رسالة فلسطين
ملتقى حكايا الثاني: كسر للأحادية وانتصار للحرية
تواصلت فعاليات ملتقى "حكايا" الإقليمي، للسنة الثانية، في مدينة عمان، من 9 ـ 15 نيسان 2009، من تنظيم "الملتقى التربوي العربي"، و "مسرح البلد"، بالتعاون مع "وكالة الغوث الدولية" (الأونروا)، وديوان "الدوق"، وجاليري "أدراج"، ومؤسسة "رواد التنمية"، و "نادي السينما ـ مركز الأميرة بسمة للشباب/ سحاب/ إربد"، و "حديقة الملكة رانيا العبد الله"، وبدعم مؤسسات عربية وعالمية صديقة. ومن الملاحظ اختلاف وتنوع وازدياد عدد المؤسسات الداعمة لمشروع "حكايا"، وازدياد عدد المشاركين والمشاركات في أعمال الملتقى، وازدياد اهتمام الإعلام، الأمر الذي يدل على الإحساس المتزايد بالأهمية الثقافية للمشروع، وبقوة "الحكايا"، ودورها في نمو الفرد والمجتمع. ساهم عدد كبير من أصحاب "حكايا" (الهيئة الاستشارية)، أفراد ومؤسسات، في أعمال الملتقى، بشكل حيوي وفاعل، على العكس مما نعهد من الهيئات الاستشارية، في العديد من المؤسسات العربية. ازدادت الفعاليات المصاحبة للملتقى، وهدفت إلى التفاعل والمشاركة المجتمعية، حين نظَّمت العديد من اللقاءات، في وسط البلد، وفي إربد، وسحاب، والقويسمة، وفي جبل اللويبدة، وجبل النظيف، بالإضافة إلى راس العين، وجبل عمان. تنوَّعت عروض "حكايا"، حيث جمعت بين فن المسرح، وفن السينما، وفن الرقص، بالإضافة إلى العروض المعتمدة على القص دون أية مؤثرات صوتية أو بصرية. كما نظِّمت ورشات عمل للتدريب على فن الحكي. وكان جديد "حكايا"، عرض "سوق الحكايات"، المكوَّن من مجموعة من الشباب والشابات الحكّائين، من فلسطين والأردن، قدَّموا حكاياتهم بطريقة خلاقة. و "لقاء حكايات عمان"، الذي جمع حوالي أربعين معمارياً وفناناً أردنياً، تحدَّثوا عن تبلور النسيج المعماري الاجتماعي، لمدينة عمان، وناقشوا سؤال الهوية بارتباطه بالمكان. تخلَّلت فعاليات الملتقى إطلاق فيلم وكتاب: "حجر صقلته المياه"/ حكايا يرويها "منير فاشة"، والمستلهم من قصيدة الشاعر "محمود درويش" (لاعب النرد). يحكي الفيلم قصة وفلسفة مشروع "حكايا"، الذي يسعى لإعادة الاعتبار للحكاية في الفن والعلم والحياة، وهو من إخراج "عزة الحسن"، أما الكتاب، الذي يحمل العنوان نفسه، فهو يضم مجموعة مقالات وتجارب أصحاب "حكايا". هذه التجارب تطرح رؤية ومفاهيم تتيح للقراء مناقشتها وإغناءها، وتفتح الباب على مصراعيه للحوار والمشاركة. كما جرى توقيع كتاب "لو أملك الخيار"، والذي صدر عن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، ليوثِّق قصص نساء الفلسطينيات، خلال العامين 2002 ـ 2003 من الانتفاضة الثانية"/ فيحاء عبد الهادي. قصَّت الكاتبة مجموعة حكايا فلسطينية نسوية، تتحدَّث بشكل رئيس عن أحداث اجتياح عام 2002، لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، منها ما تضمَّنه الكتاب، ومنها قصص جمعتها الكاتبة، إبان المرحلة نفسها، وقدَّمت بعضها بأسلوب أدبي، مثل: قالت شهرزاد. تميَّز الملتقى هذا العام، بتنظيم طاولة مستديرة، حول الاحتفاء بالمجتمعات الشفهية. وطرحت خلال اللقاء أسئلة أثارت نقاشاً مستفيضاً، كما فتحت المجال لأهمية البحث المعمَّق في الموضوع المطروح: كيف يمكن للحكاية أن تكون نقيضاً للفكر الأحادي؟ وكيف يمكن للتعددية أن ترتبط بكسر الأحادية؟ تساءل "منير فاشة": هل يمكن أن نلبس جميعاً حذاء واحداً؟ مستلهماً كتاب المربي الرائد: "خليل السكاكيني": (الاحتذاء بحذاء الغير)، داعياً إلى رفض وصفة حذاء واحد لجميع العقول، والتي يكرِّسها الاستعمار الجديد، بصور شتى، من خلال إغراءات التكنولوجيا، التي تمنع التواصل الإنساني، وتكرِّس مبدأ الأحادية عوضاً عن التعددية. وتحدَّث عن فاعلية الحكاية في كسر أحادية التفكير، وفي استمرارية الحياة على الأرض: "الحكاية مسألة بقاء أو موت للبشرية". وفي المقابل تساءلت "ميسون سكرية": متى تؤدي تعددية الأحذية إلى كسر الأحادية؟ ولماذا يركز الخطاب التقدمي، بعد الحرب العالمية الثانية، على التعددية الثقافية فقط؟ لماذا تمّ التراجع عن خطاب إعادة توزيع الثروات، والتركيز على خطاب التسامح والمصالحة وتقبل الآخر؟ لصالح من تم هذا التراجع؟ ولمَ نقبل بتسويق الحقوق الثقافية كما يريدها البنك الدولي، ووكالة التنمية الأمريكية؟ وما هو مفهوم الديمقراطية؟ ولماذا يركِّز المنادون بها على احترام الاختلاف فقط؟ ماذا عن السلطة على إدارة الثروات أيضاً؟ دعت الباحثة في نهاية تساؤلاتها إلى تطوير نظرية نقدية، تتناول الطبقة والهوية، ولا تهمل أحدهما لصالح الآخر، داعية إلى الحديث عن العدالة والمساواة، عند الحديث عن احترام الاختلاف. * * * جاء العرض المسرحي المميز، الذي قدَّمه المخرج اللبناني "روجيه عساف"، من إنتاج جمعية "شمس"، لينكأ جراحنا العربية، من خلال مسرحية "بوابة فاطمة"، التي تروي يوميات الحرب الأخيرة على جنوب لبنان. تداخلت الحكايات وتوالدت، من خلال بحث الحكواتي عن مفاتيح الحكايات، وامتزج الواقع مع الخيال، من خلال أداء بارع، ساهم فيه المخرج، وحنان الحاج علي، وزينة صعب دي ميليرو. زاوج المخرج بين الأساليب المسرحية الحديثة، مثل الفيديو، والأساليب التراثية القديمة مثل خيال الظل، وأدى الممثلون أدوارهم بالتناوب بين شخصياتهم الحقيقية، وشخصياتهم المتخيلة، بواسطة تقنية المسرح داخل المسرح، الأمر الذي أضفى بعداً جمالياً إلى المسرحية، دون أن يمنع تواصل الجمهور مع العرض. يقول المخرج في نهاية العرض: "المشاهد التي نمثلها ليست سوى صور وهمية، غير أنها طريقتنا للبوح عن الحقيقة عندما يعجز الواقع عن ذلك". * * * أهدى المخرج اللبناني "روجيه عساف" ريع تذاكر المسرحية، ضمن ملتقى "حكايا"، للأهل في قطاع غزة. ووجّه الملتقى بدوره تلك المساهمة، إلى "جمعية الفخاري للتنمية الريفية"، في شرق "خان يونس"، والتي تعرضت للتدمير الكامل خلال العدوان. بانتظار المزيد من الأفكار الإبداعية، للتواصل والتفاعل مع أهلنا في قطاع غزة. faihaab@gmail.com
تواصلت فعاليات ملتقى "حكايا" الإقليمي، للسنة الثانية، في مدينة عمان، من 9 ـ 15 نيسان 2009، من تنظيم "الملتقى التربوي العربي"، و "مسرح البلد"، بالتعاون مع "وكالة الغوث الدولية" (الأونروا)، وديوان "الدوق"، وجاليري "أدراج"، ومؤسسة "رواد التنمية"، و "نادي السينما ـ مركز الأميرة بسمة للشباب/ سحاب/ إربد"، و "حديقة الملكة رانيا العبد الله"، وبدعم مؤسسات عربية وعالمية صديقة. ومن الملاحظ اختلاف وتنوع وازدياد عدد المؤسسات الداعمة لمشروع "حكايا"، وازدياد عدد المشاركين والمشاركات في أعمال الملتقى، وازدياد اهتمام الإعلام، الأمر الذي يدل على الإحساس المتزايد بالأهمية الثقافية للمشروع، وبقوة "الحكايا"، ودورها في نمو الفرد والمجتمع. ساهم عدد كبير من أصحاب "حكايا" (الهيئة الاستشارية)، أفراد ومؤسسات، في أعمال الملتقى، بشكل حيوي وفاعل، على العكس مما نعهد من الهيئات الاستشارية، في العديد من المؤسسات العربية. ازدادت الفعاليات المصاحبة للملتقى، وهدفت إلى التفاعل والمشاركة المجتمعية، حين نظَّمت العديد من اللقاءات، في وسط البلد، وفي إربد، وسحاب، والقويسمة، وفي جبل اللويبدة، وجبل النظيف، بالإضافة إلى راس العين، وجبل عمان.
تنوَّعت عروض "حكايا"، حيث جمعت بين فن المسرح، وفن السينما، وفن الرقص، بالإضافة إلى العروض المعتمدة على القص دون أية مؤثرات صوتية أو بصرية. كما نظِّمت ورشات عمل للتدريب على فن الحكي. وكان جديد "حكايا"، عرض "سوق الحكايات"، المكوَّن من مجموعة من الشباب والشابات الحكّائين، من فلسطين والأردن، قدَّموا حكاياتهم بطريقة خلاقة. و "لقاء حكايات عمان"، الذي جمع حوالي أربعين معمارياً وفناناً أردنياً، تحدَّثوا عن تبلور النسيج المعماري الاجتماعي، لمدينة عمان، وناقشوا سؤال الهوية بارتباطه بالمكان.
تخلَّلت فعاليات الملتقى إطلاق فيلم وكتاب: "حجر صقلته المياه"/ حكايا يرويها "منير فاشة"، والمستلهم من قصيدة الشاعر "محمود درويش" (لاعب النرد). يحكي الفيلم قصة وفلسفة مشروع "حكايا"، الذي يسعى لإعادة الاعتبار للحكاية في الفن والعلم والحياة، وهو من إخراج "عزة الحسن"، أما الكتاب، الذي يحمل العنوان نفسه، فهو يضم مجموعة مقالات وتجارب أصحاب "حكايا". هذه التجارب تطرح رؤية ومفاهيم تتيح للقراء مناقشتها وإغناءها، وتفتح الباب على مصراعيه للحوار والمشاركة.
كما جرى توقيع كتاب "لو أملك الخيار"، والذي صدر عن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، ليوثِّق قصص نساء الفلسطينيات، خلال العامين 2002 ـ 2003 من الانتفاضة الثانية"/ فيحاء عبد الهادي. قصَّت الكاتبة مجموعة حكايا فلسطينية نسوية، تتحدَّث بشكل رئيس عن أحداث اجتياح عام 2002، لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، منها ما تضمَّنه الكتاب، ومنها قصص جمعتها الكاتبة، إبان المرحلة نفسها، وقدَّمت بعضها بأسلوب أدبي، مثل: قالت شهرزاد.
تميَّز الملتقى هذا العام، بتنظيم طاولة مستديرة، حول الاحتفاء بالمجتمعات الشفهية. وطرحت خلال اللقاء أسئلة أثارت نقاشاً مستفيضاً، كما فتحت المجال لأهمية البحث المعمَّق في الموضوع المطروح: كيف يمكن للحكاية أن تكون نقيضاً للفكر الأحادي؟ وكيف يمكن للتعددية أن ترتبط بكسر الأحادية؟ تساءل "منير فاشة": هل يمكن أن نلبس جميعاً حذاء واحداً؟ مستلهماً كتاب المربي الرائد: "خليل السكاكيني": (الاحتذاء بحذاء الغير)، داعياً إلى رفض وصفة حذاء واحد لجميع العقول، والتي يكرِّسها الاستعمار الجديد، بصور شتى، من خلال إغراءات التكنولوجيا، التي تمنع التواصل الإنساني، وتكرِّس مبدأ الأحادية عوضاً عن التعددية. وتحدَّث عن فاعلية الحكاية في كسر أحادية التفكير، وفي استمرارية الحياة على الأرض: "الحكاية مسألة بقاء أو موت للبشرية".
وفي المقابل تساءلت "ميسون سكرية": متى تؤدي تعددية الأحذية إلى كسر الأحادية؟ ولماذا يركز الخطاب التقدمي، بعد الحرب العالمية الثانية، على التعددية الثقافية فقط؟ لماذا تمّ التراجع عن خطاب إعادة توزيع الثروات، والتركيز على خطاب التسامح والمصالحة وتقبل الآخر؟ لصالح من تم هذا التراجع؟ ولمَ نقبل بتسويق الحقوق الثقافية كما يريدها البنك الدولي، ووكالة التنمية الأمريكية؟ وما هو مفهوم الديمقراطية؟ ولماذا يركِّز المنادون بها على احترام الاختلاف فقط؟ ماذا عن السلطة على إدارة الثروات أيضاً؟
دعت الباحثة في نهاية تساؤلاتها إلى تطوير نظرية نقدية، تتناول الطبقة والهوية، ولا تهمل أحدهما لصالح الآخر، داعية إلى الحديث عن العدالة والمساواة، عند الحديث عن احترام الاختلاف.
* * *
جاء العرض المسرحي المميز، الذي قدَّمه المخرج اللبناني "روجيه عساف"، من إنتاج جمعية "شمس"، لينكأ جراحنا العربية، من خلال مسرحية "بوابة فاطمة"، التي تروي يوميات الحرب الأخيرة على جنوب لبنان. تداخلت الحكايات وتوالدت، من خلال بحث الحكواتي عن مفاتيح الحكايات، وامتزج الواقع مع الخيال، من خلال أداء بارع، ساهم فيه المخرج، وحنان الحاج علي، وزينة صعب دي ميليرو. زاوج المخرج بين الأساليب المسرحية الحديثة، مثل الفيديو، والأساليب التراثية القديمة مثل خيال الظل، وأدى الممثلون أدوارهم بالتناوب بين شخصياتهم الحقيقية، وشخصياتهم المتخيلة، بواسطة تقنية المسرح داخل المسرح، الأمر الذي أضفى بعداً جمالياً إلى المسرحية، دون أن يمنع تواصل الجمهور مع العرض. يقول المخرج في نهاية العرض: "المشاهد التي نمثلها ليست سوى صور وهمية، غير أنها طريقتنا للبوح عن الحقيقة عندما يعجز الواقع عن ذلك".
أهدى المخرج اللبناني "روجيه عساف" ريع تذاكر المسرحية، ضمن ملتقى "حكايا"، للأهل في قطاع غزة. ووجّه الملتقى بدوره تلك المساهمة، إلى "جمعية الفخاري للتنمية الريفية"، في شرق "خان يونس"، والتي تعرضت للتدمير الكامل خلال العدوان.
بانتظار المزيد من الأفكار الإبداعية، للتواصل والتفاعل مع أهلنا في قطاع غزة.
faihaab@gmail.com