تقرير من الأردن

المرأة السودانية المبدعة

استضاف المعهد الدولي لتضامن النساء في العاصمة الأردنية عمان ضمن سلسلة الأربعاء الثقافي الإعلامي السوداني طارق المادح في أمسية بعنوان "المرأة السودانية مبدعة". وقد قدّمت المادح الأديبة د. سناء الشعلان التي افتتحت الأمسية بالترحيب بالضيوف السودانيين قائلة: "الأشقاء السودانيون الحمائم العنبرية، الذين يحملون أطياف الكنداكة وطقوس ملوك البجرواية، وخمائل الصحارى وربّات الحكايا وسير أبطال المقاومة، وقصص عشّاق السراب وصرعى العيون العيون الجارحة والبشرات الخمرية والشّفاه التوتية تحية أردنية حميمة لكم، تفتح لكم القلوب، وتشدّ الأيدي على أيدكم، وتطارحكم نجوى الأخوة أينما حللتم في هذا البلد الطيب... فطبتم أهلاً وطاب لكم اللقاء".

وفي معرض التعريف بالمادح قالت الشعلان: "إنّه ضيف استثنائي، من أرض الحكايا جاء، من قصص المجهول كان يتعاطى الإعلام، ويطارد الحقيقة، ويحترف الكتابة، ويعشق المداد.عندي الكثير لأقوله عنه، وعنده الكثير لأقوله لكم عنه، ولكن مايريد أن يقوله أهم من كلماتي الصغيرة أمام صورة المرأة السودانية التي يريد أن يسلبنا بحديثه عنا، لا أعرف من منهما أكثر سحراً، أهو الضيف القادم من بلاد الحرارة والماء وهدير النيل وفتك التماسيح ومعقل الثارين والعابدين، أم الحديث عن امرأة خمرية تجيد تطريز السعادة، والنضال وتحمّل المشاق، وتوشية المستقبل بغلائل بيضاء تحمل العلم والثقافة ووحدة الأمة، تلك المرأة السودانية التي أنّى حضرت حضر الدّفء وحرارة العطاء ومعنى قوة المرأة الجميلة؟

لن أبحث معكم عن إجابة، لأنّه عزّ الحامل والمحمول، ولكن أومىء إلى ضيفنا العزيز، فأقول في لمحة تعريفية خاطفة هوالسيد طارق مجذوب المادح، من مواليد عام 72، كاتب وإعلامي سوداني, ناشط في مؤسسات المجتمع المدني، له كتابان بعنوان: المثقف الحاضر/ حركة المثقفين السودانيين رؤية جديدة، وكتاب مجموعة من المقالات بعنوان (وقفات ودفقات). يعدّ من رموز العمل الثقافي والفكري بالسودان في العقد الاخير. تقلد عدة مهام اعلامية منها رئيس تحرير النشرة الثقافية بتلفزيون السودان و مدير لتحرير مجلة الفيض و منسقاً برامجياً للخرطوم عاصمة للثقافة العربية 2005.

كما يمارس الكتابة حتى الان بصحيفة الرأي وبعد الاصدارات الخارجية الاخرى. يشغل الآن منصب مديراً لدائرة الطباعة والنشر بمؤسسة صحيفة الرائد.وهو مهتم بقضايا الفكر والثقافة والمجتمع على المستوى السوداني والعربي. و له مشاركات بالمؤتمرات الخارجية".

وقد بدأ طارق المادح الأمسية باعتماده لتعريف محدّد للإبداع، وهو كلّ فعل أو قول جميل مبتكر مقصود خارج عن المعتاد.وذكر إنّ الإبداع لصيق بالمرأة فهي إمّا أن تكون مبدعة أو ملهمة للإبداع. وقد عرض المادح إلى الحديث عن المرأة المبدعة منذ ستين عام خلت فقط، وهو يحصر الفترة فيما بعد فترة التحرّر من الاستعمار البريطاني.

وأشار المادح إلى أنّ هناك خصوصية للإبداع النسوي السوداني، وهو أنّه إبداع تختلط فيه معطيات الثقافة الإفريقية بما فيها من حمأة الإيقاع وحرارة الحركة مع الثقافة العربية بما فيها من أصالة ورصانة وعراقة، كما أنّه خالص من مشاكل الجندرة وعنصريتها، فالمجتمع السوداني يرحّب بالمبدعة، والمبدعة السودانية لا تصطدم مع أسرتها ومجتمعها وثقافتها بل تستدرجها جميعاً من أجل الوصول إلى مبتغاها الإبداعي.

وذكر المادح أنّه من الجميل في التجرية الإبداعية النسوية السودانية إنّ كلّ مبدعة سودانية دعمها رجل آمن بها وبعطائها.فعائشة الفلاتية غنّت في الإذاعة السودانية بدعم من عبيد عبد النور مدير الإذاعة السودانية، وملكة الدار نشرت قصصها بدعم من متولي عيد.

كما أنّ الحركة الإبداعية النسوية في السودان كانت من أوائل الحركات الإبداعية العربية على الإطلاق، ففي عام 1953 أفتتح اتحاد المرأة السوداني على يد نخبة من الرائدات أمثال فاطمة محمد إبراهيم ود. سعاد الفاتح ود. خالدة زاهر، وفاطمة طالب. وقبل ذلك في عام 1947 أنشئت جمعية المثقفات السودانيات، كما نشرت أول قصة في العام نفسها للقاصة ملكة الدار محمد، كما غنّت أول سودانية، وهي عائشة الفلاّتية في الإذاعة السودانية إبّان افتتحها في العام 1940.

وانتقد طارق المادح تسّرع الكثير من المبدعات في نشر إبداعهن، وعدم تريثهن إلى حين نضوج تجربتهن الإبداعية.وإن دلّ ذلك على احتشاد المشهد السوداني النسوي بالمبدعات في جو يشجّعهن وينشر إبداعهنّ.

وفي سؤال للسيدة هيام ضمرة حول الجندر وإشكالياته، أكّد المادح أنّ المرأة المبدعة السودانية لم تعان من مشاكل العنصرية الجنسية بل الوضع كان على عكس ذلك تماماً.

وفي سؤال من الصحفي وسام نصر الله حول وضع المرأة السودانية في دارفور، وأثر المشاكل السياسية والجغرافية والعرقية على إبداعها، أجاب المادح أنّ المرأة السودانية تتعاطى مع ظروفها، وتجعل أدبها مطية لرسم ظروفها ومعاناتها وأحلامها، مشيراً في هذا المضمار إلى خصوصية المبدعة في دارفور لاسيما فيما يسمّى "بأدب الحكّامات" التراثي الضارب في عمق مئات السنين والمقصور على المرأة دون الرجل، لاسيما المرأة الحكيمة الفصيحة التي تستعمل العبارة السهلة الجميلة الموحية الموزونة في سبيل الحكم على رجال القبيلة سلباً أو إيجاباً، فمن تمدحه الحكّامات يعلو شأنه بين النّاس، ومن تذمّه الحّكامات فقد خمل ذكره إلى الأبد. 

وفي سؤال طرحته السيدة زهرية الصعوب عن دور المبدعة في دارفور فيما يجري الآن هناك من حروب أهلية، أجاب المادح بأنّ المبدعة السودانية ترفض هذه الحروب، وترفض أي تدخّل من الغريب المستعمر الذي تسمّيه "خضيّر" وتدعو إلى رأب الصدع، ووحده الأمة.

وقد طرح الشاعر د. إبراهيم خطيب سؤالاً حول موقف المرأة من جناية "الختان الفرعوني" الواقع على كثير من النساء في السودان، فأجاب المادح بأنّ هذه الظاهرة السلبية باتت في انحسار كبير بعد حملات التوعية الوطنية ووقوف المثقفين ورجال الدين والإصلاح ضدّها، لاسيما في خضم ارتفاع نسبة التعليم وانخفاض نسبة الأمية بحد كبير.

وقد نوّه المادح إلى دور المرأة السودانية في حركات التحرير الوطنية وحركات الإصلاح ردّاً على سؤال طرحه الشاعر العراقي مكّي نزّال حول هذا الدور إن كان موجوداً للمرأة السودانية.

وقد ختم المادح الأمسية بفخره بتجربة المبدعة السودانية التي رسمت لها وجوداً مهماً في المشهد الإبداعي العربي بل والعالمي.