أقرب الى ديوان قصير وأولى طلقات الوجود لشاعرة تتلمس خطوها الأول بلغة طافحة بمرارة الحياة ووجع الغياب، شغف بالتفاصيل الصغرى وبالبعد البصري، ميول الى تلك المفارقات التي تجعل النص مشبع بالأسئلة. الشاعرة المغربية من الجيل الجديد الذي ينزع المسافات بينه وبين الكتابة ويجعلها توأم روحه، قلب صغير لطفلة يكتب الحياة بلون قوس قزح.

ديوان

كُنّا يافِعَيْنِ كَصَيْفٍ

آمال لغريب

 

كُنّا يافِعَيْنِ كَصَيْفٍ

كُنّا يافِعَيْنِ كَصَيْفٍ

نَقْدِفُ بَعْضَنا بِبالُوناتِ الْماء

 نَسْهَرُ أَمامَ مَنْزِلِنا حَتَّى السَّحَر

أَوْ نُغازِلُ النُّجومَ عَلى السَّطْح

 

كُنّا يافِعَيْنِ كَصَيْفٍ

نَطيرُ في سَماءِ مُخَيِّلَتِنا نَهاراً

وَنَسْبَحُ في بَحِرِ هُمومِنا

التَّافِهَةِ لَيْلاً

نَسْتَمِعُ لِلْموسيقى

عَلى الرَّادْيو

 نَسْتَمْتِعُ بالمُسابَقاتِ الَّتي تَنْتَهي

و لا تَنْتَهي

هَلْ كُنْتَ تَعْتَقِدُ أَنَّنا سَنَشيخُ يَوْماً ؟

 

 لَقَدْ كُنّا يافِعَيْنِ كَصَيْفٍ

عَلى حينِ غِرَّةٍ

داهَمَ الْخَريفُ قُلوبَنا

كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ صَيْفَنا مَازال طَويلاً

 لَكِنَّ شَمْسَهُ الْحارِقَةَ

غَطَّتْها غُيومُ الشِّتاء

 وَدُونَ دَعْوَةٍ

جَاءَتْ رِياحُ الشّمال

...

كُنّا يافِعَيْنِ كَصَيْفٍ

 

عَلى مائِدَةِ الْعَشَاء

عَلى مائِدَةِ الْعَشَاء

الْخالِيَةِ مِنْ حَساءِ الْأُمِّ

في غرفة صغيرة

تأثيتها طاولة وکرسیان

 فوجِئْتُ مِنْ سُؤالِهِ عَنِ الْمَوْت

 

كانَ يَظُنُّها ذَهَبَتْ في رِحْلَة

ذَهَبَتْ في رِحْلَةٍ

لَمْ وَلَنْ تَعودَ مِنْها

أَبَداً .... أَبَداً

 

ما هو الموت ؟

الموت هو عندما نتوقف عن العيش

 الموت هو عندما ننتقل للجهة الأخرى...

أجبت

سألني ..

هل يموت الجميع ؟

يموت الجميع ..

 الجميع

ولحسن الحظ نموت مرة واحدة فقط... أجبت

 

على مائدة العشاء

الخالية من حساء الأم

 كان يجدر به أن يسألني

عن  ماهية الحياة..

الحياةِ التي لا نستطيع لها سبيلا

أما الموتُ

فكل السبل تؤدي إليه..

 

مَطَرِيَّةٌ..

مِثْلَ سَماءِ لُنْدُن

هُوَ غائِمٌ

 

يُحِبُّ الْمَطَر

لَكِنَّهُ يَحْمِلُ مَطَرِيَّةً

 

لَيْسَ حُرّاً

كالطُّيور الَّتي تُحَلِّقُ فَوْقَ أَفْكارِهِ 

غَيْرَ مُكْتَرِثَةٍ بِالسَّماءِ الْماطِرَة

أَوْ قَلْبِهِ الْمَفْطُورِ  ..

كَزَوْرَقٍ

عَلى قَلَقٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَحْتَهُ..

 

فَراشَةٌ في زُجاجَة..

فَراشَةٌ في زُجاجَة

 تتخيل نفسها وهي ترعی

 تتراقص بين الزهور

حدث زلزالٌ في مشاعري

کسرت الزجاجة

تحررت الفراشة

نسيت كل أحلام اليقظة

لون السماء الوردي

لون العشب الأزرق

و كل الزهور التي راودتها عن نفسها

 أصبحت وكأنها سمكة ذاكرتها

 بكت

بكت...

ضحكت

ضحكت...

ثم هامت

تبحث عن زجاجة أخرى.. !

 

هنا الحياة

حيث توجد هيا

هنا الماء

و الخضرة

و الوجه الحسن

هو راها ناقصة

لكنها مكتملة دونه

ترك تمثالا ورائه ليذكرها بنذالته

ذلك التمثال يخصه و لا يخصها

لیست حزينة على هجرانه

لیست باكية

لا تترجى عودته

لا تنحب حظها

لكن دموعها

دموع ندامة

حزنها على سنين ضاعت منها

مع من لا يستحق ثانية

فليذهب الى الموت

فهو لا يستحق الحياة

لا يستحقها..

هجر الربيع ليرتمي في أحضان الخريف

فليعاني قساوة الشتاء وحده

هي ستكون بخير

بعد غد

لن تقفز الجدار الفاصل بينهما للحاق به

لن تترجاه ليلتفت إليها

للمرة الأخيرة

ستكون بخير

بعد غد ...

ستكون بخير

بعد غد.

 

اِبكِ بصدق..

اِبكِ

وكأن ليس هُناك غد

اِبكِ إن استطعت

 أصرخ بكل قوتك ..

إن استطعت

هذا إن إستطعت

أليس البكاء سهل

كالضحك

أو ليست الحياة سهلة

كالموت..

لست أنا كأنت

تعلم البكاء من جديد

كما تعلمت المشي

دمعة وراء دمعة

لا تمسحها في المرة الأولى

أتركها تصل لفمك

تذوق طعمها المالح

واضحك بعدها

لا تبكِ كثيراً

حتى لا تضيع ملوحة دموعك

اِبكِ بصدق

وكأن ليس هناك غدْ

اِبكِ

و كأن ليس هناك أحدْ

اِبكِ

بكل صدق

لا تخن ضحكتك بضحكة زائفة

بل خنها مع دمعة صادقة

سنبكي جميعاً

وكأن ليس هناك غد

سنبكي على ما ضاع منا

وعلى ما سيضيع

بكل صدق..

تماما..

 

مررت كما العادة

مررت كما العادة

من أمام منزلك الجديد يا أمي

ألقيت التحية ....

و لم أنتظر الرد

لفت انتباهي فتاة

جالسة أمامه تبيع الحلوى

التي كنت تحبين

مرتدية معطفا أحمرا صوفیا

كالذي البسني القدر

منذ عام من الآن

دنوت منها

فوجدتها ترسم عائلة بقلم باهت

اختلط مداده مع ماء عينيها المالح

على صفحتها البيضاء

فسألتها: هل لك أحد يقطن هنا ؟

قالت وهي ما تزال منكبة ترسم :

لقد دخلا أمي و أبي إليه ولم

يأخذونني معهما.

مسحت على شعرها الأحمر

الأغبر

الأشعث

مسحت الدمعة

من على وجنتاي

وذهبت لأحضر لأبي العشاء

كما أوصيتني..