بماذا فكر العالم في العام 2021؟
في جميع أنحاء العالم، كان من تقل أعمارهم عن 35 عاما أكثر عرضة لفقدان الوظائف أثناء أزمة كوفيد-19، وقد تأثرت صحة الشباب العقلية بشكل خطير.
توقع الراديكاليون من جميع الأطياف أن يكون ما بعد العالم القديم عالما مختلفا، بعد أن شككت أزمة الرهن العقاري في مستقبل الرأسمالية، واستدعت أزمة كورونا إعادة تقييم الأولويات الشخصية، وأظهرت الكارثة البيئية هشاشة الحضارة بشكل واضح، كل ذلك على خلفية التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، فهل سيكون التوقف الذي فرضه الوباء فرصة للتبصر والحكمة أم عاملا إضافيا في خيبة أمل العالم الحالي؟
من أجل سبر هذه الأفكار، اختارت مجلة لوبوان الفرنسية 5 موضوعات، في رحلة فكرية لتشريح ما بعد العالم الحالي، متوقفة عند العمل وحرب الأجيال، ثم تجدد أهمية الجغرافيا والتوترات الجيوسياسية، وكذلك النقد المتزايد للتسلسل الاجتماعي على أساس الجدارة الفردية، إضافة إلى أحدث التطورات المتعلقة بالوعي بقضايا العدالة الاجتماعية والمساواة العرقية، وأخيرا عودة السيرة الذاتية.
التسرب من الوظائف وحرب الأجيال:
وقالت المجلة -في تقرير بقلم برايس كوتورييه وليتيتيا ستراوخ بونارت- إن 25% من القوة العاملة في البلدان المتقدمة ستضطر إلى تغيير وظائفها، لأن ازدهار التجارة الإلكترونية سيؤدي إلى تجنيدهم من أجل تخزين البضائع ونقلها، كما أن الوباء سيدفع إلى تسريع الاتجاهات التي كانت موجودة، كالعمل عن بعد وإعادة تقييم مهن "الرأس" و"القلب"، كما يسميها كاتب المقالات الإنجليزي ديفيد غودهارت.
ونبّهت المجلة إلى أن نسبة العمل المنجز عن بعد قبل الوباء في الولايات المتحدة كانت 5% فقط، لتصبح الآن 40%، كما أن نسبة 27% من أرباب العمل كانوا يقدمون ساعات عمل مرنة، لتصبح هذه النسبة 88%، وهكذا يكون بعض الموظفين في موقع العمل والبعض الآخر في المنازل خلف الحواسيب.
ومع أن النشاط قد استؤنف في كل مكان، فإن الاقتصاد بقي يفتقر إلى الأيدي العاملة، مما يضطر أرباب العمل إلى رفع الأجور، ليعود التضخم الذي ظل منسيا لفترة طويلة، والسبب الرئيسي في كل ذلك -بحسب المجلة- هو الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، لأن إنتاج الغاز والنفط غير كاف، كما أن حصة الطاقات المتجددة لا تزال هامشية.
في جميع أنحاء العالم، كان من تقل أعمارهم عن 35 عاما أكثر عرضة لفقدان الوظائف أثناء أزمة كوفيد، وتأثرت صحة الشباب العقلية بشكل خطير بسبب الحبس في سن الخروج مع الأصدقاء والتجارب التكوينية قبيل بلوغ سن الرشد، فظلوا عالقين في الغرف محاولين مواصلة تعليمهم على الحواسيب، فهذا هو "جيل كوفيد" الذي لم يعد يثق بأي ضمانات ولا يتوقع إلا ما هو أسوأ من الآن فصاعدا.
فهذا الجيل -كما تقول المجلة- يشعر بأنه تتم التضحية به عبر نموذج اقتصادي من شأنه أن يترك لهم كوكبا مدمرا وكومة من الديون، فهم بالتالي أكثر حساسية للقضايا المجتمعية -مثل قضايا النوع الاجتماعي والعرق، وخاصة الحفاظ على البيئة- من الاهتمامات الاقتصادية كمستوى الضرائب.
أسوار وحدائق
تنبأ روبرت كابلان الأستاذ بجامعة هارفارد، عام 2013 "بانتقام الجغرافيا"، كما أظهر الصحفي البريطاني تيم مارشال في كتابه "سلطة الجغرافيا" كيف أن المعرفة بالتضاريس والمناخ والديمغرافيا حاسمة في فهم وتقويض السياسات الخارجية للدول، حيث السيطرة على المعابر المائية هاجس القوى المصدرة، ومن هنا جاءت الزيادة الهائلة في الأسطول الصيني.
وكان الألماني شتيفن ماو قد قال عام 1989 إن سقوط جدار برلين يبشر بولادة عالم مفتوح، ولكن أكثر من 70 حدودا اليوم مغلقة بالجدران. وقبل أزمة كوفيد، كان السفر متاحا للنخب إلى خارج بلادهم، ولكن الصورة أقل وردية بكثير بالنسبة لملايين الأشخاص الذين تغريهم الهجرة، بعد أن أصبحت الحدود آلات فرز، تتيح للألماني زيارة 190 دولة دون تأشيرة مثلا، في حين لا يستطيع الأفغاني زيارة أكثر من 30 بلدا.
الحرب المفتوحة بين الصين والولايات المتحدة
تساءلت المجلة هل سيستأنف الرئيس الأميركي جو بايدن سياسة التدخل الأميركي لصالح اندماج الصين في النظام الدولي الليبرالي الذي تنتهجه واشنطن منذ عام 1989، أم أنه سيواصل طريق الاحتواء التي دشنها سلفه دونالد ترامب عام 2018، خاصة أن 4 إدارات أميركية متعاقبة -بحسب عالم السياسة جون ميرشايمر- عاشت في وهم أن من مصلحة الولايات المتحدة تشجيع تنمية الصين.
غير أن هذا الوهم انتهى -بحسب ميرشايمر- لأن المنعطف الاستبدادي الوحشي الذي اتخذه المنظر الأيديولوجي شي جين بينغ وتفاقم هذا العام في الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني وتحت ذريعة "الحرب الوطنية ضد كوفيد"، قطع 4 عقود من الانفتاح على العالم افتتحه البراغماتي دنغ شياو بينغ.
ويرى الباحث رنا ميتر في جامعة أكسفورد أن القيادة الصينية تنفخ البلاد بقومية خبيثة تغذيها ذكرى "قرن الذل" الذي عانت منه الصين بسبب الغربيين واليابانيين من أربعينيات القرن 19 إلى عام 1949، وتحدوها رغبة في الهيمنة على آسيا من خلال الأيديولوجية الكونفوشيوسية التي أحياها القادة الشيوعيون بعد أن حاربها الرئيس الأسبق ماو تسي تونغ.
ويعتقد براهما تشيلاني من مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، أن الصين تشن "حربا عالمية مختلطة"، وأنها "تتوسع دون إطلاق رصاصة واحدة"، من خلال عسكرة الجزر الاصطناعية في المياه الإقليمية التي لا تنتمي إليها، وتعديل الحدود كما يحلو لها، ومن خلال قيادة حرب نفسية غير متكافئة على الإنترنت، لأن فضاءها الرقمي معزول عن بقية العالم بواسطة "سور عظيم".
الجدارة الفردية في المحكمة
في هذه المحكمة، يتولى الادعاء دانيال ماركوفيتس أستاذ القانون البارز في جامعة ييل، والفيلسوف الأميركي الشهير مايكل ساندل اللذين أثارا نقاشا ساخنا حول طبيعة نظام التسلسل الهرمي الاجتماعي القائم على الجدارة الفردية، وانتقدا مبدأ الجدارة لأنها تقود البعض إلى الاعتقاد بأنهم لا يدينون بأي شيء لأي شخص.
أما الجانب الدفاعي، فيتولاه البريطاني أدريان وولدريدج رئيس تحرير الخدمة السياسية لمجلة "الإيكونوميست" The Economist الذي يخلص إلى أن الجدارة مكنت من الحكم على الأفراد لا بحسب تراثهم وميراثهم بل بحسب مواهبهم، حكما قد لا يكون كافيا ولكنه أكثر عدلا.
وهكذا تواصل ثقافة الإلغاء -بحسب المجلة- مشروعها في إعادة كتابة التاريخ بشكل منهجي، حتى ترى المؤرخة نيكول هانا جونز أن التاريخ الحقيقي لإنشاء الولايات المتحدة لا ينبغي أن يكون إعلان الاستقلال في 4 يوليو/ تموز 1776، بل وصول أول سفينة محملة بالعبيد الأفارقة إلى شواطئ فيرجينيا.
وفي نفس السياق، أعلن بيتر بوغوسيان -وهو شخصية بارزة أخرى في الفلسفة- استقالته من جامعة بورتلاند، قائلا "لم نعد نعلّم طلابنا التفكير، إنهم مدربون على التظاهر باليقين الأخلاقي الأيديولوجي. لم يعد معظمهم يجرؤون على قول ما يفكرون به علانية".
السيرة الذاتية الشخصية
بدا للمجلة أن الاتجاه في النشر في الولايات المتحدة أصبح نشر الروايات غير الخيالية، نحو روايات السير الذاتية، كالدراما العائلية والعنصرية والفقر والاندماج والمرض، وأشارت إلى أن كوفيد والتدابير المتخذة لاحتواء الوباء كان لها تأثير في دفع العديد من الناس إلى التفكير في مسيرتهم الخاصة واستخلاص دروس عامة منها.
وفي نفس الاتجاه، تنشر الكاتبة ديبورا ليفي "العقارات" في بريطانيا، وهي تكملة لسيرتها الذاتية، وتوفر فرصة للتفكير فيما يعنيه أن تمتلك المرأة منزلا وتعيش فيه، وقد حصلت على جائزة فيمينا عام 2020.