شارك محرر الكلمة في فعاليات اللقاء التأبيني للشاعر جاك هيرشمان والذي نظمته الحركة الشعرية العالمية بتنسيق مع بيت الصحافة بطنجة، ولأن للكلمة قداس خاص في تجربة هذا الشاعر الذي انتصر للقضايا العادلة للعالم، ولأنه ظل يجوب الشوارع والأزقة يقرأ شعره للمارة وللناس، نقدم هنا نص الكلمة التي قُدمت ضمن هذا اللقاء الاستعادي.

أثر الشاعر في عالم المحو والفوضى

عبدالحق ميفراني

 

جاك هيرشمان(1933-2021)..

اختارت الحركة الشعرية العالمية، أن تحتفي هذه السنة بالشاعر الأمريكي جاك هيرشمان أحد مؤسسيها وأبرز أصواتها الشعرية، المناهضة للعنصرية والاستعمار. بينما اختار هو أن يرحل(غشت الماضي 2021)، في وقت يصارع فيه العالم من أجل ضمان فعل البقاء. وكأن الأمر لا يعنيه البثة، ألم يجسد بشكل بوهيمي باذخ قدرة الشاعر على فضح "هذه الفوضي الغير خلاقة بالمرة". ابتداء من جيل البيث، ظل هرشمان شفافا الى حد "البساطة" معلنا بصوت انتقادي صارخ، أن العالم تحكمه عصابة من رؤوس الموت.

وشهدت طنجة، (يوم 22 أكتوبر)، لقاء تأبينيا خاصا، نظمه بيت الصحافة في طنجة بتنسيق مع الحركة الشعرية العالمية ودار فاصلة، وشهد مشاركة شعراء ومدراء لملتقيات ومهرجانات ومؤسسات ثقافية، يلتقون جميعا لا ليستدعوا نصب الحرية بل لأن لأمريكا صوت الحرية هرشمان، وهو الأحق بالتنصيب على قلب العالم وروحه.

المسافة بيننا محيط ممتد فقط، لا شكل لليابسة، وحتى صورة العالم الجديد انمحت.. لقد اساؤوا لكل شيء، ظل الشاعر فقط وحيدا في شوارع سان فرانسيسكو ومقاهيها، يردد بصوته المتمرد.. "ستكون هناك صرخة موحدة" ضد رؤوس الموت. ألن يكون مقامنا اليوم، أثر الشاعر وهو يحضر بيننا ب "شراراته" وكلمته الحية.. الكلمة، العابرة للحدود، التي ترسم ديمومتها في المستقبل.

لقد دفع هرشمان ضريبة مواقفه وأرائه الحرة، في حياته، وظل صوته يشكل الاستعارات في شوارع المدن، وعبرت قصائده الى فضاءات الحرية. الوجه الآخر للعنة الأكاذيب، والتي شكلت العبور الماكر لنمط الأدلجة. "الصوت الأحمر"، والشاعر الأقرب الى "بليخانوف"، هرشمان الذي ظل كما هو، أو كما أراد أن يكون، شاعر تشكله الأشياء متأبطا وجهة نظره، بفيض يقبض على جوهرنا الإنساني المشترك. ومعه، كدنا نصل الى جوهر تلك المقولة الزئبقية، الهاربة بين ثنايا أحلامنا، قدرة الشاعر على تغيير العالم.

ترك جاك هرشمان الألف سوداء، ونبوءة شاعر أهلكته خطايا العالم. لكنه ظل الشاعر، المسكون بوجع إنسانية الإنسان، ووطن يليق بالجميع. وفي الوقت الذي كانت فيه القنابل تلعلع في سماوات بعيدة، ظل الشاعر يرمي بقصائده أرواح الضمير الإنساني، لعلها صرخة الشاعر التي حولت جيم موريسون (أحد نجوم دو دورزThe Doors )، أن يقتفي أثرها صادحا بأغانيه. حين خط هرشمان ديوانه "كل ما تبقى"(2008)، لم يدرك أنها اللحظة الحالية الآن، ونحن نتلمس هشاشة الكائن، وعالم يكاد ينفلت من بين أحلامنا، فقط القصيدة الإقامة والملاذ لفتح كوة على المستقبل.

اليوم يودع العالم هرشمان من جديد.. وحين اختارت الحركة الشعرية العالمية أن تحتفي بأحد "أنبل" قصائدها، اختار أصدقائه، هنا في المغرب، أن يقيم بينهم، وأن يقيما معا في القصيدة.. إقامة، غير خاضعة بالمرة لتأشيرات، إنها إقامة مفتوحة على اللانهائي وعلى سحر الأبجدية وعلى قيم الإنسانية المشتركة، حينها سيلتفت الجميع على وقع بسمة هرشمان،

حين يرى صدق نبوءة الشاعر..

وحينها سيكون العالم  

ملكا لنا جميعا.