تعتبر جائحة كرونا من التهديدات التي عرفتها البشرية بالقرن الواحد والعشرين، نظرا لما خلفته من ضحايا بشرية وأزمات نفسية واقتصادية منذ ظهوره بالصين. ولم يسلم المغرب من هذه الجائحة، حيث سارع في تبني سياسة إجرائية محكمة خففت من انتشاره. إلا أن طول عمر الوباء زاد من تأزم الوضع اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا.

التداعيات السوسيواقتصادية والبيئية لجائحة كورونا

كوفيد 19 بالمغرب: أية تدابير وقائية ضد الجائحة؟

معـاذ النجـاري

 

1. تقديم

إن ما يميز الأخطار هو طابعها الفجائي وفداحة الخسائر التي تخلفها، وأمام انتشار هذه الجائحة بالمغرب تجندت مختلف المصالح الإدارية على المستوى المركزي، الجهوي والمحلي منذ تسجيل أول حالة بداية شهر مارس 2020 حيث بادرت كل المؤسسات الرسمية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية أملا في الحد من تفشي هذا الوباء الذي هو موضوع الدراسة. ويعالج المقال الآليات الإجرائية المتخذة لمواجهة كوفيد19، وتداعياتها على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي والبيئي. وقد اعتمدنا في هذه المنهجية، تشخيص السياسة المتبعة في مواجهة هذه الجائحة مع التركيز على الإحصائيات والتقارير الرسمية حول تطور هذه الظاهرة.

2..ظهور الوباء تعريفه ومجالات انتشاره الجغرافي
بدأ ظهور الوباء بالمغرب بتاريخ 2 مارس 2020 كأول حالة أصيبت بهذا الوباء من الجالية المغربية بأوروبا، لينتشر بشكل تدريجي وفي مراحله الأولى بين الأجانب ويصاب بعده السكان المحليين. يعتبر وباء كورونا من الفيروسات التي تسبب أمراضًا وعدوى في الجهاز التنفسي. وهي تنتمي إلى فصيلة الكورانويات المستقيمة ضمن فصيلة الفيروسات التاجية أو المكللة. تتمثل الأعراض الأكثر شيوعاً لمرض كوفيد-19 في الحمى والإرهاق والسعال الجاف، وقد يعاني بعض المرضى من الآلام والأوجاع، أو احتقان الأنف، أو الرشح، أو ألم الحلق، أو الإسهال.

رغم التدابير الوقائية المتخذة من قبل الدولة، إلا أن الوباء زاد امتداده على ربوع المملكة بشكل تدريجي عم في البداية المدن الكبيرة، هذا الانتشار ناتج عن النقص في الإمكانيات المادية والبشرية للتصدي الفجائي لهذا المرض.

3. التدابير الوقائية للتخفيف من حدة انتشار الوباء
أدركت الدولة في المغرب حجم الخطر، الذي يمثله فيروس كورونا، بعدما عاينت بأم عينها كيف طأطأ الوباء بسرعة رؤوس دول كبرى، وجعل أنظمتها الصحية المتطوّرة شبه عاجزة عن مواجهة زحف الفيروس الأحمر، حتى بات حالها أقرب ما يكون إلى الوضع المألوف في البلدان النامية. لذا تبنّت السلطات المغربية خطة استباقية، قوامها متوالية من القرارات والخطوات والإجراءات، الرامية إلى التخفيف من وقع هذه الجائحة وتأثيرها على مناحي الحياة في البلد. جاءت التدابير المتخذة تباعا، بدءا من إجلاء المواطنين المغاربة العالقين في مدينة ووهان الصينية وهي كالآتي:

  1. بتاريخ 16 مارس 2020: تم تعليق الدراسة بالمؤسسات التعليمية وإغلاق الفضاءات العمومية،
  2. بتاريخ 17 مارس 2020: تم إحداث صندوق الدعم لمعالجة تداعيات جائحة كورونا المستجد،
  3. بتاريخ 19 مارس 2020: تم إعلان حالة الطوارئ شهرا، وإغلاق دور العبادة والمقاهي والمطاعم، ثم منع كل الأنشطة الرياضية والثقافية والسياسية والتجمعات الكبرى.

هذه الإجراءات استدعت تحرك وزارة الداخلية ومديرية الأمن الوطني، بهدف ضمان التنزيل الأمثل لإجراءات الحماية من الوباء، على الرغم مما تفرضه من مقتضيات تقيد الحقوق والحريات، فحركة التنقل اليومي ارتكزت على أشخاصٍ ممن تفرض طبيعة عملهم ذلك. وأضحت مغادرة المنزل لدى عموم المواطنين مقيدةً بالضرورة القصوى، شريطة الحصول على رخصةٍ، مختومةٍ من السلطة، وقد أثنى المغاربة على عمل رجال السلطة وباقي الأجهزة الأمنية الساهرة على تنزيل إجراءات فترة الطوارئ الصحية واليقظة المبكرة مقارنة مع ما حدث في دول مجاورة (إسبانيا وإيطاليا وفرنسا).

بداية شهر أبريل 2020 أعطت المملكة مجموعة من التعليمات الصارمة بفعل تزايد عدد المصابين، ألزم جميع الأفراد بوضع الكمامات الواقية واكبتها حملة إعلامية تبين أهميتها وتشرح الطريقة الصحيحة لارتدائها، كما انطلقت عمليات توزيع المنح على شكل إعانات (من صندوق الدعم كوفيد 19)، تهم المقاولات ومختلف الأنشطة المتضرّرة في المجال الاقتصادي. واعتمدت، في المجال الاجتماعي، جملة من التدابير، في مقدمتها التعويض عن توقف الشغل للمنخرطين في صندوق التضامن الاجتماعي، والفئات التي تتوفر على بطاقة المساعدة الطبية (راميد)، ثم فئة العاملون في القطاع غير المهيكل، تتراوح قيمة هذه الإعانات ما بين 800درهم (80أورو) إلى 1200درهم (120أورو). وكان لقطاع التعليم بدوره نصيب، بعدما قرّرت الحكومة مكرهةً تطبيق نظام التعليم عن بعد، وتم الاستعانة بقنوات الإعلام العمومي لبث الدروس للتلاميذ، ورغم الفوارق الاجتماعية والمجالية في المدرسة المغربية، إلا أن البرنامج الدراسي استكمل باجتياز الامتحانات الجهوية خلال شهر يوليوز 2020 والامتحانات الوطنية المقررة شهر شتنبر 2020.

4. الفاعلون في تدبير جائحة كورونا المستجد
لقد جندت المملكة مجموع هيئاتها لمواجهة جائحة كورونا المستجد، وتقديم استجابة فعالة وعرضانية لحماية المواطنين كافة. سخرت لكل القطاعات المتدخلة كل الإمكانيات الضرورية لاحتواء هذا المرض والتقليص من الآثار والانعكاسات المترتبة عنه، وقد تباينت أدوارهم حسب الصلاحيات التي يتيحها لهم القانون، وهذه أبرز الفعاليات:

  1. قطاع الصحة: تعزيز البنيات الصحية الأساسية، والتجهيزات الضرورية والمعدات الطبية والتواصل اليومي عبر مختلف المنابر الإعلامية الرسمية.اضافة الى الاستثمار الاستثنائي والاستعجالي في المعدات الطبية بما في ذلك استعمال مادة "الهيدروكسي كلوروكين" المنتجة محليا  مع سد الخصاص عبر الاستيراد.
  2. وزارة الداخلية: المراقبة الفاعلة لضمان الأمن عبر التراب الوطني والحرص على تطبيق حالة الطوارئ (تشكيل لجن اليقظة) بجميع العمالات والأقاليم المغربية، والسهر على توزيع المنح للأسر المتضررة،لمواجهة انعكاسات وباء كورونا على الاقتصاد (11 مارس 2020)،كما تم إحداث صندوق خاص بتدبير ومواجهة الجائحة وصل مجموع اعتماداته المالية الى أكثر من 3 مليار دولار أمريكي.
  3. القطاعات الأمنية: تجندت كل القوى الأمنية كل حسب اختصاصاته في مواجهة هذا الوباء بالسهر على تنفيذ حالة الطوارئ الصحية، وذلك لحماية الأفراد سواء في المدن أو القرى النائية أو داخل السجون مع التعاون وتقديم المساعدات بين الأطراف الشريكة.وذلك من خلال الصرامة في فرض الحجر الصحي
  4. الجماعات الترابية: المساهمة في توزيع المنح والإعانات للأسر المتضررة، وتعقيم المرافق الحيوية والعمل على تطبيق حالة الطوارئ وتشوير الممرات حفاظا على مسافة التباعد الجسدي في الأماكن المكتظة (الأسواق...).
  5. المجتمع المدني: المساهمة في التوعية ونشر الإعلانات وتتبع الإرشادات المقدمة من وزارة الصحة وتقديم المساعدات للأسر المعوزة من المواد الغذائية (دقيق، زيت، القطاني...).
  6. القطاع الخاص: ساهمت مجموعة من الشركات خلال فترة الحجر الصحي، في تقديم تبرعات شملت العائلات الفقيرة والدعم المقدم لصندوق تدبير جائحة كورونا، وتوفير وسائل النقل للأطر المجندة لمواجهة هذا الوباء.

على العموم لقد سجل التاريخ أن المغاربة أبانوا، باستجابتهم وتفاعلهم مع التدابير الوقائية التي اتخذتها الدولة، لمواجهة هذه المرحلة عن وعي ومسؤولية كبيريْن، وكشفوا عن استعدادهم وقابليتهم للثقة في الدولة ومؤسساتها. وقد اتسمت هذه المرحلة بإشراك كل مكونات المجتمع لتجاوز هذا الوباء، مما شجع المملكة على التفكير في اتخاذ تدابير تخفيف الحجر الصحي، حفاظا على التوازنات التي تفرضها الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

3. تدابير تخفيف الحجر الصحي
إن وقع حالة الطوارئ الصحية والإجراءات المتخذة، كان لابد أن تنعكس سلبا على مجموعة من القطاعات الحيوية في البلاد، حيث تضررت المقاولات. واستنادا إلى معطيات إحصائية[1]، فإن حوالي 83.4% من مجموع المقاولات المنظمة توقفت عن العمل خلال فترة الحجر الصحي، 52.4% من المقاولات قلصت نشاطها بشكل جزئي، بينما 29.6% أوقفت إنتاجها كليا وبشكل مؤقت. في حين أعلن أرباب المقاولات لبعض المهن عن توقف نشاطهم بشكل دائم.

حسب الفئة، وصلت هذه النسبة إلى حوالي 86% لدى المقاولات الصغيرة جدا، 79% بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة و57% للمقاولات الكبرى. إجمالا حوالي ثلاثة أرباع المقاولات أوقفت أنشطتها جزئيا أو كليا أثناء فترة الحجر الصحي، وتبقى القطاعات الأكثر تضررا هي الفنادق والمطاعم بنسبة 98% وصناعة النسيج والجلد 99% والصناعات المعدنية والميكانيكية بنسبة 91% ثم قطاع البناء بنسبة 93%.

1.3: تقسيم المغرب إلى مناطق التخفيف
إن ما تفرضه تداعيات الحجر الصحي جراء انتشار وباء كورونا المستجد كوفيد 19، أرغم المملكة المغربية إلى نهج سياسة الرفع التدريجي للحجر الصحي، حسب درجة تفشي هذا الوباء. وقد ابتدأت هذه المرحلة بتاريخ 11 يونيو 2020 وبموجب المخطط، تم تقسيم عمالات وأقاليم المملكة، وفق المعايير المحددة من طرف وزارة الصحة إلى منطقتين:

  1. المنطقة 1: تضم الأقاليم والمدن الخالية من الوباء أو التي تضم حالات متحكم فيها، وشملت الإجراءات بهذه المنطقة ما يلي:
  1. التنقل داخل المجال الترابي للعمالة أو الإقليم بدون رخصة والإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية
  2. استئناف وسائل النقل ومختلف الأنشطة، وفتح الفضاءات العمومية مع منع التجمعات والأفراح والحفاظ على مسافة التباعد الجسدي وارتداء الكمامات الواقية.
  1. المنطقة 2: تضم المدن والأقاليم التي تعرف ارتفاع في عدد المصابين وهي (الدار البيضاء، الرباط، فاس، مراكش وطنجة) بلغ في البداية عدد الأقاليم 16 شملتها الإجراءات التالية:
  1. التنقل برخصة من طرف السلطة المحلية
  2. إغلاق المحلات التجارية على الساعة الثامنة مساء
  3. استئناف النقل العمومي في حدود طاقة استيعابية 50%،
  4. الإبقاء على القيود المقررة خلال فترة حالة الطوارئ وذلك لاحتواء البؤر المتزايدة،

2.3: المرحلة ما بعد عملية التخفيف
بعد هذه المرحلة التي امتدت لشهر كاملا من الإجراءات المتخذة، ولإنعاش الأنشطة الاقتصادية والسياحة على المستوى الوطني وللتخفيف من الأزمات النفسية والاجتماعية على الأفراد، صدر بلاغ رسمي مشترك بين المؤسسات الحكومية نفذ بتاريخ 24 يونيو 2020 يبين الآليات والإجراءات الفعلية المتخذة لاحتواء المرض ودون الأضرار بالأنشطة الحيوية في البلاد وذلك باستئناف العمل بالقطاعات الخدماتية (السياحة الشاطئية، التنقل داخل وخارج المجال الترابي لكل منطقة برخصة مهنية، فتح الفضاءات العمومية وممارسة الأنشطة بمختلفها واستئناف الرحلات الجوية وذلك في حدود الطاقة الاستيعابية بنسبة 50% والمرافق التجارية من المطاعم والمقاهي مع إلزامية التوقيت في حدود الساعة العاشرة مساء كحد أقصى)، كما تقرر تجميع المصابين والموزعين بمختلف المستشفيات الطبية في وحدتين للعلاج والمتواجدة بمدينة بن سليمان وابن جرير، وخصصت لهاتين الوحدتين كل التجهيزات الضرورية واللوجستيكية والموارد البشرية الكافية لتتبع عمليات العلاج.

4. النتائج: تفاقم الحالة الوبائية بالمغرب
بعد التطرق إلى أهم العمليات الإجرائية المتخذة من المملكة المغربية جراء انتشار هذا الوباء، لا بد من الإشارة إلى تطور كرونولوجي للوضعية الوبائية بالمغرب في هذه المرحلة الحالية، محاولين تفسير ظاهرة تفشي الوباء وبأعداد كبيرة خلال شهري غشت وشتنبر 2020، والبحث عن الأسباب التي تقف وراء هذا التزايد المهول. 

1.4: تطور الحالة الوبائية وارتفاع عدد الوفيات

استنادا إلى المعطيات الإحصائية، والتي نشرت على الموقع الرسمي لتتبع جائحة كورونا المستجد كوفيد19 بالمغرب والتقارير الرسمية من الجهات المعنية، تبين أن انتشار الوباء عرف تطورا ملموسا على مراحل (مبيان رقم 02).

لقد تطور الوباء في بدايته بتزايد طفيف خلال الشهر الأول بين المخالطين لفئة الأجانب المصابين. ونظرا للإجراءات الاستباقية التي اتخذتها المملكة وإعلان حالة الطوارئ خلال شهر أبريل 2020 تراجع عدد حالات المصابين نسبيا مما اضطرت معه المملكة المغربية إلى نهج سياسة التخفيف الحجر الصحي حفاظا على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، هذه الإجراءات نتج عنها قيود تخفيفية أدت إلى تذبذب في حالة المصابين بلغت حوالي 4261 بتاريخ 4 يونيو 2020 لينخفض العدد إلى 2041 مصابا بتاريخ 22 يوليوز 2020 وتزايد حالة الشفاء. إلا أنه وبتاريخ 23 يوليوز 2020 سيأخذ تسجيل حالات الإصابات منحى تصاعدي وفي ازدياد كبير لعدد المصابين ليبلغ إلى حدود تاريخ 22 شتنبر 2020 حوالي 17574 مصابا.

       هذا التزايد المهول في عدد المصابين واكبه ارتفاع في عدد الوفيات (مبيان رقم3)، وقد بينت التقارير الرسمية لوزارة الصحة ومختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء "أن ما نعيشه اليوم من ارتفاع هو من نتائج ما سجل من تراخٍ وتهاون المواطنين في الالتزام بالتدابير الاحترازية الموصى بها"[2].

وإذا رجعنا إلى الواقع الملموس وما يمكن استنباطه من خلال المبيان هو أن هناك أرواحا بريئة حصدتها هاته الجائحة والتي تستهدف الفئات الهشة من الشيوخ والأطفال والنساء لأسباب متعددة، بالإضافة إلى ما ذكر سلفا فضعف البنيات الصحية وقلة الأدوية والتحاليل المخبرية مع التزايد في عدد المصابين، وكذا الانهيارات المرتبطة بالأزمات النفسية والأعصاب وغيرها كلها عوامل قد تؤدي إلى الوفاة.

1.4: أسباب تزايد الحالة الوبائية بالمملكة 
إن تزايد الوضعية الوبائية منذ تاريخ 23 يوليوز 2020، أدى بنا إلى تشخيص هذه الظرفية، والوقوف على تداعياتها السلبية الناتجة عن ارتفاع في حالات الوفيات يوما بعد يوم. فقد عرفت المملكة خلال الثلث الأخير من شهر يوليوز2020 حركية غير اعتيادية بين الأفراد في الأسواق دون التزام بالقيود المفروضة، والتي كانت متوقعة مع اقتراب مناسبة عيد الأضحى المبارك نهاية شهر يوليوز 2020.

وقد كان هذا النشاط الاقتصادي سببا في تزايد انتشار الوباء بين المخالطين، لتنتقل العدوى بشكل كبير في صفوف الأسر حيث التجمعات بفعل الزيارات بين أفراد العائلات، مما زاد في تفاقم هذا الوباء. يمكن القول إن هذه المناسبة شكلت منعطفا رئيسيا في تطور جائحة كورونا كوفيد19 بالمغرب.

2.4: تداعيات هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع والاقتصاد
إن من تداعيات هاته المعضلة المرتبطة بتفشي وباء كورونا المستجد، هو إحداث نمط عيش غير معتاد، والحرمان من الممارسات المهنية والاجتماعية السابقة والمألوفة، وانتظارات المواطنين المقرونة بالخوف من فقدان العمل أو الرأسمال المادي، نتج عنه تفشي أعراض القلق والأمراض بين الفئات الهشة.

  • الآثار على الفرد:
    إن خطر العدوى وما ترتب عنه من قيود حالة الطوارئ أدى إلى تغيير في السلوكيات السابقة والتأقلم مع العالم الصغير، ومع الذات، نتج عنه تصرفات غير معتادة بين أبناء المجتمع الواحد بل الأسرة الواحدة. فبعد انتشار الوباء، ونتيجة للتغطية الإعلامية اليومية والمستمرة من حصيلة للقتلى من هذا الوباء، وما امتلأت به قنوات التواصل الاجتماعي من الإحصاءات المخيفة، أصبح كثير من الأفراد لا بل عمومهم لا يفكر إلا فيما سيترتب عنه انتشار هذا الوباء على سلامتهم الشخصية ومستقبل حياتهم. هذا الموضوع أضحى يحتل مساحة كبيرة من قلق لجميع المواطنين ويضعهم تحت ضغط شديد من التفكير، تولدت عنه مجموعة من المعضلات:
  • الخوف من الإصابة بالفيروس والذي يعني الموت المحتوم مع ارتفاع حالات الوفاة،
  • الشعور المستمر بالتهديد تولد معه أزمات نفسية،
  • الخوف من فقدان العمل أو الرأسمال المادي (بعد توقف القطاعات الحيوية)،
  • فقدان الشعور بالأمان يمكن أن يخلق أشخاص يرون أن الانتحار أو التخريب هي السُبُل المتبقية لتحقيق الأمان المفقود،
  • فقدان الثقة بين الأشخاص بفعل التباعد الجسدي،
  • الآثار على المجتمع: 
    إن استفحال الوباء وزيادة الضغط الإعلامي والصحي، خلق أزمة اجتماعية بسبب عدم تكافؤ الفرص والمساواة بين أفراد المجتمع. وبسبب هذه الأزمة عانى الكثيرون من فقدان الوظائف وزيادة الأعباء العائلية، خصوصا الوظائف الأكثر عُرضة للخطر من الاتصال بالفيروس، وافتقار الأسر للإمكانيات اللوجستيكية والتجهيزات الأساسية من وسائل الاتصال والأنترنت لمسايرة الوضع الحالي كما هو الحال بالنسبة للتعليم عن بعد، مما سيزيد من الفجوة بين الطبقات وفي عدم المساواة.

ومن جانب آخر هناك ثقة المجتمع بالعلم، حيث اتضحت أهمية البحث العلمي الحقيقي، وهذا ساهم في إعادة التعريف بالمفاهيم العلمية المبنية على الحقائق. ومن المكاسب الإيجابية أن تم استعادة الاحترام العام للخبرة في مجالات عديدة مثل الصحة العامة والأوبئة والتمريض ومهندسي الاتصالات والحاسوب وغيرهم. لقد أجبرت الجائحة المجتمع على العودة إلى قبول أهمية الخبرة والعلم، ليكون العلم والعلماء على مسافة متساوية من رجال الأمن والجيش في خدمة المجتمع.

  •  الآثار على الاقتصاد: 
    توالت الأزمات الاقتصادية على عموم القطاعات الحيوية خلال فترة الحجر الصحي، فقامت 49.8% من المقاولات المنظمة بتخفيض عدد العاملين لديها مؤقتا و9.6% منها قامت بتسريح العمال بشكل دائم. وقد بلغت نسبة تقليص عدد العمال خلال الأزمة الصحية 85% بين المقاولات العاملة في صناعة النسيج والجلود و82% من تلك العاملة في الصناعة الكهربائية والإلكترونية. إذا ما يقرب من 10% من المقاولات التجأت إلى تسريح العمال، وثلثا المقاولات توقفت من إنجاز الاستثمارات المبرمجة لسنة 2020[3].

غير أن الجانب الإيجابي في ظل الجائحة وعلى رأس المستفيدين شركات صناع الأقنعة، والقفازات، وسوائل تعقيم اليدين، ثم شركات صناعة الأدوية وشركات الاتصالات قطاع التجارة الإلكترونية كالعملاق التجاري أمازون تحت مظلة المستفيدين من انتشار الفيروس[4].  بالإضافة إلى تقليص الغازات المسببة للاحتباس الحراري مما أدى إلى انسداد ثقب الأوزون وتحسن في جودة الهواء[5]،

وأمام انهيار المنظومة الصحية فان الرِّهان الحقيقي اليوم يقع على عاتق المواطن، على وعيه والتزامه بتداعيات الأزمة، وضرورة احترام التدابير الوقائية لحماية نفسه أولا والإحاطة ببقية مكونات المجتمع. فالوعي المُجتمعي بمشكلات المرحلة الراهنة هو أساس الخروج من براثن الأزمة والتّفاعل الإيجابي يساعد الدولة على توفير لا فقط الإمكانيات والطاقات البشرية بل أيضا مجموعة من الأفكار المتجددة والآراء التي يمكن لها أن تساهم في استنباط حلول فعالة تساعد الدول التي لا تمتلك كل الضروريات لمجابهة الأزمات.

خاتمة:
الانتشار السريع لفيروس كورونا وصعوبة احتوائه، فضلا عن إيجاد اللقاح المناسب له، أوقع العالم في خسائر مادية وبشرية غير مسبوقة، وتسعى جميع دول العالم لإيجاد حلول بديلة من شأنها التخفيف من الآثار المترتبة عن هذا الوباء. وتوصلنا في النهاية إلى جملة من النتائج أهمها شحّ الإيرادات المالية بسبب انهيار أسعار المواد الأولية، وشلل في القطاعات الإنتاجية وارتفاع معدلات البطالة وتراجع معدلات النمو الاقتصادي.

ولاحتواء التهديدات المتزايدة النابعة من انتشاره، ينبغي للجميع في مختلف أنحاء العالم العمل معاً للحدّ من انتقال العدوى وخفض حصيلة الوفيات. حيث أظهر الانتشار السريع للفيروس أهمية بناء القدرات المحلية والصمود في مواجهة التهديدات المختلفة من: الأمراض الوبائية إلى العنف المتطرف وانعدام الأمن المناخي.

 تمثل الجائحة أيضًا فرصة لتذكير أنفسنا بالمهارات التي يحتاجها الجيل القادم من أبناء المجتمع للتعامل بشكل أفضل مع ما لا يمكن التنبؤ بها، ومنها الوصول للقرار المستنير والحلول الإبداعية الناجعة، وربما قبل كل شيء القدرة على التكيف معها.

المراجع العربية:

  1. السلماوي مصطفى (2020). "تدخلات الدولة زمن الجائحة بين الرعاية الاجتماعية وتهدئة الأوضاع المشحونة". الكتاب الجماعي (جائحة كورونا والمجتمع المغربي فعالية التدخلات وسؤال المآلات، تنسيق الرحالي ميلود، منشورات المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات. ص: 113.
  2. المندوبية السامية للتخطيط (2020). استئناف نشاط المقاولات بعد رفع الحجر الصحي، البحث الثاني حول تأثير كوفيد 19 على نشاط المقاولات يونيو 2020. ص: 18.
  3. بلاغ مشترك لوزارة الداخلية ووزارة الصحة (9 يونيو 2020). المتعلق بتمديد سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء المملكة لمدة شهر المرسوم رقم 406.2.20.
  4. بلاغ مشترك لوزارة الداخلية ووزارة الصحة ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي (21 يونيو 2020). المتعلق بالمرحلة الثانية من تخفيف الحجر الصحي.
  5. حيروش مبارك (2020). من أجل مقاربة بيداغوجية لإرساء التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا، تجربة المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة كلميم واد نون نموذجا، مجلة الباحث، ملف خاص 2 (جائحة كورونا) العدد 18 ص253.

المراجع الأجنبية:

  1. Carbon Brief. Coronavirus has temporarily reduced China’s CO2 emissions by a quarter, February 12th, 2020 (accessed on March21st). https://www.carbonbrief.org/analysis-coronavirus-has-temporarily-reduced-chinas-co2-emissions-by-a-quarter.
 

[1]  المصدر: المندوبية السامية للتخطيط 2020

[2]https://ar.lesiteinfo.com/tagمختبر-الفيروسات-بجامعة-الحسن-الثاني-ب/

[3] المصدر: المندوبية السامية للتخطيط 2020

[4] هاني عبد اللطيف: أستاذ الاقتصاد بجامعة سوانزي ببريطانيا

[5] www.carbonbrief.org/analysis-coronavirus-has-temporarily-reduced-chinas-co2-emissions-by-a-quarter.