ذاكرة الكلمة لهذا الشهر نخصصها للشاعر والمبدع المغربي محسن اخريف، والذي رحل عنا إثر الحادثة المشهورة في معرض الكاتب، الرحيل الذي خلف أسى عميقا في نفوس المثقفين والشعراء، هنا نستعيده في وصايا للطريق وكأنها تكتب للحظة قادمة، الشاعر الذي زاوج في تجربته بين الكتابة الشعرية والسردية وظل فاعلا ألمعيا في الحقل الثقافي ومبادرا للعديد من التظاهرات والفعاليات الى جانب إصداراته، التي تركها وصايا للتلقي.

وَصاَياَ الطَّرِيق

محـسـن أخريف

 

لاَ حَطَبَ فِي الغَابَةِ،

وَلاَ ظِلَّ شَجَرَةٍ فِي الطَّرِيقِ،

فَسِرْ، لاَ تَلْوِي عَلَى شَيْءٍ،

الطَّرِيقُ فَرَاغٌ أَنْتَ تَصْنَعُهُ.

وَالطَّرِيقُ هُوَ الَّذِي يَصْنَعُكَ.

                         ...................

أَناَ أَعْرِفُكَ، مِنَ الصَّعْبِ عَلَيْكَ

أَنْ تَنْدَمِجَ مَعَ القَطِيعِ؛

فَأَنْتَ أَنْتَ، وَالآخَرُونَ آخَرُونَ؛

أََنْتَ قَطِيعٌ.

فَسِرْ كَمَا شِئْتَ، حَيْثُمَا شِئْتَ.

أَنْتَ أوَّلُ الطَّريقِ.

أَنْتَ نِهاَيَةُ الطَّرِيقِ،

وَأَنْتَ الطَّرِيقُ؛

لاَ طَرِيقَ قَبْلَكَ. لاَ طَرِيقَ بَعْدَكَ.

سِرْ، فَلاَ أَحَدَ يَلْتَفِتُ خَلْفَهُ فَيَرَاكَ.

لاَ دَلِيلَ يَأْتِيكَ مِنَ السَّمَاءِ،

وَلاَ دَلِيلَ لَكَ عَلَى الأَرْضِ؛

وَحْدَهاَ صَلاَتُكَ تُحرِّك الشِّفاَهَ،

وَأنتَ الآنَ غائبٌ فِي أَرْضٍ،

لاَ يَعْرِفُهاَ أَحَدٌ.

وَمَعَ هَذَا الصَّمْتِ الفَاضِحِ،

الضَّاجِّ بِالمَمَرَّاتِ وَبِالأَنْفَاسِ الخَبِيئَةِ.

رَدِّدْ أَغاَنِيكَ.

صَحِيحٌ أَنَّ الحزْنَ يُشْبِهُ طَرِيقاً صاَعِداً.

صَحِيحٌ أَنَّ الْحُزْنَ يُشْبِهُ عَزْفَ رِيحٍ فِي أوَّلِ الخَرِيفِ،

وَصَحِيحٌ أَنَّ الفُصُولَ أُصِيبَتْ بِالخَرَفِ،

وَأَنَّ الغاَبَةَ لَمْ تَعُدْ تَحْفَظُ ذاَكِرَةَ الأَشْجَارِ،

وَصَحِيحٌ أَنَّ النَّهْرَ لاَ ذَاكِرَةَ لَهُ؛ 

صَحِيحٌ أَنَّهَا وَهِيَ تَتَعَرَّى وَتَتَغَطَّى؛

الجِبَالُ الَّتِي لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ

طَرِيقَةَ صُعُودِهَا،

وَلاَ طَرِيقَةَ نُزُولِهَا؛

هِيَ الحَياَةُ  مَرَّةً تَسِيرُ بِناَ الهُوَيْنَى،

وَمَرَّاتٍ تَسْلبُنَا أَنْفاَسَناَ مِنْ شِدَّةِ العَدْوِ.

لَكِنَّكَ، وأَنْتَ الْمنْفَلِتُ مِنْ عِقاَلِ كُلِّ شَيْءٍ.

لاَ خُطُواتَ تَدُلُّ عَلَيْكَ،

                              لاَ تُهَوِّلِ الأَمْرَ،

وَتَمَهَّلْ قَلِيلاً،

تَرَوَّ قَلِيلاً،

وَإِنْ كُنْتَ مُسْتَعْجِلاً لِشَيْءٍ،

قُلْ: لَعَلَّهُ فاَتَنِي وَأَنَا لَسْتُ أدْرِي.