سميحة أيوب تكتب رسالة اليوم العالمي للمسرح لهذا العام
الهيئة الدولية للمسرح أعلنت اختيار الفنانة لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح لأنها أسهمت في رفعة أبي الفنون.
في كلمتها التي نُشرت على موقع اليوم العالمي للمسرح التابع لمنظمة اليونسكو، والتي تمت ترجمتها إلى أكثر من ثلاثين لغة، تحدثت الفنانة المصرية سميحة أيوب عن شعورها بأن العالم بأسره بات كالجزر المنعزلة. وعلى الرغم من أن العالم لم يكن أكثر التصاقا ببعضه البعض كما هو الحال اليوم، إلا أنه أيضا لم يكن أكثر تنافرا وابتعادا عن بعضه، والذي يُعدّ مفارقة دراماتيكية فُرضت على البشر خلال عالمنا المعاصر.
وكانت الهيئة الدولية للمسرح أعلنت اختيارها سيدة المسرح العربي الممثلة المصرية سميحة أيوب لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح لهذا العام، بوصفها شخصية مسرحية رفيعة المستوى أسهمت في رفعة أبي الفنون والسموّ به، وذلك ليس لأنها عبقرية الأداء فحسب، بل لكونها عاشقة للمسرح حتى النخاع، كما جاء على لسان رئيس الهيئة الدولية للمسرح محمد سيف الأفخم.
وأوضحت أيوب في كلمتها أنه رغم التقارب الناتج عن تداول الأخبار والاتصالات الحديثة التي كسرت كل حواجز الحدود الجغرافية، إلا أن ما يشهده العالم من صراعات وتوترات فاقت حد التصور المنطقي وخلقت وسط هذا التقارب الظاهري تباعداً جوهرياً ابتعد عن الجوهر الحقيقي للإنسانية في أبسط صورها.
وأكدت أن المسرح في جوهره الأصلي هو فعل إنساني محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي لافتة إلى أهمية ما يقوم به المسرحيون من مؤلفين ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين وشعراء وموسيقيين ومصممي كوريغرافيا وحتى التقنيين والفنيين، فالكل يشارك في فعل لخلق حياة لم تكن موجودة من قبل أن تعتلي خشبة المسرح. ومن ثمّ فهذه الحياة تستحق يداً حانية تتعهدها وصدراً حنوناً يحتضنها وقلباً حانياً يأتلف معها وعقلاً رزيناً يوفر لها ما تحتاجه من أسباب الاستمرار والبقاء.
وأشادت سيدة المسرح العربي بالمسرح بالمسرحيين فهم من يمنحون الحياة رونقها ومن يوفرون الأسباب لفهمها، ويستخدمون نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف ويبذلون من جهدهم ووقتهم ودموعهم ودمائهم وأعصابهم كل ما يتوجّب بذله من أجل تحقيق رسالة المسرح السامية، والمدافعين بها عن قيم الحق والخير والجمال فالحياة تستحق أن تعاش.
ودعت أيوب المسرحيين في العالم للوقوف صفا واحدا، يدا بيد وكتفا بكتف لتخرج كلماتهم التي توقظ ضمير العالم بأسره لكي يبحث في داخله عن الجوهر المفقود للإنسان. الإنسان الحر والسمح والمحب والمتعاطف والرقيق والمتقبل للآخر، الذي ينبذ الصورة القميئة للوحشية والعنصرية والصراعات الدموية والأحادية في التفكير والتطرف.
وأكدت الفنانة أن رسالة المسرحيين حمل مشعل التنوير، منذ أول ظهور لأول ممثل على أول خشبة مسرح بأن يكونوا في طليعة المواجهة لكل ما هو قبيح ودميم ولاإنساني، فيواجهونه بكل ما هو جميل ونقي وإنساني. فالمسرحيون ولا أحد غيرهم هم فقط يمتلكون القدرة على بث الحياة من أجل عالم واحد وإنسانية واحدة.
يُذكر أن سميحة أيوب ليست الفنانة العربية الوحيدة التي وقع اختيار الهيئة الدولية للمسرح عليها لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح، فهي المصرية الثانية بعد الكاتبة الراحلة فتحية العسّال التي كتبت الكلمة المخصصة للعام 2004، كما اختير الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة ليكتب رسالة اليوم العالمي للمسرح في العام 2007.
وتعد سميحة أيوب صاحبة أطول مسيرة فنية في تاريخ السينما العربية بعد الفنانة الراحلة أمينة رزق، حيث كانت بدايتها الاحترافية بالعام 1947، وسنوات عملها السينمائي والتلفزيوني تجاوزت 75 عاما.
وفي رصيد الفنانة ما يقرب من 170 مسرحية أخرجت منها خمس مسرحيات، وما بين عشرات المسلسلات والأفلام والمسلسلات الإذاعية. حازت على العديد من التكريمات من عدة رؤساء منهم جمال عبدالناصر وأنور السادات، وأيضاً الرئيس السوري حافظ الأسد والفرنسي فاليري جيسكار ديستان.
الزبير بن بوشتى: تراجع الأداء المسرحي لا يرتبط بالأشخاص أو التجارب بقدر ما يرتبط بالإطار العام الذي يحكم الممارسة الثقافية.
طنجة (المغرب) - بمناسبة اليوم العالمي للمسرح يتحدث الكاتب والمخرج المسرحي الزبير بن بوشتى في حوار معه عن ماضي وحاضر المسرح المغربي، وحضور أبي الفنون في المشهد الثقافي الوطني.
بداية نتحدث حول علاقته المتنوعة بالمسرح، من التأليف إلى الإخراج، مرورا بالأداء، وإن كان يرى أن مسرح اليوم هو نفسه مسرح الأمس، أي فترة التوهج في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، يقول بن بوشتى "أرى أن توهج مسرح الأمس يرجع إلى حماس ممارسيه، لاسيما مسرح الهواة، لأنه كان مترفعا عما هو مادي، وكان الاهتمام كبيرا بالبحث المسرحي وتكوين الشباب والطلبة والتلاميذ. كان الهاجس الثقافي والوعي السياسي يغلبان على الجانب الفني والفرجوي. تميزت في تلك الفترة تجارب مسرحية رائدة، مثل تجربة محمد تيمور وعبدالكريم برشيد ومولاي أحمد العراقي، وكذلك مجموعة من الفرق من قبيل "الشبيبة الحمراء” بمراكش بمشاركة المرحوم محمد شهرمان".
ويضيف “أغنت فرق كثيرة في كل أنحاء المغرب الرصيد المسرحي المغربي بأعمال رائدة. كما تميز مهرجان مسرح الهواة، الذي كانت تنظمه سنويا وتشرف عليه وزارة الثقافة والمجالس الإقليمية لمسرح الهواة. كل هذا كان يدخل ضمن دينامية ثقافية وسياسية همها الأساس الاشتغال على المجتمع وبناء المواطن الصالح من خلال الفنون التعبيرية”.
لكن هذه الطاقة غابت عن مسرح اليوم، كما يقول، رغم أن مسرح اليوم هو بالفعل أفضل بكثير من التجارب السابقة إن على مستوى التكوين أو الأسماء التي تغني الساحة، وثلة منها على اطلاع على التجارب العالمية وذات مستوى ثقافي مهم.
يتابع بن بوشتى "أرى أن تراجع الأداء المسرحي لا يرتبط بالأشخاص أو التجارب بقدر ما يرتبط بالجو أو بالإطار العام الذي يحكم الممارسة الثقافية ومنظومة العيش والاستهلاك وغيرها. فالمسرح المغربي تميز بالكثير من الأسماء التي ظلت راسخة في ذاكرتنا وفي رصيدنا، مثل الطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج وثريا جبران ومحمد تيمور ومحمد الكغاط وآخرين، هي أسماء وازنة جدا أعطت للمسرح المغربي الشيء الكثير. والآن توجد أسماء أخرى في المسرح الاحترافي، تعززت بأجيال من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي وهي تغني بدورها المسرح الوطني”.
غير أنه يشدد على أن المنظومة الآن في حاجة إلى المراجعة وإلى توفير بنية تحتية ثقافية وإلى تنظيم جديد لطريقة استعمالها وتسييرها وتدبيرها بطاقم فني وتقني وإداري قار، أي هي مراجعة شاملة لمنظومة الصناعة الثقافية بمساعدة عامل مهم ظل غائبا هو الجمهور.
هناك من يعزو سبب تراجع المسرح، والاهتمام به عموما، إلى ضعف البنيات التحتية والكتابة المسرحية، نسأل بن بوشتى إلى أي حد هذا المعطى صحيح؟ ليجيبنا بأن “الحديث عن الكتابة المسرحية هو مثل وضع العربة قبل الحصان، قبل الحديث عن الكتابة المسرحية يجب الحديث أولا عن هيكلة الميدان، أي كيف يجب أن يكون هذا الميدان؟ إذا لم تكن هناك صناعة ثقافية لن يكون هناك طلب، وبالتالي لن يكون هناك عرض".
ويرى أنه يجب الشروع في خلق منظومة للإنتاج، أي التوفر على منتجين ومسارح لها ميزانية قارة حتى يمكن الحديث عن الإبداع وعن المنتوج الأدبي والفني والكتابة المسرحية. لا يمكن الحديث عن أزمة النص في خضم عدم هيكلة الميدان، وغياب جمهور لا يتحمل مسؤوليته في الصناعة الثقافية.
وعن رؤاه حول كيفية دعم المسرح و تطويره، يقر بن بوشتى أن الجسد الثقافي بلغ الآن مستوى كبيرا من النضج في ما يتعلق بالموارد البشرية، يقصد التوفر على فنانين مؤهلين وتقنيين وجمهور واع، لكن هذا الجسد يسعى إلى التوفر على إطار خاص لتسييره، أي التوفر على منظومة للإنتاج والترويج، وهذا لن يتحقق إلا في حالة تم خلق مؤسسة للمجال، أي يجب أن يتم تأسيس مركز وطني للمسرح أو للثقافة، لكي يسير الميدان بشكل مستقل، وبالتالي تشجيع مسارح القرب التي يمكن أن تحتضن فرقا مستقلة من أجل تسييره، ومن أجل أن تخلق عن قرب علاقات وطيدة مع الجمهور والسكان.
شمال المغرب كان له السبق في الكثير من الأمور التي لها علاقة بالمسرح، وهو ما يؤكده بن بوشتى، مضيفا “بالفعل، شمال المغرب كان له السبق في الكثير من الأمور، كيف لا يمكن أن يكون له السبق في المسرح. المسرح كان دائما ضمن المنظومة المدنية لأي مدينة ومجال. وكل منطقة في المغرب ساهمت في تميز المسرح المغربي. والأمر الذي يهم هو ما إذا كان هذا المسرح يخدم المواطن المغربي أم لا؟ سواء في الشمال أو في أي منطقة بالمغرب، فهناك مطلب وحيد هو وضع مؤسسة لهذا المجال وهيكلته”.
هناك من يرى أن تطوير المسرح يحتاج إلى الاهتمام القاعدي، أي بالتعليم، ويوافق بن بوشتى على ذلك قائلا “فعلا، يجب أن تكون المنظومة التعليمية هي أول قناة تمرر هذا الخطاب وتعزز هذه الممارسة، المنظومة التربوية والتعليمية ورجال ونساء التعليم يشكلون الحلقة الأساسية التي بإمكانها تمرير الممارسة المسرحية عبر الأجيال، شريطة إرساء علاقات وطيدة بين المؤسسات الثقافية والمؤسسات التعليمية، وإدماج مواد المسرح والموسيقى وباقي الفنون ضمن المناهج الديداكتيكية، يجب أن تكون المواد الإبداعية والثقافية مواد رئيسية يمتحن فيها التلميذ".