موت الذات الثالثة" أفضل عرض في مهرجان المسرح المحترف بالجزائر
مثلت النسخة الخامسة عشرة من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر فرصة لمناقشة أهم القضايا المسرحية الراهنة في البلاد، علاوة على تقديمها مجموعة من العروض والورشات التي استقطبت جمهورا واسعا يطمح إلى تحسين واقع الإنتاج المسرحي.
الجزائر - فاز عرض “موت الذات الثالثة” للمخرج عيسى جقاطي بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر في دورته الخامسة عشرة التي أسدل عليها الستار ليل الأحد غرة يناير الجاري.
وتنافس على جوائز المهرجان في دورة هذا العام 13 عرضا، بينما قدمت التظاهرة نحو ثلاثين عرضا آخر في قاعات ابن خلدون والمسرح البلدي بالجزائر الوسطى وحاج عمر بالمسرح الوطني الجزائري.
تتويجات وجوائز
إضافة إلى الجائزة الكبرى نالت مسرحية “موت الذات الثالثة” جائزة أفضل نص مسرحي كتبه محمد الأمين بن ربيع، وجائزة أفضل أداء رجالي للممثل توفيق رابحي.
والمسرحية دراما نفسية تتناول الصعوبات والعذاب اللذين يعاني منهما أبناء الجيل الثالث. وتروي طيلة ساعة من الزمن في ثلاثة مشاهد موزعة في فصل واحد الصعوبات النفسية التي يعيشها واهي، وهو موظف سام متقاعد يعيش حالة سيئة من العزلة التي فرضها عليه التقاعد، بينما كان أصدقاؤه ومحيطه العائلي والمهني يقصونه في كل مرة.
ويعمل واهي الذي يعيش في حالة من اليأس والندم على التخلص من ماضيه إلى أن يأتي اليوم الذي تظهر فيه نبيلة لتغير عاداته، وتعيده إلى ذاته مما يجبره على التخلي عن الكسل والتخلص من الأفكار المدمرة.
واتسم العرض الذي أدى أدواره كل من توفيق رابحي وسليم بووذن وبسمة دعماش بسلسلة من الصراعات الفكرية التي أثارها السيد مع خادمه أو حتى مع محبوبته المفترضة.
في هذا الصدد قال المخرج عيسى جقاطي “تنشأ النزاعات في علاقات تستجيب لهندسة الفضاء المثلثية التي نجدها أيضا لدى الأشخاص”.
وكانت السينوغرافيا من توقيع مراد بوشهير ملائمة أكثر حيث أعادت من خلال ديكور بسيط الحالة الذهنية لواهي الذي يعيش وضعا سيئا كـ”مرفوض من الجميع” في غرفة مهترئة وفي فوضى عارمة.
وقد أشاد الجمهور طويلا بهذا العرض الذي أنتجه المسرح الجهوي للعلمة والذي كرس لذكرى الممثل في هذه المؤسسة الثقافية عبدالغني شوار المعروف باسم عباس الذي توفي سنة 2021.
وقد منحت لجنة تحكيم المهرجان جائزتها الخاصة لعرض “موعد. كون” لمسرح بلعباس الجهوي، فيما تقاسم جائزة الإخراج أحمد رزاق عن عرض “التافهون” وشاهيناز نغواش عن عرض “شجرة الموز” لمسرح سكيكدة.
وفازت الممثلة سعاد جناتي بجائزة أفضل أداء نسوي عن عرض “موعد. كون” مناصفة مع الممثلة أمينة بلحوسين عن عرض “العازب” للمسرح الجهوي بوهران.
وذهبت جائزة أفضل موسيقى إلى بحر بن سالم عن عرض “الجاثوم”، كما حصد العرض جائزة أفضل سينوغرافيا مناصفة مع عرض “شجرة الموز”. وسبق إعلان وتوزيع الجوائز تقديم عرض فني بعنوان “شموع الركح” أعاد التذكير بباقة من رموز المسرح الجزائري الراحلين.
وفي وقت سابق أعلنت محافظة المهرجان عن نتائج جائزة مسابقة أحسن نص مسرحي التي توج بها الروائي أحمد عبدالكريم عن نصه الموسوم بعنوان “ليلة ابن مقلة الأخيرة” الذي سيتم إنتاجه من طرف المسرح الوطني الجزائري محي الدين باشطارزي.
ونوهت لجنة التحكيم، المكونة من جروة علاوة وهبي وعمر فطموش والشريف الأذرع وكنزة ميباركي وغربي عبدالكريم والمقرر بوبكر سكيني، بنص “الشبيه” للمؤلف والمخرج المسرحي بوري مصطفى من سعيدة، ونص “العاصفة الشمسية” للكاتب بوزبوجة غافور هواري، وهو من نوع الخيال العلمي الموجه للأطفال، وقد حازا المركز الثاني والثالث على التوالي.
وأوضح رئيس اللجنة جروة علاوة وهبي أنه تم استقبال 46 نصا مكتوبا باللغة العربية الفصحى والدارجة والأمازيغية، تم تقييمها وفقا لمعايير محددة اهتمت بالفكرة والموضوع والبناء الدرامي للنص وبناء الشخصيات والحوار واللغة والتقنيات الشكلية للكتابة الدرامية.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن اللجنة سجلت ملاحظات عديدة، من ضمنها التباين الواضح في مستوى النصوص وطغيان النمطية السردية على الطابع الدرامي في أغلب النصوص وغياب أو ضعف الثقافة المسرحية لدى بعض الكتاب والخلط الواضح بين قواعد وأساسيات الكتابة المسرحية الإذاعية والركحية والسردية.
إقبال جماهيري
في كلمته الختامية قال مدير المهرجان محمد يحياوي “كل الفرق المسرحية متوجة، وكل الفنانين في مختلف العروض متوجون بتكريم الجمهور وحبه وتقديره وحضوره الدائم”.
وأضاف أن “الجمهور، بشهادة المتتبعين، كان رقم واحد في هذه التظاهرة وهو ما يجعلنا نطمئن على المسرح الجزائري، راهنه ومستقبله”، مشيدا بالإقبال الملموس للعائلات على حضور العروض.
وشهدت النسخة الخامسة عشرة من المهرجان بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي منذ انطلاقها إقبالا واسعا من عشاق الفن الرابع على مختلف العروض المسرحية المشاركة سواء داخل المنافسة الرسمية أو خارجها.
وتميزت هذه الدورة بعروض مسرح الشارع الحية على مستوى ساحة الفنان محمد توري، التي استضافت يوميا عروضا مختلفة تفاعل معها الحضور من مختلف الفئات العمرية كالأطفال والعائلات وطلبة الجامعات وحتى السياح والمارة، لما تثيره في ذاكرتهم من عناصر الحلقة والقوال والحكواتي، وهي من تقاليد التراث الشفوي الشعبي الجزائري.
وفي هذا الإطار أكد يحياوي أن المهرجان سجل يوميا “توافدا كبيرا لتلاميذ المؤسسات التربوية، الأطفال والشباب، وذلك إلى جانب حضور قوي لطلبة الجامعات والمعاهد”.
وأضاف “تم تأطير عدد كبير من طلبة الأقسام الفنية بالجامعات والمعهد العالي لفنون العرض والسمعي البصري، في إطار ورشات تكوينية في مجال الكتابة والإخراج والسينوغرافيا و الحكواتية والمسرح الإذاعي”، وقد قدم هذه الورشات أساتذة وفنانون مختصون في المجال لتزويد الشباب بمهارات وتقنيات مسرحية متنوعة، وذلك تجسيدا للبعد التدريبي الذي يصبو إليه المهرجان.
وتابع يحياوي أنه اقترح على مصالح محافظة الجزائر “إدراج زيارة بناية المسرح الوطني الجزائري ضمن المسار السياحي والثقافي للعاصمة”، خاصة أن المسرح الوطني الجزائري مؤسسة مصنفة على المستوى الوطني كما يتم “التحضير لإعداد دليل جديد حول تاريخ المؤسسة العريقة التي تختزن ذاكرة الممارسة المسرحية الجزائرية”.
وأجمع الكثير من جمهور المهرجان، الذين استقطبتهم مختلف الأعمال المسرحية المشاركة، في حديثهم على أهمية مثل هذه المواعيد المسرحية السنوية لإعادة إحياء وربط الجمهور بخشبة المسرح، خاصة بالنسبة إلى الأطفال الذين يجدون متعتهم في متابعة المسرحيات والتفاعل معها واكتشاف عالم الخشبة بعيدا عن برودة الوسائط الحديثة.
وعرفت النسخة الجديدة من المهرجان تنظيم العديد من حلقات النقاش التي طالب خلالها مسرحيون جزائريون بتحسين توزيع الأعمال المسرحية وإنتاجها، فضلا عن تشديدهم على أهمية عودة المسرح الإذاعي.