاتقه تحرير رغد من ذلك الرابط.
تمكنت الكاتبة المرشود من أن تسلط الضوء على المفاجآت الكثيرة والغير متوقعة في نهاية الرواية لتصل إلى نقطة اللقاء بين وليد ورغد، استخدمت أسلوب التدرج شيئا فشيئا والصعود والهبوط في الأمل، الذي ظل يحمله وليد في أن تجمعه الأقدار مع رغد تحت سقف واحد، وكان السر في صندوق صغير صنعته رغد وهي طفلة، حمل مكنون مشاعرهما وما يخفيانه من أمنيات منذ صغرهما تجاه بعضهما البعض.
الأردن