في هذه الوثيقة الحية للشاعر والمترجم المغربي خالد الريسوني، والتي يخص بها الكلمة، يعود فيها لتفاصيل الاجتماع الأخير الذي شارك فيه الشاعر الأمريكي جاك هيرشمان صوت الحرية بامتياز ومن خلاله نقترب من بورتريه مصغر يرسمه المترجم الريسوني لهذا الشاعر والحكيم والذي ظل أسير الشعر والشوارع والأزقة وينتصر للقضايا العادلة رافعا صوته الاحتجاجي ولغته الانتقادية أمام الجميع.

وداعا جاك هيرشمان صوت الحرية في الشعر الأمريكي

خالد الريـسوني

 

فقد الشعر العالمي أحد الأصوات الأكثر دعوة للحرية والانعتاق، يتعلق الأمر بالشاعر الأمريكي جاك هيرشمان (نيويورك 1933- سان فرانسيسكو 2021)، حدث ذلك أثناء اجتماع هيئة التنسيق للحركة الشعرية العالمية، فقبل الاجتماع بخمس دقائق، التحق بغرفة الدردشة الافتراضية للحركة الشعرية العالمية كل من الشاعر الصيني جيدي ماجيا والبرتغالي لويس فيليبي سامينطو والشاعرة الهندية راتي ساكسينا والأمريكي جاك هيرشمان في انتظار التحاق باقي أعضاء الهيئة، لكن مع بداية موعد الاجتماع انسحب جاك هيرشمان الذي يضطلع حاليا بمهمة المنسق العام للحركة الشعرية العالمية، لتخبرنا رفيقته أنييطا فالك بخبر وفاته أمام دهشة الجميع، طبعا لم يصدق أغلبنا أن الخبر حقيقي، فرغم سنه المتقدم لم نكن ننتظر من جاك هيرشمان أن يرحل عن عالمنا بشكل مفاجئ وفي لحظة حاسمة من مسار الحركة الشعرية العالمية، بل وخلال بداية انعقاد اجتماع حاسم من اجتماعات هيئة تنسيقها، لكن الخبر الذي بدا مثل مزحة ثقيلة سيتم تأكيده بعد ذلك، لقد كانت صدمة قوية تلقاها أصدقاؤه ورفاقه ومحبو شعره سواء داخل الحركة الشعرية العالمية أو خارجها، كان موته خسارة فادحة للشعر وللمواقف النبيلة لشاعر وناشط أمريكي متمرد.

عاش جاك هيرشمان العديد من الأحداث السياسية والأدبية خلال عمره الذي امتد إلى 87 سنة، افتتحها شعريا بديوانه الشعري الأول: مراسلات أمريكية 1960، عرف جاك حياة التسكع يقرأ أشعاره في شوارع ومقاهي سان فرانسيسكو، وربط علاقات مع جيل البيتنيك وخاصة مع الشاعر لورينس فيرلينغيتي، لكن شعره كان يتفرد بخصائص مميزة جعلت منه شاعرا أصيلا لا يشبه إلا ذاته، كانت مواقفه السياسية طليعية أيضا، فقد كان من المثقفين الأمريكيين الذين وقفوا ضد الحرب بالفيتنام، كما كانت مواقفه المساندة للثورة في كوبا والداعمة للاختيارات السياسية الشعبية في كل من فنزويلا وبوليفيا جد مميزة، توالت أعماله الشعرية منذ 1960 وحتى سنة 2000، فقد صدرت له العديد من الأعمال مثل: إثنان 1963، تبادل 1964، مشهد لندن مباشرة 1967، الألف الأسود سنة 1969، شرارة 1970، والخط السفلي 1988... كمترجم نقل إلى اللغة الإنجليزية العديد من الشعراء والكتاب مثل بابلو نيرودا، أنطونين أرتو، فلاديمير ماياكوفسكي، جان كوكتو، روكي دالتون، روني ديبيستر من بين العديد منالأسماء الأخرى، فمنذ أن غادر هيرشمان عمله كأستاذ جامعي في الستينيات، اختار أن يمنح وقته كاملا وبشكل حر للشعر والأدب والسياسة... مقتسما حياة الالتزام مع زوجته ورفيقة حياته ودربه الكاتبة والناشطة السويدية أنييطا فالك التي نقلت خبر وفاته لرفاقه في هيئة التنسيق للحركة الشعرية العالمية التي تنتمي هي الأخرى إلى عضويتها... منذ سنة 1988 سهر جاك هيرشمان على إدارة مهرجان سان فرانسيسكو العالمي للشعر رفقة جماعة من الشعراء الرفاق الذين كان يسميهم "ألوية الشعراء الثوريين"، رحل جاك هيرشمان لكن مواقفه السياسية ستظل راسخة في ذاكرة جميع الذين كانوا قريبين من عالمه وشخصيته وشعره.