كشفت دراسة حديثة لعظام عدد من الهياكل العظمية البشرية وعظام حيوانات في عدد من المواقع الأثرية في مملكة البحرين عن معلومات جديدة حول حركة الأفراد تاريخياً من وإلى المملكة. وتؤكد الدراسة أن تجارة الحيوانات كانت نشاطاً هاماً في البحرين منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث، حيث أشارت الاكتشافات إلى أن أهل الجزيرة استوردوا الماشية على مدار 4000 عام، كما أظهرت الدراسة سبل إدارة المجتمع لهذه التجارة ودورها في الحياة اليومية للسكان القدامى.
بداية هذا المسار البحثي العلمي كانت على يد البروفيسورة النيوزيلندية جوديث ليتلتون من جامعة أوكلاند، حيث درست الهياكل العظيمة في البحرين منذ عام 1986م. وكانت تركز في أبحاثها في البداية على استنباط التغييرات الغذائية لدى السكان القدامى من خلال تحليلأمراض الأسنان لديهم، بالرغم من أن تحليل البقايا العظمية كان يمثل تحديا بسبب البيئة الحارة والرطبة في البحرين.
إلا أن الدراسة الأحدث التي تم إنجازها بالتعاون مع هيئة البحرين للثقافة والآثار، قامت باستكمالها طالبة الدكتوراه كيتلين سميث، وهي طالبة لدى البروفيسورة جوديث ليلتون، واستخدمت فيها النظائر المستقرة على عظام وأسنان البشر، لتكشف في بحثها معلومات حول مصادر المياه لدى السكان القدامى في البحرين ونظامهم الغذائي وتأثير العوامل الجيولوجية عليهم من خلال البصمات الكيميائية الموجودة في الأنسجة في العظام والأسنان.
وأظهر واحد من أبرز التحاليل على العظام، وهو تحليل السترونتيوم، أن الكثير من الأفراد، بما في ذلك الأطفال، قد انتقلوا إلى البحرين من أماكن أخرى خارجية خلال الفترة منذ العصور القديمة في دلمون وحتى الفترة الإسلامية، وهو ما يعكس التاريخ التجاري الطويل للجزيرة.
وخلال هذا التحليل، تم استخدام أسنان من هياكل عظمية لأطفال، حيث كشفت النتائج معلومات هامة عن الرحلات المعقدة التي خاضها هؤلاء الأطفال بعيداً عن البحرين ما بين القرنين ال12 و16. وغالباً ما كان هؤلاء الأطفال يرافقون عائلاتهم في الرحلات التجارية. كذلك كشفت التحاليل التي أُجريت ضمن هذه الدراسة الحديثة عن حركة الحيوانات إلى البحرين، وكان من المثير للاهتمام أن نصف عينات عظام الماشية التي تمت دراستها من معبد باربار، أظهرت أنها لحيوانات قد تم جلبها من خارج الجزيرة، وهو ما يوفر دليلاً دامغاً على ازدهار تجارة الماشية الحية خلال فترة دلمون المبكرة.
وتضمنت الدراسة أيضاً إجراء تحليل نظائر الكربون والنيتروجين، حيث كشفت هذه التحاليل أن الممارسات الزراعية البحرينية تمتد إلى أكثر من 4000 عام. فالدراسات السابقة على تسوّس الأسنان أكدت أهمية زراعة نخيل التمر في البحرين، أما في هذه الدراسة الحديثة فبيّنت أن ثمار أشجار نخيل التمر كانت تستخدم أيضاً لإطعام الحيوانات. ومما أثار دهشة القائمين على الدراسة أن النظام الغذائي لبعض الأغنام كان يتضمن الأسماك التي استخدمت كعلف وسماد، كما أن تحليل عظام الكثير من القطط والكلاب حول قلعة البحرين أظهر أنها كانت تتغذى على الكائنات البحرية بشكل أكبر مقارنة بالبشر.
ولم تقتصر الدراسة على الحيوانات الكبيرة، بل تضمنت تحليل عظام الدجاج الذي يبدو أنه لم يمكن يتجول في الأرجاء، بل كان يتم احتجاز هو إطعامه من بقايا طعام العائلات، وهذه معلومات تفصيلية نادرة توضح أسلوب حياة السكان القدامى لمملكة البحرين.
والجدير بالذكر بأن نتائج هذه الدراسة تفتح الباب لمزيد من الفحص للرفات البشرية والحيوانية في متحف البحرين الوطني، حيث تخطط كلمن الدكتورة ليتلتون والدكتورة سميث لاستكشاف العلاقة بين البيئة الفريدة والتجارة والمرض في البحرين من خلال التحقيق في تاريخ الملاريا في الجزيرة، وذلك من أجل فهم كيفية تغير أنماط الأمراض في الماضي وما توفره من نظرة ثاقبة للعالم سريع التغير الذي نعيش فيه اليوم.