يمثل مهرجان الامارات لمسرح الطفل فضاء مناسبا لتقديم أهم العروض المسرحية الموجهة للطفل، في هذا التقرير الذي يستقصي تجربتين مسرحيتين الأولى لفرقة مسرح دبي الأهلي، بعنوان "الكناغر" والثانية الشبح الظريف من إنتاج فرقة مسرح الشارقة الوطني في تجربة جديدة ضمن مسرح الطفل تحاول تمرير رسائل لقيم التعايش والسلام والمحبة في قالب مسرحي وجمالي، ومعها نتعرف على رؤيتهما الإخراجية والدراماتورجية.

«الكناغر» و«الشبح الظريف» عرضان إماراتيان يعلمان الأطفال قيم التعايش

 

عرض مسرحي يؤكد على أهمية التعاون بين أفراد المنطقة الواحدة من أجل العيش بسلام.

الشارقة - قدمت فرقة مسرح دبي الأهلي، ضمن عروض مهرجان الإمارات لمسرح الطفل في دورته السابعة عشرة، مساء الخميس عرضا مسرحيا بعنوان “الكناغر” من تأليف وإخراج الفنان سالم التميمي، في ثانية تجاربه المسرحية الإخراجية ضمن مسرح الطفل وفي هذا المهرجان.

حكاية العرض بدأت بمجموعة من الصيادين المتوجهين بسيارتهم إلى الغابة، من أجل اصطياد الكناغر بغية الحصول على المال الوفير، تلك الكناغر التي كانت تعيش بمحبة وسلام ووئام قبل أن تدب الخلافات بينها، والتي سببها الأهم الحسد والغيرة التي انتشرت بينها، الأمر الذي سهّل على الصيادين مهمتهم في الصيد، باعتبار أن الخلافات بين أفراد المجموعة الواحدة تؤدي إلى التباعد، ويصبحون لقمة سائغة لمن أراد بهم الشر.

وبالفعل هذا ما حدث، حينما دبت الخلافات التي مردها الغيرة، فيترك الكنغر القوي الغابة، ويهب للعيش وحيدا، ظانا أن الكناغر لا تحبه ولا تفضل بقاءه بينها، فتقرر الكنغر “بيبي” الصغيرة اللحاق به والبحث عنه، لتضيع في دروب الغابة ولا تجد الكنغر ولا تعرف طريق العودة إلى أهلها، وهنا يستغل الصيادون هذه الفرصة التي جاءتهم على طبق من ذهب، إذ يعثرون على الكنغر الصغيرة “بيبي” والكنغر القوي، ويقعان في شراكهم التي نصبوها لهما، حتى يتمكن بعدها الكنغر القوي من الإفلات من قبضة الصيادين، وتبقى بيبي حبيسة.

هذه الحوادث التي حصلت في الغابة، جعلت من الكناغر تعود إلى رشدها وتنبذ خلافاتها، وتتوحد من أجل التصدي للصيادين ودحرهم وإعادة “بيبي” إلى أحضان أمها،  فتضع خطة محكمة للإيقاع بالصيادين، حتى إذا ما ظن الصيادون أنهم أمسكوا بالكناغر، انقضت عليهم الكناغر بصورة خاطفة، ونجحت في إنقاذ “بيبحينما عادت فريقا واحدا متحابة ومتوحدة، طاردة الصيادين من الغابة ليرجع الهدوء والسكينة، وتعيش فيها بمحبة وتعاون وسلام.

ويحتوي العرض على العديد من الرسائل الأخلاقية المهمة للأطفال، منها أهمية التعاون بين أفراد المنطقة الواحدة، من أجل العيش بسلام، وكذلك التأكيد على المحبة والائتلاف بين الأفراد، من أجل أن يظلوا أقوياء ومتحدين. كذلك شدد العرض على أهمية العمل ونبذ الكسل، من أجل مجتمعات فاعلة ومتطورة، كما أراد إيصال فكرة مهمة للأطفال، تفيد بعدم القيام بأي فعل أو تصرف دون أخذ مشورة وإذن الوالدين، كي لا يقعوا في ما لا تحمد عقباه.

وقد نجحت السينوغرافيا في خلق بيئة مقاربة لبيئة الكناغر، من خلال قطع الديكور الصغيرة، ومساقط الإضاءة وألوانها، اللتين كان لهما حضور بارز في هذا العرض، الذي سعى مؤلفه ومخرجه إلى تقديم رؤى فكرية وإخراجية تؤسس لعرض مسرحي جيد، اجتهد الممثلون فيه في أداء أدوارهم، واللعب على تبدلات وتحولات الشخصية، كما حاولت الموسيقى والرقصات الاستعراضية أن تكون جزءا فاعلا ومتمما للحدث.

ويذكر أن العمل من تمثيل الفنانين عبدالله المهيري وعبدالله صنقور وعبدالله عقيل ودنيا يوسف وليان المحلاوي ونساء المازمي عبدالله دلفش وسارة المازمي وخالد حسين وسعيد ربيع وعمران النوبي وأحمد علي وخولة عبدالسلام وياسين الدليمي.

 ولا تبتعد مسرحية “الشبح الظريف” للمخرج حمد عبدالرزاق عن مسرحية الكناغر” في رسائلها التوعوية للأطفال، إذ تحكي المسرحية التي قدمت في الليلة الرابعة من ليالي مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، في دورته الحالية، قصة شبح كان يسكن في بيته بهدوء وسكينة منذ مئات السنين، وفي منطقة بعيدة ونائية، حتى تصل عائلة مكونة من الأم وابنها وابنتها الصغيرين، كانت قد استأجرت البيت لقضاء الإجازة فيه، ورغم تحذيرات صاحب البيت من أن بيته يحوي شبحا، إلا أن الأم أصرت على المكوث فيه غير معترفة بوجود الأشباح في هذا العالم.

 وبعد علامات كثيرة تظهر لأفراد العائلة، ومنذ أول يوم لهم في البيت، تثبت جميعها أنه بالفعل هنالك شبح، ويبدأ الشبح بتفعيل حيله وخدعه من أجل تخويف العائلة وطردها من البيت، باعتبار أنه بيته الذي لم يبعه ولم يؤجره لأحد ولا يفضل استقبال ضيوف فيه، كما جاء ذلك على لسانه في المسرحية.

تفشل كل محاولات الشبح في إخافة أفراد العائلة، الذين يختلفون عن الآخرين بالثقة والعلم والمعرفة، فلا يخشون الشبح ولا يخافون منه، ويبدأون بافتعال المقالب معه، حتى أنه يضيق ذرعا بهم ويقرر الاستعانة بأبناء عمومته من الأشباح لإيجاد طريقة لإخراج هذه العائلة من بيته، وتفشل جميع الخطط التي اقترحوها عليه، حتى أنه في نهاية الأمر يقرر ترك بيته ومغادرته إلى الأبد.

ويقدم العرض العديد من الرسائل والقيم المهمة في طروحاته التي تبناها، أهمها التأكيد على احترام الآخر وفكره وتوجهاته حتى لو اختلفنا معه في وجهات النظر، باعتبار أن التعايش أمر لا مفر منه، لنحيا في عالم بإمكان الجميع أن يعيش فيه بوئام وسلام. كما شدد العرض على أهمية التعامل بتقدير واحترام مع من حولنا، وخصوصا كبار السن، والتأكيد على ثقافة الاعتذار والعمل بها في حال تطلب فعل ذلك.

وتميز هذا العرض بالحضور الطاغي للممثل، وبالرشاقة في الأداء التي رافقت حركة جميع الممثلين وكذلك اللغة العربية الفصحى السليمة التي جرت على ألسنتهم، حيث تمكن المخرج من قيادة فريقه، عبر حلول ومعالجات جمعت بين جمالية الحركة والتوظيفات الفكرية للنص، من خلال مشهدية سهلت حركة الممثلين ومنحتهم مساحات رحبة، وإضاءة لم تغفل التكنولوجيا الحديثة وتنويعاتها في بناء المشهد، كما أنها توفقت في أن تأتي كجزء من بنية العرض. كذلك نجحت الموسيقى في أن تكون عنصرا دافعا للحدث نحو الأمام. كما أن الديكور، بقطعه التي تحرك بعضها بأمر الشبح، ساهم في خلق دلالات خدمت فكرة العرض وعملت على إيصال خطابه إلى الجمهور.

ويذكر أن مسرحية “الشبح الظريف” من إنتاج فرقة مسرح الشارقة الوطني، وللكاتب أحمد الماجد، ومن تمثيل عبدالله مسعود ورائد دالاتي وسارة السعدي وحميد عبدالله وحميد محمد وبدرية العلي ومنصور الزعابي ورنيم، بالإضافة إلى الراقصين حسن مسلم ولوكاس جونيد وهولي أوستن وإيمان الحاجي.