"الآباء من جزيرة العرب" للكاتب الفلسطيني عبد الحفيظ محارب

زينب خليل عودة

صدر في رام الله اليوم عن دار عناة للنشر للكاتب الفلسطيني عبد الحفيظ محارب كتاب (الآباء من جزيرة العرب). وقال الكاتب محارب فى مدخل الكتاب : (كانت الفكرة الأساسية في هذا الكتاب، تراودني بين الفينة والأخرى، ويبدو أنها، تمكنت مع مرور الوقت من فرض نفسها، ما حملني، راغباً، لإنجازها، من خلال عمل بحثي دؤوب يستند إلى مراجع أساسية، وفق منهج له ضوابطه الأكاديمية والموضوعية، على أمل المساهمة، بهذا المقدار أو ذاك، في صياغة وبلورة فهم ووعي تجاه موضوع البحث، يستمدّان قوتهما من الحقائق التاريخية، بعيداً عن الروايات المعتمدة على اختلاق ماضٍ متخيّل، والتي غدت راسية مستقرة في أذهان شرائح اجتماعية واسعة).

ويشمل موضوع الدراسة من فصول أربعة: الأول، يتناول بداية ظهور القبائل الإسرائيلية على مسرح الأحداث، إلى جانب عدد من القبائل الأخرى ـ الأدومية والمؤابية والعمونية والأمورية واليطورية ـ خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد، في موجة ترحال ونزوح من البوادي الشمالية للجزيرة العربية، إلى مناطق في الهلال الخصيب.

أما الثاني، فيتناول الأنوية الثلاث التي انطلقت منها الفكرة اليهودية، وتتشكل من ثلاث مناطق، منطقة يهودا، ومنطقة أدوميا ـ عرابيا التي احتضنت القبائل الأدومية العربية، ومنطقة الجليل حيث القبائل اليطورية العربية السائدة هناك، في حين يتناول الفصل الثالث انتشار الفكرة اليهودية خلال العصرين، اليوناني والروماني، في مختلف الأصقاع وبين شتى الأجناس، وتمكنها من بسط ظلالها على تجمعات كبيرة على شاطئي المتوسط، فضلاً عن فرض سيادتها في دولة اليمن وإمارة حدياب في شمال العراق.

والرابع، يتناول حالة الجزر والمد التي ألمّت بالفكرة على إثر فقدانها لصفتها العالمية، عقب تمكن منافستيها من التغلب عليها، لجهة الانتشار وكسب الأتباع والأنصار، بعد سيادتهما في الدولتين الأعظم، الإمبراطورية البيزنطية في القسطنطينية، والخلافة الإسلامية في دمشق ومن ثم في بغداد. بيد أنها ما لبثت أن اجتازت تلك الحالة، عندما وجدت لها مرتعاً خصباً في سهوب خازاريا، التي شكلت في ذلك الحين القوة الثالثة إلى جانب القوتين الأعظم، وتمكنت من الانتشار هناك، وسط قبائل وشعوب، من بينها الروس، كانت لا تزال على وثنيتها.

تجدر الإشارة هنا، إلى أن أصول تاريخ القبائل الإسرائيلية التي حملت الفكرة اليهودية، تكتنفها وتحيط بها، وفق الرواية التوراتية، أساطير ومعجزات. ولا غرابة في ذلك، إذ أن أصول وبدايات تاريخ معظم ـ إن لم يكن جميع ـ الشعوب والقبائل القديمة، تستند إلى أساطير تعتمد على اختلاق ماضٍ متخيّل، محاط بهالة قداسة دينية، تمنح الروايات، وبخاصة تلك المستندة إلى المعجزات، قوة الترسّخ في مخيلة شرائح شعبية واسعة، تهيمن عليها وتستبد بها، نزعة لتقبلها أكثر من الميل لتقبل الحقائق المجردة الملموسة.

لذا، تبقى الرواية التوراتية، بغض النظر عن الحقائق التاريخية، ذات مفعول قوي في ترسيخ التاريخ المتخيّل المعتمد على الأسطورة المشفوعة بهالة دينية، في أذهان الكثيرين، سواء ضمن إطار أتباع اليهودية أو خارجه. ومع ذلك، بعيداً عن الأساطير والمعجزات، تبقى الحقائق التاريخية، تمتلك قوة فرض ذاتها، وإكساب من يهتدي بها، فهماً مغايراً، يمكن له أن يساهم في بلورة وصياغة وعي أفضل.