هنا تقرير عن مهرجان تونسي يقدّم 24 ساعة من المسرح دون انقطاع في مدينة الكاف تجربة رائدة ومختلفة تماما حيث يستطيع المتفرج أن يعيش المسرح دون توقف، ضمن احتفاء خاص بعشرينيته والتي راكم خلالها تقليدا فنيا ساهمت فيه فرقا تمثل بلدان مختلفة، لكنه اختار هذه المرة أن يحتفي بالمسرح في لحظة خاصة حيث بدأ يعود الجمهور تدريجيا الى الركح.

مدينة الكاف التونسية تستضيف عروضا عربية

 

تجربة مختلفة يقدمها مهرجان طريف في مدينة الكاف التونسية، الذي يقدم عروضه على امتداد 24 ساعة دون انقطاع، يكون خلالها الجمهور على موعد مع عروض مسرحية متنوعة دون توقف، وهي تجربة مختلفة سواء للجمهور أو لمقدمي أعمالهم.

الكاف (تونس) - انتظمت أخيرا بمدينة الكاف التونسية بين السبت السادس والعشرين والأحد السابع والعشرين من مارس الجاري الفعاليات الرسمية لمهرجان “24 ساعة مسرح دون انقطاع”، الذي يحتفل بمرور 20 عاما على تأسيسه بمشاركة فنانين مسرحيين من تونس وبلدان عربية وأجنبية.

وقال عماد المديوني مدير المهرجان في كلمة الافتتاح، إن المهرجان “يبلغ هذه السنة دورته العشرين في مراكمة لتاريخ حافل بالإبداع والفن الراقي والهادف”.

عروض وفعاليات

بيّن مدير المهرجان أنه بات من أهم المناسبات التي تحتفي بالمسرح أداة للتعبير وفضاء للإمتاع والإبداع وفرصة للقاء والتواصل، مضيفا أنه “اكتسب سمات ترسمه في التربة التونسية وتغني سمته الإنسانية المتفتحة على الثقافات والحضارات المؤمنة بالتنوع الثقافي كعنصر ثراء وتكامل”.

وقدم المهرجان عروضه المسرحية على امتداد 24 ساعة متصلة على خشبة مسرح مركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف” ومسرح المركز الثقافي الدولي يوغرطة إضافة إلى دار المسنين والسجن والمدارس. وشمل حفل الافتتاح بمركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف فقرة موسيقية وعرضا للرقص المسرحي. وانطلقت الفعاليات بعرض مسرحية “إيكس” للمخرج محمد الطاهر خيرات وتمثيل عبدالرحمن الشيخاوي ومنير خزري والأزهر الفرحاني وسهام التليلي وصابر العمري وإنتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف. تتناول المسرحية قصة شاب يشارك في مسابقة لاكتشاف دواء لكنه يواجه العديد من المشكلات والعراقيل تمنعه من تسلم جائزته.

ومن بين المسرحيات التي ستقدم على امتداد 24 ساعة دون توقف “موريسطانللتونسي البشير الدريسيو”سكر مر” للمخرج السوري هشام غزال و”جنة هناللمصري محمد صابر و”عندما تنتهي تسقط” لعبدالهادي الجرف من إيران و”ليلة ماطرة” لمهند العميدي من العراق. وشاركت في العروض فرق من تونس ومصر وسوريا وفلسطين والأردن والجزائر وليبيا والعراق وإيران وكردستان وغينيا والسنغال ورومانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا. وكُرّم في هذه الدورة الممثلون عبدالحميد قياس وليلى الشابي والتقنيين عثمان الجزيري والفاضل الخنوسي، بينما غاب الفنان محمد السياري ووليد الزيدي، وقدمت لمسة وفاء إلى الممثل الراحل توفيق البحري والفنان العربي القلمامي.

وفي اليومين السابقين لانطلاق العروض الرسمية نظم المهرجان ندوة فكرية بعنوان “المسرح والتنوع الثقافي”، ومائدة مستديرة ناقشت “المسرح والحراك السياسي”، وورش تدريب. وركزت ندوة “المسرحي والحراك السياسي” التي أدارها الباحث والجامعي محمد مسعود إدريس وشارك فيها كل من الكاتب والمخرج والممثل ورئيس اتحاد المسرحيين العراقيين حيدر منعثر والمخرج المسرحي وليد الدغسني والكاتب ومدير بيت الرواية لسعد بن حسين، على مسألة شائكة اليوم في الفن المسرحي.

وتطرقت الندوة إلى مسألة واقع المسرح ودوره في ظل هذه الأحداث السياسية التي يمر بها العالم العربي، فقد اعتبر حيدر منعثر أن هذه التظاهرة الثقافية هي فرصة مهمة جدا للمسرحيين بكل اختصاصاتهم لما تسمح به من لقاءات بين تجارب مسرحية مختلفة تونسية عربية أوروبية وأفريقية، مشددا على أن الفن الرابع كفن عريق وكبير يحتاج إلى ندوات كثيرة ويحتاج إلى ملتقيات عديدة لكي نضبط المصطلحات أولا ونتعمق أكثر في مختلف إشكالياته.

 كما قدم مقاربة نقدية اعتبر فيها أن المسرحي العربي لم يكن في مستوى الحدث السياسي ولم يكن مساهما فيه محفزا له ومحرضا عليه، بل كانت أعماله تأتي بعد الحدث ونتيجة عنه كما أنه بقي رهين الخطابة المتوارثة عبر العصور. أما المخرج وليد الدغسني فقد استعرض تاريخ التجربة المسرحية في تونس منذ ما قبل الاستقلال إلى يومنا هذا واعتبر أن علاقة المسرحي بالسلطة هي علاقة في ظاهرها هادئة لكنها في الواقع علاقة متوترة، وأن هناك تضييقا كبيرا عليه، مذكرا ببعض الأحداث الصعبة التي مر بها المسرحي في تونس ونضالاته من أجل حرية التعبير خاصة بعد ثورة 2011، واعتبر أن المسرح في تونس اليوم يعيش أسوأ حالاته.

كما بيّن مدير بيت الرواية الكاتب لسعد بن حسين أن تقاطع الحراك السياسي مع المسرحي ينصب في علاقة المثقف بالسلطة، وهي علاقة تصادم خاصة بالنسبة إلى المسرح الهاوي، وتطرق إلى مسألة دعم الدولة للمسرح وتمويلها له وتأثير ذلك على الفعل المسرحي. كما تطرق إلى مسألة الكتابة المسرحية وعلاقتها بالواقع وبالشأن السياسي واعتبر أن الموضوع لا بد أن تخصص له أكثر من ندوة لأنه موضوع حارق خاصة هذه الأيام، لأن الفنان مواطن تهمه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولا بد أن يكون واعيا بدوره الكبير في ذلك.

وبالتوازي مع المائدة المستديرة، تم توقيع كتابين وهما “حول الكتابة المسرحية الموجهة للطفل” للممثل والمخرج المسرحي يوسف مارس، وكتاب “عكس لارج” للكاتب والمسرحي العراقي كاظم نصار.

مسرحية مصرية

من بين العروض التي تقبلها الجمهور بترحيب المسرحية المصرية “طقوس ميديا” للمخرج المصري سعيد سليمان، الذي حاول من خلالها علاج شخصية الإنسان بتفجير المكبوت من المشاعر السلبية وإطلاقه إلى النور. وقدمت المسرحية بأسلوب المونودراما (العرض المنفرد) من تمثيل الفنانة مي رضا وإنتاج المركز الباطني للتأمل واليوجا الذي يتخذ من القاهرة مقرا له.

وقال مخرج العمل سعيد سليمان في مقابلة معه إن “هذه تجربة نابعة من الورش والتدريبات، وهي مقتطفات من طقوس الفيلسوف الروماني سينيكا”. وأضاف “لكن هدفها ليس مثلما يدعو إليه سينيكا في فلسفته الرواقية بأن يتحلى الإنسان بالصبر والحكمة تجاه الأحداث القوية عند الشخصية، بل تفجر المكبوت من المشاعر السلبية وتخرجها إلى النور”.

وتابع قائلا “هذا التفجر من الداخل إلى الخارج هو علاج وتفريغ للطاقة السلبية من كره وعدوانية وعنف في شكل لعبة مسرحية بسيطة جدا من الخارج، لكن من الداخل تمتاز بالقوة والقدرة على التطهير والتنفيس”.

وعن القالب الذي قدم من خلاله العمل، قال سليمان “اخترنا المونودراما لأنها تخدم هدف القصة. الشخصية وحيدة منعزلة في غرفتها وتقوم بنوع من أنواع التدريب الباطني أشبه بالعمل الصوفي لاستخراج هذا المكنون من أجل الخروج إلى العالم الخارجي وهي متطهرة”. وقالت بطلة المسرحية مي رضا “الدور متعب وممتع في الوقت ذاته لأن الشخصية تحمل في داخلها مشاعر مختلطة ومتناقضة وتتنقل بينها سريعا لكن بفضل مجهود المخرج نجحنا في تحقيق التوازن”.