ضربات فرشاة مركزة وقادرة على صنع تكوين كثيف مكتنز بالمعني، وغني بخبراته الجمالية، وإدراكه لغلظة وضراوة الواقع وتحولاته التراجيدية، التي تقود الشخص الأعزل إما إلى الجدار، العودة إلى رحم الأم، أو القبر؛ كما أنه لا قيمة لأي شيء لا يستطيع التحول إلى مزار سياحي.

مزار سياحى

قصتان قصيرتان

ماهر طلبه

 

لوحة على جدار

رسم نفسه واقفا مواجها للجدار مرفوع الرأس، ثم وظهر الجدار له.. ثم والجدار خلفه يفتش –  من خلف ظهره المنقوش عليه خطوط كرباج الجدار-  عن أخطائه التى كان يخفيها عن الدنيا ونفسه خلف ظهره...  ثم وهو راكع أمام الجدار لعله يغفر له، ثم وهو ساجد شكرا لله، ربما لأنه نال مغفرة أو نال عقابا وانتهى الأمر.. ثم وهو غاف في بطن حوت سليمان لا يُسمع له صوت حتى المناجاة. وغافيا مضموم الأعضاء كطفل فى بطن أمه يخشى مواجهة الحياة.... وغافيا وجهه إلى الأرض، ومستيقظا فجأة في قبر.

أمسك فُرشاته ونظر إلى الجدار حيث صورته المنعكسة منتصبا، ساجدا، راكعا، غافيا. لم تكن المساحة أمامه تسمح له بنشر كل هذه الذكريات.. تحير أي الصور أهم وأقرب إلى قلبه لتحتل الجدار كله؟، وأيها يستحق النسيان والضياع؟ عجز عن الاختيار.. غمس يده فى ألوانه.. تحرك بخطوات كهل مقتربا من الجدار، طبع بصْمَتُه على حافته وأسرع – بذكرياته- هاربا.

 

مزار سياحى

قيل فى الأثر : يموت الإنسان واقفا إن لم يجد ما يضع خده عليه أو فقده..

ويحكى أن رجلا حمل يوما "بؤجة" طعامه في يد وفأسه على كتفه وجر خلفه حماره وشمسه التى كانت لا تشرق حتى يجرها بحبل الحمار، وذهب إلى حقله ليسقى زرعته ويراقب نموها.. فوجد مكان حقله/ حصاد عمره.. كمباوند بعمارات شاهقة وفيلات عامرة وحمامات سباحة وملاعب جولف تسر الناظرين، أخذه الذهول فظل واقفا فى مكانه كعمود من الصوان..

فى البدء استقبحه سكان المنطقة وزوارها وتحدثوا مع المسئولين لنقله إلى الخيام والعشوئيات حيث موطنه الأصلى.. وحين استبطأ السكان عملية النقل، فكروا في حل للمشكلة، حيث نجح أحد سكان الفيلات العامرة فى تحويله – كأى آثر مر عليه الزمن وترك غباره فوقه-إلى مزار سياحى.. يزوره السياح من كل فج عميق ليرجموه بلغاتهم وأشكالهم.

 

mahertolba@yahoo.com