خص الناقد الألماني رينيه فيلدأنغل موقع قنطرة، وضمن متابعاته لمهرجان أفلام حقوق الإنسان، والذي احتضنته مدينة برلين، بتقرير عن الفيلم المصري "كابتن الزعتري" والذي يسلط الضوء على لاجئين سوريين يحلمون بالخلاص من حياة البؤس في مخيمات اللاجئين، جزء صغير من حياة صعبة تعيشوها أجيال سورية وهي لا زالت تحلم بالعودة.

فيلم "كابتن الزعتري" اللاجئ - قوة أحلام لا تتزعزع

رينيه فيلدأنغل

 

مهرجان أفلام حقوق الإنسان في برلين 2021

شهدت برلين مهرجان أفلام حقوق الإنسان ومن بينها الفيلم الوثائقي "كابتن الزعتري" الذي يسلط فيه المخرج المصري علي العربي الضوء على لاجئين شباب من سوريا يحلمون بالخلاص من الحياة اليائسة في مخيم اللاجئين مخيم الزعتري وذلك من خلال كرة القدم.

مخيم الزعتري في الأردن يرمز لمصير اللاجئين السوريين بعد أن نما هذا المخيَّم المخصص للاجئين بشكل سريع بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب السورية، وسرعان ما صار يُنظر إليه وكأنه مدينة أكثر من كونه مخيَّمًا، إذ كان يعيش فيه في أوقات الذروة مائة وخمسون ألف شخص أمَّا اليوم فلا يزال يعيش هناك نحو ثمانين ألف لاجئ سوري نصفهم من الأطفال، بل وتوجد في مخيم الزعتري اثنتان وثلاثون مدرسة وثماني مستشفيات.

هذا المخيم كان لفترة طويلة بمثابة حقل تجريبي مثير للاهتمام بالنسبة للمفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين والعديد من منظمات الإغاثة الإنسانية العاملة على الأرض هناك، وكان السؤال المطروح هو عن ماهية الطريق الأفضل لإدارة مدينة للاجئين كهذه نمت بهذه السرعة والفوضى؟ وعن ماهية الاستراتيجيات الممكن استخدامها لتأسيس حالة طبيعية فيه؟

ولذلك فإن مدير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الألماني كيليان كلاينشميت يُفضل وصف نفسه بأنَّه "رئيس بلدية الزعتري" بدلًا من وصفه كمدير لمخيم للاجئين. غير أنَّ جميع هذه المقاربات والأفكار الجديدة المُفترض أنَّها مبتكرة لم تغيِّر سوى القليل في حقيقة بسيطة وهي أن معظم الناس في هذا المخيم فقدوا كلَّ شيء في وطنهم سوريا، ليس فقط منازلهم وممتلكاتهم وأعمالهم ومستقبلهم بل فقدوا أيضًا الكثير من أقاربهم وأصدقائهم.

ومخيم الزعتري هو المكان الكئيب الخالي من كلّ أمل والذي يجب عليهم فيه الآن قضاء وقتهم كلَّه، مكان يعجّ بالغبار ومكتظ ومقفر ومن دون أمل في العمل.

عُرِض فيلم "كابتن الزعتري" الوثائقي في مهرجان صندانس السينمائي الشهير في عام 2021: تمت الإشادة بهذا الفيلم كمثال على قوة الأحلام التي لا تتزَّعزع، ولكنه يعرض أيضًا حدود هذه الأحلام بوضوح: فوطن محمود وفوزي مدمَّر وعائلاتهما لا تزال تعيش في المخيم ظروفًا غير كريمة. يُتَوفى والد فوزي بسبب السرطان وبسبب سوء الرعاية الصحية أيضًا. وأخيرًا فإنَّ الأمل في الخروج من المخيم عبر كرة القدم هو أملٌ ذكوري فقط، غير متاح للبنات الصغيرات في المخيم. مع أنَّ البنات والشابات في المخيم هن الأضعف بشكل خاص.

وهكذا فقد تميَّز موضوع العديد من أفلام اللاجئين في هذه الأيَّام بالشعور بأنَّهم عالقون ومتعثِّرون جسديًا وعقليًا، ولا يمكنهم مواصلة السفر، في حين أنَّ الأجواء السائدة في البلدان المضيفة للاجئين مثل الأردن وتركيا ولبنان تزداد معاداة لهم لأسباب ليس آخرها الوضع الاقتصادي والسياسي غير المستقر في هذه الدول.

"فريق الحلم السوري"

وفي ظلّ هذا الوضع أيضًا يعيش الصديقان فوزي ومحمود، اللذان تم تصويرهما في الفيلم الوثائقي "كابتن الزعتري" للمخرج المصري علي العربي، يثير اهتمامهما في المخيم موضوع واحد فقط ويمنحهما الأمل في مغادرة المخيم ذات يوم برأس مرفوع، وهو: كرة القدم، فكل منهما كابتن "فريق الحلم السوري" وهو تشكيلة لاعبين من مخيم الزعتري. صحيح أنَّ أولياء أمورهما فخورون بهما، ولكنهم يصرون مع ذلك على مواصلة ابنيهم الدراسة، وفي المقابل يتساءل محمود: "لماذا يجب علي متابعة التعليم؟ فأنا لاجئ. وعندما أحصل على شهادة سأبقى لاجئًا بشهادة".

يرى الاثنان في كرة القدم -على العكس من المدرسة- فرصة ليتركا المخيَّم وراءهما، وفي الواقع يلعب الأطفال والناشئون كرة القدم في جميع أنحاء المخيم، وتوجد فيه الكثير من المواهب، كما توجد بعض المشاريع الدولية، التي يقدِّم أفضلها في الواقع مخرجًا من بؤس المخيم، إذ يوجد مثلًا تعاون مع أكاديمية كرة القدم البرازيلية بيرغولاس نيغرس من ولاية ريو، والتي تدعو بعض المواهب إلى البرازيل من خلال عملية اختيار معقدة.

يأتي كل ثلاثة أشهر الى المخيم كشافة من أكاديمية "أسباير" القطرية للبحث عن لاعبين موهوبين في مخيَّم الزعتري، ويراقبون فوزي ومحمود أيضًا، ويتحقَّق على الأقل حلمُ محمود عندما دُعي "فريق الحلم السوري" ليحل من الزعتري عام 2017 ضيف شرف في بطولة الكأس الدولية لدون سنّ السابعة عشرة في قطر وكان هو كابتن هذا الفريق.

في البداية رُفض بالذات صديقه الموهوب للغاية فوزي بسبب عمره، وليُسمح له بعد ذلك بالمشاركة والسفر إلى قطر، تبدو الملاعب التي يتم الاعتناء بها جيدًا في "أكاديمية أسباير" بخضرتها الوفيرة وكأنَّها من عالم الأحلام، على العكس من الساحات المليئة بالأتربة والغبار في المخيم.

بصيص من الأمل في قطر بالذات

أكاديمية كرة القدم القطرية هذه استثمرت منذ عام 2004 الكثير من الأموال والجهود من أجل تحسين صورة البلد المضيف لبطولة كأس العالم قطر 2022 بسبب تضرُّرها بسبب تهم بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالعمال الوافدين العاملين في إنشاء البنية التحتية الرياضية. في قطر يتدرَّب اللاعبون الموهبون الشباب وفي كلّ شتاء تتم استضافة أندية كرة قدم أوروبية كبرى - ومنذ عام 2011 يشارك كلَّ عام في المعسكر التدريبي الشتوي نادي بايرن ميونخ أيضًا. ومع ذلك فقد اتَّهمت منظمة العفو الدولية مؤسَّسة أسباير بالتورُّط في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.