رسالة المغرب

الحاجة للسوسيولوجيا

عبدالحق ميفراني

ندوة "التحولات المجتمعية بمغرب اليوم"
يستعيد المغرب الثقافي شيئا فشيئا، جسور المصالحة مع مجالات معرفية شكلت يوما ما في تاريخه السياسي، عقدة السلطة. فسواء الفلسفة أو علم الاجتماع أو مجالات معرفية أخرى، شكل هذا النمط "المشاغب" من التفكير حدا فاصلا في مصالحة الثقافة في المغرب مع مجالات الحق في التفكير وفي الرأي. وقد أمكن لاستعادة التفكير الفلسفي في المغرب لوهجه أن يكشف مستوى مختلف لاجتهادات جديدة حتى أن المغرب الفلسفي أمسى صورة مفتوحة أبعد من (الجابري، العروي، أومليل، سبيلا...) وباقي الأسماء المعهودة. جيل من الفلاسفة الجدد، وبجرأة أكبر في التفكير وهوامشه، بدخول لمتاهات الأسئلة، بعيدا عن مقدس "الطابوهات". وتسعفنا الكتب الصادرة حديثا تمثل هذا المعطى بحكم قدرة التفكير الفلسفي على رصد مقولات وصيغ أفكار قلما يستطيع الخطاب النقدي الوصول إليها. هذا الوهج تعمق أكثر مع علم الاجتماع، إذ أمست السوسيولوجيا بباحثيها تقدم جوابا آخر على هذا المغرب الممكن، لكن بصيغة كيف هو اليوم؟ وبفعل تسارع طبيعة التحولات السوسيولوجية بمغرب اليوم، أمكن للتفكير السوسيولوجي أن يمكننا من قراءة غنية بمعارفها لعمق هذا المغرب المتعدد، بل فهم بنياته وإشكالاته الاجتماعية والسياسية والثقافية. ولعل هذا المعطى قد ساعدنا أيضا على فهم أسئلة التحول. ويمكننا الاستدلال الآن، بالمجهود الخلاق الذي قدمه، في مجال وحقل معرفي آخر هو حقل الأنتروبولوجيا، الأنتروبولوجي المغربي عبدالله حمودي في كونه يروم بناء أنتروبولوجية للروابط الاجتماعية الثقافية ومجموع التوسطات المشتغلة على هذا المستوى مع التركيز على الكيفيات التي يعطى بها الواقع لإدراكات الفاعلين. ويتطلب هذا الأمر وعيا حقيقيا بالواقع وعدم تغييبه.

لكن، السوسيولوجي يروم حقلا أكثر تعقيدا إذ أنه مطالب بالكشف من موقعه في المجتمع. موقع دفع جل الباحثين الذي شاركوا في الندوة الوطنية التي احتضنتها مدينة آسفي ونظمتها جمعية الشعلة في محور "التحولات المجتمعية بمغرب اليوم" احتفاءا بالمفكر عبدالكبير الخطيبي. الى محاول إيجاد صيغه ومقاربة إمكاناته. الندوة صادف تاريخ انعقادها الذكرى 34 لتأسيس جمعية الشعلة. والذكرى الأربعينية على رحيل المفكر عبدالكبير الخطيبي، وكانت مناسبة لإعادة تأمل كتابات وإسهامات الراحل التي تتقاطع مع موضوع الندوة. والتي تروم مساءلة موضوع التحولات المجتمعية عبر مداخل أساسية منها طبيعة هذه التحولات، سياقاتها؟ تجلياتها؟ ديناميتها؟ وامتداداتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية؟ و ذلك في محاولة لفهم سوسيولوجي رصين لما يقع ويجري بيننا ومن حولنا، من ظواهر وتحولات هي أجدر بالتشخيص والمقاربة من أجل صياغة الأجوبة النظرية والقناعات الفكرية بما يساعد على رسم معالم أفقنا المشترك في قلب تحولات مجتمعية متسارعة "نراها ونأمل أن تكون في خدمة دينامية التغيير والتقدم والديمقراطية". وقد ساهم بفعالية وعلى جلستين فكريتين، الأساتذة: سعيد عاهد، إدريس كثير، عبدالرحيم العلام، حسن بحراوي، سالم اكويندي، مصطفى حدية، عبدالرحيم العطري، محمد لمباشري، ومنير الشرقي. لقد هيمن الحضور اللافت لفكر وكتابات الراحل عبدالكبير الخطيبي على الأوراق العلمية التي قدمت في أشغال الندوة. ورغم أن كتابات الراحل تتقاطع مع المحور العام، إلا أن بعض المداخلات عمقت من مقاربتها كي تتناول فكره بكثير من الجرأة. وهو ما جعل من الندوة حفلا مخبريا للمفاهيم والنظريات، ولعل هذا الصدى هو ما بدا قويا في النقاش الذي تحول بدوره الى مداخلات إشكالية. الندوة قدمها الأستاذ منير الشرقي بتأطير نظري، ومن خلال ورقة قدم من خلالها الملامح العامة التي سهرت من خلالها اللجنة المنظمة على تنظيم لقاء يحتفي بالدرس السوسيولوجي وبكتابات المفكر الراحل عبدالكبير الخطيبي. الورقة التي توقفت عند أهم انشغالات الراحل السوسيولوجية والفكرية ومكانته في الثقافة الإنسانية. 

"دفاعا عن الحاجة للسوسيولوجيا"
تحدث الباحث إدريس كثير وكان أول المتدخلين، عن مفهوم الخطيبي كشخصية مفهومية. فعبر مساره الفكري الطويل تناول إشكالية التنمية والتخلف، ركز على إشكالية الهامش، تم انبرى الى محاولة فهم بنيات الإنتاج المتحكمة في النسق الاجتماعي العام ليصل الى إشكالات الهوية والاختلاف تم الحداثة. إشكالات تدعم أرضية نظرية فلسفية ثاوية مؤجلة. وعلى مفهوم التأجيل، يبني الباحث والمفكر إدريس كثير جزءا كبيرا من مداخلته اللافتة للانتباه في الجلسة الأولى من فعاليات ندوة التحولات، مفهوم التأجيل بحث عن شيء آخر، الآخر الذي يسكننا كاختلاف متوحش. يقارب الباحث الخلفيات المنهجية الأنطولوجية التي تحكمت في فكر الخطيبي. فمفهومه حول النقد المزدوج ينصب على اتجاهين، على أرسطو وفلسفة اليونان ومنطقها الثنائي، والميتافيزيقا اللاهوتية أو "العلامة المكتوبة" (بدءا من الكندي والفارابي..) يصف اللامرئي، لكن أنطولوجيا الخطيبي تظل مؤجلة فرغم الطابع التفكيكي في أساليب اشتغاله العلمي والمعرفي، إلا أن الخطيبي اختار أن يظل مشتتا (بمفهومه الفلسفي العميق) إذ كان ممكنا أن يتحول الخطيبي الى فيلسوف أو مثقف في حالات آخرى. لكنه لم يختر لا هذا ولاذاك، فقد اختار أن يقيم في المستقبل.

الباحث الدكتور عبدالرحيم العطري السوسيولوج المغربي، اختار الحديث في مداخلة وسمها بـ: من الواقعي الى الافتراضي: "ثقافة الاعتراف مقابل ثقافة المحو" أكد في بدايتها أن المفكر الخطيبي اختار الانتماء الى السوسيولوجيا النقدية ـ التفكيكية. وسواء هو أو غيره، فقد أدى كثير من الباحثين ثمن الانتماء الى المعرفة السوسيولوجية بعد إغلاق المعهد الوطني في السبعينات من القرن الماضي والذي رأت فيه السلطة حينها أن يفرخ جل كوادر اليسار حينها. يثير الباحث عبدالرحيم العطري في مقاربة سوسيولوجية حديثة، مفهوم القارة السابعة "الأنترنيت"، فمع وصول النت الى المجتمع، أدى بالباحث الى قراءة المغرب قراءات متعددة، هواجس من الخوف والتبخيس والإفادة النوعية، لقد تحول الكائن الاجتماعي الى كائن الكتروني. وأمست المؤسسة ـ فوق العادة تستحوذ على كل إمكانات التطبيع الاجتماعي، أما الأسرة فتحولت الى الى مؤسسة ببيولوجية، إذ أمدت الأنترنيت بمسألة التطبيع الاجتماعي. يعترف الباحث العطري أننا أصبحنا أمام كوجيتو، أو كوجيتوهات جدد "أنا أبحر في النت إذن أنا موجود"، ثمة تحولات عميقة تقع اليوم في المجتمع تمس الموضوع والجوهر، وعند التساؤل حول التحديد السوسيولوجي للتحول والذي يمس البنية الداخلية للأنساق، يتوقف الباحث عند مقولة أساسية فالسلطة (المخزن) هو هو نفسه نسخة مزيدة وللأسف غير منقحة. وبالعودة لمفهوم "القارة السابعة" يؤكد السوسيولوج المغربي أن النت أمسى حاجة وليس ترف كما في بدايته، وقد طرحت هذه السلطة الجديدة انقلابا مفاهيميا بثقله الرمزي والمادي. فقد أمست ديمقراطية جديدة للانتفاع، لكن دخول النت أفرز كشفا لأعطابنا الاجتماعية. وقد أمكن تمثل العديد من صور هذه الأعطاب حتى عبر "الغوص الالكتروني". ثمة انقلاب في القيم، يؤكد الباحث العطري، لكن الحاجة الى تبجيل السؤال تعيدنا الى منهجية أساسية. فأمام هذه القدرة على إنتاج كم من المفاهيم، لا زلنا نبلور قدرتنا المعرفية من داخل المفهوم دون تمحيص نظري في إفرازات هذه التحولات. ألم يؤكد الدكتور محمد سبيلا يوما أن علم الاجتماع ظل على الدوام معرفة شقية مشاغبة، لأنه "تعبير عن وعي للمجتمع بذاته وعيا حديثا وحداثيا".

الشاعر والإعلامي سعيد عاهد قدم كلمة في حق الخطيبي هي عبارة عن رسالة عميقة. خصوصا أن الشاعر سعيد عاهد بمعية المترجم مصطفى النحال كانا قد انفردا بآخر حوار أجري مع الراحل، الحوار الذي من المنتظر أن ينشر في العدد القادم من مجلة فنون التي تستأنف الصدور قريبا. رسالة وسمت بـ "رفاق الخطيبي الذين لن يصاحبهم أبنائي"، وهي عبارة عن استعارة أنيقة مجازية لمكتبة الخطيبي المحظورة على أبنائه "نا" بحكم "التهديد المباشر" الذي يشكله اللجوء للأنترنيت على راهن ومستقبل الكتاب. ألا تشكل تلك النقرة على الحاسوب أو الهاتف المحمول رصاصة الرحمة الأخيرة التي يطلقها أطفالنا على الكتاب؟ هكذا يتساءل الشاعر والإعلامي سعيد عاهد علما أننا نعيش وسط مجتمعات شفوية. مبعث هذه الأسئلة وغيرها انبرت عند المداخل خلال قراءته لكتاب الخطيبي (الكاتب وظله/ أو الناسخ وظله) وقد صدر هذا الكتاب في فرنسا. وهو كتاب رحلة سفر في رفوف مكتبة الخطيبي المتعددة، لقراءاته، وبحكم طبيعة الخطيبي المترددة، بحكم أن التردد هو مصدر ثراء فكري له، يفسح له المجال للقاء مفكرين، لكن بتحرر عن كل عراب فكري، لذلك كان يشعر بإعمال التعدد في مقاربة أعمال الآخرين. رحلة سعيد عاهد في مكتبة الخطيبي مسكونة أيضا بهواجس الشاعر، وبرؤيته للعالم. وفي حضرة تنوع قراءات الخطيبي، يشكك المداخل في مدى إمكانية أن يرافق رفاق الخطيبي (ابن خلدون، دريدا، مالارميه، صديقه بارث،.....) أولاده، ليجدد تساؤله حول راهن أزمة القراءة والمقروئية والى الأرقام المهولة والتي تدعونا الى تبني استراتيجية وطنية، كي يفهم الأبناء كتب الخطيبي، وحتى لا ينقرض الكاتب؟

الدكتور مصطفى حدية السوسيولوغ المتخصص في علم النفس الاجتماعي، وصاحب كتاب "التنشئة الاجتماعية بالوسط الحضري" وكتب وإصدارات وبحوث أخرى، لكن أهمية هذا الكتاب هي ما التقطه عالم النفس الاجتماعي الفرنسي غوستاف نيكولا فيشر دلالتها المعرفية باعتراف بليغ، وقد تدخل الباحث مصطفى حدية في موضوع "التحولات السوسيولوجية وسؤال التنمية" مقدما له باعتراف بليغ بأعمال الخطيبي التي ساهمت في تأسيس مجال التفكير في القضايا الاجتماعية وبالدرس النقدي السوسيولوجي، الى جانب بول باسكون مؤسس السوسيولوجيا في المغرب، والباحث محمد جسوس وآخرون. وقد توقف الباحث عند بعض الملاحظات التي تهم المجتمع بكامله عبر استقصاء لنقط أساسية تهم الأسرة، التحولات التي مست الأسرة، أزمة القيم، الثقة في المجتمع، والتحولات المرتبطة بقضايا العولمة. وبحكم أن لكل فترة خصوصيتها، فضرورة التعامل مع التاريخ بشموليته بعيدا عن نظرة الانتقاء شكلت مقدمة منهجية للباحث لرصد نقطه المركزية في تناول التحولات انطلاقا أولا من مبدأ النمو الديمغرافي والذي شكل منطلق بحث ميداني شارك فيه الباحث رصد من خلاله طبيعة التحولات عبر الوقوف عند: المرأة المغربية، التحولات على مستوى الهجرة، مستوى العمر عند الفرد...في نهاية جرده للعديد من الإحصائيات الراصدة لهذا الاستقصاء، توقف الباحث مصطفى حدية لقراءة هذه التحولات العميقة والبنيوية التي مست البنيات والأنساق الاجتماعية، بعيدا عن الخطاب السياسي. فبالمغرب نعيش في أسرة ممتدة، أنماط أسرية أخرى جديدة انوجدت وما ترتب عنها من تركيبة أسرية مختلفة. وبالنسبة لنقطة أزمة القيم، فيشير المداخل الى أن المغرب يعرف أنماط سلوك وقيم متعددة، أمست متأثرة بفعل الثورة التكنولوجية ووسائل الاتصال السمعي البصري، وهو ما أنتج قيم جديدة. إذ لم تصبح المدرسة والأسرة هما نواة وحيدة لإفراز هذه القيم، بل توسعت هذه الأخيرة بفعل تعدد وسائط الأنوية. هذا الوضع الجديد أفرز مبدأ آخر يتمثل في الثقة في المجتمع، فالتقرير الخمسيني أكد في مجمل إحصاءاته أن ثمة أزمة ثقة في نسج علاقات مع الغير. يتوقف الباحث الأكاديمي مصطفى حدية (عميد كلية المتعددة التخصصات) في نهاية مقاربته عند المشروع المجتمعي المعلن: مشروع تنموي ديمقراطي حداثي. رغبة الانتقال الى مجتمع بهذه المواصفات يتطلب تمريره بيداغوجيا كي يتشرب كمشروع تعليمي للأجيال، وذلك من خلال ترجمة هذا المجتمع الذي نطمح إليه الى قيم، خصوصا أمام انتشار الأفكار الجاهزة للاستهلاك والتي حملتها ريح العولمة بصفتها أفكار وإيديولوجيا تصدر بجاهزية. المطلوب أن نفكر بالاندراج ضمن المجتمع الحداثي والذي يحترم القيم والاختلاف، إذ أن هويتنا بأبعادها المتعددة لا يمكن أن تبنى على بعد واحد ومفرد. 

عبدالكبير الخطيبي: الشخصية المفهومية
الباحث والناقد حسن بحراوي تناول تجربة عبدالكبير الخطيبي "أديبا وناقدا"، تجربة يسمها بالتنوع المخبري المتخصص والتنوع الفكري. لكنه توقف عند عبدالكبير الخطيبي أديبا، بحكم أن الأدب شكل ملجأه الوحيد ومتنفسه. لقد شكل تكوين الخطيبي كعالم اجتماع محطة مصالحة بين الأدب والسوسيولوجيا، فبحثه حول الرواية المغاربية والتي تناولها بحس سوسيولوجي شكلت كشفا معرفيا في حينه. وبحكم أن مبحث سوسيولوجيا الرواية كان مجهولا في الثقافة العربية وبالذات البنوية التكوينية فقد حلل الخطيبي الروايات المكتوبة بالفرنسية، الكتاب الذي ترجمه الناقد والكاتب محمد برادة في السبيعينات. وشاءت الصدف أن أن يعين الخطيبي في كلية الآداب في الوقت الذي اشتغل فيها الناقد الفرنسي رولان بارث، هذا الأخير الذي يعترف أنه تعلم من الخطيبي ارتباطه بجذوره. لقد أسهم المفكر عبدالكبير الخطيبي في كتبه ذات المنحى الثقافي بنظرة تأويلية وتحليلية تنبش في الجذور بتداخل في الاهتمام وتداخل موضوعي ومعقلن، في فتح أعيننا على غنى الفن المغربي (التشكيل المغربي...). يرسم الباحث حسن بحراوي مسارات سيرة الخطيبي الأديب، منذ رحيله الى مراكش حيث سيبدأ انخراطه في مشروع ظل مستمرا وكالعروي افتتن بنيتشه وهيدغر...، وجد نفسه في مجتمع فيودالي إقطاعي، فاختار اللجوء الى علم الاجتماع. لكنه في المقابل لم يسمح للمهام الإدارية أن تبتلعه كما ابتعلت آخرين. وحين عين في معهد السوسيولوجيا والذي أغلق بقرار سياسي في الـ70، ساهم الى جانب آخرين في إجراء بحوث كثيرة مهمة. وحين توقف المعهد، التجئ مجددا الى الإبداع. بعد عودة الخطيبي من باريس سيتحدث عن "النقد المزدوج" متسائلا كيف نحلل ثقافتنا؟ اختار اختراق "طابو" الثقافة الشعبية، معتمدا على معارف السيميولوجيا والتحليل النفسي والتفكيكية.. قارب الوشم واعتبره علامة يجب أن نفهمها، اهتم بالخط العربي ورأى فيه فكرا ولغة سيميائية. كشف عن الخلفيات التي تتحكم في أنماط التفكير، وقام بنقد ثقافتنا العربية، الى جانب اعتباره الثقافة الغربية ثقافة تبريرية تمنع الاختلاف. يختتم الباحث حسن بحراوي بالدعوة الى الحاجة العميقة للأسئلة الإشكالية. في المقابل يقف عند مفارقة تسم مسار الخطيبي، بدأ حياته بكتابة سيرة ذاتية، وأنهاها بكتابة سيرة تأملية. الخطيبي الذي كان الأدب خلفيته المباشرة ولعل الاحتفاء به اليوم، عودة الأمور الى نصابها.

آخر مداخلة كانت للباحث المسرحي سالم اكويندي "في البحث عن المتعة" الورقة التي تناولت صور التحولات المجتمعية بمغرب اليوم من خلال إفرازات الموسيقى الشبابية التي تتقاطع في أدوات اشتغالها مع أنماط الفرجة الشعبية المغربية. لكنها تحولات تستدعي مفاهيم الخطيبي وفي مقدمتها العلامة، وهي المفاهيم التي تساهم في بلورة مفاهيم جديدة لأصول فرجاتنا المسرحية المغربية ذات الأصول من منبع الفرجات الشعبية. يتوقف الباحث عند تمظهرات وصيغ بعض الألوان الموسيقية الشبابية في تقاطع مع توظيف اللون والجسد والوشم مع المسرح. وهو ما أفرز وعيا جديدا بالفن وبأصوله. يتوقف الباحث المسرحي سالم اكويندي عند نص الخطيبي "النبي المقنع" وهو إحدى نصوصه النادرة والإشكالية بمستوى اختياراته الجمالية والمعرفية والتي يتوقف عندها الباحث اكويندي لمساءلة وضعية المسرح والفن اليوم، في بحثه الدائم عن الغواية.

توقف المتدخلون في مناقشتهم للأوراق المقدمة عند الحاجة للدرس السوسيولوجي لفهم مغرب اليوم، وعن ضرورة المصالحة مع السوسيولوجيا، بجرأة وتكسير الغبن الذي لحقها منذ إغلاق معهد العلوم الاجتماعية في السبعينات من طرف السلطة حينما اعتبرته مختبرا لخريجي كوادر اليسار الراديكالي الجذري، لكن والى اليوم يظل التساؤل مشروعا عن التعثر الذي مس المشروع السوسيولوجي في المغرب باعتبار البحوث العميقة والعلمية التي تحققت. ولأن الوعي السوسيولوجي بتعبير المفكر محمد سبيلا، "وعي حديث وحداثي، تعبير عن تقدم في الوعي التاريخي وارتقائه الى مستوى المعرفة العلمية". يجب عليه أن يتحول من حركة أفراد، من اشتغالات سوسيولوجيين فقط الى مشروع سوسيولوجي مغربي مستأنف، بحكم أنه سينصهر في بوثقة الاشتغال العام الذي تحقق. وكما أكد يوما ما السوسيولوجي عبدالرحيم العطري لقد باتت السوسيولوجيا تشكل حاجة علمية وعملية في راهننا هذا، حاجة تتأكد مع تعقد الظاهرة الاجتماعية وتداخل وتشعب شروط مواصلة "النضال السوسيولوجي" واعتناق مبدأ الإبداع دفاعا عن السوسيولوجيا..ألم يقل يوما عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوردي والى أن "علم الاجتماع هو علم المشاكل".. 

maroc@al-kalimah.com