"لاڴالا" للفنون الحية: مبادرة فنية شبابية في الجنوب المغربي
جيل جديد من الفنانين الشباب، ينتمون لعمق الجنوب المغربي، التئموا في جمعية "لاغالا Lagala" للفنون الحية، والتي اتخذت من المسرح والسينما والموسيقى مجالا لاشتغالها الفني. أيوب بوشان وأسماء هموش وغيزلان موساكني ومريم الداودي ومروان لحلو وحمادة أملوكو ومصطفى بدر الدين، ثلة من الشباب، الذين تمرسوا في فرق وجمعيات فنية (بروفا وأدوار...)، اختاروا تأسيس إطار جمعوي(2021)، في أفق إعطاء دينامية جديدة للفعل الثقافي والفني في صحرائنا المغربية. واختارت جعية لاكالا، مركز "في خدمة الشباب القدس" بمدينة كلميم، مقرا لها، ضمن رغبة تأتي في سياق الدينامية التي تشهدها مناطقنا الجنوبية، خصوصا في المجال المسرحي والسينمائي والتلفزيوني وضمن الاهتمام المتزايد بالثقافة الحسانية، بزخمها المادي واللامادي، إبداعا وتوثيقا.
تسعى جمعية جمعية "LAGALA" للفنون الحية، الى إرساء قيم تجربتها الشبابية الفريدة بكل ما تحمل قيم الجمال والمشترك الإنساني". وقد استطاعت الى اليوم، ومن خلال إنتاجها لمجموعة من الأعمال الفنية، أن تراهن على الفرجة بكل حمولتها وزخمها الثقافي والاجتماعي، المتجذر في وجدان المتلقي. وتراهن الجمعية، ضمن ما حددته في بنود قانونها الأساسي، تحقيق مجموعة من الأهداف الرامية إلى نشر الثقافة المغربية، بتنوعها الثقافي والفني، وجعلها عنصرا أساسيا في "تنمية الحقل الثقافي والفني المغربي، للمساهمة في الرقي بالإبداع على اختلاف تلاوينه الفنية والثقافية والاجتماعية".
ويبدو لافتا رهان الجمعية على المبادرات الشبابية، من خلال جعل هذا الإطار الفني مشتلا صغيرا لاحتضان المواهب الجديدة، في مختلف المجالات الفنية والسعي على تنمية مهاراتهم والتعبير عن مواهبهم في مختلف أشكال الإبداع. وتسعى الجمعية الى المشاركة في المهرجانات الفنية والثقافية، وتنظيم عروض مسرحية وسينمائية وموسيقية، الى جانب حلقات تكوينية في مجال المسرح والموسيقى والسينما والتنشيط التربوي، في سعي الى المساهمة في تطوير قطاع فنون العرض كالمسرح والفنون الحية والموسيقى بعمق الجنوب المغربي.
تقليد ثقافي، ومسرحي خصوصا بميسم فني، يسعى لمد الجسور بين مختلف التجارب الفنية، مع التركيز على المساهمة في الحفاظ على الموروث الثقافي الحساني، المادي واللامادي. وشكلت مسرحية " سكمارا"، والتي تم عرضها بمدينة العيون ضمن مهرجان المسيرة الخضراء، والتي توجت بالجائزة الكبرى للمهرجان الى جانب جائزة أحسن تشخيص مناصفة بين حمادة أملوكو وأيوب بوشان، هذا الثنائي الذي خلق قيمة مضافة داخل النسيج المسرحي والفني بالجنوب، وقد تم عرض هذه المسرحية بمدينة كلميم، في إطار إحياء "ثقافة المسرح ما بعد كورونا" بالمدينة. كما تمثل تجربة المشاركة في الفيلمين القصيرين، "خط تماس" و "رسم"، بتعاون مع شركة شفا للإنتاج، نقطة ضافية ازدادت لريبرتوار لاكالا للفنون الحية.
وتعد مسرحية سـكـمـارا SAKMARRA، في رهانه على الحسانية، خطوة أولية لجمعية "لاغالا" من خلال مقولة تتبناها: "الفن شكل من أشكال العلاج" (أرسطو). عن هذا العرض يشير الباحث احميد أغرابو: "استطاع المخرج والممثل حمادة أملوگو وأيوب بوشان بحنكتهما من خلال شخصيتي "غالي" التي استلهم المخرج ملامحها و بروفايلها النفسي من شخصية "كاسيمودو" من رواية أحدب نوتردام لفيكتور هوغو، وشخصية "اعْليّات" السيكوباثية (...) أن يخلقا نماذج واقعية في صور فنية تحاكي الواقع برؤية إبداعية توظف الخشبة كفضاء مفتوح للتواصل وتستخدم العرض المسرحي بعناصره الفنية المركبة، لغة للتواصل من أجل طرح أسئلة الواقع في قالب فني ومعالجة قضايا فلسفية انطولوجية واجتماعية..".
رواية "عائد الى بياضه" للكاتب المغربي محمد خراز
عن تشظي الذات وخسوف التاريخ وشروخ المكان
صدر للكاتب المغربي محمد خراز، في أولى إطلالته على المشهد الروائي المغربي، رواية جديدة موسومة ب "عائد الى بياضه" عن دار النشر فضاءات الأردنية مطلع السنة الجديدة. تقع الرواية في 256 صفحة، ويحملنا ساردها بين عوالم تاريخ الخاص والعام، حيث يصبح المكان (بياضة/ مدينة أسفي) صورة مصغرة للمغرب بين مرحلة (50 الى 80 من القرن الماضي). رواية "عائد الى بياضه"، لا ترتبط بأحداث التاريخ وتستلهم تفاصيله، بقدر ما تغور من خلال تقنيات الاسترجاع والاستيباق الى السفر بين عالمين (كاركاسون وأسفي/ فرنسا والمغرب). عالم الشخصيات بمفارقاتها الباذخة، عالم "الرايس صالح" و"عالم سي بوجمعة "الأعور"، هذا الأخير الذي أصيب في حادثة ما يعرف ب"عام الرفسة". ومن خلالها تتفرع عوالم أخرى، لشخصيات يربطها المكان، المصغر "حي بياضة"، ويجمعها المكان العام مدينة "أسفي"، من خلال حقبتين متناقضتين.
يقول السارد "نحن لا نملك إلا قراءات أو تأويلات للماضي، والبشر بطبعه ميال إلى التعلق بكثير من الشغف الذاتي بالماضي، بما لم يعد في متناوله بعد فقدانه للأبد، وكثير من الناس يجلب قدرة هائلة على تحمل اليومي والطاقة الضرورية للاستمرار في العيش من خلال نسج تصورات وخيالات عن الماضي، فتصبح الحسرة على الماضي أسلوبا ووسيلة للعيش وحيلة للتخفيف من حدة قسوة الراهن..". هكذا تؤطر رواية "عائد الى بياضه" هذا السفر، والذي يصبح "غربة مضاعفة". يشير السارد الى أن "الغربة النفسية"، هي أبلغ قسوة من "غربة الأمكنة"، ليصبح المسار الحكائي أبلغ توصيف عن تناقضات ومفارقات أعمق: "خسوف التاريخ وتشظي المكان"، بحمولاته الرمزية وسريان القبح اللامحدود.
تبدأ الرواية ب"العودة"، وتنتهي بالرغبة "للسفر" والهجرة من جديد. بين العودة والغربة والاغتراب، يصبح "أحمد بوناجي (بين مفارقة الإهداء والشخصية المحورية للرواية)، "شاهدا على "طمس كل مواطن الجمال وإشاعة القبح"، وليصبح ل"السلمون" حق العودة والتي أمست شهادة ثانية، عن تـشظي مضاعف، يقول في أحد فصول الرواية: "كان الإحساس بالاجتثاث يكبر في وجداني، كنت أشعر في دواخل نفسي وكأنني نبتة هيفاء اقتلعت من تربتها قبل الأوان ورمي بها إلى الخلاء دون رحمة".. هل تغير بعد العودة؟، بل تضاعف ليصبح الاجتثاث، حالة من الفقدان واغترابا مأساويا، لا شكل فيه للحياة ولا للمكان، بكل حمولاته التاريخية والرمزية.
الكاتب محمد خراز، والذي عاش مسارا إداريا في وزارة الثقافة المغربية، كان قريبا من الكتاب ومجالات الأدب. أسعفه تخصصه في مجال السوسيولوجيا واهتمامه بالثقافة الشعبية، أن يغطي ب"ملح زائد" نصه الروائي "عائد الى بياضه" حي بياضة. يبقى لسلطة المكان، حي بياضة، "سطوة رمزية خاصة" على المتخيل الروائي، ومن خلاله على رمزية المكان ككل، مدينة أسفي هذه القصيدة المشبعة بالتاريخ، النائمة على ضفاف "أطلنتيس". لقد أمست إيديت بياف وأم كلثوم وفاطنة بنت الحسين، والعمارة والفسيفساء وهندسة البيوت والآثار والأكل والطبخ المغربي وحياة البحارة وثقافة البحر والأسماك والعيطة والملحون والطرب..، مزيج من المعارف أسبغت على النص الروائي متعة الحكي، ومتعة أفق القراءة.
في ورقة كتبتها الشاعرة والناقدة، الدكتورة لطيفة المسكيني، تقول عن رواية "عائد الى بياضه" للكاتب محمد خراز، "لا تتوقف رؤيا بناء الحبكة الروائية في رواية "عائد إلى بياضه"، للروائي المغربي محمد الخراز عند الاحتفاء بتفاصيل المدينة أو الإنسان فحسب، ولكنها تجاوزته إلى الكشف عن الأثر الفلسفي والوجودي الذي يخلفه السفر على الإنسان في شموليته، والعبور في رحاب الأمكنة والأزمنة المتباينة، وذلك باعتماد لعبة سردية شديدة المتعة والتشويق تحتفي بالسرد والتبئير الحكائي المتعدد والتوازي السردي للحكايات، من خلال الاستذكار و شعرية الفلاش- باك الساريين في مواطن عدة من فصول الرواية... من خلال ذاكرة الإنسان والمكان المسكونة بعشقها الأزلي للخلود في بياض لوح البدء والخليقة، في بياض الروح والحبر السري للذاكرة، ذاكرة الكون والإنسان في سفره الدائم عبر الأزمنة بين الألم والفرح، بين الحياة والموت، عودا إلى صفاء النهايات في أعلى تجليات بياضه،...".
التقرير الشهري (دجنبر) لورشات الكتابة الشعرية (للأطفال واليافعين والشباب)
دار الشعر بمراكش تواصل في موسمها الخامس
تنظيم ورشات الكتابة الشعرية للأطفال واليافعين والشباب
في انفتاح على نقط القراءة العمومية في مراكش ونواحيها والمؤسسات التعليمية
واصلت دار الشعر بمراكش، شهر دجنبر الماضي، تنظيم ورشات الكتابة الشعرية للأطفال، ضمن فقرة "شاعر في ضيافة الأطفال"، واليافعين والشباب. ومنذ تأسيسها في 16 شتنبر 2017، بموجب بروتوكول تعاون بين وزارة الثقافة والاتصال بالمملكة المغربية ودائرة الثقافة بحكومة الشارقة دولة الإمارات العربية المتحدة، اختصت الدار في تنظيم ورشات الكتابة الشعرية، الأولى موجهة للأطفال واليافعين (فقرة شاعر في ضيافة الأطفال)، والثانية للشباب وعموم المهتمين، في اختيار واعي يدرك أهمية ربط دور ووظيفة هذه المؤسسة الثقافية بنسيجها المجتمعي، والسعي الى استنبات الكتابة الشعرية لدى المهتمين والشباب والأطفال، سواء داخل المؤسسات التعليمية ونقط القراءة العمومية والمراكز الثقافية، أو في المشهد الجمعوي والثقافي بالمدينة، في أفق تنمية مهارات مرتفقي ومرتفقات ورشات الكتابة الشعرية وتشجيعهم على الفعل القرائي وتنمية مهاراتهم في الكتابة الإبداعية.
واختارت الدار، ضمن برنامجها للموسم الخامس، أن تنفتح ورشات الكتابة الشعرية على النقط القرائية التابعة للوزارة، ضمن الحيز الجغرافي الذي يقع بجهة مراكش، في خطوة أولى، على أمل توسيعها على باقي الجهات الست الجنوبية. وهكذا، شكلت ورشة الأربعاء 10 نونبر 2021، بمكتبة تيديلي مسفيوة (نواحي آيت ورير)، الانطلاقة الفعلية لهذا البرنامج، والذي استمر بالمركز الثقافي "سيدي رحال" (على بعد 53 كلم من مدينة مراكش) السبت 25 دجنبر بحضور الأطفال، وتأطير الدكتور عبداللطيف السخيري. وتمثل هذه المحطة الثانية في البرنامج العام، نقطة محورية ضمن برنامج دار الشعر بمراكش الموجه لنقط القراءة العمومية، تسعى من خلاله الدار، ليس فقط تكوين أبنائنا وشبابنا على الكتابة الشعرية، بل تشجيعهم على فعل القراءة وتحفيزهم وتنمية مهاراتهم في مجالات الإبداع والكتابة، وأيضا تعميم تجربة الدار في ورشات الشعر الموجهة للطفل خصوصا.
وأشرف الشاعر الأستاذ رشيد منسوم، على تأطير ورشات الكتابة الشعرية للأطفال، في المؤسسات التعليمية التالية: مؤسسة نهى (8 و15 دجنبر)، مؤسسة دنيا العرفان (8 و22 دجنبر)، ومؤسسة أكسيل أكاديما(17 دجنبر)، فيما تم استقبال أطفال مؤسسة السنابل بمقر الدار، الأربعاء 1 دجنبر ب(المركز الثقافي الداوديات). واحتضن فضاء مؤسسة إكسيل أكاديما، واحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، يوم الجمعة 17 دجنبر، لقاء خاصا خصص لتقديم تجربة دار الشعر بمراكش، في تأطير ورشات الكتابة الشعرية الموجهة للأطفال واليافعين، من خلال الاشتغال مع مجموعتين لمستويين يهم الإعدادي والثانوي. كما نظم حفل خاص، افتتح بكلمة مدير دار الشعر بمراكش، الأستاذ عبدالحق ميفراني، والذي تحدث عن تجربة الدار وأهدافها وسياق التأسيس واستراتيجيتها الثقافية ومخطط الورشات المخصصة للكتابة الشعرية وعلاقتها بترسيخ محبة اللغة العربية وقيم الشعر الكونية.
استنبات الشعر وقيمه وتنمية مهارات الكتابة وتشجيع الفعل القرائي
ورشات الكتابة الشعرية، والتي تهدف الى استنبات "تقنيات الكتابة الشعرية لدى الفئات الصغرى"، وفق طريقة بيداغوجية مبسطة وسلسة في محاولة تقريب مفهوم الشعر إليهم، الى جانب تقنيات تسمح بإنتاج العديد من النصوص الشعرية القصيرة، وقد استطاع من خلالها الأطفال أن يبدعوا عوالمهم الصغيرة. كما سجلت دار الشعر بمراكش، ومن خلال نقط القراءة العمومية والمركز الثقافية البعيدة عن محور مراكش، من خلال ورشات الكتابة الشعرية والتي أشرف على تأطيرها د. عبداللطيف السخيري، قدرة الشعر، من خلال تقنيات الورش، على التحسيس بالفعل القرائي وتنمية مهارات الكتابة الإبداعية وتنمية الخيال لدى فئات عمرية صغرى.
كما تواصلت بمقر دار الشعر بمراكش، كل صبيحة يوم السبت، تنظيم ورشات الكتابة الشعرية الموجهة لفئات الشباب وعموم المهتمين. ورشات الشعر الخاصة بالشباب، والتي يشرف على تأطيرها الدكتور عبداللطيف السخيري، شكلت مشتلا صغيرا لشعراء المستقبل كما أسهمت في تقديم العديد من الأصوات الشعرية الجديدة، والتي استطاعت أن ترسخ اسمها في المشهد الشعري المغربي، والتي تفتقت ملكاتها الإبداعية ضمن فضاء هذه الورشات. وتواصلت سلسلة الورشات (شهر دجنبر: 18 و25)، عبر اشتغال على جذاذات همت (الشعر والسرد، الشعر والتكرار…) تسعى لجعل التلقين النظري عتبة أساسية، لدفع مرتفقي ومرتفقات الورشات، الى الانتقال الى لحظة الكتابة الشعرية وإنتاج نصوص إبداعية. وتسعى دار الشعر بمراكش، الشهر الجاري الى إضافة فقرات جديدة ومزيدا من تقنيات التمرس على الكتابة الشعرية، من خلال تلقين تقنيات الصوت وأيضا التركيز على الأداء والإلقاء الشعري، سيشرف عليها الفنان والشاعر سعيد أبو خالد. ويمتد الموسم الخامس لورشات الكتابة الشعرية للموسم الحالي، والذي انطلق شهر أكتوبر2021، الى شهر ماي من السنة الجارية.
وتسعى دار الشعر بمراكش، جاهدة، الى ربط برمجتها الشعرية والثقافية بأجيال المستقبل. استراتيجية رسخت أفقها، منذ تأسيسها، سعيا الى جعل الشعر ديدن في "التربية الإبداعية والجمالية والمجتمعية" عند الأطفال واليافعين والشباب. كما تختتم الدار، ككل سنة، هذا البرنامج بملتقى حروف، والذي يشكل فضاء للتلاقي والتفاعل والحوار، وفرصة لتقديم أصوات شعرية جديدة قادمة من المستقبل.
ندوات "الصورة: تقاطعات الشعري والسينمائي" بقصبة تاوريرت ورزازات
ضمن فقرة ندوات، والتي حرصت دار الشعر بمراكش أن تستقصي من خلالها قضايا وأسئلة تتعلق براهن الخطاب الشعري وتعالقات الشعري والجمالي، ابتداء من الترجمة الى مسرحة القصيدة انتهاء بالفلسفة والشعر، اختارت الدار أن تنتظم ندوة "الصورة: تقاطعات الشعري والسينمائي" بمدينة ورزازات، المدينة التي ظلت استوديو عالمي مفتوح على روائع السينما العالمية. نموذج لهذا التقاطع بين شعرية المكان، وسحر الجغرافيا واستطيقا الأمكنة والبعد البصري الجمالي، والذي ألهم العديد من الشعراء والفنانين كي يتركوا روائعهم للإنسانية.
يبدأ التاريخ السينمائي في ورزازات مبكرا، منذ نهاية 1897، وفيلم "الفارس المغربي" لمخرجه لويس لوميير، لتتوالى روائع السينما العالمية، والتي اتخذت من فضاء المدينة استوديو مفتوح لتصوير أفلامها. أفلام: "موروكو" جوزيف فون ستيرنبيغ، "لورنس العرب" للمخرج الانجليزي ديفيد لين، "جوهرة النيل" لمايكل دوغلاس، "كوندون" للمخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، "كليوباترا" لفرانك رودام، "المصارع" لريدلي سكوت، "أستريكس وأوبليكس" لآلان شابات.. الى جانب أفلام سينمائيين فيرنانديل وهيتشكوك وسيرجيو ليوني وأنتوني كوين وغودار وبيرتولوتشي، وآخرون.
بقاعة مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بورزازات، من داخل فضاء قصبة تاوريرت، أكد الشاعر عبدالحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، أن "هذه التظاهرة الشعرية والنقدية، والتي تنظم تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل وبتنسيق مع المديرية الجهوية لدرعة وتافيلالت، تأتي في سياق انفتاح الدار على باقي جهات المملكة، وأيضا في سياق ترسيخ تداول الشعر بين جمهوره، ضمن استراتيجية تلامس قضايا الشعر المغربي وحواريته مع الفنون وأيضا الانفتاح على شجرة الشعر المغربي وتجاربه وحساسياته في مختلف جهات الجنوب".
ندوة "الصورة.. تقاطعات الشعري والسينمائي"، والتي تستجيب لراهن ما تطرحه، بعض الأسئلة المرتبطة بالنقد الشعري والسينمائي. إن هذا "الوعي الحاد"، بتعبير إبشتاين، الذي تخلقه الصورة السينمائية هو امتياز الشعر، غير أننا هنا نتقصى "نرفال" وهو يطالبنا أن نبحث عن الشعر الهارب من القصيدة، حيث نستطيع أن نجد هنا في الصورة السينمائية. إن ما تخلقه الصور، ضمن تقاطعات الشعري والسينمائي، هي الشكل الأرقى لنبوءة أبولينر.. أن تكون السينما الروح الجديدة للشعر".
وهكذا، اتجهت مداخلات النقاد حميد تباتو وفاطمة الزهراء الوعرابي ونورالدين بوخصيبي، الى محاولة تلمس هذه العلاقة بين "أنساق الصورة" في "تقاطعات الشعري والسينمائي". الناقد والمترجم نورالدين بوخصيبي، والذي خبر عن قرب من خلال النوادي السينمائية والتأطير والترجمة والتأليف "خبايا وأسرار الصورة"، بلور مفهوم "المتاهة"، ضمن علاقة تطرح الكثير من التباسات التفكير. ومن خلال جرذ لبعض تنظيرات التجارب الشعرية والسينمائية، سواء من خلال سؤال الماهية، أو بعضا من الأفلام والاتجاهات الجمالية، والتي حاولت ترسيخ واستقصاء هذه العلاقة المركبة بين الشعري والسينمائي، كما توقف عند التقاطعات الممكنة من خلال تجارب (تاركوفسكي وآخرون).
الطالبة الباحثة فاطمة الزهراء الوعرابي، وضمن سعيها الحثيث الى إيجاد نقط التقاطع والحوار الممكن بين نسقين تعبيريين، اختارت نموذج سينما التحريك، من ولع شخصي حاولت إيجاد حضور الشعري في هذه الأفلام. توظيفات الشعري وحضوره في بعض أفلام "التحريك"، خصوصا تجارب أسيوية وعربية (على قلتها)، يؤشر على معطى إضافي يكمن في الحاجة لبلورة مشروع سينمائي مغربي، باستطاعته أن يجعل الكتابة للسينما منشغلة بالشعر (من خلال توظيف المثن الشعري الزجلي والملحون).
وأكد الناقد السينمائي والباحث الأكاديمي بجامعة ابن زهر بورزازات حميد اتباتو، أحد الوجوه البارزة والذي راكم تجربة مهمة في "الدرس السينمائي" وأيضا مقارباته ضمن سياق التحليل الفلمي وانشغالاته بالصورة واستعاراتها، أن سياق التقاطع بين الشعري والسينمائي، يطرح رؤى وإشكالات نظرية تتعلق ببنية كل نسق تعبيري على حدى. ثم عرج الباحث اتباتو على الاتجاهات السينمائية، والتي وظفت الشعر ضمن رؤيتها الجمالية، بدء من النظرية الشكلانية، غير أنه توقف عند تجربة مغربية رائدة، لشاعر وسينمائي هو أحمد البوعناني. إن محاولة تحقيق الانزياح والاشتغال بأدوات التعبير السينمائي كالتأطير (الكادراج)، وهندسة أبعاد اللقطة السينمائية، وغيرها.. يمكن من تحقيق شعرية الفيلم.
توقف النقاد، المشاركون في ندوة تقاطعات الشعري والسينمائي، عند نماذج فيلمية وأيضا تجارب تمثلت هذا البعد وتبنته في تجربتها (تاركوفسكي نموذجا)، أفلام مثل "درس البيانو"، "طوق الحمامة المفقود"، أفلام السينما التعبيرية، مثل أفلام برغمان في السويد، وفيلم ساعي البريد (1997) للمخرج رد فورد الذي أنجز انطلاقا من سيرة وحياة الشاعر بابلو نيرودا التي كتبها روائيا أنطونيو سكارميتا، فيلم الجنوب (1983) لفيرناندو صولانا، فيلم "نوستالجيا" و"المرآة" لتاركوفسكي، "الملائكة فوق برلين" فيم فيندرز، "الشعر" لي تشانغ دونغ، "كلب أندلسي" بونويل وسلفادور دالي...
ويبقى النقاش، الذي ختم ندوة دار الشعر بمراكش، نقطة مضيئة انضافت لعمق الأوراق النقدية المقدمة. مداخلات الحضور، والذي عبرت عن تناغم خلاق بين استعارة المكان (ورزازات: كفضاء سينمائي)، وثقافة السينما والشعر من خلال صياغة منظورات ورؤى مختلفة، وعمق في التحليل.