دنيا

عبد العزيز الهمّامي

 

هِيَ شَرَّدَتْنَا فِي غُمُوضِ مَسَائِهَا

وَبَدَتْ لَنَا الأَيَّـامُ تَحْتَ حِذَائِهَا

دُنْيَا تُـؤَرِّقُـنَـا وَ تَجْهَضُ حُـلْمَـنَا

وَنَظَلُّ نَشْـرَبُ مِنْ كُؤُوسِ عَـنَائِهَا

وَكَأَنَّ بَـابَ الذُّعْـرِ أَشْـرَعَ سَـيْـفَـهُ

مُـذْ فَـرَّتِ الأَسْـمَاءُ مِـنْ أَسْـمَائِها

وَأَخَـالُ دَمْـعَ الكَـوْنِ عِـنْـدَ نُـزُولِـهِ

يَجْرِي عَلَى الأَهْدَابِ مِنْ خَنْسَائِهَا

مَـرَّتْ عَـلَى فَمِـنَا رَمَــادُ قَـصِـيـدَةٍ

وَالمُفْـرَدَاتُ تَـضَرَّجَـتْ بِـدِمَـائِـهَـا

لَفَّ الضَّبَـابُ صِرَاطَـنَا يَـا صَاحِـبِي

وَنَأَتْ بِـنَـا الأَسْـفَـارُ فِـي بَـيْـدَائِهَـا

وَالأَرْضُ ذَاكِرَةُ الغِيَاب وَفِـي يَـدِي

طِـيـنُ الأَحِـبَّةِ مِــنْ تُـرَابِ سَـمَائِهَا

لَوْ لَمْ تَـكُنْ هَـذِي الجِـبَـالُ بَـعِـيـدَةً

كُـنَّـا اخْـتَـبَـأْنَـا عِـنْـدَ غَـارِ حِـرَائِـهَـا

كَيْ نَـسْـتَـرِيحَ مِـنَ المَتَاعِـبِ بُرْهَةً

وَنَـغِــيـبَ عَــنْ أَوْهَـامِهَا وَرِيَـائِهَـا

قَـلَبَـتْ لَنَا ظَـهْـرَ المِجَنِّ وَلَمْ تَـتُـبْ

حَتَّى اقْـتَرَفْنَا الذَّنْـبَ مِنْ أَخْطَائِهَا

نَقْـفُو شَفِـيـفَ الصُّـبْحِ فِي تِرْحَالِنَـا

مُنْذُ انْـفَـلَـتْـنَـا مِـنْ عُـيُـونِ شِـتَـائِهَا

حَـسْبِـي مِـنَ الأَيَّـامِ رُؤْيَــةُ شَـاعِـرٍ

يَـطْـوِي بِعَــيْـنَـيْـهَا فُـصُـولَ بُـكَـائِهَا

الضَّادُ يَـحْـمِـلُهَا الهَـوَى لِمَرَاكِـبِي

وَأَنَـا اللَّذِي أَبْحَـرْتُ مِـنْ مِـيـنَـائِـهَا

وَتَـوَضَّـأَتْ لُغَــتِي بِـنُـورِ سَـديـمِـهَـا

وَغَسَـلْتُ حَرْفِي مِنْ شَمِيمِ هَـوَائِهَا

مَـدَّ الخَـيَـالُ جَـنَـاحَـهُ لِعَوَاطِـفِـي

فَهَمَى حَرِيرُ الصُّبْحِ فِي أَجْـوَائهَـا

كَانَ الجَمَالُ الرَّطْـبُ فَاكِهَةَ المَـدَى

وَالأُمْـنـيَاتُ مَعِي بِفَـيْـضِ نَـمَـائِـهَـا

وَالشِّعْـرِ يَأْخُـذُنِي وَيُـغْـرِي نَـشْوَتِي

وَتَـشُدُّنِي الكَلِمَـاتُ عِـنْـدَ غِـنَـائِهَـا

نَهْري يَـرُشُّ عَلَى الضِّفَـافِ هَدِيـلَهُ

وَحَـدَائِـقِـي تَـحْـنُـو عَـلَى أَفْـيَائِـهَـا

عَلِّي أَضُمُّ هُـنَاكَ بَـعْـضَ طُفُولَتِي

وَأَطِيـرُ حُـرًّا فِـي انْـعِـتَاقِ صَفَـائِهَا

أَجْنِي المَعَانِي وَهْيَ تُمْطِرُعَـسْجَدًا

وَأَرَى المَجَازَ يَـسِيلُ مِـنْ أَنْوَائِهَا

وَعَلَى جِيَادِ الرِّيحِ أَحْجِزُ مَقْعَـدِي

وَأَطُوفُ كَالصُّوفِيِّ فِي جَوْزَائِهَا

تَـبْـدُو مَــسَـافَـاتُ الكِتَـابَـةِ رِحْلَـةً

مَخْـضُـوبَـةً بِالشَّـوْقِ فِـي أَرْجَائِهَا

بَيْنِي وَبَيْنَ رُؤَى الحَـقِـيقَـةِ بَـرْزَخٌ

وَأَنَا المُسَـافِـرُ نَحْوَ بُـرْجِ ضِـيَائِهَا

تِـلْـكَ الـمَـجــرَّاتُ الّـتي نَـادَمْـتُـهَـا

وَرَكَضْـتُ كَالأَطْفَـالِ فِي أَنْحَـائِهَا

هِيَ لَمْ تَزَلْ عِـنْدِي نَوَافِـذُ دَهْـشَةٍ

فِي حَـضْرَةِ العُـشَّاقِ مِنْ شُعَـرَائِهَا

لاَ شَيْءَ يَرْوِي الأَرْضَ غَـيْرَ قَـصِيدَةٍ

مَـاءُ المَـحَـبَّـةِ بَـاتَ سِـرّ شِـفَـائِـهَـا