تشهد الدراما الليبية للموسم الثالث على التوالي انتعاشة مهمة، جعلتها تحقق جوائز كبيرة ويحظى عدد من الأعمال بإشادة واسعة تشدد على ضرورة الاهتمام بالإنتاج والعمل على تقديم مسلسلات تواكب التطور الحاصل على مستوى الدراما العربية. وفي محاولة لتقييم الإنتاجات الدرامية ومدى جودتها وأهميتها، نظمت الجمعية الليبية للآداب والفنون، ندوة حوارية بعنوان «الدراما الليبية في شهر رمضان: السيرة العامرية نموذجا”، التي جاءت ضمن برنامج رمضان الثقافي بالقبة الفلكية.
واستضافت الندوة الكاتب والمخرج نزار الحراري، الذي سلط الضوء على تجربته في مسلسل «السيرة العامرية»، الذي صنف من بين أهم الإنتاجات الدرامية الحديثة في ليبيا. واستهل الحراري حديثه بالإشارة إلى أن دافعه الرئيسي لكتابة مسلسل “السيرة العامرية” كان البحث عن سيرة ليبية توظف خصوصيتها الثقافية والاجتماعية والثقافية تتناول الإنسان والزمان والمكان داخل الحيّز البيئي. وأضاف أردت دائما الانطلاق من السير العربية الأولى كـ”السيرة الهلالية” ورائعة “الحرافيش” للأديب المصري نجيب محفوظ، واستهوتني عملية السرد الزماني والمكاني لبيئة معينة شديدة الخصوصية.
وأوضح الحراري أن النص الأصلي للمسلسل نشر لأول مرة بصحيفة الحياة اللندنية عام 2014 تحت عنوان “حوليات السيفاو”، وترصد قصته باختصار واقع حياة محام ليبي ينحدر من إحدى قرى الجبل الغربي أو جبل نفوسة يقوم بإعادة سرد تاريخ عائلته، وكانت العائلة عبارة عن معادل موضوعي ورمزي لسيرة ليبيا عموما، ومن هذه الركيزة انطلقت كتابة “السيرة العامرية”.
من جانب آخر أبان المؤلف أن الدافع الرئيسي لنسج قرية خيالية كان في مضمونها الجوهري رسالة رمزية تدعو إلى وحدة ليبيا، البلد الذي يمتاز بخصوصية ثقافية وجغرافية. وتأتي القرية في العمل عبارة عن مزيج فهي ليست قرية عربية أو أمازيغية ولا يتحدث أهلها بطلاقة لهجة أهل جبل نفوسة أو لهجة أهل طرابلس بل كانت القرية الرمز.
وعلى مستوى اختيار الممثلين، قال الحراري إن المعيار الأساسي في عملية اختيار الفريق التمثيلي وعلى رأسهم شخصية “البشير بن عامر” هو مدى التطابق المورفولوجي للممثل مع الشخصية المستهدفة، وأجرينا عدة اختبارات ليقع الاستقرار النهائي على الممثل أحمد إبراهيم الذي تملّك هذه الشخصية بكل اقتدار. وأوضح المؤلف أن السيرة هي مروية تستند إلى قاعدة تاريخية فهي مبنية على جانب تاريخي لكن جميعها من وحي خيال الكاتب، ومن هنا “حاولنا توخي التدقيق في خصائص المرحلة من إكسسوارات وملابس وبعض الخلفيات التاريخية التي وردت في المسلسل، وحاولنا بقدر المستطاع أن تكون متفقة تاريخيا، فالقصة من خيال الكاتب تروي أحداثا درامية معينة والخلفية التاريخية لا بد أن تكون مدققة فلا أستطيع أن أضع هذه السيرة في إطار زمني وتاريخي غير مُراجع وغير مدقق”.
وحول سؤال لماذا صُوِّرت أحداث المسلسل خارج ليبيا أجاب الحراري “حاولنا تنفيذ العمل داخل ليبيا لكن واجهتنا الكثير من العراقيل، ونظرا لضخامة الإنتاج صعب علينا التصوير في ليبيا فقد استغرق التحضير للعمل قرابة العام تقريبا، كما حاولنا كذلك تنفيذ العمل في الأردن لكن لأسباب لوجستية لم نتمكن من ذلك ما جعل تونس هي الخيار الوحيد أمامنا”. وأشاد المؤلف بالدور الكبير الذي لعبه المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية في مراجعة وتدقيق تفاصيل النص لمدة 3 أشهر لاسيما ما يتعلق بالوقائع التاريخية، كما أكد الحراري بأن الممثل الليبي يتمتع بالكثير من القدرات والإمكانات فهو لا ينقصه شيء إلا توفر الفرصة المناسبة.
وتابع “المسرح الليبي أنجب العديد من الأسماء الممتازة، والشخوص الرئيسية للمسلسل أداها ممثلون ينتمون إلى المسرح سواء كان الممثل أحمد حسن أو الممثلة جميلة المبروك وبالتالي يظل المسرح هو ربّان العملية الإبداعية في صناعة الدراما”. من ناحية أخرى أوضح الحراري بأن “الإنتاج والتأليف يشكلان الشطر الأيمن من معادلة الدراما بينما يشكل النقد الشطر الأيسر، ولذلك أجدني أقبل النقد وأرحب بالآراء النقدية الموجهة بكل رحابة صدر، ومعظم الكتابات التي كتبت عن مسلسل ‘السيرة العامرية’ شاركتها على صفحتي الشخصية بموقع فيسبوك”.
يذكر أن مسلسل “السيرة العامرية” عرض في رمضان العام الماضي ولاقى إقبالا كبيرا بين المشاهدين الليبيين، وسرد التوثيق الدرامي للمسلسل سيرة روتها شخصية المحامي السيفاو بن عامر بشكل جذاب وجديد على الدراما الليبية، وهي قصة أسرته التي هاجرت من قريتهم الأم «قصر الخوابي» بداية الخمسينات إلى طرابلس، في رحلة صعبة مليئة بالإثارة والغموض الذي لم تتكشف ألغازه إلا في نهاية المسلسل ضمن أحداث وإسقاطات تمزج الماضي بالحاضر.