احتضن جاليري رؤى 32 للفنون ندوة قاربت جماليات حضور البورتريه وتعبيرات الوجوه في تجربة مشاركين معرض "هي"، وقدمت الندوة مجموعة من المقاربات والقراءات لهذا الحضور وجمالياته ودلالاته التعبيرية ورسائله مع حفريات في تاريخية هذا الفن، في هذا التقرير نتوقف عند أهم خلاصات هذه الندوة ومداخلاتها.

البورتريه وتعبيرات الوجه

 

استضاف ( جاليري رؤى 32 ) الشهر الماضي وبمبادرة من مديرة الجاليري السيدة سعاد عيساوي ندوة عاينت الصورة الشخصية – البورتريه وتعبيرات الوجه - في تجارب الفنانين المشاركين في معرض ( هي ). وكذلك تاريخ الصورة الشخصية – البورتريه - وعرضت الندوة التي قدمها وأدارها الفنان والناقد التشكيلي غازي انعيم قراءة تاريخية لنشوء وتطور الصورة الشخصية، منذ الإنسان الأول إلى العصر الحديث، وتوقف انعيم في بداية حديثه عند مصطلح الصورة الشخصية وتعريفها.. وأكد على استخدام هذا المصطلح بدل استخدام الكلمة الانجليزية ( بورتريه ). وأشار بأن الصورة الشخصية غالباً ما تكون لوحة أو نحت أو صورة فوتوغرافية، تُظهر التشابه بين الشخص وشخصيته المرسومة على مسطح اللوحة من خلال اظهار تعبيراته التي تعكس مزاجه الذي يرسل من خلال نظراته رسائل روحية تغني العمل الفني.. وتظهر براعة الفنان في تشريح الوجه، وتوزيع عضلاته إلى جانب الظل والنور.

وأشار انعيم أن فن رسم الصورة الشخصية بدأ مع الإنسان الأول وبعد ذلك ظهرت الصور من خلال الرسم والنحت وغالباً كانت على شكل منحوتات من الرخام أو الحجر أو البرونز وكانت في حينها تعكس القيم الدينية والأخلاقية.. وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية سيطرت الكنيسة على المؤسسات الدينية وعلى هذا النحو رسم الفنانين صوراً لشخصيات دينية مثل يسوع والقديسين والملائكة.. وعلى الرغم من وجود بعض القيود على الفن من قبل الكنيسة، فقد ولد في عصر النهضة الذي استمر حتى القرن السابع عشر بعض الفنانين الذين أبدعوا في فن الصورة الشخصية، ومن أشهر صور هذه المرحلة لوحة ( الموناليزا ) التي رسمها دافنشي عام 1517 . ولوحة ( ذات القرط ) التي رسمها الفنان فيرمير عام 1665 .

وفي بداية القرن السابع عشر تغيرت المفاهيم في عالم الفنون الجميلة، وبدأ العديد من الفنانين في رسم صور شخصية للرجل العادين هذا التغيير انعكس بشكل ايجابي على أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر حيث شهدت هذه الفترة تغيير هائل وانبعاث جديد في عالم الصورة الشخصية التي مثلت كافة المذاهب الفنية.

ومع ظهور الثورة الصناعية استمرت الصورة الشخصية في فرض حضورها وكان رجال الأعمال والأثرياء مفتونين بها.

وفي رصده لبدايات الصورة الشخصية في الوطن العربي، اشار انعيم بان الصورة الشخصية كانت محصورة بالطبقة الحاكمة والميسورة، هذه الطبقة كانت تتطلع لمحاكاة الغرب في كل ما يوحي بمكانتهم الاجتماعية والمالية والسلطوية، أي كانت الصورة مقتصرة على من يملك زمام السلطة، ومن الفنانين العرب الذين أبدعوا في رسم الصورة الشخصية وتركوا آثارهم الإبداعية خلال القرن الماضي الفنان اللبناني داود القرم، وجبران خليل جبران، ومصطفى فروخ ، والمصري صبري راغب، ويوسف كامل، ومحمد صبري، ومحمود سعيد.. وغيرهم.

ونوه انعيم بأن الصورة الشخصية هي قضية حوار متبادل، ولعبة ثنائية تظهر إبداع الفنان ومهارته في الولوج إلى أعماق الشخص لالتقاط حقيقة الواقع، وتثبيته بكل حساسية.

وفي ختام حديثه أكد انعيم بأن الصورة الشخصية ستبقى عنصراً أساسياً حيوياً في عالم الفنون الجميلة.

وأشار د. إياد المصري أن الوجوه التي يتناولها على مسطحات لوحاته مستقاة من التاريخ وبشكل خاص من الوجوه التي تركها الأنباط والتي تزيد عن ( 1000  ) وجه، وهذه الوجوه بأشكالها واوضاعها المختلقة والتي تناولها بالألوان الزيتية تعكس ضحكة وابتسامة، وقد تخفي شراً، أو خيراً، وقد تخفي لنا حباً.. ويبقى لكل وجه خفاياه لا يعرف ما يخبئ إلا من رسمه وهو القادر على سبر أغواره.

وأكد الفنان رائد قطناني في مداخلته عن أثر الوجه في تكوين العمل الفني، أن للوجه أثر جاذب في أي عمل فني.. لأن له قدرة على التقاط عبن المشاهد وتوجيهها للاتجاه الذي يريده الفنان في اللوحة. سيما ان العين هي عامل جاذب نفسي.. فنحن نتتبع نظرات العيون وايماءاتها.. كما يقول المثل الشعبي ( العين مغارف الكلام ). ومن هنا فإننا نلاحظ الأثر الكبير لوجود الوجه في تكوين اللوحة وخاصة إذا استطاع الفنان توظيف عوامل الظل والنور وكذلك الأشكال الرئيسية من أساليب التكوين واستثمار نقاط القوة.

ولفت الفنان فتحي عارف بأن الصورة الشخصية تحضر بقوة لتخلد صاحبها ومن رسمها.. وأنها تعتبر أحد عناصر الخلود فتارة تأتي بشكل صورة بدائية على جدار كهف، ووجه منحوت في الصخر لوجوه آلهة الأساطير القديمة.. وألوان على قماش تارة أخرى لتذكرنا بأن ما يميز الإنسان عن بني جنسه هو وجهه وقسماته التعبيرية؛ وكما وثقت المباني التاريخية الحضارات وثقت الصورة الشخصية الإنسان.

   ومن جانبه يكشف الفنان يزن مصاروة أنه لم يكتشف حقيقة وسبب رسم الوجوه إلا بعد أن امتهن فن الحكي، وعندما أدرك ان ما يقوم برسمه ما هو إلا قصص قام بترجمتها بالخطوط والألوان لتظهر تعبيرات الوجوه والشخوص التي يصورها. فوجه الإنسان بالنسبة له شيء عظيم، وفي كل لوحة له وجه يحكي حكاية.. خاصة وجوه النساء التي يميل لرسمها والتي تعكس مشاعر النساء اللواتي عايشهن في حياته مثل جدته وأمه او نساء أخريات.

وتضمنت الندوة مداخلات من الحضور تناولت قضايا تخص الصورة شارك فيها محمد العامري وصفاء الشريف وسعاد عيساوي.