تتناول الباحثة المغربية هنا موضوعات المديح النبوي المختلفة التي تناولها الشاعر المغربي المتصوف، والمغرم بالمدائح النبوية المختلفة التي تناولت صفات الرسول الكريم ومناقبه، والتشبيب بالأماكن المقدسة التي عاش فيها وبلّغ رسالته، والشوق لزيارتها كي يتوسف فيها بالحبيب المصطفى، دون أن ينسى صحبه، أو التغني بيوم مولده المبارك.

المديح النبوي في شعر ابن الصباغ الجذامي

الموضوعـات وجمالياتها نموذجـا

وفـاء الغـياتي

 

الملخص:
يهدف هذا المقال إلى التطرق لموضوع المديح النبوي في الشعر الصوفي المغربي، وذلك من أجل الكشف عن مفهومه وأسالبيه التعبيرية الفنية متخذين من شعر ابن الصباغ الجذامي نموذجا منه، ونظرا لأهميته وقيمته الأدبية المعروفة بين الباحثين والدارسين، اتخذت من قصائده نموذجا للدراسة، وذلك لما تحتويه من عمق روحي ورؤى دينية صوفية أسهمت إلى حد كبير في بلورة هذا الفن الرائد.

المقدمة:
يعد المديح النبوي من أهم الموضوعات البارزة في الشعر الصوفي، حيث أنشأت جل قصائد المديح النبوي في الأساس لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان لهذا الفن أهمية كبرى ومكانة خاصة عند المتصوفيين، لأن الله سبحانه وتعالى عظم نبينا صلى الله عليه وسلم ومنحه من كمالات الدنيا ما لم يمنحه لغيره من الأنبياء. فأخذ الصوفيين يرفعون من قدره ومكانته متذكرين به الجمال الرباني المطلق، لأنه يعتبر رمز الجمال الإلهي المطلق، ومصدر الأنوار الذي استمد منه الأنبياء نورهم وجمالهم. فكان الشاعر ابن الصباغ الجذامي من بين هؤلاء الذين ولعوا بهذا الجمال وبهذا الفن (المديح النبوي).

أولا- تعريف المدح:
1. لغـــة:

لقد عرفه ابن منظور في لسان العرب بقوله: "المدح نقيض الهجاء وهو حسن الثناء، يقال: مدحته مدحة واحدة، ومَدَحَهُ يَمْدَحُهُ مَدْحًا وَمَدْحَةً. هذا قول بعضهم، والصحيح أن المدح المصدر، والمدحة الاسم، والجمع مدح، وهو المديح، والجمع المدائح والأماديح"1.

أما الزمخشري فقد عرفه بأنه:"وصف الممدوح بأخلاق حميدة، وصفات رفيعة يتصف بها، فيمدح عليها، فهذا يصح من الخالق جل شأنه"2.

أما الفيومي فيعرفه بقوله: "المدح "مدحة" مدحا من باب نفع، أثنيت عليه بما فيه من الصفات الجميلة خلقية كانت أو اختيارية، ولهذا كان المدح أعم من الحمد، وقال الخطيب التبريزي: "المدح من قولهم انمدَحت الأرض إذا اتسعت فكأن معنى مدَحته وسعت شكره، ومدهته مدها مثله، وعن الخليل بالحاء للغائب وبالهاء للحاضر"3.

"المدح: مدح: مدحا ومدحه: أحسن الثناء عليه، ضد دمه، مادحه: مدحه، تمدح: افتخر بما ليس عنده، تكلف أن يمدح ويقرظ نفسه وأثنى عليها والرجل: مدحه: وإلى الناس: طلب مدحهم. تمادح القوم: مدح بعضهم بعضا، امتدح: اتسع. المدحة جمع: مدح: الاسم من مدح ما يمدح به، المديح جمع مدائح. والأمدوحة: جمع أماديح: ما يمدح به. الممادح: ضد المقابح"4. فالمدح إذن هو ذكر للشمائل والمناقب فنقول: مدحه أي أثنى عليه بما فيه من الصفات المحمودة قال الثعالبي:

وَكَـــمْ عُــلاَ لِلْمَــجْدِ شَيَّــدْتُهَا         تَــثْنِي عَــلَيْهَا أَلْــسُـــنُ المَــدْحِ5

وأضاف أبو البقاء الكفوي على المدح رأيا فلسفيا فقال: "المدح هو الثناء باللسان على الجميل مطلقا، سواء أكان من الفواضل أو من الفضائل، وسواء أكان اختياريا أو غير اختياري، ولا يكون إلا قبل النعمة، ولهذا لا يقال: مدحت الله، إذ لا يتصور تقدم وصف الإنسان على نعمة الله بوجه من الوجوه، لأن نفس الوجود نعمة من الله تعالى"6.

2.اصطلاحـــا:
لقد عرف عبد النور المدح بقوله على أنه: "تعداد لجميل المزايا، ووصف الشمائل الكريمة، وإظهار للتقدير العظيم الذي يكنه الشاعر لمن توافرت فيهم تلك المزايا"7.

في حين نجد ابن رشيق يرى: "بأن سبيل الشاعر إذا مدح ملكا أن يسلك طريقة الإيضاح والإشادة بذكره للممدوح، وأن يجعل معانيه جزلة وألفاظه نقية، غير مبتذلة وسوقية، ويجتنب مع ذلك التقصير والتجاوز والتطويل، حيث نجد "البحتري" إذا مدح خليفة يقلل الأبيات، ويبرز وجوه المعاني، فهو إذا مدح يصل إلى المراد مباشرة"8.

لذلك اعتبر العرب أن المديح من أبرز الفنون الشعرية على الإطلاق حيث رافق الشعر منذ نشأته الأولى، وعلى الرغم من التطورات التي طرأت على العملية الشعرية وعلى الشعر بالخصوص من حيث المفاهيم والمقاييس، فإن المديح لم يغب عن مسرح الشعر "بل ظل هو الأصل وسائر الفنون الشعرية هي الفرع، يتناوله الشعراء ويصرفون إليه عناية واهتمام، كأنه استقر في أذهانهم أن الشاعر خلق ليكون مدّاحا، فإذا نظم شعرا في غير المدح كان كالرامي الذي يرمي سهاما طائشة بعيدة عن إطار هدفها. فحلم كل شاعر أن يسخر عبقريته في هذا الاتجاه، فيجعل شعره بابا للرزق ومفتاحا للثروة، إلى أن طبع المديح العربي بطابع المديح وبات من الصعب أن نعثر شاعر عربي من العباقرة لم يصطنع المديح،لدرجة أن امتلأت الدواوين بهذا اللون، وغدت قصائدها تشكل القسم الغالب في نتاج الشعراء"9.

أما جميل حمداوي فيعرفه بأنه: "ذلك الشعر الذي ينصب على مدح النبي صلى الله عليه وسلم بتعداد صفاته الخُلُقِية والخِلْقِية، وإظهار الشوق لرؤيته وزيارة قبره، والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية،ونظم سيرته شعرا،والإشادة بغزواته وصفاته المثلى والصلاة عليه تقديرا وتعظيما"10. ومما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحق بالمدح والثناء على باقي الناس، إذ هو الذي أثنى عليه المولى عز وجل في كتابه العزيز: "لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمُ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِهِمـ يَتْلُوا عَلَيْهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُم الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ظَلاَلٍ مُبِينِ"11.

ثانيا- فن المديح النبوي نشأته وتطوره:
يعتبر المديح النبوي من أرقى الفنون الأدبية على الإطلاق، ذلك أن مضمونه روحي صادق، وفنه من الفنون الأصيلة في الشعر الديني، لأن "المديح النبوي يتعلق بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فشخصيته اجتذبت قلوب المسلمين وغيرهم ليمدحوه لعظمتها وسموها"12. فكان بحق صورة عن الأدب الرفيع الخالي من كل رياء "ولهذا النوع الشعري خطورته في مجال الدعوة الإسلامية، فهو شعر ديني ارتبط وتعلق بصاحب الرسالة المثل الإنساني الأعلى،والرسول صلى الله عليه وسلم شخصية إنسانية فريدة،استوجبت المدح والإشادة بفضائلها للاقتداء بها ولتصفو النفس بتمليها،وبذلك كان هذا الفن الشعري صادقا نابعا من إيمان راسخ بالنبي".13 فمضمون المديح النبوي هو مضمون متميز"يصدر عن شخصية الممدوح السامية والمشتملة على خصائص الإنسان الكامل"14.

لقد انطلق المديح النبوي في بادئ الأمر من المشرق الذي سرعان ما اخترق هذه البيئة ليأخذ مكانته اللائقة به، والتي استمدها من مكانة سيد البشرية الذي جاء يحمل كل خير للناس ويقربهم إلى بعضهم البعض، فبعد "أن كان العرب يعيشون في أطراف الأرض على نظام عجيب غريب لا تجمعهم دولة،ولا يلمهم سلطان ولا ينظمهم قانون واحد، يدينون طورا بالنصرانية، وحينا بالوثنية أو اليهودية مشبعة آراؤهم مختلفة مذاهبهم. يحيون على عشائر وقبائل تتناحر وتتصادم... فلما ظهر محمد صلى الله عليه وسلم في قريش ودعا إلى وحدة العرب واتحادهم واجتماعهم تحت دين واحد وراية واحدة، لينقذهم من فوضى تشل حياتهم وحروب تستنفذ قواهم واستعمار يستذلهم ويسترقهم، هزت دعوته القبائل ورؤساءها، وبلغت الممالك المجاورة وملوكها، فوقفت بين مصدقة ومكذبة، حتى إذا بلغها ما كان عليه هذا الرسول من تعلق والوفاء والقناعة والتواضع، ومن مقدرة في البلاغة والفصاحة والبيان والسياسة، ومن مكانة في الشجاعة وقيادة الجيوش، هالها أمره وأذهلها خطره، فانصرف بعضهم إليه وانصرف بعضهم عنه، ووقف له شعراء يتصدون للهجوم عليه كما وقف شعراء في الدفاع عنه وامتداحه"15.

وتعود بداية أشعار المديح النبوي مع تلك الدعوة الإسلامية التي ظهرت من خلال قصيدة "طلع البدر علينا"، ومع قصائد شعراء آخرين كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن زهير صاحب أشهر لامية " بانت سعاد"، يقول:

        بَـانَتْ سُـعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُـولُ         مُتَـيَّمٌ إِثْــرُهَا لَـــمْ يَــفْدَ مَكْبـُـولُ16        

وقد اشتهرت هذه القصيدة المدحية "بالبردة النبوية"،لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كسا صاحبها بردة مطهرة، تكريما لكعب بن زهير وتشجيعا له وللشعر الإسلامي، حيث ظهرت قصائد أخرى قيلت في هذا الباب كقصيدة الأعشى المعروفة والتي مطلعها، يقول:

           أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَــدَا        وَعَـادَكَ مَا عَـادَ السَّلِيمُ المُسَهَّـدَا17

ومن أهم الشعراء الذين ظهروا في العصر الأموي، وتحدثوا عن المديح النبوي "الفرزدق"،ولا سيما في ميميته الرائعة التي مدح فيها زين العابدين والتي استعرض فيها أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وفضائله وأخلاقه، ونوه فيها أيضا بآل البيت. يقول في مطلع هذه القصيدة:

        هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتُهُ         وَالبَــيْتُ يَعْرِفُــهُ وَالحِـلَّ وَالحَـرَمُ18

وقد ارتبط مدح النبي صلى الله عليه وسلم بمدح أهل البيت وتعداد فضائل ومناقب بني هاشم وأبناء فاطمة، كما عَرَفْنَا ذلك عند الفرزدق والشاعر الشيعي الكميت الذي قال في بائيته:

        طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إِلَى البِيضِ أَطْرَبُ      وَلاَ لَـعِبًا مِـنِّي أَذُو الشَّوْقِ يَلْعَـبُ19

كما يذهب الشريف الرضي إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم،وذكر فضائل ومناقب أهل البيت خاصة أبناء فاطمة الذي يجعل لهم مرتبة كبيرة ورفيعة، يقول في داليته:          شَـغَلَ الدُّمُوعُ عَنْ الـدِّيَارِ بُكُاؤُنَـا         لِـبُكَـــاءِ فَـاطِمَــةَ عَــلَـى أَوْلاَدِهَـــا20

وللشاعر العباسي مهيار الديملي أيضا مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وآل البيت، والإشادة بالأخلاق والصفات الحميدة للرسول صلى الله عليه وسلم،ولكن يبقى البوصيري من أهم الشعراء الذين عاشوا في القرن السابع الهجري، ومن أهم المؤسسين للقصيدة النبوية والقصيدة المولدية. يقول في الميمية الرائعة التي مطلعها:

        أَمَـنَ تَذْكُـرِ جِيـرَانٍ بِـِذي سَـلَــمٍ           مَـزَجْتُ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْـلَــةٍ بِــدَمِ

       أ مْ هَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ كَـاظِمَةَ         وَأَوْمَضَ البَرْقُ فِي الظَّلْمَاءِ مِنْ إِضَـمِ21

ومن الشعراء أيضا الذين تطرقوا إلى المديح النبوي وأغراضه الشاعر ابن نباتة المصري، الذي ترك لنا قصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم كهمزيته المعروفة والتي مطلعها:

        شُـجُونٌ نَحْوَهَا العُشَّـاقُ فَـاءُوا           وَصَـبٌّ مَــا لَــهُ فِــي الصَّــبْـــرِ رَاءُ22

وفي الحقيقة لا يمكن الفصل بين نشأة المديح النبوي في المشرق والمغرب، ذلك أن الحياة الفكرية بكل تجلياتها ومظاهرها في المشرق كان لها أثر كبير عند شعراء المغرب،ولكن مع بعض الخصوصيات أهمها ميل المغرب أكثر إلى الاتجاه الديني نظرا لبعدهم النسبي عن النظريات الفلسفية، وصلتهم بالمديح النبوي كانت عقب الفتح الإسلامي، لكن في بدايتها لم تكن غير إرهاصات إلى أن ظهرت أول نبوية مطولة وهي الموسومة بالشقراطيسية وقد ظهرت في الجنوب التونسي، وهذا في نهاية الثلث الأول من القرن الخامس الهجري. وقد جاءت هذه المطولة في ثلاثة وثلاثين ومائة بيت من البسيط، تناولت موضوع السيرة النبوية والفتوحات الإسلامية في الشرق والغرب، وقد لاقت اهتماما كبيرا من طرف الباحثين والدارسين23.

ثالثا- المديح النبوي في الأدب المغربي والأندلسي:
وإذا انتقلنا إلى رصد ظاهرة المديح النبوي في الأدب المغربي، نلاحظ أن الشعراء المغاربة كانوا سبَّاقين إلى الاحتفال بالمولد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نظم الكثير من الشعراء في هذا المجال مجموعة من القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم من خلال تعداد صفاته الخِلْقِيَة والخُلُقِيَة، بالإضافة إلى ذكر الأماكن المقدسة التي وطئها، فكان الشعراء ينظمون قصائدهم باستفتاحها بمقدمة غزلية صوفية تبرز عن مدى شوقهم لزيارة تلك الأمكنة المقدسة، لرؤية الحبيب صلى الله عليه وسلم، وعرضهم لذنوبهم العديدة طالبين من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لهم يوم القيامة، لتنتهي القصيدة بالدعاء والتصلية عليه24.

ومن أشهر المغاربة الذين تطرقوا إلى المديح النبوي نذكر مالك بن المرحل، الذي يعتبر من الأوائل الذين وظفوا المدح في أشعارهم. يقول في ميميته المشهورة التي يعارض فيها قصيدة البوصيري:

        شَـوْقٌ كَمَا رُفِعَـتْ نَارٌ عَلَى عَلَـمِ         تَـشُبُّ بَيْنَ فُرُوعِ الضَّــالِ وَالسَّلَـــــمِ25

وإلى جانب مالك بن المرحل، نذكر شاعرا آخر الذي كان له صيت قوي أيضا في شعر المديح النبوي ألا وهو الشاعر السعدي عبد العزيز الفشتالي، الذي يقول في إحدى قصائده الشعرية المعروفة:

        مُـحَمَّدٌ خَيْرُ العَالَمِيــنَ بِأَسْـرِهَـا           وَسَيِّـــدُ أَهْــلِ الأَرْضِ مِنَ الإِنْسِ وَالجَّانِ26

ونذكر أيضا القاضي عياض الذي خلف مجموعة من المؤلفات والقصائد الشعرية التي أغلبها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الأماكن المقدسة والتشوق لزيارتها. يقول في هذه الرائية:

        قِـفْ باِلرِكَابِ فَهَذَا الرِّيـعُ وَالدَّارُ            لاَحَـتْ عَـلَـــيْنَا مِـــنَ الأَحْــبَابِ أَنْوَارُ27

ومن شعراء الأندلس الذين اهتموا بالمديح النبوي وذكر الأماكن المقدسة لسان الدين بن الخطيب، الذي يقول في قصيدته الدالية:

        تَأَلَّـــقَ نَجْـــدِيًّا فَأَذْكَرَنـِـي نَــجْدَا            وَهَـاجَ لِي الشَّـوْقُ المُبَـرِّحُ وَالـوِجْـدَا

        وَمِيضٌ رَأَى بُرْدَ الغَمَامَةِ مُغَفَّلاَ          فَـمَـدَّ يَـــدًا بِالتِّــبْـــرِ أَعْمَـلـَـتِ البُـرْد28

لقد عني الشعراء المغاربة والأندلسيون كشعراء المشرق بالأمداح النبوية باعتبارها مظهرا يدل على صدق العقيدة، ومجلى يفصح عن المشاعر الروحية النقية نحو ذات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نما هذا الفن الإسلامي وتطور وازدهر في الشعر المغربي والأندلسي منذ عصر المرابطين، وتطور في إطاره ومحتواه إلى أن أخذ سماته المميزة في عهد الدولتين الموحدية والمرينية. فكان من أبرز المبدعين الذين ساهموا لهذا الفن وأصًّلوا له – المدح النبوي- في مضامينه وأشكاله خلال العصر الموحدي أمثال ابن الجنان الشاطبي، الذي كان له في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، كما قرر لسان الدين بن الخطيب "بدائع ونظم في المواعظ للمذكرين كثيرا"29، وعبد الرحمان بن يخلفتن الفازازي الذي وظف دواوين وأمداحا وقصائد عشرينيات في شمائل الرسول وحقه30، وأبو الحسن الغرناطي الذي أوقف أشعاره على مدحه عليه الصلاة والسلام، وابن خبازة الذي كفر عن أمداحه التي قالها في الحاكمين بأمداح نبوية رائقة خص بها الرسول صلى الله عليه وسلم31، كذلك نجد من مظاهر العناية بالأمداح النبوية ظهور فن السير والعناية به لدى الحكام والمؤرخين والأدباء، فقد ألف أبو العباس أحمد العزفي كتابه "الدر المنظم في مولد النبي المعظم"32،والذي أكمله بعده ابنه أبو القاسم العزفي حاكم سبتة33، كما ألف أبو الخطاب عمر بن حسن ابن دحية الكلبي المعروف بابن الجميل كتاب التنوير في مولد السراج المنير34، كما ألف غيرهما من معاصريهما تآليف وتصانيف في هذا الغرض35.

ومن المعروف أن البيئة المغربية كانت تقيم لذكرى المولد النبوي أو المولوديات، ولسائر الذكريات الدينية أعياد ومواسم كان يحتفل بها الحكام والأعيان والعلماء والعامة والأدباء، ويفتنون في الاحتفال بمناسبتها بالإكرام والإنشاد، وإيقاد الشموع، وتلاوة الأشعار والقصائد في التغني بالذات الكريمة36، والتنويه بشمائلها المتفردة، وقد دعت هذه المناسبات من المقامات التي كان يبرز فيها المبدعون مواهبهم وملكاتهم الأدبية ويظهرون خلالها فنهم وإلمامهم بالسيرة والتاريخ وتحصيلهم لمتن اللغة وألفاظها وعبقريتها، فعظّم بذلك فن المدح النبوي وقويت أشكاله ومضامينه37.

رابعا- موضوعات المديح النبوي في شعر ابن الصباغ الجذامي:

1: موضوع صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخِلْقية والخُلُقِية:
يعتبر هذا العنصر من أهم المضامين التي تناولها الشعراء في قصائدهم، لأنه يمثل الموضوع الرئيس والأساس في الشعر الصوفي ونال عناية كبيرة من قبل الشعراء،لأنه يتوجه في الخصوص إلى مدح شخصية ليست ككل الشخصيات "وفيه تتحقق عملية استحضار الرسول صلى الله عليه وسلم على نحو بالغ الكمال والجلال جامع الأوصاف،يلملم فيها الشاعر المجد والعظمة للرسول صلى الله عليه وسلم من جميع أطرافه خُلُقا وخِلِقا قولا وفعلا"38.

وعلى الرغم من قلتها إلا أنه وجدت أبياتا تناول فيها الشاعر ابن الصباغ الجذامي شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال تعداد صفاته الخِلِقية والخُلُقية التي تبين لنا معالم صورته،حيث خصص الشاعر للتنويه بحقيقته الخِلقية باعتباره الإشراقة والنور، يقول:

        هُوَ خَـيْرُ خَـلْقِ اللهِ وَالمُـخْتَارِ مِـنْ        أَعْـلَــــى نُـجـَـارٍ جُـلَّ عَـنْ أَنْـــدَادِ

        هُوَ مُنْتَـهَى أَمَلِي وَمَلْجَأَ مَـفْزِعِـي         هُـوَ شَـمْسُ إِيمَانِي وَبَـدْرَ رَشَـادِي

        هُوَ عِـصْمَتِـي مِمَّا أَخَـافُ وَحُــبَّهُ           يَوْمَ القِــيَامَةِ لِلْخُـــطُوبِ عِــمَادِي

        إِشْرَاقُ كُـلِّ النَّـيِّـــرَاتِ وَحُسْنَــهَا           مِــنْ نُــورِ حُسـْـنٍ شِهَابُهُ الوَقـَّــادِ39.

وأمام هذا التكريم الرباني وقف الشاعر أمام هذه الحقيقة المشرقة بالأنوار، والتي تشبه نور القمر والشمس التي لا يضاهيها نور، بحيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نورا بأخلاقه وخِلْقِه، إذ عطر الآفاق وعرف بعلى قدره وحسن ثنائه، وكيف لا وهو الذي حاز على أحسن المكارم، يقول:

        لَهُ الشَّمْسُ وَالأَقْمَارُ تَعْـنُو مَهَابَةً        وَلِمَ لاَ وَذَاكَ النُّــورُ قَدْ خَرَقَ الحُجُــبَا

        لَقَدْ عَطَّـرَ الآَفَـاقَ عُـرْفَ ثَـنَائِــهِ          كَمَا طَبِـقَتْ آيَـاتُهُ الشَّـرْقَ وَالغَــرْبَــا

        عَلَى كُلِّ ذِي مَـجْدٍ وَفَخْرٍ وَسُؤْدُدٍ         بِـمَا حَـازَهُ مِنْ مُـكْرَمَاتِ العُـلاَ أَرْبَى40

فالشاعر كغيره من الشعراء الصوفية يرى أن شيء خلقه الله في هذا الكون هو معنى الحسن والجمال ومجلى الكمال،لأن "كل كمالات الدنيا إنما هي عبارة عن خردل أمام هذا الجمال،فهو أصل الجمال والكمال وجوهر المحاسن الذي انبثق منه في الخلائق"41. فهو يرى في جمال الرسول صلى الله عليه وسلم الإشراق والضياء والبدر الذي كمل بهاءه،فهو يعتبر القمر الزاهر والنور الباهر والمجد الفائق،وهذه الحقيقة هي غاية تطمح إليها كل ذات عاشقة، يقول:

        لِأَحْمَـدٍ بَهـْــجَــهْ كَالقَـمَرِ الـزَّاهِـرْ فِـي أَبْـُرجِ السَّـعْــــدِ

        عَــلاَؤُهَا يُـسْبِـي بِـنُورِهِ البَــاهِــرْ كُــلٌّ سَـنَـــا مَــجْـــدِ

        بِالـبَدْرِ وَالشَّـمْسِ يُـزْرِي مُحَيـَّـاهُ فـَحَـــلَّ عَـــنْ نـِـــــدِّ42

فالشاعر عندما يصف الجمال المحمدي إنما يريد في الحقيقة إبراز التجليات الإلهية المستمدة من الجمال المطلق في الجمال المقيد،فهو يرى في جمال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم السعد والنور الذي أضاء الكون بطلعته وأحياه بصورته البهية منذ اللحظة التي خرج فيها إلى الدنيا، يقول:

        لِأَحْـمَدِ المُصْطَفَى مَــقـَامُ

        جَـلَّ عـُـــلاَ فـَــلاَ يُــــرَامُ

        بِــنُورِهِ يـَــهْتَدِي الأَنَــــامُ

        فَـأَيُّ شَــمْسٍ وَأَيُّ بَــدْرٍ

        قَـدْ أَطْــلَعَتْهُ لـَـنَا السُّـــعُودُ43

وقد أشار أيضا إلى صفة الإشراقة والنور التي كانت تلازم الرسول صلى الله عليه وسلم ماديا وروحيا،وما تضفيه على شكله من جمال ونور فهو كامل الخلق عظيم الخُلق، وبحسنه أنار كل الوجود، يقول:

        أَنْــوَارُ غُـرَّتُهُ وَحُسْنُ بَــهَائِهَـا مِــنْهَا الشُّـــمُوسُ تُضِيءُ وَالأَقْــمَارُ

        وَلِطِيبِ نَفْحَةِ ذِكْرِهِ تُحْكَى لَــدَى أَسْــحَارِهـَــا غِـبٌّ السَّــمَـا الأَزْهـَــارُ44

ثم ينتقل إلى امتداح جملة من الشمائل والصفات واصفا أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، حيث حرص الشاعر في هذه الأبيات على تقديم أدق صفات النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أخلاقه الكريمة فبذكره تميل قلوب العاشقين، يقول:

        إِذَا ذُكِــرَتْ أَمْــدَاحُ مَـجْدِ مُحَمَّــدٍ فَــنَشْرُ فَــتِيــــقِ المِسْكِ وَالنَّــدِ يَــنْفَحُ

        وَإِنْ تُـلِيَتْ آيَـاتُ فـَــخْرِ عـَلاَئِــهِ فَـأَطْيَارُ دَوْحِ الشَّـوْقِ وَالـوِجْدِ تَـصْدَحُ

        لِـذِكْرِ جَــلاَلِ الهَـــاشِمِيِّ مُـــحَمَّدِ تَــــمِيلُ قُــلُوبُ العـَـاشِقـِـــينَ وَتَــجْنَحُ45

ونجده في قصيدة أخرى لا يخرج عن هذه المعاني من خلال تعداد صفات النبي صلى الله عليه وسلم،بحيث يشير إلى أنه جاء بنور الدين الإسلامي الذي استنارت به طريق العباد،ليكون بعثه حدا فاصلا بين عهد الضلال والكفر وعهد الهدى والحق والرشاد باعتباره رسول الله إلى كافة الناس. فالشاعر في هذه الأبيات يمتدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويذكر أنه أعظم من تلقى الرسائل وبمجيئه انجلى ليل الضلالة وعم الكون بنوره وبأخلاقه لأنه الرحمة التي أنزلها الله على عباده، يقول:

        تَـخَذْتُ بِأَمــــــْدَاحِـي لِأَحْمَدَ مَذْهَــبَــا        فَـــيَامَـــا أَلَـذَّ المَـدْحَ فِـيهِ وَأَعْــذَبَــا

        بِهِ كُـــلُّ جَــدْبٍ لِلْمَآثــــِرِ أَخْــصَـــبَــا        نَــبِيٌّ كَــرِيمٌ لِلرِّسَـــالَةِ مُــجْــتَـــبَـى

        رَسُــولٌ رَحِـيمٌ صَـادِقُ كُـلَّ مَــوْعِدِ         

        عَلَى الشِّرْكِ بِالإِيـمَانِ قَدْ سَلَّ مُرْهَفَـا     فَــأَحْيَا بِـهِ رَسْـمًا مِنَ الدِّينِ قَدْ عَفَــا

        وَكَــرِّمْ مَـــنْ بِالــوَعْـدِ للهَ قَـدْ وَفَـــى         تَــخَيَّرَهُ الرَّحـْــمَنُ خِــلاًّ وَمُصْطَفَــى

        وَخُـصَّ بِــتَكْرِيمٍ وَعِـــــزٍّ مُـــخُلَّـــدِ

        بِتَعْــــظِيمِهِ آيُ المُنُـــزَّلِ أَعْــلَنَــــتْ         وَأَلْسـِـنَةُ البُـــرْهَانِ عَنْ ذَاكَ أَفْصَحَتْ

        سَـقَى دَوْحـَةَ الإِيمَانِ رَيًّـا فَأَوْرَقَــتْ        هَــدَيْنــَا بِــهِ بَعْدَ الضَّـــلاَلِ فَأشْرَقَـتْ

        شُــمُوسِ هِدَايَاتِ إِلَى كُلِّ مُهْـتَـدى46

2- موضوع الأماكن المقدسة والشوق لزيارتهما:
لقد نظم الشعراء الصوفيون قصائدهم حول شوقهم إلى البقاع المقدسة، وذلك لارتباطها بأعظم مخلوق عرفته البشرية سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- واحتوائها لقبره، بحيث نجد الشعراء يلتفتون إلى هذه الديار المقدسة لأن "أرواحهم تتشوق لزيارة قبر الرسول الشريف ومجده العفيف،فقد اتفق المسلمون على أن هذه الزيارة تعتبر من أعظم القربات وأرجى الطاعات وهي السبيل إلى الوصول إلى أعلى الدرجات"47. والملحوظ أن الشعراء كانوا دائمي الشوق إلى الأماكن المقدسة وإلى أرض الفتوحات المكية بصفة عامة سواء كانت حجازية أو شامية، لأن أغلب قصائدهم تتحدث عن ذكر الحادي والعيس ووصف الرحلة وإعداد السفر لها،وهي في الغالب رموز وإشارات وتلويحات إلى مواطن الحضرة الإلهية، مما دفع الشعراء إلى نظم قصائدهم حول شوقهم إلى الأراضي الحجازية ومعالمها وحب ساكنيها ووصف النياق، والرحلة إليها، ووصف البرق، والريح، والسحاب، والنسائم، التي تهب نحوهم والدعاء لهم بالسلامة ولديارهم بالسقيا والعمران48.

وقد اتسمت القصائد الحجازية بكونها جنس من الأجناس الأدبية "يرتبط من حيث موضوعه ومضمونه بما ينظم في الحنين إلى الحج والشوق إلى زيارة البقاع الشريفة،والشكوى من الموانع والقواطع،فالقصيدة تنصرف كلها إلى ما يعانيه ناظمها ويكابده من شوق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم،وكثيرا ما يصطنع الشعراء أساليب العشاق من المتصوفة وشعراء الغزل فيذكرون الأيام الخوالي التي قضوها مع المحبوب،ويتحسرون ويتفجعون شأن العشاق الوامقين،وتنتهي الحجازيات بالتوسلات فيذرف الشاعر الدموع،ويتذلل ويستسلم، وقد تنتهي أيضا بإجراء التحية إلى المحبوب،وهو هنا الرسول صلى الله عليه وسلم"49.

وتعتبر القصائد الحجازية أو الحجازيات بمثابة فن مستحدث أو تقليد للقصائد النبوية، بحيث تجسد الشوق إلى زيارة الأماكن المقدسة وتفيض حبا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان المغاربة من المبرزين والمبدعين لهذا اللون الشعري، لذا أحب ابن الصباغ الجذامي (نجد، طيبة، العقيق، يثرب) وغيرها من الأماكن الحجازية المذكورة في شعره، وهذا ما يؤكد بأن الشاعر كان دائم الشوق إلى الأماكن المقدسة، لأنه كان يبحث دوما من وراءها عن الحقيقة الكامنة في الذات الإلهية، والتقرب إليها نيلا المحبة الخالصة لله تعالى.

يقول ابن الصباغ الجذامي واصفا الأماكن الحجازية:

        تَـحِــــنُّ إِلَـى نَـجْـدٍ وَتَـشْـتـَـــــاقُ يَـثْـرِبـَا      وَمَـا شَـوْقُـهَـا إِلاَ لِـتـُــــرْبِ شَـفِـيـعِـــهَـا

        فَـلَـوْ نَـزَعْـتَ نَـحْـوَ الحَـبِـيـبِ بِـقَـصْـدِهَـا    وَسـَـاعَــدَهـَا الإِسْـــعَـافُ عِنْدَ نُزُوعِــهَا

        لِأَيْـنَــعَ رَوْضُ الـــقُـرْبِ بَعْـدَ انْــذِبـَــالِــهِ     وَأَخْـضَـلَ بَعْـدَ الجَـدْبِ عُـشْـبَ رَبِـيعِـهَـا

        وَلَـكِـنَّهَا الأَيَّــامُ دَانَــتْ بَـيْـنَهَا             فَـتُـهْـمَى دُمـُـوعٌ ضَــرِجَــتْ بِـنَجِـيعِــهَا50

فالشاعر في هذه القصيدة يلجأ إلى ذكر " نجد" وإبداء الشوق لها،لأنها مكان مقدس يهفو إليها فؤاده لارتباطها في مخيلته ببيت الله الحرام ومكان قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام،لذا فهو لا يمل من تصوير شوقه إلى يثرب وحنينه إلى نجد باعتبارهما مكانان مقدسان لبلوغ حضرة المحبوب المطلق،فهو يعتزم السلوك في هذا الطريق عساه أن يحظى بلقائه.

كما نجده دائم الشوق لمعشوقه تهيج أشواقه إليه كلما هبت نسمات نجد،فهو يسأل نسمة الأسحار القادمة من أرض نجد هل سيكون لديه فرصة في زيارتها،لأنه لم يعد لديه صبر على بعدها، يقول:

        أَلاَ يَـا نَـسْـمَةَ مِنْ أَرْضِ نَــجْــدٍ           مَـتَـى يَـجِـدُ المُـشَـوِّقُ لَـهُـمْ سَـبِـيـلاَ

        مَـتَى تُـدْنِــيـهِ نَـحْـوَهُـمْ اللَّـيَـالِي            فَـيُـلْـفَـــى فِـي مَـنـَــازِلـِهِمْ مَـقِــــيـلاَ

        مَـتَى فِي سَـاحَةِ الأَحْـبَابِ يَوْمًـا          يـَـــجُـرُّ بِـقُـرْبِـهِــمْ زَهْــــوًا ذُيُـــولاَ

        لَـعَـلَّكَ يَـا صَـبَـا الأَسْـحَارِ عَـنِّي           تَـكُــونِـي نَــحْـوَ أَحْـبَـابِـي رَسُـــولاَ51

إن نجد من الأماكن التي حظيت باهتمام الشاعر لما ترمز له إلى مواطن الحضرة الإلهية، فلا غرابة في تقديس نجدا رمزا لحمى الحبيب ومهبط الوحي الكريم "فهي تدل على مواطن الحضرة الإلهية، والمقامات المحمدية وكما احتضنت الأماكن الحجازية المقدسة بالرسالة المحمدية،فهي جديرة كذلك بأن تهيء الحيز المكاني الأمثل لتلقي الواردات الإلهية بوصفها مواطن قديمة مباركة تعبق بشذى النبوة، وتشهد على الرابط النوراني الذي انعقد بالأمس بين الأرض والسماء"52.

وها هو ابن الصباغ الجذامي يعبر أيضا عن ملامح الشوق التي ترتسم واضحة في المكان الذي ذكره، وحنينه الآسر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تستعير نيران الشوق واللهفة لدى الشاعر لرؤية هذا المكان وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول:

        بِـحَقِّ شَوْقِي لِـسَاحَاتِ العَقِيقِ إِذَا        مَا جِـئْتُمْ أَرْضَ دَارِ المُنْحَنَى فَـانْـزِلُـوا

        بِـهَا وَقـُولُوا غَرِيبٌ نَـــازِحٌ                بِـالغَـرْبِ أَضْحَى وَعـَنْهُ سُـدَّتِ السُّـبُـلُ

        لِأَرْضِ طِـيبَةِ تَـاقَتْ نَفْسَـــــهُ              فَانْثَنَى بِــــذِكْــــرِهَـــــا.

        لِمَ لاَ وَفِـيهَــا ثَـوَى مُـخَـيَّمًا سَــيِّـــدٌ         بِـفَـضْلِهِ تَـشْهـَـدُ الأَمْــلاَكُ وَالــرُّسـُــلُ53

فهو يذكر شوقه وحنينه إلى الديار وكذا طيبة،ويدعو الله أن يطيل في عمره حتى يحظى بزيارتها، لأنه يرى بأن السعادة الحقيقية تكمن في كل من نال الوصول إليها، يقول:

        وَقَـدْ كُنْـتُ لِلْأَحْـبَابِ تُـفْنَى صَـبَابَةً        وَلَـكِنْ أَرَاكَ اليَــوْمَ عَـنْـهُـمْ مُـجـَـانِــــبَا

        إِلَى طِـيبَةَ أَرْضٌ بِـهَا خُـيِّـمَ العُــلاَ         فَـحُــثَّ رِكَـابَ العَـزْمِ تُـعْـطَ الرَغـَـائِـبَا

        بِـزَوْرَةِ قَـبْــــرِ الهَاشِـمِيِّ مُـحَـمَّـدِ           تَـنَـالُ المُـنَى حَـقًّـا وَتُـجْـنَى المَوَاهِــبَا54

كما نجده يتحدث عن الركب المرتحل إلى الديار المقدسة، بحيث مزج بين المعاناة التي يتكبدها وأثر الشوق والحنين إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلهفه إلى زيارتها للوصول إلى خير الأنام صلى الله عليه وسلم، يقول:

        وَاعْمِـلْ عَـلَى تِلْـــكَ المَـعَاهِدِ رِحْـلَةُ وَاطْـوِ السُـبَــابَ لِلْبَـقِـــيعِ الغَـرْقَــدِ

        فَـعَسَاكَ تُـمْنَحُ إِنْ حَــلَلْتَ بِهِ الرِّضَـا وَتَـنَـالُ سَــعْــدًا فِـي مَـقَـامِ أَسْــعَــدِ

        يَـا حَـادِي الأَجْــمـَــالِ يَـأْمـَلُ طِـيبَــةً مَـهْمَـا بَـلَغْـتَ مَـقَـامَ ذَاكَ المَـعْـهَــِد

        أَوْ جِـئْتَ أَكْـنَافَ الحِـمَى وَالمُـنْحَـنَى بَـلِّـــغْ تَـحِـيَّةَ مُـسْـتَـهـَـــامٍ مُـكَــــمَّـدِ

        يَـشْدُو عَلَى بُـعْدِ الدِّيـَـارِ وَشَـحْـطِـهَا بِـلِـسَانٍ شَــادٍ فِـي الغُـصُـونِ مُـغَـرَّدِ

        أَتَـرَى الـزَّمَانَ يُعـِيدُ لِي مَا قَدْ مَضَـى فَـأَرَى وَحُـكْمَ السَّـعْدِ فِـيكُـمْ مُـنْـجِدِي55

فهو يرغب في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم،حيث يمزج حنينه وشوقه من خلال جمعه بين مدينة طيبة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول:

        بـِطِـيـبَة سَــولِــــي وَقَـبْرِ الـرَّسُــولِ إِلَـيْـهِ خـَــلِــــيـلِي فَـحُـثَّ الـرَحـِيـــلاَ

        فَـنَى الصَـبُّ بَـرْحـًا وَحُــزْنــًا وَنـَـوْحَا وَبِالغـَــرْبِ أَضْحـَـــى غَـــرِيـبـًـا ذَلِـيـــلاَ

        يُــــؤَدُّ المُــعَـــنَّـــى لَوْ أَنْ قَدْ تَغَنَّــــى لَـدَى الصَّبِّ مُضْنَـى فَـيَحْـدُو الحُــمُولاَ56

ويواصل الشاعر في هذه الأبيات إلى وصف تلك الركائب السائرة إلى أراضي الحجاز،وما خلفته هذه الركائب من أليم الشوق والحزن في نفس الشاعر لعدم ذهابه معهم،بحيث يصف حاله بعد تخلفه عن الركب ومدى اشتياقه لزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم،وأنه بقي لوحده يتألم واعتبر أن كل من في الركب قد فاز وحظي بهذه الرحلة إلى البقاع المقدسة، يقول:

        لَـمَــا عَـدَمْــتُ تَـصَبُّـرِي وَتَـجَـلُّــــدِي طَـارَحْتُ فِي الأَسْـحَــارِ كُـلَّ مُـغَـرِّدِ

        وَشَـدَوْتُ هَـلْ مِـنْ مُـسْعِـدٍ أَوْ مُـنْـجِـدِ يَـا قَـاصِدًا نَحـْـوَ الـنَّـبـِــيِّ مُـحَـمَّــدِ

        حُـثَّ الـرِّكـَابَ لِـزَوْرَةِ المُـخْتـَارِ

        أَرَضٌ بِـطِـيبَةَ إِنْ مَنَحْـتَ مـَـزَارَهَـا أَوْ أَبْـصَرْتَ لَـمَـحَاتِ طَرْفِكَ نَارَهـَا

        أَوْ جِئْتَ يَا حَـادِيَ الظَعَائِــنِ دَارَهَا قَبِّـلْ بِطـِيبَةَ تُـرْبَهَـــــا وَجِــدَارَهـَـا

         بِـاللِه عَـنْ مُضْنَـى بَعِـيدِ الــدَّارِ

        حُـثَّ المَـطَايَا قَـابِـــلاً أَعْــذَارَهـَـا وَاجْهـَدْ بِحَـثِّ مَـسِيرَهـَا أَكْـوَارَهـَا

        حَـتَّى إِذَا قَـرَّتْ هُـنَـاكَ قَـرَارَهـَــا فَـاحْلُلْ بِـمَكَّةَ وَالْـتَمِسْ أَنْـوَارَهـَــا

         وَاهْـنُأَ بِـمَا قَـدْ حـُزْتَ مِـنْ أَنْـوَارِ57

يصف الشاعر في هذه القصيدة شوقه وحنينه إلى تلك البقاع المقدسة لما يعتريه من رغبة وشوق عارمين للوصول إلى تلك الديار،وغالبا ما يصور حرقته وأساه لعدم زيارة تلك الأماكن المقدسة وشوقه إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.فالشعراء الصوفية حينما "تشتد بهم الأشواق ويجرفهم الحنين تتضافر قلوبهم وترحل أرواحهم مع الراحلين،ولا يبقى لهم إلا تلك الأجسام المحطمة التي أضناها الشوق وحالت الظروف بينهما وبين الرحيل مع تلك المواكب المحظوظة"58. ومما زاد من جمال هذه الأبيات تلك النغمة البديعية والجرس الموسيقي اللذين وظفهما الشاعر،بالإضافة إلى الجناس البديعي الذي سيطر على الأبيات منذ بدايتها إلى نهايتها فأعطاها قيمة جمالية رفيعة شكلت من خلالها ثنائيات موسيقية متناسقة وذلك في قوله: (تصبري/ تجلدي)، (مسعد/ منجد)، (مزارها/ نارها)،(دارها/ تربها/ جدارها)، (أغدارها/ أكوارها)، (قرارها/ أنوارها)، (مشهدا/ مقصدا)، أوجاله/ ظلاله)، (منقذي/ منفذ)، (إلمامه/ ذمامه)، (بعاده/ ناده)، (عباده/ مراده).

وما تستشفه من هذه الأبيات شوق الشاعر الكبير لزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم والوقوف على الأماكن المقدسة،لأن الغرض الأساس من الذهاب إلى تلك البقاع المقدسة هو زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب الشفاعة منه. ثم يسأل الشاعر الركب الراحلين بأن يبلغوا أشواقه وحنينه إلى النبي الكريم،فيصف ركب الحجيج وكل الآثار التي تركوها عالقة في نفسه والتي لا يمكن محوها من أثر الشوق والحنين، فهذا المنظر عادة ما يثير أشواقه ويجعل روحه تسافر مع القافلة الذاهبة إلى تلك الديار، يقول:

        سَـأَعْمَلُ لِلْأَحْـــبَابِ سيَـْـرَ رَكَـائِبِي وَأَقْـطـَــعُ بَـحْــرًا لِلْمَـعَالِـي وَسَــبَــــبَـا

        فَـَقدْ شُـمَّت مِنْ تِـلْقَاءَ يَثْـرِبَ بَارِقًا وَقَـدْ طَابَ عَـيْـشِي بِالحَبِــيبِ وَأَخْصَـبَـا

        أَلاَ فَاعْجَبُوا قَلْبٌ تَـرَحَّـلَ مَـشْرِقـَـا وَغَـادَرَ جِـسْمًا قَـدْ تَـوَطَّــنَ مَــغْــرِبـَــا

        فَـمَنْ مُبْلِغَ عَـنِّي الأَحِبَّــةِ أَنَّ لِـــي فُـؤَادًا بِـنَارِ الشَّـوْقِ أَصْـبَحَ مُـلْــهِـبَـــا

        عَلَـى الطَّـاهِرِ الأَزْكَى العَلِّيِّ مُـحَمَّدِ وَأَصْـحَـابِـهِ السَّامِينَ فِي المَجْدِ مَنْصِبَا59

يصف الشاعر في هذه المقطوعة شوقه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، فيناجي الراحلين إلى تلك الديار المقدسة أن يبلغوا سلامه إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وينبئونه بنار الجوى التي سكنت أحشاءه لشوقه له واشتياقه لرؤياه، فقد برزت هذه الأبيات عن مقدرة الشاعر الفنية إذ كشفت عما يجول في نفسه من مشاعر وأحاسيس وعواطف وانفعالات.لذا سار الشاعر على منهاج من سبقوه من الصوفية بحيث كانت أشواقه قوية كالسيل الجارف والتي تدل على أنه: "كان يتمتع بتباريج الأشواق لأنها تمكنه من العيش بخياله بين تلك الربوع التي تهفو إليها قلوب المؤمنين من مشارق الأرض ومغاربها"60.

3- موضوع التوسل والتشفع:
يعتبر موضوع التوسل والتشفع من أهم الموضوعات المتناولة في قصائد المديح النبوي، بحيث لا تكاد تخلو قصيدة من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والتوسل به والصلاة عليه، ومهما كانت الأسباب الموضوعية التي تحدو بالشعراء إلى نظم المديح النبوي، تبقى الأسباب الذاتية هي المحرك الفعلي لهذا التوجه، أو تصبح الأسباب الموضوعية أسبابا ذاتية، والشاعر يريد من وراء مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والثواب على مدحه أن يفرج الله كربه ويديم نعمه عليه، ويغفر ذنوبه، لذلك حرص شعراء المدائح النبوية جميعهم على التوسل برسول صلى الله عليه وسلم وطلب المغفرة من الله تعالى61.

يعد عنصر الشفاعة والتوسل من أدق المواضيع التي تمثل قمة التعبير عن قرب العبد من ربه،وما يؤكد ذلك خلو الدعاء من مطالب الدنيا، كسعة الرزق، ورغد العيش، وما يدخل في مدار زخرف الدنيا وزينتها. ويتسم عنصر التوسل والتشفع بنغمة حزينة وبالأسى في وسيلة التعبير عنه،وغالبا ما يستدعي الاستعطاف والتفاعل مع الشاعر، بحيث يكون دعاء التوسل والتشفع من أسمى ما يدعوا به الشاعر، لأنه وسيلة الوحيدة لغفران ذنوبه وخطاياه وذلك طمعا في الجنة، فنجده يصور نفسه بأنه غارق في الذنوب والخطايا إلا أن أمله موجود بالدعاء والتوسل، وهذا ما نجده عند شاعرنا ابن الصباغ الجذامي حيث يقول:

        أَتَـرَاكَ عَـمَّا قَـدْ جَـنَـــاهُ تَـــصْفـَحُ فَـبِـقَلْبِهِ نَـارُ الـتَّـأَسـُّفِ تـَــلْــفَـــحُ

        لِلْعَـفْوِ يَجْنَحُ فِي الشَّدَائِدِ خَاطِــرِي وَلِـعَـفْــوِكُمْ عِنْدَ الشَّدَائِــدِ يَــجْـنَـحُ

        يَا وَيْـحَ مَنْ سَـــتُرَتْ عَلَيْهِ عُـيُوبَهُ إِنْ كَانَ فِي يَـوْمِ القِــيَامَةِ يَفْـضَـحُ

        مَنْ لِي إِذَا عَـرَضْتُ عَلَيْكَ جَــنِيَّتِي إِنْ لَمْ يَكُنْ لِـي بِالتَّــجَاوُزِ تَــسْمَـحُ

        أَتَــرَى تُعـَـذِّبُ مُـسْلِمًا وَلـِـسَـــانُـهُ بِـشَهَــادَةِ التَّـوْحـِيدِ فِيـكَ يُـــصَـرَّحُ

        إِنْ أَثْـقَـلَتْ أَعْـبَاءُ ذَنْـبَ ظَــهْــــرِهِ فَـبِفَضْـلِهَا الأَعْــبَاءُ عَـــنْهُ تُــطْـرَحُ

        تَاللهِ لَأَبْـــــرَحَ العَــمِيدَ بِـبَــاكِـــــمْ فَـلِغَيْرِكُمْ آمَـــالَــهُ لاَ تـَـــطْـــمَــــحُ

        فَلْتَقْبَلُوا أَوْ تَـطْــرُدُوا أَوْ تُبْعِــــدُوا عَـنْكُمْ حَــلِيفَ بِــعَادِكُـــمْ لاَ يَـبْـرَحُ

        فَـاغْـفِرْ لِهَذَا مَا جَنَـاهُ وَكُـــنْ لِذَا فَـفُـؤَادَهُ بِـسِهـَامِ بُــعْدِكَ يَــجْــرَحُ

        خُرِسَ اللِّسَانُ عَنِ الكَـلاَمِ مَهَابَةً وَإِشَـارَتِـــي عَـمَّـا أُرِيــدُ تَـــلُــوحُ62

والناظر إلى هذه الأبيات، يجد أن الشاعر اعتمد في الحديث عن الشفاعة والتوسل من خلال إشارات مقتضبة والتي غالبا ما تأتي في سياق البكاء، والحديث عن الذنب والتقصير دون الخوض في التفاصيل، فالشاعر يتحسر على ضياع عمره إن لم يغفر له المولى عز وجل زلاته وغفلته، لذلك افتتح أبياته طامعا في المغفرة باعتبار أن الدعاء هو الوسيلة الوحيدة لكي يغفر له الله بها ذنوبه، ولأن الشاعر في مقام التوسل فقد طغت على الأبيات نغمة حزينة من خلال أصوات السين الدالة على الحزن والأسى والتاء والحاء الذي استخدمه الشاعر كحرف دال على الحرقة والندم على ما فات.

وبعد أن رانت الأحزان وتوالت الآلام وثقلت وطأة الندم على قلب الشاعر، واشتد إحساسه بالذنب والتقصير في أداء واجبه كما أمر الله سبحانه وتعالى، وإحساسه بالعجز في الكثير من الأحيان، جعله يلتجئ إلى ملاذه وحبيبه الرسول صلى الله عليه وسلم متضرعا ومتشفعا له عند الله أن يرفع عنه هذا الضر، ويعمه برحمته ويغفر ذنوبه وزلاته، بحيث نلفاه غير يائس من انقطاع الرجاء والأمل، مبديا حسن الظن في النجاة بشفاعة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فيخاطب النبي الكريم مستفيضا في التضرع والدعاء والشكوى إليه راجيا العفو والغفران من ذنوبه التي ثقلت نفسه المتعبة، فيقول متشفعا برسول الله صلى الله عليه ومستجيرا من ذنبه:

        مَـضَى جُـلُّ عُـمْرِي فِي التَّبَاعُدِ وَالصَّـدِّ نَـدِمْـتُ وَهَلْ تُغْـنِي النَّـدَامَةُ أَوْ تُـجْــدِي

        أَيَا مُرْشِدِي وَقَـفَ عَــلَيْكَ غَـدًا رُشْــدِي إِلَـيْكَ مَـدَدْتُ الكَـفَّ يَا مُنْتَـهَى قَـصْــدِي

        وَمِـنْكَ رَجَـوْتُ العَـطْفَ بِالمَـنِّ وَالـرِّفْـدِ

        بـِحـَبْلِكَ يَـا مَعْـنَى وُجُـودِي تَــعَــلُّقِــي فَـهَـبْ لـِي يَا مَوْلاَيَ عِـطْـفَةَ مُـشْـفِــقِ

        أَقُـولُ وَقْـوْلَ الحَـقِّ أَنْـطَـقَ مَـنْــطِــــقٍ إِذَا نَــظـَرَتْ نَــفْــسِي بِــعَــيْـنِ مُـحَقِّقِ

        عَـلِـمْتُ بِـأَنَّ الـذَّنْـبَ أَوْجَـبَ لِي طَـرْدِي

        عَلَى التَّـوْبِ وَالإِخْلاَصِ يَا نَفْسُ فَاحْرُصِي وُجُـودِي بِـسَـحِّ الـدَّمْـعِ وَيْـحَكِ تًـخَلُّصِي

        عَـسَى اللهَ أَنْ يَـقْضِى بِحُسْـــنِ تَـخَلُّـصِــي فَـأَسْـأَلَـهُ عَـــفْـوًا وَتـَـوْبَــــةَ مُــخْــلِـــصِ

         تُـقَـرِّبُ مِـنْ وَصْـلٍ وَتُـبْـعِـدُ مِـنْ بُـعْـدِ

        أَضَـاءَتْ بِـحُـبِّـــي لِلنَّـبِـــيِّ مَـطَـــالِــعِــي فَــلاَ أَحـَـــدٌ مِـمَّـــا أُحـَــــاذِرُ قَـــاطِـــعِـــي

        سَـيَـنْـجَـحُ لِي سَـعْـيِـــي وَمَـطَـامِـــعِــــي وَيَـشْـفَـعُ لِي فِي مَـطْـلَـبِي خَـيْـرَ شَـــافِــعِ

         مُــحَــمَّــدٌ الـمَـبْـعُوثُ لِلْـحَـرِّ وَالـعَـبْـدِ63

وله قصيدة أخرى استهلها بذكر مواطن عليه الصلاة والسلام ليسترسل في إظهار حبه لهذه الأرض وشوقه للهادي البشير،ثم يشرع في مدحه ليطلب شفاعته مقرا بذنوبه، يقول:

        يَـا رَبْـعَ حَـلَّ فِـيـهَـــا أَحْــمَــدٌ وَالــسَّـــادَةَ الــخُــلَفَــاءِ وَالأَبْــرَارُ

        مَنْ لِي بِـخَـدِّ فِي ثَرَاكِ مُمَرَّغُ وَدُمُــوعِ عَــيْنِ سَــحُّــهَا مِـــدْرَارُ

        مَنْ لِي بِلَمْحَةِ نَظْـرَةٍ يُطْفَى بِهَا مِـنْ لَـفْـحٍ مَـلْهُـوبِ الـجَوَانِـحِ نَـارُ

        مَنْ لِي بِمُورِدِ عَـذْبِ مَاءٍ بَرْدُهُ يُـشْـفَــــــى بِـهِ صَــبٌّ بـَــرَاهُ أَوَارُ

        مَنْ لِي بِأَنْ أُحْظَى بِزَوْرَةِ مَنْزِلٍ لِلْوَحْــيِ فِـــــي جَـنَـبَـاتِـــهِ آثَـــــارُ

        فَمَتَى أُحِلُّ حِـمَى العَقِيقِ مُـخَيَّمًا وَيُـقِـرُّ لِـي عِـــنْـدَ الحَـبِـيـبِ قَـــرَارُ

        وَمَتَى أَرَى يَـوْمًا بِـهِ تُـقْــضَــى لَذَى الأَشْـوَاقِ مِمَّا قَـدْ نَـوَى أَوْطَارُ

        وَمَتَى بِأَكْنَافُ المُحَصَّبِ وَالحِمَى يَـوْمًا تُـتِـيـحُ لَـنَا اللِّــقَـا الأَقْـــــدَارُ

        فَلَقَدْ ذَوَى غُصْنِ الشَّبَابِ وَأَثْقَلَتْ ظَـهْـرِي بِوَطْـأَةِ عِـبْئِـهـَــــا الأَوْزَارُ

        لَكِنْ عَلَى كَـرَمِ الكَـرِيمِ تَـوَكُّـلِـــي فـَـهُــوَ الــجـَـوَادُ المُـفَـضَّـلُ الغَـفَّــارُ

        وَبِأَحْمَدٍ أَرْجُـو الشَّـفَاعَـةَ فِي غَدٍ فَـلَهُ بِـهَا يَـوْمَ الــنُّــشُــورِ يـُـشَـــــارُ64

يتراءى لنا من خلال هذه الأبيات كيف وصل الشاعر بين الندم والتوبة والشوق إلى زيارة البقاع المقدسة، ثم يربط بين كل هذا وحبه للنبي الكريم، فالشوق إلى هذه الديار وحب موطن الرسول صلى الله عليه وسلم ما هي إلا شوقا إليه،وكذا يجد الشاعر ملاذه بتوجهه نحو الرسول الكريم لطلب شفاعته والتوسل به للتخلص من الذنوب والحصول على الراحة النفسية.

والملاحظ يدرك سيطرة حميمية للمكان في هذه القصيدة، وقد شغل الحديث عن البقاع المقدسة وقبر النبي صلى الله عليه وسلم حيزا كبيرا في ديوان الشاعر،كما أن الشعراء الصوفية حرصوا كثيرا في أشعارهم إلى ذكرها،لأن "ذكر الأماكن المقدسة أضحت سُنَّةً وتقليدا يتبعونه ويتفنون في التعامل معه حتى صار... من مقوماتها، فعندما تذكر المدحة النبوية يتبادر إلى الذهن مباشرة ورود مكان أو مجموعة من الأماكن المقدسة التي تجعل القصيدة تتحرك بمعانيها وصورها وأفكارها في ذلك الفضاءات،والتي تجعل القارئ والمستمع ينتشي في ذلك الجو الإيماني الصادق"65.

ومثلما حرص الشاعر على التشفع بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتوسل إلى الله بجاهه لتحقيق سعادة الدنيا والآخرة،فإنه جعل من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام خاتمة لقصائده التي أظهرت مقدرته الفنية ومشاعره السامية والصافية نحو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يقول:

        عَـسَـى بِـامْـتِدَاحِ الـهَاشِـمِيِّ وَصَـحْـبِهِ سَـيَمْـنَحُنَى الرَّحْـمَانُ مِنْ فَضْـلِهِ لُطـْفَــا

        عَـلَيْـهِمْ سَــــلاَمُ اللهِ مَا نَـاحَ سَــاجِـــعٌ بِـرَوْضِ رِوَاقِ الحُــسْــنِ مَـدَّ بِهِ سَجَفَــا66

4- موضوع الصحابة الكرام:
ورد ذكر الصحابة وآل النبي في المدائح النبوية، فحين يذكر مادحوا النبي صلى الله عليه وسلم سيرته العطرة، لا ينسون أصحابه وآله الذين حملوا معه رسالة الإسلام، فهم الذين جاهدوا في سبيل الله حق جهاده، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والإيمان والإخلاص لله ورسوله. فكان لهم على مداح النبي حق ذكرهم والإشادة بهم، وهذا ما فعله معظم شعراء المدائح النبوية حتى غذا الآل والصحابة من مضمون المدحة النبوية67.

وذكر الصحابة في المدحة النبوية يعني التغني بفضائلهم وأمجادهم، فقد ذكر الشعراء بطولاتهم وتغنوا بتضحياتهم وأشادوا بكريم شمائلهم وأخلاقهم الطيبة حتى تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل، فهذا ذكر الصحابة من مضمون المدحة النبوية يرددونه في ختام القصيدة حتى يجمعونهم في صلاتهم على النبي الكريم معه، أو في أثناء القصيدة عند عرضهم لجهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وبطولته ولمواقف من سيرته.

وكثيرا ما اقترن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بذكر الصحابة بتشييد مكانتهم في الإسلام من الوجهة الدينية كمدح أخلاقهم وفضائلهم وسيرتهم وغيرها، ورغم أن القصائد الخاصة بهم قليلة إلا أنه غالبا ما يكون ذكرهم أو الإشارة إليهم في خاتمة قصائد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تتشابه رؤية الشاعر ابن الصباغ الجذامي في طرح هذا الموضوع كقوله في قصيدته مشيدا بذكر الصحابة رضوان الله عليهم كأبي بكر، وعمر الفاروق، وعثمان،وعلي،ففي ذكرهم أكثر دلالة فهم رمز البطولة والشجاعة والشهامة والأنفة والقوة والصدق والطهارة والجهاد، يقول:

        حُــزْتُـمْ العُـلْيَا وَفُـزْتُـمْ بِالـمُـنُـى يَــا صَــحَـــابَـةَ الــنَّــبِــيِّ أَحـْـــمَــــدِ

        مَـنْ كَـعَـلْـيَـاءِ أَبِـــي بَـكْـرَ الَّـذِي حَـــــازَ بِـالإِيــثَــارِ بَــيْــضَـاءَ الــيـَـــدِ

        أَوْ كَـمِـثْلِ عُـمَـرَ الـفَـارُوقِ فِـــي نَــصْـــرِ دِيــــنِ اللهِ يَــــوْمَ المَـــشْـهَـدِ

        أَوْ كَعُــــثْمَانَ شَهِيدَ الــدَّارِ الــــ مَـــعـْـلُــوَاتِ وَالـــتَّــقِــيِّ وَالسُـــــؤْدُدِ

        أَوْ عـَلِّـيَ بْـنُ عَــمِّ المُــصْـطَــفَى الهَـــــمَّــــامِ الــــفَـــارِسِ الــــمُـؤَيَّــدِ68

وهو دائم الدعوات للصحابة رضوان الله عليهم عقب الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:

        حُــبَّ أَحْــمَـدِ وَحُــبَّ صَــحْـــبِـهِ يَـوْمَ حَــشْرِ الخَــلْــقِ أَخـْـذٌ بِـــاليَــــدِ

        فَــعَـلَـيْـهِـمْ سَــــــلاَمٌ طَـــــيِّــــبٌ مِــنْ مُــــحِــبٍّ بِــالنَّـــــوَى مُــقَــيَّـــدِ69

وإذا كان الشاعر قد ختم قصيدته بالصلاة والتسليم على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فإنه في قصيدة ثانية يبدأ بمدحهم والثناء عليهم، حيث يمدح عثمان بن عفان واصفا حياءه وهو الذي استحت منه الملائكة،يقول:

        وَامْـدَح ْشـَهِيدَ الـدَّارِ عُـثْمَانَ الَّذِي لَــزِمَ الحَــيَاءَ مَـهـَـابَــــةً وَوَقـَـــــارَا

        وَلَـطَالَـمَا لَــبِسَ الظَّـلاَمُ تَــهَــجُّــدَا وَالـــدَّمْـعَ يَـهْـمِــــي سَـحَّـهُ مِــدْرَارَا

        كَـتَـبَ العَـلاَءَ سُـطُورَ فَـخْـرٍ خِـلاَلَهُ فَــاقْــــرَأْ بِــهَــا مُـتَـنَـزَّهًـا أَخْـــبـَــارَا70

ثم يمدح أبا الحسن عليا الذي ارتضاه الله إماما كريم النسب وصاحب المفخر،باعتباره رمز للشجاعة والبطولة والكرم والتقوى والعلم، يقول:

        وَاذْكُـرْ إِمَـامًا خُـلِّصَـــتْ أَوْصَـــافُـــهُ نَـقْـدًا فَــرَاقَ نِـضَـارُهَـا النُّـــظَـــارَا

        أَعْـنِي أَبَا الحَسَنِ ابْنَ عَــــمِّ مُـحَـــمَّدِ صِــهْــَر الـنَّــبِـيِّ الـفَــارِسِ الكَّـــرَارَ

        أَسَدَ الحُرُوبِ إِذَا الفَوَارِسِ فِي الوَغَى هَـزُّوَا الــقَـوَاضِـبِ وَالقَـنَا الـخَـطَّارَا71

وينتقل إلى تصوير صفة الشجاعة للصحابة الكرام،فلا تكاد تجد شاعرا لم ينظم هذا الاتجاه حتى أخذ يصور صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاموا به من أعمال جليلة وتضحيات نادرة وشجاعة،حيث امتلأت أبيات الشاعر بذكر أسماء الصحابة رضوان الله عليهم،وخاصة أولئك الذين وقفوا إلى جانب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مقدمين أرواحهم فداءً له، فيستمر في ذكرهم واصفا بعض مواقفهم وفضائلهم، يقول:

        عَـدِّدْ عُـلاَ الـفَارُوقِ وَاذْكُـرْ فَـضْـلَـهُ فَـبِـهِ مَــــنَـارُ هـُــدَى الأَنـَــامِ أَنـَـــارَا

        وَكَـذَا حُـذَيْفَـة ثُـمَّ سَـعْـدَ وَالــزُّبَــيْـــ ـــرَ لِـدِيـنِ أَحْــمَــدَ أَصْـبَحُوا أَنْـصَارَا

        وَأَبَـا عُـبَـيْدَةَ وَابْـنَ عُـوفَ فَـامْـتَدِحْ وَسَـعِـيدَ قَـدْ حَـازُوا الـكَـمَالَ فـِخَــارَا72

ثم يختم بالصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحابته الكرام، حيث عمد إلى بيان فضلهم وذكر مآثرهم فشبههم بالنجوم وبجوارهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي شبهه بالشمس، يقول:

        أَصْـحَابُ أَحْـمَدَ كَـالنُّجُـومِ لِـمُـهْـتَـدٍ يُـهْـدَى بِـنُــــورِ هُــدُاهُـــمُ مـَـنْ حَــارَا

        فَـبِأَحْـمَدٍ وَبِــآلِـــــهِ وَبِــصَــحْــبِــهِ طَـلَـعَـتْ شُـمُـوسُ سَـنَا الكَـمَالِ جِـهَارَا73

5- موضوع المولديات:
إن المولدية لون من ألوان الأدب الديني المتعلق بصاحب الدين وهو الرسول صلى الله عليه وسلم هادي الناس إلى الحق والنور، ولذلك نجدها مشبعة بالقيم والمشاعر الدينية ومفعمة بمفاهيم الدعوة الإسلامية، وإن العناصر المضمونية لهذا الفن لم تعرف تغيرا كبيرا بل حافظت على تعداد خصال الشخصية المحمدية وفضائلها من وسيلة ومهابة ورحمة، إضافة إلى التأكيد على ما يجب على المؤمن تجاه هذا النبي من احترام وحب وتقدير، فقد كانت هذه القصائد- المولديات- التي تنظم في مناسبة المولد النبوي الشريف كثيرا ما تطرق موضوعات مختلفة اعتاد الشعراء أن يجعلوها مادة لقريضهم كالاستهلال بذكر فضل شهر ربيع الأول أو فضل ليلة المولد الشريف74.

وتعتبر مناسبة المولد النبوي الشريف من أهم الموضوعات التي تدخل في بناء القصيدة المديح النبوي، حيث تعد ليلة مولده صلى الله عليه وسلم من أقدس الليالي وأشرفها على الإطلاق، ففيها أظهر لنا الله تعالى "سر الوجود صلى الله عليه وسلم الذي ارتبطت به السعادة الأخروية على الإطلاق،واتضحت الحقائق،وتميز به الحق من الباطل،وأظهر ما أظهره الله تعالى في الوجود من أنوار السعادات وسبيل الرشاد"75.

وتعد ليلة المولد النبوي الشريف حدثا هاما في حياة الأمة الإسلامية، لذا لجأ الشعراء إلى الإشادة بها وجعلوها مادة لقريضهم،فقد كانت ليلة المولد الهادي الأمين وخاتم الأنبياء والمرسلين الذي لاحت لميلاده علامات النبوة قد أذنت بانقضاء عهد الظلمات واستنارت الدنيا خيرا لمولده،حيث تحدث الشاعر ابن الصباغ الجذامي عن فضل شهر ربيع الأول عن باقي الشهور الأخرى،باعتباره شهر ميلاد خير البشر فيضفي على هذا الشهر صفات من التذلل والتبختر،لأنه يحوي على ليلة عظيمة ليلة ميلاد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، يقول:

        هَـذَا رَبِـيـعٌ قَـدْ أَتَـــاكَ مُـبَـشِّـرَا بِـقُـدُومِ مـَوْلِـدِ خَـيْـرِ مَـنْ وَطَـئَ الـثَّــرَى

        لاَ شَـكَّ فِـــيهِ أَنـَّهُ فِـي فَــضْـلِـهِ بَـيْنَ الـشُّـهُـورِ كَـمِثْلِ أَحْـمَـدٍ فٍي الـوَرَى

        وَافَـاكَ يَـزْهُو بَيْنَ أَشْهُـرِ عَـامَهُ مُـتَـهَــــلِّـلاً مُـتَــــدَلِّــــلاً مُـتُـبَـخْـــتِــــرَا

        بَـهَرَ الشُّـهُورَ بِـلَـيْـلَـةٍ نَـبَـوِيَّـةٍ ضَـمَـنَـتْ لَـهُ آيَـــاتِــهَــا أَنْ يُــبْـهَــــرَا76

 فالشاعر قام بمدح الشهر الذي ولد فيه خير البرية موجها الخطاب له "هذا ربيع قد أتاك مبشرا بقدوم خير من وطئ الثرى"، ومشبها إياه بالبدر على سبيل الاستعارة التصريحية "فيه تطلع نور بدر هداية"، ولتعظيم هذا الشهر نجد الشاعر يكرر لفظة "الشهور" لما للتكرار اللفظي من دور في إغناء النص، حيث يتغنى الشاعر بشهر مولد الرسول صلى الله عليه وسلم تعبيرا عن الشوق واللهفة والإجلال، ولتعظيم هذا الشهر " شهر ربيع الأول" وظف الجناس بين لفظتي (بهر/ يبهرا)، (الثرى/ الورى)، كما قام بتكرار حرف الراء لما لها من دلالة على تكرر الوجد والحب لدى الشاعر وذلك بحلول شهر ربيع الأول الذي يحمل بحلوله ذكرى المولد النبوي الشريف.

ومما يؤكد حقيقة الرسول الأزلية النورانية قول الشاعر في هذه الأبيات التي يؤكد أن النبي الكريم نور وأن شرفه قد جاء مسطرا في الكتاب الكريم، فيذكر حقيقة وجود المخلوقات، وأن الله خلقها من أجل محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه قد جاء بشيرا للخلق لكي يشفع لهم يوم القيامة، يقول:

        فِـيهِ تَـطَـلَّعَ نُـورُ بَــــدْرِ هِـدَايَـةٍ يَا مَـا آجَــلَ سَــــنَـا عـُــلاَهُ وَأَخـْـطَــرَا

        نُـورٌ قَـضَى رَبُّ الـوَرَى تَتْمِيمَهُ حَـتْـمًـا عَـلَى رَغْـــمِ العُـــــدَاِة وَقَــــدَرَا

        شَـرَفٌ لِأَحْـمَدٍ قَدْ أَتَـى تـَعْظِيمَهُ بـِالنَّـصِّ فِي آيَ الـكِـتـَــــابِ مُـسَطَّــــرَا

        لَوْلاَهُ مَا طَـلَعَـتْ بُـدُورُ أَهِـلَّـــةٍ كَـــــلاَّ وَلاَ صُـبْــحٌ أَضـَــاءَ وَأَسْـــفَـــرَا

        لِلْخَـلْقِ أُرْسِـلَ شَاهِدًا وَمُبَشِّـرًا وَمُـشْفِــهًــا فِـي المُـذْنِـبـِينَ وَمُـــنْــذِرَا77

والملاحظ في ذكر الشاعر المولد النبوي أنه تناول أثر هذا المولد على الكون، وفضل شهره على غيره من الشهور،وهذا الأمر يتكرر دائما في القصائد المولدية التي لا تفترق عن المدائح النبوية،فنجد الشاعر من خلال هذه الأبيات السابقة يفيض في وصف هذا الشهر البهيج ويسبغ عليه كل الصفات التي تليق بمقامه العزيز، بحيث يعبر بكل صدق عن حقيقته -صلى الله عليه وسلم- لتسمو بنفسه حيال مصاعد الروح والرقي والأخلاق، لذلك نجد الشاعر يشيد بهذا الشهر الكريم (شهر ربيع الأول)،بحيث يذكر أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم أشرق الكون كله، لأن الله أتى بخير خلق ألا وهو نبي الرحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وفي قصائد الشاعر غالبا ما يعود الحديث عن مولد النبوي الشريف إلى تمجيد وتعظيم شهر ربيع الأول الذي أسفر عن خير مخلوق وخير وافد، حيث نجد الشاعر في ثنائه يرحب بالمولد النبوي الشريف، يقول:

        قَـدْ بَـانَ مِنْ شَـمْـسِ السُّـعُودِ طُـلُوعُ وَبَـدَا لِأَقْـــمَارِ السُّـــــرُورِ سُـطـُـوعُ

        وَدَنَـتْ مُـنَى النَّـفَـحَاتِ لَمَّا أَنْ دَنـَــــا بِـالمَــوْلـِـدِ الـزَّاكِـي الـسَّعِـيـدِ رَبِـيعُ

        شَـهْـرٌ سَـمَا عَنْ أَنْ يُــــوَفَّى قَــدْرَهُ وَصَـفَـى عَـلَى أَنَّ المَـقَـالُ بَـــدِيـــعُ78           

وإذا كانت الإشادة بمولده صلى الله عليه وسلم وبشهر ربيع الأول وليلة ثاني عشر من التقاليد التي اتبعها الشاعر في مدائحه، فلأن لهذه الذكرى أبعادا عميقة بذل الشاعر في سبيل ترسيخها والاعتناء بها حتى أصبحت سنة حميدة وعادة مستحبة، حيث يؤكد الشاعر على أن ميلاده -صلى الله عليه وسلم – عطر الكون وزاده رونقا وجمالا، فقد جاء شهر ربيع الأول بأفضل خير خَلْقٍ وخاتم الرسل والأنبياء. وفي ليلة الاثنين اثني عشر أشرق النور المحمدي وفاضت الدنيا بهجة وسرورا، لذلك فالشاعر يدعو نفسه وغيره إلى مداومة الطاعة في هذا الشهر الكريم وعلى الأخص الليلة الثانية عشر فيصف حاله من خلال البكاء والضراعة والتشفع، يقول:

        شَـهْــرٌ بِهِ وُلـِــدَ النَّـبِـــيُّ مُــحَــمَّــدٍ فَـمَـقَـامَـهُ بَـيْـنَ الشُّـهُـورِ رَفِـــيـعُ

        فَـارْتَحْ لَهُ وَارْتَـعْ بِـنَاضِـرِ دَوْحِــــهِ فَـجَـمَالُــهُ لِلْـقَاصِـدِيــــنَ مُـــرِيـــعُ

        وَاسْحَبْ ذُيُولَ سَـرِيرَةِ السِّـرِّ الَّـذِي يُـطْوَي عَـلَـيْهِ مِـنْ صَـفَاكَ ضُلـُـوعُ

        وَتَـشَفَّ مِـنْهُ فَـطَالَمَـا قَـدْ شَـفَّ مِنْ إِعْـبَابَـهُ قـَـــــلْـبَ الشَّـجِــيّ نُـــزُوعُ

        وَصِـلِ الـقِـيَامِ بِـهِ لِـثْنَـتَـيْ عَــشَرَةٍ مِـنْهَ وِحَـالِـكَ زَفْــــــــرَةً وَدُمـُــــوعُ

        وَاضْـرَعْ لِـرَبِّكَ فِي التَّـجَاوُزِ وَلْيَكُنْ مَـقَـامَـكَ فِــيهَـا ذِلَّــــةٌ وَخُــضُــوعُ

        وَلْـتَـغْتَـنِـمْـهَا وَصْـــلَةً مِنْ لَـيْلـَــــةٍ مَـا سَـلِـمَـتْ حَـتَّى دَنَــا التَّـوْدِيــــعُ79

وفي عظيم هذه المناسبة نذكر هذه الأبيات التي جمع فيها الشاعر في ثنائه على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين شهر ربيع الأول وليلة ميلاده التي غدت كالشمس المشرقة،حيث يطالعنا الشاعر بصورة سعيدة وذلك بقدوم الهادي المختار،حيث أشرقت الأرض بمولده فملأ الدنيا بهجة وسرورا، فكان شهر مولده مصدرا للخير واليمن والبركات، يقول:

        أَسْـدَتْ إِلَيْكَ يَـدُ الـزَّمَانِ صَنِـيعـَا رَوْضًـا غَـدًا بِالـغَـادِيَـاتِ مُـــرِيــعَـــا

        فَاشْكُرْ مُـدَاوَلَةِ الـزَّمَـانِ فَـإِنَّــهَـا قَـدْ أَوْصَلَـتْكَ مِـنَ الشُّـهُـورِ رَبـِيـعَـا                

        وَابْـهِجْ بِشَهْـرٍ قَدْ سَعِـدَتْ بِهِ تَكُنْ لِلْـبَـانِ ثـَـدْيُ المَـعْـلُــوَاتِ رَضِــيــعَـا

        شَهْرٌ بِهِ طَلِعَـتْ شُـمُوسُ الدِّينِ فِي بُـرْجِ الـسُّـعُـودِ عَلَى الكَـمَالِ طُـلُوعَا

        رُفِعَـتْ لِخَيْرِ الخَـلْـــقِ فِيهِ رَايَـــــةً أَضْـحَى بِـهَا عِـزَّ الـوُجـُودِ مَـنِـيــعـَـا

        شَـهْرٌ بِـيُمْـنِ المُـصْطَفَى وَالمُجْتَبَى قَـدْ طَـابَ مُـــورِدُهُ وَلَـذَّ شُــرُوعـَــــا

        يَـا حُـسْنَهُ بَيْنَ الشُّهُورِ لَقَدْ حَــوَى قَـدْرًا عَـلَى كُـلِّ الشُّـهُورِ رَفِــيــعـَـــا

        لِـــــمَ لاَ وَفِيـهِ لَــــيْلـَـــةٌ نـَـبَــوِيَّــةٌ بِـجَـمَالِـهَا ظَــلَّ الــزَّمـَـانُ بَــدِيــــعَـا80

يسمو الشاعر في هذه الأبيات إلى تلك الإطلالة النورانية بمولد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الأفق الإشراقي،حيث نجده يتحدث عن الشهر الذي ولد فيه بفكرة النور وكيف أشرقت الأرض نورا وضياءا، وهنا إشارة إلى نور الحق والهداية التي صحبت مولده، ولا شك أن هذا التمييز في التعبير جعل منه شعرا تتناغم ألفاظه وتتناسب عباراته متدفقة بالمعاني الرقيقة والمشاعر النبيلة، حيث يعبر عن مضمونه عن تطور وتناسب الألفاظ والعبارات مشكلة صيغا تعبيرية زخرفية، تنم عن دلالات تتلاحم وتتواصل فيما بينها.

كما يذكر في أبيات أخرى فضل هذا الشهر الكريم فيوجه الخطاب إلى نفسه وإلى الآخرين وبشكر الله على وصولهم لهذا الشهر فيمدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، يقول:

        فَاشْـكُرْ مُدَاوَلَة َالـزَّمـَانِ فَـإِنـَّـهَــا قَـدْ أَوْصَـلَـتْكَ مِنَ الشُّـهُـورِ رَبـِـيــعَــا

        وَابْـهَجْ بِشَهْـرٍ قَدْ سَعِـدْتَ بِهِ تَكُنْ لِلْـبـَانِ ثَـــدْيِ المَـعْـلُــوَاتِ رَضِــيــعَـا

        شَهْرٌ بِهِ طَلُعَـتْ شُـمُوسِ الدِّينِ فِي بُـرْجَ الـسُّـعـُودِ عَلَى الكَـمَالِ طُـلُوعَا81

خاتمـة:
وصفوة القول إن مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم تغنى به معظم شعراء المدائح النبوية بشكل كبير وفي صور ملفتة للانتباه، لكن مدحه عند الشاعر ابن الصباغ الجذامي كان متميزا وذلك بتناسق الصفات وتقارب الدلالات، حيث نلحظ أنه قد تناول جل موضوعاته بالحديث عن الرسول الكريم، فاجتهد في رصد الكلمات والمعاني المعبرة عن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم التي توضح صفاته وأخلاقه عند الله وعند الخلق أجمعين.

 

طالبة باحثة في سلك الدكتوراه- جامعة محمد الخامس الرباط- ( المغرب).

 

الهـوامــــش:

[1]: ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، لبنان، بيروت، ج 14، (ب.ط)، 2003،ص 36/ (مادة مدح).

2: الزمخشري، أساس البلاغة، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، ج1، ط 1، 1998، ص 585 / (مادة مدح).

3: أحمد الفيومي، المصباح المنير، مكتبة لبنان، لبنان، بيروت، ج 1، (ب.ط)، 1987، ص 216/ (مادة مدح).

4: لويس معلوف، المنجد في اللغة والإعلام، دار المشرق، لبنان، بيروت، ط 21، 1960، ص 751.

5: مسعود كواتي، محمد الشريف سيدي موسى، أعلام مدينة الجزائر، تصدير عبد الحميد حاجبات، دار الحضارة، الجزائر، ط 1، 2007، ص 94-95.

6: غازي طليعات، عرفان الأشقر، الشعر في العصر الأموي، دار الفكر، دمشق، سوريا، ط 1، (ب.ت)، ص 326-327.

7: جبور عبد النور، المعجم الأدبي، دار العلم للملايين، لبنان، بيروت، ط 1، 1979، ص 245.

8: ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده،تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، المغرب، ج 1، (ب.ط)، (ب.ت) ص 77.

9: إميل ناصف، أروع ما قيل في المدح، دار الجيل، لبنان، بيروت، (ب.ط)، (ب.ت) ص 11.

10: جميل حمداوي، شعر المديح النبوي في الأدب العربي، مجلة ديوان العرب، العدد 49، 2001.

http://www.diwanalarab.com/spip.php?article9680.

11: سورة آل عمران، الآية 164.

12: فاطمة عمراني، المدائح النبوية في الشعر الأندلسي، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، ص 105.

13: أحمد موساوي، المولوديات في الأدب الجزائري القديم عند تلمسان الزيانية،المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وحدة الرغاية، الجزائر، (ب.ط)، 2008،ص 46.

14: المرجع نفسه، ص 46.

15: سامي الدهان، المديح (مجموعة فنون الأدب العربي)، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط 5، 1992، ص 71-72.

16: كعب بن زهير، الديوان، قراءة د محمد يوسف نجم، دار صادر للطباعة والنشر، لبنان، بيروت، ط 2، 2011، ص 84.

17: الأعشى، الديوان، دار بيروت للطباعة والنشر، لبنان، بيروت، (ب.ط)، 1986، ص 45.

18: الفرزدق، الديوان، دار صادر، لبنان، بيروت، ج 2، ط 1، 1966، ص 178.

19: لكميت بن زيد الأسدي، الهاشميات، جمع وشرح وتعليق د محمد نبيل طريفي، دار صادر، لبنان، بيروت، ط 1، 2000، ص 27.

20: الشريف الرضي، الديوان، شرح يوسف شكري فرحات، دار الجيل، لبنان، بيروت، ج 2، ط 1، 1995، ص 68.

21: البوصيري، الديوان، شرح وتعليق د محمد التونجي، دار الجيل، لبنان، بيروت، ط 1، 2002، ص 420.

22: ابن نباتة المصري، الديوان، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، (ب.ط)، (ب.ت)، ص 1.

23: زينب قوني، الشعر الديني الجزائري القديم في القرون السابع والثامن والتاسع الهجرية (موضوعاته وخصائصه)، (رسالة دكتوراه)، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، 2014-2015، ص 107.

24: جميل حمداوي، شعر المديح النبوي في الأدب العربي، مجلة ديوان العرب، العدد 49، 2001.

http://www.diwanalarab.com/spip.php?article9680.

25: لسان الدين بن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ج 3، ط 1، 1974، ص 315.

26: عبد العزيز الفشتالي، شعر عبد العزيز الفشتالي، جمع ودراسة وتحقيق نجاة المريني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرباط، المغرب، (ب.ط)، 1986، ص 420-428.

27: القصيدة من مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط في مجموع ورقة 166-168 رقم 744.

28: لسان الدين بن الخطيب، ديوان الصيب والجهام والماضي والكهام، تحقيق محمد الشريف قاهر، الشركة الوطنية للنشر، الجزائر، ط 1، 1973، ص 471.

29: لسان الدين بن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة ( نصوص جديدة لم تنشر)، تحقيق عبد السلام شقور، مؤسسة التغليف للطباعة والنشر، طنجة، المغرب، ج 2، ( ب.ط)، 1988، ص 256.

30: محمد المقري، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، ضبطه وحققه وعلق عليه مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ الشلبي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة / صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، الرباط، ج 2، (ب.ط)، 1978، ص 31-32.

31: أبو الحسن الأندلسي، رايات المبرزين، تحقيق النعمان عبد المتعال القاضي، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، مصر، (ب.ط)، 1973، ص 491.

32: قامت بتحقيق الكتاب فاطمة اليازيدي بإشراف الأستاذ الدكتور عباس الجراري.

33: ابن عذارى المراكشي، البيان المغرب في أخبار المغرب، مكتبة صادر، لبنان، بيروت، ج 1، (ب.ط)، 1950، ص 452.

34: محمد المنوني، العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، المغرب، ط 2، 1977، ص 65-66.

35: المرجع نفسه، ص 65-66.

36: محمد مسعود جبران، مالك بن المرحل أديب العدوتين ( دراسة تحليلية في أخباره وآثاره وتحقيق نصوصه الأدبية الباقية)، المجمع الثقافي، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، (ب.ط)، (ب.ت)، ص 176.

37: المرجع نفسه،ص 176.

38: غازي الشيب، فن المديح النبوي في العصر المملوكي، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صيدا، لبنان، ط 1، 1998، ص 78.

39: ابن الصباغ الجذامي، الديوان، تحقيق محمد زكريا عناني وأنور السنوسي، ، دار الأمين للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، ط 1، 1999، ص 7.

40: المرجع نفسه، ص 8.

41: يوسف زيدان، الفكر الصوفي عند عبد الكريم الجيلي، دار النهضة العربية، لبنان، بيروت، ط 1، 1988، ص 119.

42: ابن الصباغ الجذامي، الديوان، ص 178.

43: المرجع نفسه، ص 162.

44: المرجع نفسه، ص 85.

45: المرجع نفسه، ص 11.

46: المرجع نفسه،ص 126.

47: محمد أحمد درنيقة، معجم أعلام شعراء المدح النبوي، دار مكتبة الهلال، لبنان، بيروت، ط 1، 1996، ص 26.

48: زغدود فوراح، شعر عفيف الدين التلمساني وحياته، (رسالة دكتوراه)، جامعة سطيف 2، الجزائر، 2013، ص 106.

49: سعيد بن الأحرش، بردة البوصيري بالمغرب والأندلس خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين (آثارهما العلمية وشروحهما الأدبية)، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، (ب.ط)، 1419هـ- 1998م، ص 39

50: ابن الصباغ الجذامي، الديوان، ص 63.

51: المرجع نفسه، ص 52.

52: نصيرة شينة، الشعر الصوفي المغربي ( أبو مدين الغوث وعفيف الدين التلمساني)- دراسة سيميائية-،(رسالة دكتوراه)، جامعة باتنة 1، الجزائر، 2017-2018، ص 217.

53: ابن الصباغ الجذامي، الديوان،ص 168.

54: المرجع نفسه، ص 65.

55: المرجع نفسه، ص 77.

56: المرجع نفسه،ص 116.

57: المرجع نفسه،ص 117-118.

58: الربعي بن سلامة، الشوق والحنين إلى البقاع المقدسة في الشعر الأندلسي والمغربي، مجلة الآداب، جامعة منتوري، قسنطينة، الجزائر، العدد 9، (ب.ت)، ص 10.

59: ابن الصباغ الجذامي، الديوان، ص 44-45.

60: الربعي بن سلامة، الأدب المغربي والأندلسي بين التأسيس والتأصيل والتجديد، دار النشر بهاء الدين، الجزائر/ دار عالم الكتب الحديث، الأردن، 2009، ص 122.

61: محمود سالم محمد، المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي، دار الفكر المعاصر، لبنان، بيروت/ دار الفكر، دمشق، سوريا، ط 1، 1996، ص 259.

62: ابن الصباغ الجذامي، الديوان، ص 48-49.

63: المرجع نفسه، ص 124-125.

64: المرجع نفسه، ص 86.

65: أحمد موساوي، المولديات في الأدب الجزائري القديم عند عهد الزيانية، ص 119.

66: المرجع نفسه، ص 65.

67: محمود سالم محمد، المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي، ص 278.

68: ابن الصباغ الجذامي، الديوان، ص 87.

69: المرجع نفسه، ص 87.

70: المرجع نفسه، ص 6.

71: المرجع نفسه، ص 6.

72: المرجع نفسه، ص 5.

73: المرجع نفسه، ص 6.

74: هالة فلوس، المدحة النبوية في شعر سعيد بن عبد الله المنداسي، جامعة العربي بن مهيدي- أو البواقي، الجزائر، 2011-2012، ص 30.

75: ابن عمار، نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب، مطبعة فونتانة، الجزائر، (ب.ط)، 1902، ص 105.

76: ابن الصباغ الجذامي، الديوان، ص 72.

77: المرجع نفسه، ص 72-73.

78: المرجع نفسه، ص 96.

79: المرجع نفسه، ص 96-97.

80: المرجع نفسه، ص 79-80.

81: المرجع نفسه، ص 79.