أي دور للمرأة اليوم يمكن أن تلعبه في عملية السلام وإحقاق التعايش؟ سؤال قد يبدو للوهلة الأولى مثيرا للانتباه والاهتمام، مع كل اللغط الذي تثيره الدعوات لرسم معالم حقيقية لأدوار المرأة الفاعلة داخل المجتمعات وعلى كافة الأصعدة محليا ودوليا، لكن الاتساع الواضح لدائرة التواصل العالمي، وتطور وسائل الاتصال بما يساهم في ازدياد ترابط العالم، وسهولة الوصول للمعلومات والتكنولوجيات والمعارف، العاكسة لكل سمات التقدم التي عرفها العالم، تظهر جليا حاجة الأجيال الماسة إلى التحلي بكل شواهد الحكمة الملائمة، لمنع النزاعات في مناطق الصراع، والسعي لتقبل الاختلاف والتعايش مع الاخر، وهو ما يجعلنا بحاجة ماسة للاعتراف بالدور الرئيسي الذي تعلبه النساء منذ الأزل في التنشئة الاجتماعية وفي تحقيق عمليات السلام المتنوعة، بهدف العيش في عالم متناغم يتسم بالأمن ويعترف بالنساء كركيزة أساسية للنهوض بالمجتمعات.
في هذا السياق الذي يدعو إلى التأمل بشكل فعلي وإلى خلق شراكات فعالة مع المجتمع المدني الدولي، تأتي مبادرة مجتمعية بعنوان "النساء والعيش المشترك " حاملة معها رسالة أساسية مفادها أنّ السلام لم يعد يعني فقط إنهاء وغياب الحروب، بقدر ما أصبح عنوانا إنسانيا للعيش المشترك المتمسم بالأمان الداخلي أكثر منه ظاهريا، سلام يقيم نفسه كفلسفة مجتمعية تمنح لكل مكونات المجتمع الواحد فرصة للتطور على قدم المساواة، وهو ما يعني بالضرورة عدم التفريق بين كائنين بأي سبب كان، كالجنس أو العرق او أي انتماء آخر.
تأتي إذن مبادرة "النساء والعيش المشترك " التي أطلقتها منظمة "نساء من أجل التعددية والسلام" التي يقع مقرها بالعاصمة المغربية الرباط، للخطو في مسار الاعتراف بأهمية المعلومة والعالم الرقمي في نشر روح السلام عبر ترجمة أدوار المرأة، وتمكين تأثيرها كعنصر فاعل يسمح بتبادل الخبرات داخل المجتمع المسالم المتسم بقيم التسامح السامية فوق كل الاعتبارات اللاإنسانية.
نزهة صادق صاحبة فكرة المبادرة، والشريكة المؤسسة لمنظمة "نساء من أجل التعددية والسلام" قالت في كلمتها التقديمية للمبادرة إن "إطلاق مبادرة النساء والعيش المشترك، جاء انطلاقا من سياقيين اثنين، أولهما صحي دولي، بات يستدعي استعمال كل السبل الرقمية لنشر ثقافة المساواة والسلام على نطاقات واسعة، ثم سياق عمل المنظمات النسوية، الرامي إلى تسليط الضوء على دور النساء ونشر ثقافة المساواة، كعاملين أساسيين مساهمين في عملية السلام والعيش المشترك".
من جهتها عبرت توركاندونيز روغنبوك Türkân Deniz-Roggenbuck مديرة منظمة كولتورتون الشريكة ضمن المبادرة، عن سعادتها للانخراط مع منظمة نساء من أجل التعددية والسلام في هذا الشروع، موضحة أن مؤسستها "تؤمن بدور المرأة المغربية كسفيرة للسلام والتنوع، بالنظر لتاريخ التنوع الثقافي الذي عرفه بلد كالمملكة المغربية"، مضيفة أن "المجتمع المدني المغربي يتوفر بالفعل على مؤهلات متعددة في مجال التواصل والمساواة، ونحن هنا من خلال شراكتنا هذه، مسرورون للعمل معا من أجل خلق حوار وتبادل ثقافي، نامل أن يكون فعالا للطرفين نحو المستقبل".
وتتجلى المبادرة في خلق تواصل مهني وتبادل الخبرات والأفكار بين الجمعية ومنظمات المجتمع المدني الألمانية من جهة، كما يسعى إلى توصيل رسائل وأفكار تورع السلام وتسمو بدور النساء وتؤكد على أهمية المساواة والرجولة الإيجابية في تحقيق مجتمعات مسالمة ومعافاة.
تسعى إذن مبادرة "النساء والعيش المشترك " لاستعمال كل الإمكانات المتاحة ضمن وسائل التواصل الاجتماعي، كالفيديوهات التحسسية، للمساهمة في خلق فضاءات حرة للحوار وتكريس ثقافة المساواة التي تقود بالنهاية إلى خلق سياقات مجتمعية سليمة تتسم بالسلام، ثم إلى محاولة تأسيس تفاعلات فنية، عن طريق فن الرسم الكارتوني الثابت أو بالصوت والصورة من خلال فيديوهات تحكي قصص لنساء تمكنوا من خلال جهدهم ومثابرتهم، من تجاوز كل الأفكار المغلوطة والتأكيد على أن السياق وحده لا يستمر في التحكم في نشر السلام، بل إن الإرادة كذلك تساهم في تغيير الثوابت المغلوطة داخل المجتمعات، وهو ما تقدمه هذه الفيديوهات، التي ستقوم بتسليط الضوء على قصص يحكي فيها نساء ورجال قيمة وأهمية المساواة في تغيير مفاهيمهم الحياتية وتطوير إدراكهم.
جدير بالذكر أن المباذرة موضوع الحديث تأتي لتتوج مسار عمل منظمة "نساء من اجل التعددية والسلام" التي دأبت على خلق مبادرات شبيهة، منذ تأسيسها بدايات سنة 2018، وكذلك الأمر بالنسبة لمنظمة "كولتورتون" kulturton" الألمانية، الشريكة للمبادرة، وهي منظمة ذات منفعة عامة تعمل ضمن مجال التبادل الثقافي على مستواه المحلي والدولي، دون إغفال ذكر منظمة IFA المشرفة على تمويل مشروع المبادرة، وهي التي تعتبر من أقدم المنظمات الوسيطة في ألمانيا، المشتغلة في العلاقات الثقافية الدولية، التي ترمي لتعزيز التعايش السلمي بين الشعوب والثقافات في جميع أنحاء العالم.