قصيدتان للشاعر التونسي الذي توج مؤخرا بجائزة البابطين لأفضل ديوان شعر عربي، حيث يترك قافيته على الماء والثانية يسرج بها أجنحة أحلام التيه ومعها نستعيد صوتا شعريا تونسيا ظل يراوح بين الكتابة الصحفية والشعر، سواء من خلال إدارته التحريرية أو من خلال دواوينه الصادرة، وهو ما جعله أحد الأصوات الشعرية المهمة في المشهد الشعري التونسي الحديث.

قصيدتان

عبد العزيز الهمّامي

 

قافية الماء

مَا بَيْنَ الفَيْنَةِ وَ الفَيْنَةْ

سَتَرَى مِنْ شُبَّاكِ الوَقْتِ

سَمَاوَاتِي

وَسَتَعْرِفُ مَا بَيْنِي

فِي الحُبِّ وَبَيْنَهْ

مَا بَيْنَ الفَيْنَةِ وَالفَيْنَةْ

طَيْفٌ مِنْ رِيشِ النّجْمَةِ

حَطَّ عَلَى شَجَرِ المَعْنَى

وَدَنَا مِنْ قَافِيَةِ الحُلْمِ

وَأَغْمَضَ جَفْنَهْ

مَنَحَتْهُ الغَيْمَةُ أَجْنِحَةً

وَأَتَتْهُ الرِّيحُ تُمَشِّطُ غُصْنَهْ

وَخُطَايَ بِهَذَا الدَّرْبِ النَّاعِسِ

لَمْ تَقْرَعْ بَابَ الصُّبْحِ

وَلَمِ تَبْلُغْ كَوْنَهْ

مَازِلْتُ بِبَالِ التِّيه نَدًى

أَصْطَادُ مَجَازَ الفَـلَوَاتِ

وَأَطْوِي مِعْـرَاجَ الحَرْفِ

لِأَدْخُلَ حِصْنَه

مَا بَيْنَ الفَيْنَةِ وَالفَيْنَةْ

أَتَخَيَّلُ أَنَّ الغَزَلَ العُذْرِيَّ

يَعُودُ اِلَى الدُّنْيَا

مَفْتُونًا بِجَمِيلٍ وَبُثَيْنَةْ

أَوْ يَظْهَرُ يُوسُفُ يَوْمًا

مُلْتَحِفًا بِالنُّورِ

فَنُدْرِكُ حُسْنَهْ

وَنِسَاءُ القَصْرِ لِمَطْـلَعِهِ

قَطَّعْـنَ جَمِيعًا أَيْدِيَهُنَ

مِنَ الدَّهْشَةِ حِينَ رَأَيْنَهْ

وَأَنَا مَا بَيْنَ الفَيْنَةِ وَالفَيْنَةْ

وَحْدِي أَكْتَظُّ بِأَسْئِلَتِي

وَأَقُضُّ مَضَاجِعَ ذَاكِرَتِي

وَأُعِيدُ اِلَى البَيْدَاءِ بَكَارَتَهَا

وَاِلَى الطَّائِرِ لَحْنَهْ

فَهُنَالِكَ مُتَّسَعٌ

لِأُرَتِّبَ مَوْسِمَ أَمْطَارِي

كَفِّي يَتَحَوَّلُ مِسْرَجَةً

وَيَدِي نَحْوَ الأُفْقِ

تَصُدُّ اللَّيْلَ وَتَـحْجُبُ لَوْنَهْ

وَكَأَنَّ الشَّارِعَ مِئْذَنَةٌ

وَعَلَى الأَحْجَارِ فَرَاشَاتٌ

وَفِرَاخُ حَمَامْ

الأَرْضُ تُشَكِّلُ بَاقَتَهَا

وَالوَرْدَةُ مُمْتَنَّةْ

مَا بَيْنَ الفَيْنَةِ وَ الفَيْنَةْ

نَجْتَازُ خِفَافًا لَيْلَتَنَا الأُولَى

وَخَيَالُ المَوْجِ عَلَى سَفَرٍ

يَتَشَهَّى أَنْ نَرْكَبَ مَتْنَهْ

وَبَدَا هَذاَ الظَّمَأُ الصُّوفِيُّ

يَطِيرُ الَى الأَعْلَى

كَيْ يَأْخُذَ مِنْ مَاءِ الكَوْثَرِ حَفْنَةْ

وَأَنا مَا بَيْنَ الفَيْنَةِ وَالفَيْنَةْ

أَحْتَاجُ غِوَايَةَ شِعْـرٍ

يَقْطِفُ تُفَّاحَ الكَلِمَاتِ

وَيَرْوِي ظَمَاِي مِنْ أَنْهَارِالجَنَّةْ

وَتُطَوِّفُ بِي الأَيَّـامُ

أَرَى مُدُنًا نَقَشَتْهَا الأَسْمَاءُ

وَأَبْقَى مُنْفَلِتًا مِنِّي

أَخْتَلِسُ الأَضْوَاءَ

وَأَفْتَحُ لِلْبَلَدِ النَّائِمِ عَيْنَهْ

وَطَرِيقِي أَصْبَحَ لِي وَطَنًا

أَتَقَاسَمُ وِحْشَتَهُ

وَأُطَارِدُ حُزْنَهْ

 

 

أحلام التّيه

كَيْفَ اخْتَفَى الشِّعْرُ مِنْ مَائِي وَمِنْ طِينِي ؟

وَكَـانَ بِالأَمْـسِ ضَـوْءًا فِي شَـرَاَيِـيـنِي

نَهْـرٌ مِـنَ العِـشْقِ لَـمْ تَـنْـضَـبْ مَـوَارِدُهُ

حَـنَّـتْ لَـهُ شَـفَـتِي مُـذْ كَـانَ يَـسْـقِـيـنِي

وَتَـشْـرَئِــبُّ الأَمَــانِي حِـيــنَ أَذْكُــرُهُ

لَعَــلَّـهُ فِـي جَــنَـاحِ الـرِّيــحِ يَـأْتِـيــنِــي

مَضَـيْـتُ أَبْـحَــثُ عَـنْ ظِـلِّـي بِضِـفَّـتِـهِ

وَصِرْتُ أَطْـوِي البَـرَارِي وَهْيَ تَطْـوِيـنِي

فِـي حَضْـرَةِ الـبَـرْقِ أَسْتَجْلِي مَـفَـاتِـنَهُ

لَكِـنَّـهُ عَـنْ عُـيُـونِ الـنَّـاسِ يُـخْـفِـيـنِي

فَـهْـوَ الّـَذِي بِصَقِـيـلِ السَّـيْـفِ يَـقْـتُـلُـنِي

وَهْـوَ الَّـذِي بِدُمُـوعِ النّــوْءِ يُـحْـيِـيـنِـي

يَـرُوقُ لِـي بَـوْحُـهُ فِــي ظِــلِّ قَــافِــيَــةٍ

وَقَـدْ يُـشَـرِّدُنِـي المَـعْــنَى وَ يُـدْنِـيـنِـي

وَلِي خَـيَـــالٌ إذا شَـــدَّ الرِّحَــالَ مَـعِـي

نَـرَى الـطَّـرِيـقَ يُـغَـنِّي لِلـرَّيَـــاحِـيـنِ

غُـصْـنٌ مِـنَ الغَـيْـبِ مُكْـتَـظٌّ بِـدَهْـشَـتِـهِ

يَـمِـيــلُ لِلْعَــزْفِ مِـنْ حِـيـنٍ إلى حِـيـنِ

ذَاكَ الهَـوَى شَـاقَـنِي مِـنْ أَمْـسِـهِ طَـرَبٌ

حَتَّـى وَاِنْ كَـانَ هَــمُّ اللَّـيْــلِ يُـضْـنِـيـنِـي

كَـأَنَّ " وَلاَّدَةٌ " فِـي أَرْضِ أَنْـدَلُـسٍ

أَسْـرَى بِهَا الحُـلْـمُ شَوْقًـا لِابْـنِ زَيْـدُونِ

الشِّـعْـــرُ يَـأْخُـذُنِـي لِلْـحُــبِّ كَـوْثَــرُهُ

كَـيْ أَسْـتَـرِدَّ بِـهِ خَـضْـــرَ الـبَـسَــاتِـيـنِ

وَحَيْـثُـمَا اتّـشَـحَـتْ بِالـغَــيْــمِ أَحْــرُفُــهُ

تَهْـمِي عَـلَى فَـمِـنَـا أَمْـطَــارُ تِـشْــرِيـنِ

هَــلْ كَـانَ مُخْـتَـبِـأً فِـي حُـضْـنِ جَـنَّـتِـهِ؟

أَمْ أَنَّـهُ ضَـاعَ فِـي وَهْــمِ الشَّـيَــاطِـيـنِ

وَطَـالَ بِي الشَّـوْقُ بَحْـثًـا عَـنْ مَـلاَمِـحِـهِ

حَـتَّى سَـمِـعْــتُ لَـهُ صَـوْتًا يُـنَــادِيـنِـي

أَنَا القَـصِـيـدُ بِـلاَ مَـأْوَى وَ ذِي لَـغَــتِـي

فِـي التّـِيـهِ هَـامَـتْ بِـأَحْــلاَمِ المجَـانِـيـنِ

فَاِنْ خَـرَقْــتُ جِـبَــالاً لَسْـتُ أَعْـرِفُهَـا

أَلْغَـيْـتُ فِـي سَـفَــرِي كُــلَّ الـقَـوَانِـيـنِ