تقرير
جدل نقدي حول كتاب "إدانة الأدب"
نظمت الملحقة الإقليمية للثقافة بالعرائش، والمركز الثقافي البلدي بالقصر الكبير،لقاء دراسيا حول كتاب "إدانة الأدب" للناقد المغربي عبد الرحيم جيران، وذلك يوم الأحد29 مارس بفضاء الندوات الفضاء المذكور. وشارك في هذه اللقاء إلى جانب الناقد عبد الرحيم جيران، نخبة من الأساتذة الباحثين: حسن اليملاحي، سليمان الحقيوي، مصطفى الورادي، وأدار هذا اللقاء الدراسي الباحث عبد السلام دخان. واعتبرت مديرة المركز الثقافي الأستاذة بشرى الأشهب أن استضافة المركز الثقافي للأديب عبد الرحيم جيران تعدُّ احتفاءً بالكتاب الذي يعكس النبوغ المغربي والمساهمة الفعالة في خلق دينامية أدبية وإبداعية، ولهذا السبب فإن إدارة المركز الثقافي لاتتواني في بذل كل الجهد من أجل مد جسور التواصل بين الكتاب وعموم القراء. وفي الوقت نفسه عبر رئيس الملحقة الإقليمية لوزارة الثقافة الأستاذ المصباحي بالعرائش عن سعادته باستضافة كاتب من عيار الدكتور عبد الرحيم جيران مبديا استعداده للمساهمة في خدمة الثقافة المغربية عبر مجموعة من الندوات واللقاءات النوعية. وانطلق الأستاذ عبد السلام دخان في بداية أشغال الجلسة النقدية من سؤال حول جدوى الأدب وأهميته مشدداً على كونه سؤالا قديما قد طرح منذ سارتر في مؤلفه "ما الأدب". ويثار هذا السؤال اليوم أمام واقع يعرف مآسي وحروب دموية ونكوصا للأدب أمام مزاحمة الميديا له. إن الأدب اليوم في خطر على حد تعبير تودوروف، لكن ما طبيعة هذا الخطر، وماهي المنطلقات الإبستمولوجبة التي جعلت عبد الرحيم جيران يصدر كتاب "إدانة الأدب" ردا على دعاوي تودوروف، وجعلته يمنح الأدب ذروة اعتزازه بتاريخه الخاص وشروط إبداع خصوصيته غير المرتهنة للوصايا وأنماط الحجر. ولماذا السؤال عن مآل الأدب، وهل يرتبط الأمر برغبة في تصحيح مهمة الأدب والأديب، ولماذا جعل جيران من "إدانة الأدب" دعوة للحضور بدل الإنسحاب؟ المداخلة الأولى حملت عنوان: "الأدب بين التهديد والإدانة" قدمها الأستاذ الناقد حسن اليملاحي الذي سعى إلى مقاربة كتاب "إدانة الأدب" من خلال مجموعة من الأسئلة وبخصوص العنوان قال إن عنوان "إدانة الأدب" الذي اختاره الناقد عنوانا مؤطرا لمتنه النقدي يحيل إلى جملة من الاختيارت الخاصة والعامة، وهي اختيارات تنم عن وعي نقدي يسعى من خلاله عبد الرحيم جيران إلى مد جسور حوار نقدي بينه وبين تودوروف، وهو ما يدفع القارىء إلى التساؤل عن طبيعة هذه الإدانة للأدب وجدواها وبلاغتها الغائبة، والجهة الموجهة إليها، لكنه ـ أي القارىء ـ سرعان ما يكتشف من خلال رحلته مع "إدانة الأدب" إلى أن الأمر يتعلق بإبداء نوع من التحفظ من إدانة تودوروف لصنف من الأدب في مقابل أدب آخر، واستعادته لنقاش لم يعد يقنع أحدا. كما أشار الناقد إلى أن عبد الرحيم جيران قد نجح في إقامة حوار بينه وبين تودوروف من خلال مناقشته الحجة بالحجة مدافعا عن النقد وعن وظائفه الإنسانية مثلما يدافع عن الأدب معتبرا أن الوسائل التي توسل بها تودوروف في نقده للنقد وآليات اشتغاله غير كافية للإقناع. وأن اتخاذ تودوروف لهذا الموقف كان مجرد استخدام إيديولوجي. وانتهى حسن اليملاحي إلى خلاصة مفادها أن جيران يدافع عن الأدب ومن ثمة عن النقد الأدبي مما جعل كتاب "إدانة الأدب" كتابا ممتعا يجدر بالمتلقي قراءته للوقوف عند أهميته وبعده النقدي والانساني. المداخلة الثانية للباحث سليمان الحقيوي الموسومة بـ "تودوروف وإدانة الأدب" ذكرت بسياق إصدار كتاب "الأدب في خطر" لتودوروف الذي ترجمه إلى العربية عبد الكبير الشرقاوي وكتاب "إدانة الأدب" لجيران. ولا حظ الباحث أن الكتابين يتشاطران شقّاً من العنوان "الأدب"،غير أن تودوروف يضع الأدب في موقف حرج خصوصا عندما يرى بأنه مهدد في وجوده، أما كتاب "إدانة الأدب" فيعتبر ذلك إدانة بما يحمله هذا النعت من إحالة على معجم القانون حيث يتبادر إلى الذهن مفهوم المحاكمة. ونكاد نلمس بالفعل في كتاب تودوروف هذا النوع من المحاكمة، وإن كان ذلك لا يصدر عنه على نحو صريح، وبالخصوص حين يهاجم تودوروف أدب الأنانة (التخييل الذاتي) والأدب العدمي والأدب الشكلاني، ويعتبر هذا النوع من الأدب غير جدير باعتباره أدبا بحجة عدم استجابته لما يعتبره محددا لمفهوم الأدب، أي ارتباطه بصلة ما بالواقع والحياة. ويشترك الكتابان معا في كثير من الخصائص الشكلية كالحجم والعناوين. فهما معا من القطع المتوسط، ويكادان يتساويان من حيث كم الكتابة والصفحات، إذا ما أخدنا بعين الاعتبار عدد الكلمات التي يتكون منها كل كتاب على حدة. كما أنهما يتمثلان في العناوين مع تغيير مقصود من قبل "إدانة الأدب". فعنوان "اختزال عبثي للأدب" يتحول إلى "اختزال مصطنع للأدب"، وعنوان "ما وراء المدرسة" يتحول إلى "ما وراء الكتاب". وهذا التماثل مع التغيير في بنية العناوين اختيار يهدف إلى نوع من المعارضة التي تفضح نوايا تودوروف غير المعلنة والتي كانت خلف تأليفه كتاب "الأدب مهدد". فحين يقصي تودوروف أصنافا من الكتابة الأدبية فإنه يختزل الأدب على نحو مصطنع وغير مبرر، فلا يمكن إغفال ما تنضوي عليه نصوص أدبية تتمحور حول الأنا من علاقة نوعية ومختلفة بالواقع الإنساني. ويتولد لدى كل من يطلع على كتاب "الأدب مهدد" ذلك الإحساس بما يروج حاليا من ثقافة تبسيطية تسعى إلى الانحناء أمام قوة التقنية ولو على حساب متطلبات الأدب والفن. وهذا ما أراد صاحب كتاب "إدانة الأدب" الإشارة إليه، حيث نبه إلى ما تفرضه اليوم ثقافة الوسائط من تأثير في الذوق وتجعله يفضل ما هو سهل وفي المتناول. وهذا ما نجده بالفعل ظاهرا في طرح تودوروف القائم على تعميم المعنى في علاقته بالعموم، الشيء الذي يحمل في طياته تذويب الاختلاف الذي يعد جوهر الأدب وتميز نصوصه. وهذا التعميم في المعنى له ارتباط وثيق بالاستجابة إلى هيمنة وسائل الإعلام والوسائط وإغرائهما، ويرى عبد الرحيم جيران أن هذه النزعة في التعميم قد استهدفت الخطاب الفكري الفلسفي الرصين ساعية إلى تحويله إلى خطاب شعبي قبل أن تطال الأدب كاشفا بذلك عن الخلفية النظرية والمعرفية التي يتحرك فيها خطاب تودوروف النقدي الجديد في كتابه "الأدب مهدد". ويتساءل مؤلف "إدانة الأدب" من الناحية الأخلاقية عما إذا كان مسموحا لتودوروف بنقد مناهج تدريس الأدب المقررة في فرنسا، وبخاصة إذا عرفنا أنه كان أحد الأعضاء المستشارين في المجلس الوطني للبرامج الذي يعتبر مسؤولا عن الأهداف العامة للتعليم وما يرتبط به من مقررات تعليمية، ومواد، وطرق تدريس. وبمعنى آخر لا يمكن إعفاء تودوروف من المسؤولية عن المناهج النقدية السائدة في تدريس الأدب في الثانوي لأنه كان بإمكانه معارضتها خلال فترة تحمله مهامه في المجلس الوطني للبرامج. المداخلة الثالثة للباحث مصطفى الورادي ركزت على المرتكزات المعرفية لكل من تودوروف وجيران مذكراً بالسياق العام الذي أفرز المناهج النقدية الحديثة وبخصوصيات كل منهج، فوصف كتاب ''الأدب في خطر'' لتودروف بكونه صرخة مدوية في أوساط المهتمين بالأدب، وما يرتبط به من نظريات، وما يندرج في إطار هذه النظريات من مفاهيم نقدية وآليات منهجية، ولعل ما أثار هذه الزوبعة هو انقلاب تودوروف على مبادئه ـ وهو المتشبع بالمنهج البنيوي الشكلاني معتبرا أن التلميذ في المدرسة لا يتعلم عن ماذا تتحد ث الأعمال الأدبية وإنما عن ماذا يتحدث النقاد، وهذا ما يجعل التلميذ وهو يقرأ الأعمال الأدبية يفكر في المناهج النقدية بدل ربطها بحياة الإنسان وما يرتبط بها من قضايا (الفرد, المجتمع, الحب,الكراهية ,اليأس...الخ)، وبالرغم من هذا الطرح الذي يجنح إليه تودوروف فإنه يقف موقفا معتدلا إذ يرحب بالتجديدات التي حملتها المقاربة البنيوية في العقود الماضية شريطة أن تحتفظ هذه المقاربات بوظيفتها كأداة وكوسيلة لدراسة المعنى لا أن تتحول إلى غاية في ذاتها.إن الخطر الذي يهدد الأدب في نظر تودوروف يكمن في طريقة تدريسه، حيث حلت المقاربات والمداخل والمفاهيم النقدية محل الغاية الأساسية المتمثلة في دراسة المعنى الأدبي وربطه بالحياة بشتى مظاهرها. وفي إطار مناقشة القضايا التي يثيرها كتاب "الأدب في خطر" يندرج كتاب "إدانة الأدب" لمؤلفه عبد الرحيم جيران، وهو كتاب نقدي دو طبيعة سجالية حجاجية، لذا فان أول ما يمكن مقاربته في هدا الكتاب هو الإستراتيجية النقدية التي اتبعها المؤلف والتي تقوم أساسا على كشف المبررات المعرفية والمنهجية التي ارتكز عليها كتاب "الأدب في خطر"، وكذا تبين مواطن الخلل المنطقي في الحجج المسوقة في الكتاب. وقد أبدى مؤلف ''إدانة الأدب'' ملاحظاته حول ما وصفه بتهلهل البناء المعرفي لما يصوغه تودوروف في كتابه من محتوى. لقد وصف عبد الرحيم جيران ما صدر عن تودوروف من أحكام في كتابه بالمتسرعة والقبلية كما أنها تفتقر إلى الدقة والموضوعية. إن كتاب "الأدب في خطر" في نظر عبد الرحيم جيران كتاب مواقف، وليس كتابا نقديا يخلص للمعرفة مما يعني ضمنيا أنه يحن إلى إيديولوجية معينة. وهذا ما يجعلنا نتساءل: ألا تمثل المناهج التي خلع تودوروف عباءتها ـ كما يمكن أن يفهم ـ بعدا إيديولوجيا باعتبارها تقوم هي الأخرى على أسس معرفية وفلسفية لها غطاؤها الحضاري؟ وانتهى مصطفى الورادي إلى اعتباركتاب "إدانة الأدب" مساهمة نقدية مهمة انضافت إلى المكتبة العربية لما يتميز به الكتاب من قدرة على الحجاج والاستدلال، ومناقشة القضايا المعرفية، والأسس المنهجية التي يطرحها كتاب "الأدب في خطر". وفي كلمته اعتبر الدكتور عبدالرحيم جيران أن كتاب تودوروف يطرح وجهة نظر فيها الكثير من المغالطات الذي تستدعي من أي قارئ متتبع للأدب ولتاريخه الكشف عنها. وقد عمل الباحث على إظهار الدواعي الحقيقية التي كانت وراء تأليفه كتابه "إدانة الأدب" إلى جانب الكشف عن تهلهل البناء النظؤي لكتاب تودوروف. ومن ضمن هذه الدواعي ما يراد اليوم للثقافة العربية في الوطن العربي من قبل سدنة التكريس الإيديولوجي التقليديوي، حيث ألمح إلى أن توجها ثقافيا يكرس اليوم بغاية نشر أصولية ثقافية تعوض ما خسرته الإيديولوجية الدينية الأصولية على مستوى التوظيف المباشر. وهكذا نلمح ظهور دعاوي قوية في الوطن العربي إلى هجرة المناهج الحديثة الغربية، مع الدعوة إلى الرجوع إلى التراث النقدي القديم وتبني مضمراته، وكتاب تودوروف يقدم لهؤلاء الحجة والدعم اللازمين من أجل إقناع من يشك في أهداف هذا التوجه الأصولي الثقافي الجديد. كما وقف الناقد عبد الرحيم جيران عند البعد القيامي الذي أشار إليه في كتابه تلميحا ليغوص في الأبعاد الواعية أو غير الواعية لما هو يتيولوجي وراء كتاب تودوروف الذي يكتسي صبغة معرفية صرف، وعمل تتبع البعد القيامي تاريخيا ليقف به عند سانت أوغسطين الذي أنقذ التناقض الذي وقعت فيه المسيحية، وهي تبشر بمملكة الله، حيث أنه جعل من النزعة الفردانية دليلا على ما لا يمكن ولوج هذه المملكة. وانتقل بعد ذلك عبد الرحيم جيران ليشير إلى المسكوت عنه في كتاب تودوروف على مستوى المرجعية التي يستقي منها من فكر الأنوار من دون أن يشير إليها، وقد ركز على جان جاك روسو في نقده للموسيقي رامو باسم ما هو أخلاقي طبيعي ضدا على ما هو عقلاني ونحوي. ولم يفت عبد الرحيم جيران في مداخلته بسط وجهة نظره في البعد الابستيمي لمفهوم الأدب وتكونه ابتداء من القرن السادس عشر ختى القرن التاسع عشر. واعتبر أن من الضروري التمييز بين الأدب الذي تشكل وفق هذا الابستيمي وبين ما يدور حوله من دون ان يكونه، ويتمثل في ملء الفراغ الذي تركه الشفهي بما سماه الأدب العمومي (التجاري). وتحدث عبد الرحيم جيران في الأخير مفهوم المكتبة كما عالجه أندري مالرو وضرورة الأخذ به في النظر إلى مقاربة النصوص وفهمها، وانتهت المداخلة بنوع من التساؤل المستغرب في ما يخص عدم تنبه تودوروف إلى ما بلوره بول ريكور بصدد المعنى وهو يؤسس ما يسمى بلحظات التجسيم الثلاث بصدد السرد. وأكد الأستاذ محمد السرغيني تعقيباً على هاته المداخلات على أنه وجد انطلاقا من قراءته كتاب "الأدب في خطر" أن تودوروف ينطلق من موقف سيكولوجي ليصوغ إشكالا مرتبطا بالتخييل، وبالتالي فإن هذا الانحراف يترك أثره على الكتاب ككل. في حين ركز الأستاذ رشيد الجلولي على اعتبار "إدانة الأدب" تمثيلا لصوت الجنوب مقابل سطوة صوت الشمال، وأن جيران من خلال الجدل الصاعد والهابط كشف عن قضايا السجال والمادة التاريخية وأزمة المفاهيم لدى تودوروف. وفي الوقت نفسه ركز الأستاذ حسن اليملاحي على المتاهات التي يقودنا إليها "الأدب في خطر" لولا التسلح برؤية نقدية يشكل كتاب "إدانة الأدب" أحد أوجهها الناضجة.
نظمت الملحقة الإقليمية للثقافة بالعرائش، والمركز الثقافي البلدي بالقصر الكبير،لقاء دراسيا حول كتاب "إدانة الأدب" للناقد المغربي عبد الرحيم جيران، وذلك يوم الأحد29 مارس بفضاء الندوات الفضاء المذكور. وشارك في هذه اللقاء إلى جانب الناقد عبد الرحيم جيران، نخبة من الأساتذة الباحثين: حسن اليملاحي، سليمان الحقيوي، مصطفى الورادي، وأدار هذا اللقاء الدراسي الباحث عبد السلام دخان. واعتبرت مديرة المركز الثقافي الأستاذة بشرى الأشهب أن استضافة المركز الثقافي للأديب عبد الرحيم جيران تعدُّ احتفاءً بالكتاب الذي يعكس النبوغ المغربي والمساهمة الفعالة في خلق دينامية أدبية وإبداعية، ولهذا السبب فإن إدارة المركز الثقافي لاتتواني في بذل كل الجهد من أجل مد جسور التواصل بين الكتاب وعموم القراء. وفي الوقت نفسه عبر رئيس الملحقة الإقليمية لوزارة الثقافة الأستاذ المصباحي بالعرائش عن سعادته باستضافة كاتب من عيار الدكتور عبد الرحيم جيران مبديا استعداده للمساهمة في خدمة الثقافة المغربية عبر مجموعة من الندوات واللقاءات النوعية. وانطلق الأستاذ عبد السلام دخان في بداية أشغال الجلسة النقدية من سؤال حول جدوى الأدب وأهميته مشدداً على كونه سؤالا قديما قد طرح منذ سارتر في مؤلفه "ما الأدب". ويثار هذا السؤال اليوم أمام واقع يعرف مآسي وحروب دموية ونكوصا للأدب أمام مزاحمة الميديا له. إن الأدب اليوم في خطر على حد تعبير تودوروف، لكن ما طبيعة هذا الخطر، وماهي المنطلقات الإبستمولوجبة التي جعلت عبد الرحيم جيران يصدر كتاب "إدانة الأدب" ردا على دعاوي تودوروف، وجعلته يمنح الأدب ذروة اعتزازه بتاريخه الخاص وشروط إبداع خصوصيته غير المرتهنة للوصايا وأنماط الحجر. ولماذا السؤال عن مآل الأدب، وهل يرتبط الأمر برغبة في تصحيح مهمة الأدب والأديب، ولماذا جعل جيران من "إدانة الأدب" دعوة للحضور بدل الإنسحاب؟
المداخلة الأولى حملت عنوان: "الأدب بين التهديد والإدانة" قدمها الأستاذ الناقد حسن اليملاحي الذي سعى إلى مقاربة كتاب "إدانة الأدب" من خلال مجموعة من الأسئلة وبخصوص العنوان قال إن عنوان "إدانة الأدب" الذي اختاره الناقد عنوانا مؤطرا لمتنه النقدي يحيل إلى جملة من الاختيارت الخاصة والعامة، وهي اختيارات تنم عن وعي نقدي يسعى من خلاله عبد الرحيم جيران إلى مد جسور حوار نقدي بينه وبين تودوروف، وهو ما يدفع القارىء إلى التساؤل عن طبيعة هذه الإدانة للأدب وجدواها وبلاغتها الغائبة، والجهة الموجهة إليها، لكنه ـ أي القارىء ـ سرعان ما يكتشف من خلال رحلته مع "إدانة الأدب" إلى أن الأمر يتعلق بإبداء نوع من التحفظ من إدانة تودوروف لصنف من الأدب في مقابل أدب آخر، واستعادته لنقاش لم يعد يقنع أحدا. كما أشار الناقد إلى أن عبد الرحيم جيران قد نجح في إقامة حوار بينه وبين تودوروف من خلال مناقشته الحجة بالحجة مدافعا عن النقد وعن وظائفه الإنسانية مثلما يدافع عن الأدب معتبرا أن الوسائل التي توسل بها تودوروف في نقده للنقد وآليات اشتغاله غير كافية للإقناع. وأن اتخاذ تودوروف لهذا الموقف كان مجرد استخدام إيديولوجي. وانتهى حسن اليملاحي إلى خلاصة مفادها أن جيران يدافع عن الأدب ومن ثمة عن النقد الأدبي مما جعل كتاب "إدانة الأدب" كتابا ممتعا يجدر بالمتلقي قراءته للوقوف عند أهميته وبعده النقدي والانساني.
المداخلة الثانية للباحث سليمان الحقيوي الموسومة بـ "تودوروف وإدانة الأدب" ذكرت بسياق إصدار كتاب "الأدب في خطر" لتودوروف الذي ترجمه إلى العربية عبد الكبير الشرقاوي وكتاب "إدانة الأدب" لجيران. ولا حظ الباحث أن الكتابين يتشاطران شقّاً من العنوان "الأدب"،غير أن تودوروف يضع الأدب في موقف حرج خصوصا عندما يرى بأنه مهدد في وجوده، أما كتاب "إدانة الأدب" فيعتبر ذلك إدانة بما يحمله هذا النعت من إحالة على معجم القانون حيث يتبادر إلى الذهن مفهوم المحاكمة. ونكاد نلمس بالفعل في كتاب تودوروف هذا النوع من المحاكمة، وإن كان ذلك لا يصدر عنه على نحو صريح، وبالخصوص حين يهاجم تودوروف أدب الأنانة (التخييل الذاتي) والأدب العدمي والأدب الشكلاني، ويعتبر هذا النوع من الأدب غير جدير باعتباره أدبا بحجة عدم استجابته لما يعتبره محددا لمفهوم الأدب، أي ارتباطه بصلة ما بالواقع والحياة. ويشترك الكتابان معا في كثير من الخصائص الشكلية كالحجم والعناوين. فهما معا من القطع المتوسط، ويكادان يتساويان من حيث كم الكتابة والصفحات، إذا ما أخدنا بعين الاعتبار عدد الكلمات التي يتكون منها كل كتاب على حدة. كما أنهما يتمثلان في العناوين مع تغيير مقصود من قبل "إدانة الأدب". فعنوان "اختزال عبثي للأدب" يتحول إلى "اختزال مصطنع للأدب"، وعنوان "ما وراء المدرسة" يتحول إلى "ما وراء الكتاب". وهذا التماثل مع التغيير في بنية العناوين اختيار يهدف إلى نوع من المعارضة التي تفضح نوايا تودوروف غير المعلنة والتي كانت خلف تأليفه كتاب "الأدب مهدد". فحين يقصي تودوروف أصنافا من الكتابة الأدبية فإنه يختزل الأدب على نحو مصطنع وغير مبرر، فلا يمكن إغفال ما تنضوي عليه نصوص أدبية تتمحور حول الأنا من علاقة نوعية ومختلفة بالواقع الإنساني. ويتولد لدى كل من يطلع على كتاب "الأدب مهدد" ذلك الإحساس بما يروج حاليا من ثقافة تبسيطية تسعى إلى الانحناء أمام قوة التقنية ولو على حساب متطلبات الأدب والفن. وهذا ما أراد صاحب كتاب "إدانة الأدب" الإشارة إليه، حيث نبه إلى ما تفرضه اليوم ثقافة الوسائط من تأثير في الذوق وتجعله يفضل ما هو سهل وفي المتناول. وهذا ما نجده بالفعل ظاهرا في طرح تودوروف القائم على تعميم المعنى في علاقته بالعموم، الشيء الذي يحمل في طياته تذويب الاختلاف الذي يعد جوهر الأدب وتميز نصوصه. وهذا التعميم في المعنى له ارتباط وثيق بالاستجابة إلى هيمنة وسائل الإعلام والوسائط وإغرائهما، ويرى عبد الرحيم جيران أن هذه النزعة في التعميم قد استهدفت الخطاب الفكري الفلسفي الرصين ساعية إلى تحويله إلى خطاب شعبي قبل أن تطال الأدب كاشفا بذلك عن الخلفية النظرية والمعرفية التي يتحرك فيها خطاب تودوروف النقدي الجديد في كتابه "الأدب مهدد".
ويتساءل مؤلف "إدانة الأدب" من الناحية الأخلاقية عما إذا كان مسموحا لتودوروف بنقد مناهج تدريس الأدب المقررة في فرنسا، وبخاصة إذا عرفنا أنه كان أحد الأعضاء المستشارين في المجلس الوطني للبرامج الذي يعتبر مسؤولا عن الأهداف العامة للتعليم وما يرتبط به من مقررات تعليمية، ومواد، وطرق تدريس. وبمعنى آخر لا يمكن إعفاء تودوروف من المسؤولية عن المناهج النقدية السائدة في تدريس الأدب في الثانوي لأنه كان بإمكانه معارضتها خلال فترة تحمله مهامه في المجلس الوطني للبرامج. المداخلة الثالثة للباحث مصطفى الورادي ركزت على المرتكزات المعرفية لكل من تودوروف وجيران مذكراً بالسياق العام الذي أفرز المناهج النقدية الحديثة وبخصوصيات كل منهج، فوصف كتاب ''الأدب في خطر'' لتودروف بكونه صرخة مدوية في أوساط المهتمين بالأدب، وما يرتبط به من نظريات، وما يندرج في إطار هذه النظريات من مفاهيم نقدية وآليات منهجية، ولعل ما أثار هذه الزوبعة هو انقلاب تودوروف على مبادئه ـ وهو المتشبع بالمنهج البنيوي الشكلاني معتبرا أن التلميذ في المدرسة لا يتعلم عن ماذا تتحد ث الأعمال الأدبية وإنما عن ماذا يتحدث النقاد، وهذا ما يجعل التلميذ وهو يقرأ الأعمال الأدبية يفكر في المناهج النقدية بدل ربطها بحياة الإنسان وما يرتبط بها من قضايا (الفرد, المجتمع, الحب,الكراهية ,اليأس...الخ)، وبالرغم من هذا الطرح الذي يجنح إليه تودوروف فإنه يقف موقفا معتدلا إذ يرحب بالتجديدات التي حملتها المقاربة البنيوية في العقود الماضية شريطة أن تحتفظ هذه المقاربات بوظيفتها كأداة وكوسيلة لدراسة المعنى لا أن تتحول إلى غاية في ذاتها.إن الخطر الذي يهدد الأدب في نظر تودوروف يكمن في طريقة تدريسه، حيث حلت المقاربات والمداخل والمفاهيم النقدية محل الغاية الأساسية المتمثلة في دراسة المعنى الأدبي وربطه بالحياة بشتى مظاهرها. وفي إطار مناقشة القضايا التي يثيرها كتاب "الأدب في خطر" يندرج كتاب "إدانة الأدب" لمؤلفه عبد الرحيم جيران، وهو كتاب نقدي دو طبيعة سجالية حجاجية، لذا فان أول ما يمكن مقاربته في هدا الكتاب هو الإستراتيجية النقدية التي اتبعها المؤلف والتي تقوم أساسا على كشف المبررات المعرفية والمنهجية التي ارتكز عليها كتاب "الأدب في خطر"، وكذا تبين مواطن الخلل المنطقي في الحجج المسوقة في الكتاب. وقد أبدى مؤلف ''إدانة الأدب'' ملاحظاته حول ما وصفه بتهلهل البناء المعرفي لما يصوغه تودوروف في كتابه من محتوى. لقد وصف عبد الرحيم جيران ما صدر عن تودوروف من أحكام في كتابه بالمتسرعة والقبلية كما أنها تفتقر إلى الدقة والموضوعية. إن كتاب "الأدب في خطر" في نظر عبد الرحيم جيران كتاب مواقف، وليس كتابا نقديا يخلص للمعرفة مما يعني ضمنيا أنه يحن إلى إيديولوجية معينة. وهذا ما يجعلنا نتساءل: ألا تمثل المناهج التي خلع تودوروف عباءتها ـ كما يمكن أن يفهم ـ بعدا إيديولوجيا باعتبارها تقوم هي الأخرى على أسس معرفية وفلسفية لها غطاؤها الحضاري؟ وانتهى مصطفى الورادي إلى اعتباركتاب "إدانة الأدب" مساهمة نقدية مهمة انضافت إلى المكتبة العربية لما يتميز به الكتاب من قدرة على الحجاج والاستدلال، ومناقشة القضايا المعرفية، والأسس المنهجية التي يطرحها كتاب "الأدب في خطر".
وفي كلمته اعتبر الدكتور عبدالرحيم جيران أن كتاب تودوروف يطرح وجهة نظر فيها الكثير من المغالطات الذي تستدعي من أي قارئ متتبع للأدب ولتاريخه الكشف عنها. وقد عمل الباحث على إظهار الدواعي الحقيقية التي كانت وراء تأليفه كتابه "إدانة الأدب" إلى جانب الكشف عن تهلهل البناء النظؤي لكتاب تودوروف. ومن ضمن هذه الدواعي ما يراد اليوم للثقافة العربية في الوطن العربي من قبل سدنة التكريس الإيديولوجي التقليديوي، حيث ألمح إلى أن توجها ثقافيا يكرس اليوم بغاية نشر أصولية ثقافية تعوض ما خسرته الإيديولوجية الدينية الأصولية على مستوى التوظيف المباشر. وهكذا نلمح ظهور دعاوي قوية في الوطن العربي إلى هجرة المناهج الحديثة الغربية، مع الدعوة إلى الرجوع إلى التراث النقدي القديم وتبني مضمراته، وكتاب تودوروف يقدم لهؤلاء الحجة والدعم اللازمين من أجل إقناع من يشك في أهداف هذا التوجه الأصولي الثقافي الجديد. كما وقف الناقد عبد الرحيم جيران عند البعد القيامي الذي أشار إليه في كتابه تلميحا ليغوص في الأبعاد الواعية أو غير الواعية لما هو يتيولوجي وراء كتاب تودوروف الذي يكتسي صبغة معرفية صرف، وعمل تتبع البعد القيامي تاريخيا ليقف به عند سانت أوغسطين الذي أنقذ التناقض الذي وقعت فيه المسيحية، وهي تبشر بمملكة الله، حيث أنه جعل من النزعة الفردانية دليلا على ما لا يمكن ولوج هذه المملكة. وانتقل بعد ذلك عبد الرحيم جيران ليشير إلى المسكوت عنه في كتاب تودوروف على مستوى المرجعية التي يستقي منها من فكر الأنوار من دون أن يشير إليها، وقد ركز على جان جاك روسو في نقده للموسيقي رامو باسم ما هو أخلاقي طبيعي ضدا على ما هو عقلاني ونحوي. ولم يفت عبد الرحيم جيران في مداخلته بسط وجهة نظره في البعد الابستيمي لمفهوم الأدب وتكونه ابتداء من القرن السادس عشر ختى القرن التاسع عشر. واعتبر أن من الضروري التمييز بين الأدب الذي تشكل وفق هذا الابستيمي وبين ما يدور حوله من دون ان يكونه، ويتمثل في ملء الفراغ الذي تركه الشفهي بما سماه الأدب العمومي (التجاري). وتحدث عبد الرحيم جيران في الأخير مفهوم المكتبة كما عالجه أندري مالرو وضرورة الأخذ به في النظر إلى مقاربة النصوص وفهمها، وانتهت المداخلة بنوع من التساؤل المستغرب في ما يخص عدم تنبه تودوروف إلى ما بلوره بول ريكور بصدد المعنى وهو يؤسس ما يسمى بلحظات التجسيم الثلاث بصدد السرد.
وأكد الأستاذ محمد السرغيني تعقيباً على هاته المداخلات على أنه وجد انطلاقا من قراءته كتاب "الأدب في خطر" أن تودوروف ينطلق من موقف سيكولوجي ليصوغ إشكالا مرتبطا بالتخييل، وبالتالي فإن هذا الانحراف يترك أثره على الكتاب ككل. في حين ركز الأستاذ رشيد الجلولي على اعتبار "إدانة الأدب" تمثيلا لصوت الجنوب مقابل سطوة صوت الشمال، وأن جيران من خلال الجدل الصاعد والهابط كشف عن قضايا السجال والمادة التاريخية وأزمة المفاهيم لدى تودوروف. وفي الوقت نفسه ركز الأستاذ حسن اليملاحي على المتاهات التي يقودنا إليها "الأدب في خطر" لولا التسلح برؤية نقدية يشكل كتاب "إدانة الأدب" أحد أوجهها الناضجة.