أعاد كتاب جديد صدر في إسرائيل هذه الأيام (عن منشورات "معهد بن غوريون" في جامعة بئر السبع) بعنوان "أرض الملاذ: الهجرة إلى أرض إسرائيل، 1919 ـ 1927"، من تأليف المؤرخ غور ألروي، الأستاذ في جامعة حيفا، ما وصفته بعض وسائل الإعلام بأنه "الجانب الظلاميّ" في موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين قبل مائة عام، والتي اندرجت تحت ما سمي بـ "الهجرة الثالثة" و"الهجرة الرابعة"، والمقصود بذلك الاحتكام إلى نزعة انتقائية حيال هؤلاء المهاجرين بما يؤكد أن المشروع الصهيوني الذي زعم مؤسسوه أن غايته هي "إنشاء وطن قومي آمن للشعب اليهودي" في "أرضه التاريخية"، احتقن بطابع كولونيالي مُسبق البرمجة، وبأكثر سمات القوة والعدوانية وحشيةً، أكثر من كونه تغيّا تأمين ملجأ لـ "يهود الدياسبورا" من المذابح ومظاهر معاداة السامية. (أنظر مثلًا: عوفر أديرت، الانتقائية من بين المهاجرين اليهود، بدون الناجين من المذابح والمرضى النفسانيين والمرضى عمومًا، هآرتس 26/11/2021).
ويقتبس ألروي عن حاييم وايزمان، الزعيم الأكثر نفوذًا في الحركة الصهيونية في ذلك الوقت، والذي أصبح لاحقًا أول رئيس للدولة بعد قيام إسرائيل في عام 1948، عبارة قالها في عام 1919 وهو يشرح أسباب عدم فتح بوابات البلد أمام آلاف اللاجئين اليهود من الناجين من المذابح في أوكرانيا الذين كانوا يتوسلون العثور على ملاذ لهم فيه، جاء فيها: "علينا أن ننوّه دائمًا، وإن بألمٍ، بأن الصهيونية أعجز من أن تشكّل ردًا على المصائب". وأضاف أنه لا يعتبر هؤلاء الناجين "قوى البناء الهائلة المطلوبة لهذه الخطة العظيمة" (خطة إنشاء "وطن قومي" للشعب اليهودي). ويؤكد ألروي أن هذه العبارة "تعبّر عن بلادة حسّ وقسوةٍ"، موضحًا: "كان وايزمان يفضّل المهاجرين المُنتِجين على اللاجئين المحتاجين، وكان يعتقد بأن أرض إسرائيل تحتاج إلى مهاجرين أصحّاء وأقوياء جسديًا وليس إلى لاجئين مُنهَكي الأجسام والأرواح"، مشيرًا إلى أن "اليهود الذين لم تكن تنطبق عليهم هذه المعايير وتدفقوا إلى مكاتب ممثليات أرض إسرائيل في أوروبا الشرقية، طالبين تصاريح للهجرة، قوبلوا بالرفض الباتّ".
ووفقًا للمؤلف، فالكتاب لا يؤرخ للمهاجرين الطلائعيين، ولا لأعضاء "كتائب العمل"، ومؤسسي الكيبوتسات الأوائل، والبرجوازيين الصغار الذين ملأوا المدن، وهم برأيه مهاجرون أصحّاء ومثاليون من الصنف الذي كانت الدعاية الصهيونية تقدّسه، بل إنه يسلط الضوء على مجموعة أكبر من المهاجرين كان مصيرهم النسيان أو الشطب من كُتب التاريخ، بصورة متعمدة، وهؤلاء هم الناجون من المذابح والاعتداءات، والأيتام، والأرامل، والنساء اللاتي تعرضن للاغتصاب، والمرضى النفسانيون، والمُفلِسون ماليًا، والناجون من الجوع الشديد وغيرهم. و"كانت أرض إسرائيل بالنسبة إلى غالبية المهاجرين آنذاك الخيار الافتراضي الوحيد أو الملاذ الأوحد"، كما يقول ألروي. أما تجاهلهم "فقد كان بمثابة خطيئة" برأيه.
يقدّم الكتاب قراءة في تقارير تكدّست قبل نحو مائة عام على طاولة يهوشواع غوردون، نائب مدير دائرة الهجرة في الإدارة الصهيونية. ويشير إلى أنها سببت له القلق لأن "ثمة ارتفاعًا في عدد مرضى الأعصاب والمرضى النفسانيين"، كما كتب إلى المسؤول عنه. ولم يكن القلق على رفاهية المرضى إنما بسبب الخشية "من مرحلية الظاهرة التي قد تكون لها علامات ذُهان جماعي، أو فئوي على الأقل". وحصل المؤلف على مجموعة من الملفات الطبية الخاصة بمهاجرين يهود كانوا قد وصلوا إلى فلسطين قبل مائة عام. ومنهم (ب. ج.) الذي أظهرت الفحوصات أنه كان يعاني من مرض عصبيّ. وكتب الدكتور دوريان فايغنباوم، الذي يوصف بأنه "الطبيب النفسي الأول في أرض إسرائيل"، أنه "يستغرب كثيرًا كيف قامت المنظمة الصهيونية بجلب هذا الشخص إلى أرض إسرائيل، رغم أن أمر مرضه، الذي لم يكن له أي دواء للأسف الشديد، كان معروفًا وهو في القسطنطينية". وأوصى بإخضاعه للعلاج في المستشفى "ثم إعادته إلى خارج البلد بعد فترة ما". مع ذلك، تبيّن فيما بعد أن محاولات إعادته إلى أوروبا باءت بالفشل. وكتب مدير دائرة الهجرة في مدينة حيفا، في رسالة وجهها إلى دائرة الهجرة في القدس: "اتخذنا جميع الخطوات الممكنة للضغط على المريض كي يغادر البلد". واقترحت الدائرة عليه، من بين ما اقترحته، تمويل تكاليف عودته إلى الخارج، لكنه رفض وهدّد بالانتحار. وقال: "لن أغادر أرض إسرائيل بإرادتي، ولا بأي حال من الأحوال. وإذا ما قررتم فعل ذلك رغمًا عني، فسألقي بنفسي في البحر". وتقرّر في نهاية المطاف إبقاءه في البلد. وحذر فايغنباوم من أن المُهاجر "سيكون هنا مجرد عبء عليكم فقط وسيكلف علاجه جهدًا كبيرًا ومصروفات كثيرة". وأوصى بالعمل مستقبلًا على "تحسين الفحوصات الطبية في البلدان التي تجري مغادرتها وعلى الشواطئ"؛ وبكلمات أخرى: تحسين الانتقائية وعدم السماح لمهاجرين من أمثاله باعتلاء البواخر.
ولم يكن الطبيب النفسي فايغنباوم الوحيد الذي دعا إلى الانتقائية. فقد شكا مدير دائرة الهجرة في حيفا أيضًا من أن منظمي الهجرة في خارج البلد "لا يعيرون جودة الأشخاص الذين يرسلونهم إلى أرض إسرائيل ولا وضعهم الصحي أي انتباه أو اهتمام"، وطالب بـ"التدقيق في المادة البشرية" التي تُرسَل إلى البلد. وكتب غوردون في السياق ذاته إلى رؤسائه: "ينبغي أن يكون معيارنا إحضار عناصر بناءة إلى البلد"، وأوضح، على نحو جازم، أن مرضى الصرَع والزهري هم "عناصر غير مرغوب فيها". و"مثل هذه العناصر لا ينبغي أن تدخل إلينا، ولا بأي شكل من الأشكال". وتابع مفسّرًا معارضته لإحضار مرضى القلب: "مثل هؤلاء المرضى غير قادرين على القيام بأي عمل، باستثناء الوظائف المختارة التي يكاد يكون من المستحيل الحصول عليها في البلد". ويخلص ألروي إلى القول إن "غوردون صاغ، بصورة مقتضبة ومكثفة، سياسة الهجرة المرغوب فيها لدى الحركة الصهيونية: رفض أو طرد المهاجرين المرضى، غير المؤهلين للعمل وغير القادرين على تحمل الضغط، والحرص على اختيار مهاجرين أصحّاء وأقوياء بدنيًا يكونون قادرين على الصمود في ظروف البلد".
نهج تغلغل من أعلى
يشدّد المؤلف على أن نهج انتقاء المهاجرين لم يكن مُجرّد مبادرة هجس بها موظفون ومهنيون، بل تغلغل من المستويات القيادية العليا للحركة الصهيونية. وتشمل دراسته مقتبسات بهذا الشأن عن قادة الحركة الصهيونية. من هذه المقتبسات مثلًا ما كتبه مناحيم أوسيشكين، رئيس "الصندوق القومي اليهودي"، ضمن رسالة وجهها إلى إدارة الحركة الصهيونية في بولندا عام 1920: "يجب إبقاء الأعين أكثر تيقظًا لمراقبة العناصر المغادرة كي تكون سليمة بالمعنى الجسدي، بكل ما في الكلمة من معنى. يأتي إلينا أشخاص ضعفاء ومصابون بأمراض عصبية وبالسلّ وغيره من الأمراض، ولا حاجة لأن نشرح لكم حجم المصيبة التي يُنزلها هؤلاء التعساء على ’الييشوف’ بأكمله. ينبغي التدقيق جدًا في الفحوصات على الطلائعي والطلائعية قبل منحه التصريح بالمغادرة. على العناصر المغادِرة أن تكون سليمة الروح، أي أن تكون مدركة للهدف الذي تسافر إلى البلد من أجله. أمّا الليّن أو الجبان فليبقَ في بيته". وأصدر أوسيشكين تعليماته إلى المشرفين على الهجرة بأن يكونوا أكثر حرصًا وتشددًا بكثير، وحذّر من أن "مجرّد نسبة ضئيلة جدًا من غير الجيدين كافية لإفساد كثيرين جدًا من الجيدين"!
وينوّه مؤلف الكتاب بأنه على الرغم من جميع المحاولات الرامية إلى السيطرة على "جودة المهاجرين" المسموح لهم بالدخول إلى البلد والتحكّم بهم، إلا أن "يهودًا من هوامش المجتمع"، بحسب تعبيره، نجحوا في التسلل إلى فلسطين في تلك الفترة. ووصفهم مناحيم شينكين، مدير دائرة الهجرة في الإدارة الصهيونية، عام 1920، بأنهم "أشخاص غير مستقيمين، وهمجيون، ومتوحشون وكسولون. هؤلاء الأشخاص يسرقون أمتعة رفاقهم وهم ما زالوا في الطريق، ثم من بيوت المهاجرين هنا. ثمة بينهم من يشربون هنا النبيذ حتى الثمالة، ويستلون شتى الذرائع كي لا يذهبوا إلى العمل، بل كي يطلبوا البطانيات من صناديق دعم الجمهور، بكل صلف وتحت التهديد".
كما أن وايزمان الذي قاد هذه السياسة الانتقائية، لم يكتف بالتعليمات الموجهة إلى اليهود فقط. ويصف مؤلف الكتاب كيف عمل وايزمان في مقابل السلطات البريطانية المسؤولة لتقليص نطاق الهجرة بشكل حادّ، خصوصًا من طرف الفئات الأكثر ضعفًا من اليهود. ويخلص ألروي إلى أن موضوع انتقاء المهاجرين كان بمثابة "إحدى النقاط الخلافية في تاريخ الحركة الصهيونية"، ولكنه أصبح مُجرّد ملاحظة هامشية في السردية الإسرائيلية. ويكرّر القول إنه في محك الاختيار بين مصلحة الشعب اليهودي (إنقاذه الجسدي والوجودي) ومصلحة المشروع الصهيوني (الاستيطان والسيطرة على فلسطين)، فضّل رؤساء الحركة الصهيونية قبل مائة عام الخيار الثاني.
بين الأمس واليوم
هذه النزعة الانتقائية فيما يتعلق بالمهاجرين اليهود ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا. وكان من شأن جملة واحدة قالها رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، نفتالي بينيت، في أثناء انعقاد مؤتمر حول الهجرة اليهودية إلى إسرائيل عُقد مؤخرًا، أن تكون كافية لإثباتها. فقد ذكر بينيت أنه سيسعى كرئيس للحكومة إلى تحقيق هجرة نصف مليون يهودي من دول قوية مثل الولايات المتحدة وفرنسا ودول أميركا الجنوبية خلال العقد المقبل، وبرّر ذلك بمسوّغ أن "لا يشكل المهاجرون الجدد عِبئًا على الدولة". وكانت وزيرة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية بنينا تَمنُو- شاتا، من حزب "أزرق أبيض"، وهي من أصل أثيوبي، أول المعقبين على أقوال بينيت هذه، حيث قالت إن رئيس الحكومة مايز بين "هجرات نوعية" و"هجرات تنطوي على أعباء"، ما يعني بنظرها أن دولة إسرائيل تخطئ الهدف الذي أقيمت من أجله وهو أن "تكون بيتًا/ ملجأ لكل اليهود في العالم"، على حدّ تعبيرها.
في تصريحات بينيت السالفة ما يؤكد، بادئ ذي بدء، أن إسرائيل هي دولة هجرة. وهذا ما كانت عليه إبان إنشائها على أنقاض الوطن الفلسطيني وأصحابه، وهذا ما يبدو أنها ستستمر عليه. فضلًا عن ذلك، فإن تصريحاته تعيد إلى الأذهان حقيقة أن العنصرية والانتقائية كانتا ملازمتين للصهيونية منذ تأسيسها، ومنذ بدء هجسها بشخصية اليهودي الذي سيكون في عداد المهاجرين إلى فلسطين ليمسي جزءًا من سكان الدولة اليهودية التي ستسعى لإقامتها على أنقاض وطن الفلسطينيين، فهذه الدولة وإن كان هدفها أن تكون "بيتًا/ ملجأ لكل اليهود في أرجاء العالم" لديها اشتراطات من هؤلاء اليهود، كما كانت عليه الحال في الماضي، وفقًا لما ورد في كتاب المؤرخ ألروي المذكور أعلاه.
كما كانت هناك اشتراطات أخرى سبق أن توقفنا عندها مرارًا، ومن أبرزها أن يمرّ هؤلاء المهاجرون اليهود في "عملية تطوّر" ولو قسرية كي يناسبوا "ظروف البيت الجديد". وللتذكير بهذا الصدد، نشير إلى أنه قبل عدّة أعوام عمّم أحد المواقع الإلكترونية الإسرائيلية مقتبسات على لسان الدكتور يوسف مائير بشأن الحق في إنجاب أولاد؟ ورد فيها ما ترجمته الحرفية التالية: "من الذي يحقّ له إنجاب الأولاد؟ إن الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال موجودة في اليوجينيا (eugenics)، وهي علم تحسين النسل/ النوع والحفاظ عليه من الانحطاط والتردّي. هذا العلم لا يزال حديث العهد، لكن نتائجه الإيجابية أضحت كبيرة ومهمة (...) إن حالات زواج ذوي الأمراض والعاهات الوراثية منتشرة بين جميع الأمم والشعوب وخاصة بين الشعب العبري الذي عاش في المنفى (...) أفليس من واجبنا الحرص على إنجاب أبناء معافين أصحّاء جسديًا وعقليًا؟ بالنسبة إلينا، لليوجينيا بشكل عام، وللاحتراس من نقل الأمراض الوراثية بشكل خاص، قيمة أكبر من باقي الشعوب! يتعيّن على الأطباء والرياضيين والساسة القوميين القيام بدعاية واسعة لهذه الفكرة: لا تنجبوا أولادًا إذا كنتم غير واثقين من أنهم سيكونون أصحّاء جسديًا وعقليًا!"
ومائير هذا هو طبيب صهيوني درس في فيينا (النمسا) وشغل لأكثر من 30 عامًا منصب رئيس مؤسسة "صندوق المرضى العام" في دولة الاحتلال، كما شغل منصب المدير العام لوزارة الصحة الإسرائيلية بين عامي 1949- 1950، وسُمي "مستشفى مائير" في كفار سابا (وسط إسرائيل) باسمه. ونُشر النصّ أعلاه عام 1934 في الصفحة الأولى من "نشرة الأم والطفل"، التي تولى تحريرها. وفي النص الكامل للمقال ذاته، الذي نُشر في زاوية الصحة في جريدة "دافار"، الناطقة بلسان الهستدروت (اتحاد نقابات العمال)، اقترح مائير إخصاء المختلين عقليًا والمرضى النفسانيين.
وأظهر بحث أجري في جامعة بئر السبع قبل أكثر من 10 أعوام، أن فكرة "تحسين النوع" حظيت لدى مؤسسات الحركة الصهيونية في تلك الفترة بتأييد وترحيب تقرّر التكتم عليهما في الأعوام اللاحقة. كما أظهر أنه عملت في "الييشوف" اليهودي في فلسطين إبان ثلاثينيات القرن العشرين الفائت "مراكز استشارية" أقيمت لغرض تقديم الاستشارة للأزواج المقبلين على عقد قرانهم وللآباء، وذلك اقتداء بنموذج مشابه منها عمل في النمسا واستخدم عقب صعود النازية إلى سدّة الحكم في ذلك البلد للمعالجة القسرية. وأكدت معدّة البحث أنه جرى التكتم طوال أعوام على موضوع تأييد د. مائير وآخرين من كبار المسؤولين في الجهاز الصحي الصهيوني لهذه الأفكار، مشيرة إلى أنه ما من أحد يتحدث اليوم عن هذا الفصل في تاريخ "الييشوف". وفي منتصف الخمسينيات جمعت مقالات د. مائير في كتاب صدر بعد وفاته، غير أن مقاله المُشار إليه لم يُنشر ضمنه، وعُثر في تسجيلات معدي الكتاب على ملاحظة وُصف فيها المقال المذكور بأنه "إشكالي وخطر"، وكتب أحد محرري الكتاب قائلًا: "الآن بعد شيوع أمر اليوجينيا النازية، من الخطورة بمكان نشر مثل هذا المقال"!
وتضيف مُعدة البحث أنه في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، عندما تكشفت الفظائع التي يمكن لليوجينيا بصورتها المتطرفة التسبب بها، تم الإقلاع عن استخدام هذا المصطلح الذي نسب إلى النازيين. غير أن مائير ظل طوال أعوام نشاطه مؤمنًا بأفكار اليوجينيا. ففي مطلع الخمسينيات نشر مقالًا انتقد فيه بشدة "جائزة الولادة" التي تعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول ديفيد بن غوريون بتقديمها إلى كل امرأة يهودية تنجب عشرة أولاد. وكتب مائير: "لسنا معنيين بالولد العاشر ولا حتى السابع في العائلات الفقيرة المتحدرة من أصول شرقية (...) ينبغي ألا نوجّه الفئات الفقيرة نحو التناسل أو الإكثار من إنجاب الأولاد، بل على العكس يجب تحديد النسل لديها"!
ولم يكن مائير أول زعيم صهيوني أو الزعيم الصهيوني الوحيد الذي يؤيد فكرة اليوجينيا. فوفقًا لبحوث أجراها البروفيسور رافائيل بالك، وهو عالم ومؤرخ في علم الوراثة والطب من الجامعة العبرية في القدس، طرح مفكرون صهاينة مركزيون فكرة اليوجينيا باعتبارها هدفًا من أهداف مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين. ومن بينهم ماكس نورداو، شريك ثيودور هرتسل، وآرثور روبين، الذي ترأس فرع المنظمة الصهيونية العالمية في فلسطين. وطبقًا للمفردات التي استخدمها نورداو، يجب أن تحلّ "اليهودية قوية العضلات" مكان "يهودي المقهى" المنفوي، الشاحب والنحيف!
ينبغي التنويه أننا نستخدم كلمتي عنصرية وانتقائية هنا كي نصف في الوقت ذاته سياسة إقصاء آخذة بالتصاعد في الآونة الأخيرة، وتسم العلاقات حتى بين فئات السكان اليهود في إسرائيل وتعكس، بكيفية ما، أطرافًا مُحدّدة في ما يمكن اعتبارها بمثابة صيغة جديدة للتصدّع الطائفي جعلت من فئة اليهود المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق ومن ثمّ فئة المهاجرين اليهود من أثيوبيا تشكلان أبرز أطراف هذا التصدّع، في حين وقف في صلب الصيغة القديمة التصدّع الطائفي بين اليهود الغربيين الأشكناز واليهود الشرقيين السفاراديم.
عن (ضفة ثالثة)