ولاء الصواف شاعر عراقيّ يستحضر في نصوصه الشخصيات التراثية التي تمثل مرجعا ثقافيا ودينيا، محليا ومشتركا مع الحضارات الأخرى، وآدم هنا هو الإنسان المعاصر بعذاباته التي سببها الآخرون له، وكأنه في هذه الطبعةِ قد عرف بالتحديد أن عليه أن يعيش مع أسرته من جديد بإرادته هو، وليس بإرادة الآخرين!!

آدم

ولاء الصوّاف

 

(آدم في طبعة جديدة مزيدة ومنقحة)

لذِكرى آدمَ وأسرتهِ الكريمَةِ:

 

فكرةٌ تراوِدُني أن أصْنَعَ من الطّينِ فِكرة ً

فتكونُ أنتَ .. كَما تَشْتهي أنتَ ..

صِلْصالُكَ بِلا خَلَلٍ .. وَلا وَجْهُكَ عاطِلٌ عن الجّمالِ ..

لا انحناءَ لجَسَدِكَ البلّوري

لا تبدأْ بقَضْمةِ تُفْاحةٍ ..

لا تَنْزلقْ بقِشرةِ موزٍ ..

ولا تنتهي بـ stop من المُخْرجِ العَظيمِ ..

لا أحشرُكَ مع الأرقامِ المُهْملةِ ..

لا أُمارِسُ اللامعنى مَعَكَ

لن أدثّركَ بالأَقاويلِ  ..

لا أدسُّ أنْفكَ في قِفا فِكْرةٍ بَليدَةٍ

ولا بشهوَةِ الحَديثِ عن اليقينِ

لَنْ تكونَ ساحةَ حَرْبٍ لأحَدٍ ..

ولا حديقةً خلفيّةً لإمبراطوريّةٍ ما ..

لَنْ تُقاتلَ بالنيابةِ عَنْ أحَدٍ ..

لا نائبَ للرَّبِّ يغرزُ أصابعَهُ في جَسَدِكَ

إذا تمثّلت بأبي العَلاء المعَريّ .. ابن الراوندي .. أبي حيّان التوحيديّ ..

لا مولىً يَدسُّ في جَيْبهِ البِلادَ ويَتْركُ لكَ نَسْألكُم الدُّعاءَ

لا جمهرةَ من صِحابٍ تُعلّقُ في أذنيكَ أَقراطَ حِكْمتَهم ..

تَسْكبُ في عَينيكَ الظلمةَ 

تعبئ في فَمِكَ العُتمةَ فَتسكرُ بالظَّلامِ.. 

تُوقدُ فيكَ المَوتَ كَي تَنطفئَ ..

ترميكَ بِسهامِ الأَذكارِ كَي تنامَ ..

تُهدهدكَ فتنامُ طَويلاً

لا كهنةَ تُغريكَ بالنَّبيذِ

وَلا بجَسدٍ استحالَ خُبزاً حينَ قامَ

فرقتُكَ الناجيةُ أنتَ ..

لِتكنْ جَمَراتُكَ السّبعُ حبّاتِ كَرَزٍ .. فَلا غِوايَةَ عليكَ

لنْ تكونَ هامِشاً عارياً لمتنٍ عَليهِ سَبعُ ثيابٍ طِباقٍ

لا وجهَ للخيبةِ لا سحرَ للدَهاءِ ولا أملَ للفَجيعَةِ 

لا رَقَبةَ ولا نارَ ولا مَسَدَ

لا فخَّ تُسقطُ قَدَمكَ ولا تَشتهيكَ النّبالُ

لن يكونَ فَرَحُكَ تحتَ ظِلِّ رُمْحِكَ

وَلا حزنُكَ لَعقٌ على ألسنةِ الرُّواةِ

لا تَتَناهبُ خَلاياك الرّيحُ ..

لا تَرْسِمُكَ وَجَعاً نَبيلاً

لَنْ تكونَ زَبَداً في بَحْرِ الغَيْبِ

لستَ الغَريبَ الذي تَنازَلَ عن سَريرهِ في الأعالي

وَلا الجسدُ المرمريُّ الذي تَنازعتهُ الحُقولُ

وتَفرقَ دَمَهُ في كُؤوسِ آلهةٍ

ناموا مُبتسمينَ على أطرافِ الحَريقِ

لن يخونَكَ التعبيرُ وأنتَ تحفرُ في  ألواحِكَ الأولى

سِفْرَ وجودِكَ ..

لا غزاةَ تُقاسِمُكَ الوسادَةَ

لا ثكنات تَنثرُ على  سَواتِرها عُمْرَكَ الهشَّ

لن تكونَ فَتى الحُروبِ الباسلُ .. بيدقٌ على رُقْعةِ الأبيضِ وَالأسودِ ..  تُساقُ وتدخلُ القوَّةَ والقِدْرَ .. دِفاعاً عن ربٍّ يَطْلقُ الرصاصَ في الهَواءِ كيْ يَصْطادَ غَيْمةً لمْ تَنبتْ أسنانُها اللبنيةُ بعْدُ ..

وَقْتَها لنْ يكونَ الوَطَنُ هو المسافَةُ الفاصِلَةُ بينَ السَّبابةِ والوُسْطى في كفِّ الشَّهيدِ

ولا حَياتُكَ رحلةُ رَصاصَةٍ من فوَّهَةِ الكاتِمِ إلى رأسِكَ الشُّجاعِ

لنْ تَحبسَ نَظَركَ عن مَرْأى اللّافِتاتِ السُّودِ في مَفارقِ الطُرِقِ وَعلى نَواصي الدروبِ وإشاراتِ المرُورِ ..

لا أسنانَ للمَوْتِ تَقْضُمك .. المَوتُ أدْرَدُ ..

لا أرصفةَ تُكذّبُ خطواتِكَ ..

أو تَسْترقُ السَّمعَ لجنونِكَ المُمتدِّ

من أقصى شَيْبتِكَ إلى جَوْرَبكَ المَثْقُوبِ

لن تخبئ في جيبكَ نصفَ الهَزيمَةِ

وتبتسم مُنتصراً لنِصفِ الرَّغيفِ

لَنْ تسيرَ في طَريقِ الجُلجُلةِ ونهرِ خَطاياكَ يَتْبعُكَ ..

لَنْ تَحْملَ خَشَبتكَ .. لَنْ تُرمى بحجارَةِ قَومِكَ ..

ولا يَدكَ البيضاءَ دَليلُكَ في سَوادِ العَشيرِ

لا حدواتِ خُيولٍ تَطأُ جَسَدَكَ المُثْقلَ بالعَطَشِ ..

ولا سهامَ تَنامُ في نَحْرِ هلالٍ فَتيٍّ يَحْرسُ بَيتكَ

لا تقطّبْ حَاجبيكَ فلا غُبارَ على وَجْهِ هلالِكَ الخَصيبِ

لا ضلعَ أعوجَ فيكَ فأنثاكَ حَرْبٌ باردةٌ

بنهدينِ ناهدينِ يفورُ طُوفانَهُما

كَزَمزَمٍ يملآنِ فراغاتِ قَلْبِكَ بنَشيدِ البَياضِ

شجرتُكَ عذراءُ لم يَمْسسْها فأسٌ مِنْ قَبلُ ..

حتى تكونَ أنتَ

فَتَحْبلُ بالضَّوءِ مِنْكَ

لِتنجبَ وَطَناً يشبهُكَ ولَهُ سُمرةٌ كأنتَ

لا صَيفَ يُلبسُكَ رِداءَ القَيْظِ ..

صَيْفُكَ وَهْمٌ ..

لا خَريفَ لكَ ينبعُ من فِتنةِ الوَقْتِ ..

خَريفُكَ لعبةٌ ..

ولا ربيعَ بأجسادٍ مُلْتهبةٍ يَنسلُّ من رَحِمِ شِتائِكَ ..

شتاؤكَ اشتِهاءٌ ..

يداعِبُ باصبَعهِ حلمةَ غَيمةٍ فَيسيحُ حَليبُها مَطَراً ..

بَلَل ٌ على ضَفيرَتيكَ ..

إلقِ الحجَّةَ على أصابِعِكَ المُشْتهاةِ لوَتَرِ العُودِ ..

ذِراعاكَ سُنْبلتانِ

انتفاضةُ وَتَرِ عُودِكَ ضِدَّ عازِفي الخَرابِ

الجوقُ المُوسيقيُّ في كَتائبِ التأريخِ المُسلَّحةِ

تِمْثالٌ نِصْفيٌّ للتاريخِ، لكَ أن تَرْكلَهُ ..

وَلنْ تلبسَ خَوفَ القيامَةِ

لحنجرتِكَ لمْعةُ الياقوتِ ..

لصوتِكَ قَرارٌ فأسمعني الجَّوابَ

بينَ فَمِكَ والناي قبلةٌ جاريةٌ..

تَرشُّ الأغاني في البلادِ المُسوَّرةِ بالكُنى والألقابِ

لا حيلةَ للصَّمَمِ أمامَ أغانيكَ

لَكَ الوُضوحُ .. دَهشةُ الحُضورِ .. عُيونُ المَها ..

وإليها تُشيرُ الأَصابِعُ

لا حسرةَ لرَعْشةٍ عَليكَ .. تَنْدلقُ اللذّاتُ مِنْ شَفَتيكَ ..

قُبَلاً مُبجَّلةً

تَقذفُكَ المسرّةُ بَعيداً .. ما وَراءَ السّحْرِ

اُنثرْ حبّاتِ البَياضِ ..

تَنْهيدةٌ تَسْلبُ مِنْ وَجهِ الماءِ نُعاسَهُ ..

وأنتَ تمارسُ رَقْصَتك الأُولى .. معَ النَّهرِ وأصابِعِ العَرُوسِ

لا أفولَ لكَ في حَضْرةِ القَوافي

لا سُنَنَ تَنشبُ أظفارَها في خاصِرةِ نَهارِكَ ..

 اِغلقْ بابَ الظُّلمةِ..

لا مَراثيَ تَستبيحُ وَجهَ صُبْحك..

أزحِ الظلالَ عن وجهكَ..

لا تَدعْ وَجهَ الخُرافةِ يَعتلي مَلامحَكَ

كُنْ الطفلَ الذي تَعرفُ اسمَهُ النَّوافذُ .. طِفلَ الأناشيدِ وابن الهُتافِ

عَتَبةُ دارِكَ لا تكبرُ أبداً وَلا تُفاجئُها رائِحةُ الفَقْدِ .. 

ولا تنوء جدرانُكَ بِحَمْلِ عِطْرِ مَنْ مَروا مِنْ بَنيكَ

أعرفُ أنكَ لن تكونَ المطلقَ الوحيدَ على حافةِ الغِيابِ

وأعرفُ أنَّ لُغَتي قَديمةٌ

أجهضَ الّليلُ فيها الأسبابَ ..

وكَلِماتي ضيّقةٌ على مِقياسِ الفَرَحِ

لن أبتكرَ لُغةً جَديدةً أجلدُكَ فيها

لا أثرَ لِسياط الكِناية والاستعارةِ والتَشبيهِ على ظَهرِكَ

لا طبعةَ أصابعٍ للبلاغَةِ على وَجْهكَ

أنصتُ لآياتِ صمتكَ بخشوعٍ وأبتسمُ

لن أقفَ بِما تيسّر لي مِنْ علاماتِ الاستفهامِ أمامَكَ

كُنْ منتصباً كَعَلامةِ تعجّبٍ  .. !

وَقْتها لَنْ تقولَ لي :

أيّها المُبتلُّ بالبَرد كأذني قطٍّ في يَومٍ مَطيرٍ

لكَ منّي وافرُ السخريّةِ عَزيزي

***  

بابل 25  كانون أول 2021