شاعر يأتي لوحده، يكتب قصيدة الشطرين، على شكل قصيدة التفعيلة، وكأنه يجمع التراث الشعري المصري، من مدرسة الإحياء، مرورا بصلاح عبد الصبور وأمل دنقل وصولا إليه! وفي هذه القصيدة التي تخاطب الذات عن طريق مخاطبة الآخر، يثير الشاعر فيها بعض الأسئلة؛ لنكتشفّ في نهايتها أنّ ذاتَ الشاعر هي نحن جميعًا، بطفولتنا الباحثة عن الأجوبة!

كَمْ أنتَ.. يا وَحْدَكَ ؟

حسن شهاب الدين

 

يَتَأوَّلُونَكَ..

لا لأنَّكَ مُبْهَمُ

المَاءُ..

- رَغْمَ وضُوحِه -

لا يُفْهَمُ

وَيُكذِّبونَكَ..

وَالمَجازُ حَقِيقةٌ

لَوْ أَدْرَكوا ما لا يَبُوحُ المُعْجَمُ

لَوْ شَاهَدوا الكَلِماتِ

سِرْبَ حَمائمٍ

أَوْ أَبْصَروا نَهْرًا

بِها يَتَيَمَّمُ

وَقَصِيدةً أُنْثى تَسِيرُ لِشَاعرٍ

كَالْحُزْنِ عَاريةً

وَلا تَتَأثَّمُ

لَوْ أَطْلقوا الأَبْياتَ مِنْ أَوْزانِها

أَوْ أخَّروا شَطْرًا هُناكَ

وَقَدَّموا

وَتَخَيَّلوا خَلْفَ الكَلامِ حَديقةً

وَرَأَوْا أَصَابعَكَ التي تَتَبَرْعَمُ

وَيَدَيْكَ مِنْ عَدَمٍ

تُشَكِّلُ عَالَمًا

النَّاسُ فيه قَصائدٌ لا تَهْرَمُ

لَغَدَوْا بها مَتْنًا

وَصَوْتُكَ هَامِشًا

وَغَدَوْا قَصِيدًا

وَالقَصِيدُ غَدَا هُمُ

...

مَنْ أَنْتَ..؟

- قَالوا -

كَيْ تُبِيحَكَ غَيْمةً سِرَّ الحَنِينِ

وَتَرْتَديكَ

وَتَحْلمُ

وَتُرَى مَسِيحًا

حَامِلًا في قَلْبِه عِبْءَ الخَلِيقةِ

وَالقَصيدةُ مَرْيمُ

وَمِن الكَلامِ الغَضِّ

تَقْطِفُ جَنَّةً

وَسِواكَ مِنْ تفَّاحةٍ يَتَنَدَّمُ

مَنْ أَنْتَ..؟

كَيْ تُصْغي لِدَمْعةِ ثَاكلٍ

وَأَبًا تَكُونُ

لِكُلِّ مَنْ يَتَيَتَّمُ

وَتَسِيرُ..

تَتْبَعُكَ البَلادُ بِأَسْرِها

مِنْ أَجْلِ شَعْبٍ في العَراءِ يُخَيِّمُ

وَتَقُولُ..

ها أَنَا بَابُ حُلْمٍ..

فَاعْبرُوا

وَيَدِي..

لمَنْ يَرْقَى الحَقيقةَ سُلَّمُ

مَنْ أَنْتَ..؟

يا مَنْ أَنْتَ طِفْلٌ عَابِثٌ بِالْأَبْجَديَّةِ

بِاسْمِنا يَتَكَلَّمُ

وَإذا عَشِقْنا..

كَانَ صَوْتُكَ مَوْعِدًا

نَمْشِي إليه

وَخَطْوُنا يَتَلَعْثمُ

وَإذا بَكَيْنا..

كَانَ قَلْبُكَ وَحْدَه

مِنْدِيلَ دَمْعَتِنا الذي يَتَألَّمُ

وَإذا تَكَمَّمَتِ الشِّفاهُ..

صَرَخْتَنا

وَإذا طُعِنَّا..

سَالَ صَوْتُكَ لا الدَّمُ

...

كَمْ أَنْتَ وَحْدَكَ..

كَيْ تَرَاكَ شَبِيهَها تلكَ الوجوهُ

وَكم كُسِرْتَ لِيَسْلَموا

بِخُطَاكَ..

تَرْسمُ لِلْمُسَافرِ دَرْبَه

وَتُؤانِسُ البَيْتَ الغَريبَ وَتَرْحَمُ

وَبِخُبْزِ صَوْتِكَ في القَصيدِ

وَمِلْحِه

للمُتْعَبينَ

- عِيَالِ قَلْبِكَ -

تُطْعِمُ

وَلذا يُصَدِّقُكَ الحَزَانَى وَحْدَهُمْ

وَكَأنَّ صَوْتَكَ لِلْحَزَانَى

تَوْأَمُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • شاعر مصري، صدر له 13 ديوانا شعرية، منها

ديوان : شـُرفة للغيم المُتعَب.  1998

ديوان : مـُتوَّجٌ باسْمي 2008

ديوان : أعلى بناية الخليل بن أحمد 2012

ديوان:"خيمة لمجنون الصحراء"  2014 

ديوان " مجاز مختلف 2021.

 

ديوان: أشجار هاربة من الغرفة (مختارات شعرية) 2022