الإيطالي بولي يرقص على آلام اللبنانيين في معبد باخوس.
وسط الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، جاء افتتاح مهرجانات بعلبك الدولية هذا العام ليحيي آمال اللبنانيين بغد أفضل، مع حفل منح الراقص الإيطالي الشهير روبرتو بولي فرصة لا تتكرر ليستمتع ويمتع عشاق الباليه على مدرجات معبد باخوس الروماني.
تمايلت هياكل بعلبك ومعابدها بخفة أجساد تمايلت بها وأعطت لبنان فرصة الرقص على آلامه في افتتاح مهرجانات بعلبك الدولية مع راقص الباليه الإيطالي روبرتو بولي. وقدم بولي رقصاته على مدرجات معبد باخوس التي تحولت إلى لوحة فنية نادرة تعلوها الأجساد المتماهية مع إضاءة تخطف الأبصار. وتحرر بولي من قيود الجدران المغلقة كما يهوى ليراقص الهواء الطلق ويتفاعل معه الجمهور عند كل أداء وحركة ويبادله التصفيق الحار.
ويعدُّ بولي من أشهر راقصي الباليه في العالم ويُلقب بأنه نورييف الجديد نسبة إلى الراقص السوفييتي الشهير رودولف نورييف بحسب نائبة رئيسة المهرجانات جمانة دبانة. وصعد بولي إلى العالمية عندما قرر الخروج من الصالات المغلقة نحو الأماكن المفتوحة وعلى المدرجات الأثرية والثقافية. ووقّع نجم دار لا سكالا في ميلانو بإطلالته على أول أيام المهرجانات بحفلة تضمنت لوحات رقص باليه ورقص معاصر مع فريق دولي من الراقصين المحترفين. وبالأحمر والأسود وألوان تحاكي ليل بعلبك كان الراقصون يقدمون لوحات متناسقة على أنغام موسيقى كلاسيكية.
وساهمت الحكومة الإيطالية بترميم المكان داخل معبد باخوس والأعمدة الستة لمعبد جوبيتر المصنفة من قبل اليونسكو كموقع للتراث العالمي. وتم تنظيم هذا العرض الراقص بالشراكة مع السفارة الإيطالية في لبنان.
واعتبرت رئيسة المهرجان نايلة دو فريج أن الموسم هذا العام يعيد الأجواء الدولية إلى المهرجان، وقالت “عندما جاء بولي إلى بعلبك اندهش بالمكان والمعابد والهياكل الرومانية وقال لنا إنهم في إيطاليا ليس لديهم معابد حلوة مثل معابدنا بلبنان”. وأضافت دو فريج “نريد من خلال الحفلات المتنوعة أن نبرز صورة لبنان التنّوع، إنها أعجوبة أن نكون هنا ومع هذا الجمهور في ظل هذه الأزمات، وسوف نستمر بإقامتها تحديا لكل الظروف”.
وأشارت دو فريج إلى أن “هذه الأمسية فرصة لتكريم إيطاليا ممثلة بسفيرتها في لبنان نيكوليتا بومبارديري، امرأة ذات قلب وعقل”، مشيرة إلى أن “إيطاليا قامت بالتمويل وأشرفت على ترميم جزء كبير من موقع بعلبك الأثري داخل معبد باخوس وأعمدة معبد جوبيتر الستة، بالتعاون مع وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار ومجلس الإنماء والإعمار، وللاحتفال بهذا التجديد، مهرجانات بعلبك، بالشراكة مع السفارة الإيطالية، ودعت الراقص العالمي الكبير بولي الذي عرض مع ضيوفه 9 لوحات رقص على المسرح الأسطوري، حيث استحوذ رودولف نورييف ومارجوت فونتين على إعجاب الجمهور”.
وأكدت أن “مهرجان بعلبك أعطى مكانة مهمة للرقص، واستقبل الراقصين بالتناوب من رويال باليه، إلى بولشوي، موريس بيجارت، أوبرا باريس، ميرس كننغهام، ومصمم رقصات الباليه بوريس إيفمان. واليوم عرض بولي وأصدقائه”. وأوضحت أن “بولي أصبح في وقت مبكر جدا راقصا نجما في لا سكالا في ميلانو، وبعد ذلك تمت تسميته ‘الراقص الرئيسي’ في فرقة الباليه الأميركية، وهو شرف لم يُمنح أبدا لراقص إيطالي. ومنذ ذلك الحين رقص على أجمل المسارح في العالم، وحصل على أعلى الدرجات والجوائز الوطنية والدولية. ومع راقصين استثنائيين. وهذا المساء يقدم لنا لحظات مميزة هنا في هذه الأكروبوليس الذي بناه أسلافه الرومان، إلى جانب أجدادنا سكان سهل البقاع”.
وأضافت “في عام 2020 كان علينا أن نلتقي والأوركسترا الوطني ليل بفرنسا، لكن الأزمات الصحية والوضع الاقتصادي أوقفا هذا المشروع. وهذا العام دعمنا بسخاء، ونأمل أن نبدأ مرة أخرى المشاريع معا. وأرحب بحضور السناتور جويل جاريود مايلام”.
وختمت “نعم نحن نكافح من أجل استمرار هذا المهرجان، نحن نرفض الاستسلام للتشاؤم المحبط، نفضل الانطلاق في رسالة أمل، وتنوع عروضنا خلال هذا الموسم يعكس رغبتنا في الحفاظ على هويتنا الثقافية اللبنانية، موطن الثقافات المختلفة التي تتعايش والحوار مع بعضهما البعض. ويتمنى مهرجان بعلبك أن يكون المثال على هذا لبنان الذي نحبه كثيرا”.
تخللت الأمسية تسع لوحات “باليه” على أنغام روائع الموسيقى المختارة من مؤلفات كبار الموسيقيين أمثال استور بيازولا، لود فيج مينكوس، ويم مرتنز، سيزار بوجني، أزيو بوسو، كميل سان ساين، فرانك سيناترا، أليساندرو، ومجموعة فناني والك ساوند. أما الكوريغرافيا فهي لكل من: ماسيميليانو فولبيني، ماريوس بيتيبا، باتريك دي بانا، ميشيل فوكين، تويلا ثارب. وصمم الرقصات كلود برومانشوف، فيليب كراتز وماورو بغونزيتي.
وكانت بداية الحفل مع النجم الراقص بولي في اللوحة الأولى ألما بورتينا وشاركته في قسمها الثاني الراقصة آنا تسيغانكوفا، ورافقهما عازف الكمان أليساندرو كوارتا. وتواصلت مشهدية “الباليه” الساحر مع “دون كيشوت” والفنانين ليودميلا كونوفالوفا وبختيار أدامزان.
أما العرض الثالث فكان تحت عنوان “الجامح” مع الثنائي بولي وترافيس كلاوس نايت. وأدى لوحة “أزميرالدا” الفنانان يولاندا كوريا، وريكاردو كاستيلانوس. وقد تألق بولي منفردا بلوحة تحت عنوان “في عينيك السوداوين”. ونالت الراقصة ليود ميلا كونوفالوفا إعجاب وحماس الجمهور، بتجسيدها “البجعة” العصيَّة على الموت. وأدى رقصة “جِناح سيناترا” الثنائي بولي وآنا تسيغانكوفا.
بصمة ماسية
وتجلى الختام بإيداع من توقيع الراقص العالمي بولي، ورافقه عزفا على آلة “سولو كمان” الموسيقي أليساندرو كوارتا في لوحة “الكرة” التي تحاكي الكرة الأرضية التي حاورها بلغة جسده، وأنهى المشهدية برفعها عاليا فوق هامته، مع مؤثرات صوتية رائعة لمصمم الإضاءة فاليريو تيبيري.
الفنان بولي الذي حرص على اختيار أصدقائه الراقصين بعناية، وُسِمَت مشاركته في مهرجان بعلبك ببصمة ماسيّة في سجله الفني، لا تعادلها كل الجوائز التي حصدها على أكبر مسارح العالم، وسيبقى يحنّ إلى مشاركات أخرى على مدرجات بعلبك. وقال بشير خضر محافظ بعلبك الهرمل بعد حضوره الليلة الأولى إن حفل الراقص الإيطالي هو العرض الراقص الأول الذي يقام في المهرجان منذ عشر سنوات. وأضاف أن “العرض كان رائعا، الراقصون من مستوى عالمي، إضافة إلى جمال الموقع الذي جعل العرض أروع، والجمهور كان ملما بهذا النوع من الفنون، كان عارف شو جاي يحضر، وكتير كان متفاعل ومبسوط بالعرض”.
حفل متنوع
واعتبر خضر أن الحالة الاقتصادية الصعبة في لبنان حصلت على إجازة مؤقتة، وقال “هناك حاجة وعطش للفرح، وللانفصام ولو لمدة قصيرة عن واقعنا المرير، إضافة إلى الحاجة الملحة إلى هكذا نشاطات لما لها من انعكاس إيجابي على الدورة الاقتصادية في بعلبك حيث تنشط الحركة من فنادق، مطاعم، مقاهي، دليل سياحي، محلات تجارية، جميعهم بينطروا هالموسم ليشتغلوا”.
وأشار وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى في كلمته خلال افتتاح مهرجانات بعلبك إلى استمرارية المهرجانات في هذه القلعة التاريخية التي تشع بالحضارة “وهناك إصرار من وزارة الثقافة على إبقاء المهرجانات الدولية”. ومن المقرر أن يستمر المهرجان حتى 16 يوليو الجاري، وعرضت الأحد فرقة الكندي الصوفية السورية مع الشيخ حامد داود في ليلة تكريمية لمؤسسها جوليان جلال الدين فايس الذي رحل منذ ثماني سنوات وتابعت الفرقة السورية بقيادة ضابط الإيقاع عادل شمس الدين، وأُنجزت تشكيلة جديدة تقدمها الشيخ حامد داود منشد الترانيم الصوفية الدمشقية.
وفي السابع من يوليو الجاري تستضيف المهرجانات حفلا موسيقيا إسبانيا – لبنانيا بعنوان “الجذور في أيدينا من إسبانيا ولبنان”، بقيادة الفنان ناشو أريماني الذي صاغ عملا مبتكرا هو خليط من الموسيقى الشرقية والفلامنكو مع راقصة إسبانية والمغنية اللبنانية فابيان ضاهر، وجوقة جامعة القديس يوسف بقيادة ياسمينة صبّاح، والعمل يقدم بالشراكة مع السفارة الإسبانية. ويحيي الفنان اللبناني ملحم زين الملقب بـ”ريّس الغنية” اللبنانية حفلا في 14 يوليو. ويختتم المهرجان في 16 يوليو عندما تؤدي الفنانة الفرنسية إيماني عددا من أغنياتها ترافقها ثماني آلات تشيللو.