تشكل هذه السلسلة التي حققت نجاحا لافتا في السويد نموذجا لافتا لقياس ضائقة القراء اليوم، في ظل الظروف التي يمر منها العالم، خصوصا أوروبا التي عانت كثيرا من أزمة كوفيد وتبعاتها. هذه السلسلة من الكتب والتي تبحر في عوالم الجريمة لكن وفق سيناريو محبك معتمدا على عناصر النقد الاجتماعي، استطاعت أن تحقق نجاحات متواصلة نتعرف عليها في هذا التقرير.

نجاحات سلسلة كتب «ميلينيوم»

ستوكهولم - مع الإعلان عن تتمة جديدة لسلسلة كتب الجريمة السويدية الشهيرة “ميلينيوم”، تستمر هذه الظاهرة بمثابة دجاجة تبيض ذهبا، إذ تصدر منها ثلاثة أعمال مقبلة، بعد ثلاثية ستيغ لارسون الأساسية التي نشرت بعد وفاته، ثم الثانية التي تولاها كاتب آخر من ذوي المؤلفات الأكثر مبيعا.

فقد أعلنت دار “بولاريس” السويدية للنشر أنها حصلت على حقوق إصدار ثلاثة أجزاء جديدة من مغامرات الصحافي الاستقصائي ميكايل بلومكفيست والمقرصنة المعلوماتية ليسبث سالاندر. واعتبر مدير النشر في دار “بولاريس” يوناس أكسلسون أن تأمين استمرارية “هذه القصة المحبوبة جدا أمر مبهج ومشرّف”.

عناصر نجاح السلسلة لم تقتصر على السيناريو الجذاب الذي يميز روايات الجريمة بل كذلك كونها نقدا اجتماعيا.

السلسلة بدأت مع الكاتب السويدي الراحل ستيغ لارسون

ولم يُعرف بعد اسم المؤلف الذي ستنتقل إليه الشعلة، ولكن يرجّح أن تتولى المهمة امرأة هذه المرة. وقالت ممثلة عائلة لارسون ماغدالينا هيدلوند “أتمنى أن تكون امرأة. أعرف طبعا أكثر قليلا، ولكن سأضطر إلى أن أجعل الجميع ينتظرون”.

وسلسلة “ميلينيوم” بدأت مع الكاتب السوريدي الراحل فستيغ لارسون، المُشمئز من العنف الجنسي، شهد اغتصابا جماعيا لفتاة صغيرة عندما كان عمره 15. الكاتب لم يسامح نفسه لفشله في مساعدة الفتاة، التي كان اسمها ليزبيث، مثل الشابة في كتبه، وهي نفسها ضحية اغتصب، التي ألهمت موضوع العنف الجنسي ضد النساء في كتبه.

الشخصيات الرئيسية في السلسلة هي ليزبيث سالاندر وميكائيل كلومكفيست. ليزبيث هي امرأة ذكية غريبة الأطوار في العشرينات من عمرها ذات ذاكرة فوتوغرافية ومهارات اجتماعية فقيرة. كلومكفيست هو صحافي تحقيقات مع تاريخ مشابه لتاريخ لارسون.

وكتب لارسون تقريبا ثلاثة أرباع الرواية الرابعة قبل موته المفاجئ في نوفمبر 2004، ومنذ وفاته أحيل التأليف إلى كتاب آخرين ما خلق جدلا واسعا.

وتشكّل سلسلة “ميلينيوم” (اي الألفية) أحد أهم الأعمال المنشورة في القرن الحادي والعشرين، إذ بيعت منها أكثر من 100 مليون نسخة ونشرت في أكثر من 50 دولة في كل أنحاء العالم، واقتبست مرات عدة سينمائيا، لكنها ترافقت مع مصير مأسوي.

فستيغ لارسون، وهو صحافي استقصائي متخصص في الحركات اليمينية المتطرفة، توفي من جرّاء نوبة قلبية العام 2004 بعد تسليمه إلى دار النشر مخطوطات كتبه الثلاث الأولى “الفتاة ذات وشم التنين” (نُشر عام 2005)، “الفتاة التي لعبت بالنار”(2006) و”الفتاة التي ركلت عشر الدبابير” (2007).

لم يشهد لارسون إذاً النجاح الذي حققه عمله، ولا تمتع بالثروة التي درّها، تماما كحال شريكة حياته إيفا غابرييلسون التي استبعدَت من الإفادة من تركته نظرا إلى أنهما لم يكونا متزوجين.

ونشأ الجدل في شأن الميراث بعد سنوات عندما تقرَر إسناد تأليف التتمة الأولى إلى الروائي صاحب الكتب الأكثر مبيعا دافيد لاغركرانتس، بموافقة شقيق ستيغ لارسون ووالده، وريثي حقوق مؤلفاته. واعترضت إيفا غابرييلسون عبثا على تكليف هذا الكاتب، وهو ابن أحد مثقفي الأحياء الراقية، استكمال السلسلة التي ابتكرها صحافي ريفي ملتزم جدا يساري.

وتولت دار “نورشتيدتس” السويدية نشر الثلاثية الثانية كما الأولى، وضمت “الفتاة في شبكة العنكبوت” عام 2015 ، و”الفتاة التي ترد على العين بالعين” عام 2017 و”الفتاة التي عاشت مرتين” عام 2019. وعلى الرغم من أن الملايين من النسخ بيعت من هذه الكتب، أعلن دافيد لاغركرانتس الذي اشتهر أيضا بمشاركته في كتابة سيرة لاعب كرة القدم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش مع النجم نفسه، أنه لا يعتزم الاستمرار في تولّي كتابة الأجزاء التالية من السلسلة.

وإذ أشادت “بولاريس” بـ”عمله الرائع”، أبدت سعادتها بتقديم “تكملة جديدة” للسلسلة التي وصفتها بأنها “لا تضاهى”. وأضافت الدار “نحن ممتنون لثقة عائلة لارسون وسنبذل قصارى جهدنا مع المؤلف المناسب واحترام الأصول، للحفاظ على بريق ‘ميلينيوم‘”. ولم يتم الإفصاح عن أي تفاصيل مالية.

وقالت ماغدالينا هيدلوند “كان لدينا عدد غير قليل من دور النشر المهتمة. بادرنا منذ مدة طويلة إلى تقويم مختلف جوانب التعاون واتضح أن ‘بولاريس‘ هي الأفضل من نواح عدة”. ولم تقتصر عناصر نجاح “ميلينيوم” على السيناريو الجذاب الذي يميز روايات الجريمة في الدول الاسكندينافية، بما يتضمنه من أسرار عائلية، بل أشيد به كذلك لناحية كونه نقدا اجتماعيا بارزا للسويد المعاصرة ولمخاطر التقدم التكنولوجي واليمين المتطرف على الحريات، وكذلك للعنف ضد المرأة ولدور وسائل الإعلام.