هذه القصيدة ألقيت ضمن فعاليات اليوم التأبيني للشاعر الأمريكي العابر للقارات ومؤسس حركة الشعر العالمية جاك هيرشمان Jack Hirschman ب"بيت الصحافة بطنجة" ، وهو اليوم الذي خصص لاستعادة إرث هذا الشاعر الكوني الذي ظل ملتصقا بقضايا الإنسان ومناهضا للإستعمار، لذلك يستدعي الشاعر حضوره بين الضفتين في لقاء رمزي يحمل أكثر من دلالة.

شاعرٌ بقصيدةٍ ناسِفَة

محمد خلاد السـكـتاوي

 

تقدّمْ أيها الشاعر أماماً

 لا تجلسْ في المقاعد الخلفية

أنتَ الآن يا هيرشمان

في طنجةَ البحرينِ

كما كنتَ تحت صفصافةِ بيتِكَ في سان فرانسيسكو

  ترَمّمُ خرائبَ الروح

وتكتُب القصائدَ بالأزرق النِّيلي 

على شفاه صبية من قبائل المَايَا 

وترقص السامبا في حانات السود بهارلم

في سهرة نهاية الأسبوع 

 

تقدّمْ أيها الشاعر أماماً

 لا تجلسْ في المقاعد الخلفية

لقد تعبْتَ من السفر

 عاشقٌ جامِحٌ  للحرية عصيٌّ عن الترويض

تركُض دائما مثلَ حيوانِ الرَّنَّة 

على رأسِكَ أدغالُ غاباتِ الهنود الحمر

 

 في كل مكان وخندق

وراء متاريس الكلمات

تقود كتائبَ الشعراءِ الثوريين

تنازلُ التنينَ المُتَغولَ في جادَّة وول ستريت

 وترميه بشواظ ٍ من نار الحروفُ

 و تقطَعُه بسيفِ الكلام 

علمتنا كيف نصعد جبال الشعر الوعرة 

و في الليالي الصقيعية 

 نغني معزوفاتِ البْلُوز مع المشردين الفقراء 

 على أرصفة الشوارع العارية 

كما كنت تفعل ساخراً من فوضى العالم 

 

 هناك  على نهر التايمز

والأمبراطورية  تغيب عنها الشمس

تسْمعُ دَوِيَّ دقاتِ ساعةِ بغبين 

كأنه وعِيدُ إصحاحاتِ العهد القديم 

اِضْرِبُوا على الصخر الأطفال

اُقْتُلوا كلَّ من في المدينة

واُتْرُكُوا خزائنَها لبيْتِ الرَّب  

 يندلِق دمٌ كثير  في فلسطين وأمريكا

وفي قرى منسية في آسيا 

على سفوح الهِمَلايا

وفي أراضي بابِلَ وآشور

فتتأسَّى أن مارْكسْ مرّ بلندن 

ولم يبن كوُمُونتَه 

 

 في لحظة تجلٍّ نُبوئية 

فتحتَ سِفْر قصائدِك

وتلَوْتَ كراهب لاهُوت التحرير 

فاتحةَ الغضب والقيامة

   وصعدتَ ذاك المساء

إلى رأس تمثالِ الحرية

 المُكلَّلِ برماد الموتى و ضباب المعامل

أطللْتَ على  خليج هُودْسون

 ورأيتَ  أيها الرائي 

 سُخامَ السفن الآتية من إفريقيا

يغشى ناطحاتِ سحابِ نيويورك

والنسْرُ الأمريكي يبْسُط أجنحتَه

يحرُس وحشَ الحروب

 

جلْجلَتْ أصداءُ صيحتِكَ في الأمداء 

آه لو أشق طريقا في بحر الظلمات

ليعبُرَ المهاجرون والمنبوذون والفقراء

أسرار الحصار وسياجاتِ الأشواك

كسرتَ رأسَ التمثال الصاعد من الماء 

و نحتْتَ  في مكانه رأس جورج فلُويْد 

ووضعت في يده زنبقةً سوداء

 

أيُّ مجدٍ  هذا 

يَقْتُلُ  فيه هوجُ العواصفِ أحلامَ الفراشات؟

وما قيمةُ الشعر إذا كان كل يوم

يتسَرْبلُ بثوب الحداد؟

كنتَ مثلَ نبِيٍّ يكْرِزُ صارِخاً في البرية

الحقَّ الحقَّ أقول لكم

هذه ساعة الإنسان

وتحشو  بندقيتَك بقصيدةٍ ناسفة

وتُطلق في السماء

 مائةَ تغريدةِ أمل.