يرقد حسب الشيخ جعفر في وادي السلام بعد مسيرة طويلة من العطاء الإبداعي، الشاعر العراقي الذي ولد في مدينة العمارة تدرب على محبة الأدب في موسكو بمعهد غوركي للآداب وشكل ديوان نخلة الله نهاية الستينيات من القرن الماضي إطلالته الأولى على الشعر العراقي والعربي، وقد سبق للناقد المغربي الراحل بنعيسى بوحمالة أن خصص له كتابا نقديا قيما "أيتام سومر" بحثا عن شعرية حسب الشيخ جعفر، أحد رواد الشعر والأدب العراقي الحديث.

جذور الريح

حسب الشيخ جعفر

 

يا فتى، بالله خبّر كيف جاء

طائر الموت إلى عينيك مثقوب الجبين؟

وانطوى والتف كالخيط على الجذر المضاء

جلدك المحروق في جمر الحنين؟

زرتنا يوما وفي عينيك شمس ونجوم

وعلى الكف ندى يحمل أمواج الكروم..

برهة خجلى، وأصدت في الزقاق الخطوات

وهوت كالصخر، فوق الباب، أيدي الغرباء..

يا فتى مرٌّ طعام الذكريات

غير أن الريح هزت قمر الشباك في ليل الشتاء

يا فتى، بالله خبر كيف جاء

طائر الموت إلى عينيك مثقوب الرداء؟

(أشم شواء لحمي في عيونك، أستلذ النار تأكلني وتتركني رماداً في مهب الريح تعصف بي، وتنثرني.
فيا وطني

ترابك تاج رأسي، قرة العينين، ثوبي الرث أو كفني
فلا تهنِ..)
عائد أنت إلينا حينما يهمي السحر
مطراً من برتقالِ،
حينما يطفو القمر
مثل طيارة طفلٍ فوق أمواج التلالِ.
لا تبالِ
أحرقت عيناك لحمي، لا تبالِ
يا زمان البرتقالِ
مثلما يحمل، في عتمته، الجذر النهار
مثلما يحمل، في رحلته، النسغ الثمار
عائد أنت إلينا يا زمان البرتقالِ.
(وتلسعني
عيونك مثل حد السيف
فأهتف: خبزي المسموم وجهكِ، عشبة مهزولة في الصيف
فخلي الريح تعصف بي وتحمني
رعوداً أو بروقاً، ولتشب النار في سفني.)
عائد أنت إلينا
نخلة فرعاء تمتد علينا،
راية نجدية ملء يدينا.
عائد أنت إلينا
حيدراً أو عقبة
تمطي الريح خيولاً متربة،
قبضة تنزع، يوماً، خيبرا
تمتطي الريح إلى حطين مهراً أشقرا.
(قرأنا وجهك المهجور في الحفرِ
قرأنا وجهك المخفور في صخر الفؤاد الجائع العاري
وأمسكت الأصابع والشفاه بجرفك الهاري،
وأرعدت الذرى في القاع، وانحدر الهشيم بكل منحدرِ
وبين توهج النيران تفتح طرفها زهره

فأهتف: زهرتي..

وتلف وجهي غيمة ثره.)

يا فتى، بالله، خبّر كيف جاء

طائر الموت إلى عينيك مثقوب الجبينِ؟

سقطت طيارة من ورق أخضرَ في خندق طينِ،

سقط النارنج،

والجلد الذي أحرقه جمر الحنينِ

أبداً يلتف كالخيط على الجذر المضاء.