الشكلانيون الروس

إيمان الرازي

 

نظمت كلية اللغة العربية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش
برسم السنة الجامعية 2022-2023 درسا افتتاحيا تحت عنوان: «الشكلانيون الروس أربعون عاما على صدور الترجمة العربية» والذي ألقاه الأستاذ إبراهيم الخطيب.
وقد استهل هذا الدرس الافتتاحي بكلمة ألقاها الأستاذ إدريس خضراوي، وتضمنت الثناء والشكر لعميد كلية اللغة الدكتور أحمد قادم على تنظيم مثل هذه اللقاءات العلمية الرصينة، والاحتفاء بقامة علمية ومعرفية في الحقل الثقافي بالمغرب، مثل الأستاذ الدكتور إبراهيم الخطيب، كما تضمنت الكلمة تعريفا مقتضبا بالأستاذ المحاضر وأعماله العلمية، وفي طليعتها ترجمته لكتاب نظرية المنهج الشكلي.
كما تناول الدكتور إبراهيم الخطيب الكلمة، حيث تقدم هو الآخر بشكر خاص لكلية اللغة العربية، وبشكل أخص لعميدها، ثم انتقل مباشرة إلى الحديث عن الظروف الاجتماعية والسياسية في المغرب، والسياقات والتحولات الدولية (ثورة الصين)، والإقليمية (الحزب الشيوعي الفرنسي)، وهي عوامل أثرت بشكل كبير في النخبة المثقفة، والجامعة المغربية، التي حملت توجهات وتيارات سياسية منبثقة من اليسار وأمميته وحركاته، مما أسعف الدكتور إبراهيم الخطيب على ترجمة وإخراج كتاب تزيفيتان تودوروف «نظرية المنهج الشكلي»، الصادر في بيروت 1982.
وفي معرض حديثه عن السياق المعرفي والثقافي بالمغرب، أشار أيضا، إلى ما نشره الدكتور سعيد يقطين ويتعلق الأمر بإحدى تدويناته على منصات التواصل الاجتماعي، التي أشاد فيها بأعمال الأستاذ إبراهيم الخطيب، خاصة ترجمته التي مثلت جسرا بين النظرية الشكلانية والمثقفين العرب. وأشار الدكتور ابراهيم الخطيب إلى الدور الفعال الذي قام به اتحاد كتاب المغرب آنذاك، مؤكدا أن هذه الهيئة الثقافية فقدت بوصلتها في الوقت الراهن، واختفى دورها أو غُيب في نشر المعرفة وفتح قنوات الحوار والنقاشات بين النخب الثقافية في البلاد. وأشار الأستاذ نفسه، أيضا، إلى دور العلاقات الشخصية التي نسجها من خلال محيطه ومعارفه، في الإسهام إلى حد كبير في تحفيزه على ترجمة الكتاب أعلاه، خاصة حين التقى بالصحافي خالد الجامعي، حيث شجعه على ترجمته، خاصة وأن النصوص المختارة للشكلانيين الروس على مستوى المنجز القصصي والشعري تلبي وتتماهى في عمقها مع التيارات السياسية ذات التوجه اليساري بالمغرب.
في سياق متصل، أشار الدكتور إبراهيم الخطيب أيضا إلى ما صادفه أثناء اقتنائه لمجلة الحياة الثقافية التونسية، حيث عثر على مقالة مهمة بعنوان: مسألية القصة من بعض النظريات الحديثة، للأستاذ رشيد الغوزي الذي قام بتلخيص كتاب نظرية الأدب لتودوروف ضمن هذه المقالة، مما شجعه على دخول تجربة الترجمة، فقام الأستاذ إبراهيم الخطيب بترجمة نص طويل من كتاب نظرية المنهج الشكلي سنة 1979، ونشره في مجلة أقلام.
وأضاف الدكتور إبراهيم الخطيب إلى تأكيد الأستاذ عبد الكبير الخطيبي وطلبه منه أن يلتمس الإذن من تودوروف صاحب الكتاب، قبل ترجمة كتابه، فقام الأستاذ أبراهيم الخطيب بذلك فعلا. فوضع في هذه الترجمة مقدمة، وأضاف بعض المواد، وصحح أخرى ضمن ترجمته، وأشار إلى بعض المفاهيم التي تضمنتها ترجمته؛ كالتنضيد، والاستطراد، والمتن الحكائي والمبنى الحكائي وغيرها. وأشار إلى ما صاحب الترجمة من شعور بالخوف الشديد بسبب اجتياح الكيان الاسرائيلي المحتل للبنان، وقد عبر عن هذه التخوفات-لأن الكتاب سيطبع في بيروت- للأستاذة ليلى شاهين، فطمأنته بأن معظم مطابع بيروت توجد في السراديب، وأشار إلى أنه قد نال تعويضا سخيا عن هذه الترجمة بلغ مقداره 7500 فرنك فرنسي.
الخطيب أشار في الأخير إلى التطور الذي عرفته الدراسات النقدية في فرنسا، مما جعل الأوساط الثقافية بالمغرب تستمد من هذه الدراسات بعض مناهجها؛ كالبنيوية والبنيوية التكوينية. وأشار في هذا الصدد إلى الدور الذي قامت به مجلة آفاق منذ سنة 1982 إلى حدود سنة 1988 في نقل المناهج النقدية إلى المغرب، خاصة الدراسات المتعلقة بالسرديات ومفاهيم البنيوية التكوينية. وختم الدكتور إبراهيم الخطيب مداخلته باقتباس من هايدغر بخصوص تخوفاته من الترجمة وصعوبة هذه المهمة : «كأني خرجت من البيت وتوغلت في الغابة».